2019، لم يشارك الرئيس قيس سعيد إلا في عدد قليل من المؤتمرات والفعاليات والمنتديات الإقليمية والقارية والعالمية، حيث اختار نهج الكراسي الفارغة ما همش الدبلوماسية التونسية.
غياب قيس سعيد لم يكن خارجيًا فقط، فقد غاب داخليًا أيضًا، بعد أن خير الغياب عن المناسبات الوطنية التي يحتفل بها التونسيون كل سنة رغم الأزمات التي تمر بها بلادهم. غياب تكرر في أكثر من المناسبة ما يؤكد أن الأمر ليس سهوًا وإنما تم عن قصد وفيه رسائل عدة.
تجاهل الأعياد الوطنية
مر يوم 20 من مارس/آذار، مرور الكرام على التونسيين، فقد اختار الرئيس سعيد تجاهل الاحتفال بذكرى عيد الاستقلال (العيد الوطني)، إذ لم يشارك الرئيس بمراسم إحياء هذه المناسبة التي تحظى باهتمام في تونس، كما لم يصدر عن الرئاسة “بلاغ تهنئة” للتونسيين، ولم يلق سعيد أي خطاب في الغرض، خلافًا لما دأب عليه قصر قرطاج.
في مقابل ذلك، هنأ كل من رئيس الحكومة هشام المشيشي ورئيس البرلمان راشد الغنوشي التونسيين بمناسبة الاحتفال بالذكرى 65 لعيد الاستقلال، ودعا إلى المصالحة وتعزيز الوحدة الوطنية دعمًا لاستقلال تونس في وقت تعيش فيه البلاد أزمة سياسية متواصلة منذ أشهر.
الاحتفال الرسمي بالأعياد الوطنية للدولة، هو عرف جاري به العمل في تونس منذ الاستقلال
هذه ليست المرة الأولى التي يتجاهل فيها قيس سعيد الأعياد الوطنية، ففي 14 من شهر يناير/كانون الثاني الماضي، لم يحتفل بعيد الثورة ولم يعره أي اهتمام دون توضيح سبب ذلك، رغم أنه عيد وطني ويوم عطلة، كما أنه لم يحتفل بعيد الاستقلال في السنة الماضية ولا بعيد الجمهورية في 25 من يوليو/تموز 2020.
ومعلوم في تونس، أن الاحتفال الرسمي بالأعياد الوطنية للدولة، هو عرف جاري به العمل، وأحد المراسم المتبعة منذ استقلال البلاد من المستعمر الفرنسي في 20 من مارس/آذار 1956، ففي ذلك إحياء لقيم الوطنية والاستقلال والجمهورية لدى المواطنين، لكن للرئيس سعيد رأيًا آخر فيما يبدو.
ثنائية جدلية بين الأداء الشخصي والمؤسساتي
بعد عام ونصف من ممارسة قيس سعيد للسلطة السيادية العليا في البلاد، يرى المختص في إستراتيجيات الإعلام والاتصال رضا الكزدغلي، أننا في حاجة إلى توضيح الصورة التي تم التوصل إليها في علاقة بعمل سعيد مع مؤسسات الدولة وأعيادها الوطنية.
ووفق متابعته لنشاط الرئيس، توصل رضا الكزدغلي إلى أننا أمام حالة سياسية تتسم بكون القائم على مؤسسة الرئاسة يتعامل مع الشأن الوطني من منظور شخصي بعيدًا عن منطق المؤسسات والدولة، فهو يقدم الذاتي على المؤسساتي، وفق الكزدغلي.
ويرى الكزدغلي في حديثه لنون بوست أنه كان على قيس سعيد أن يلتزم بدوره ويلبس جبة الدولة، فضلًا عن احترام الأنظمة المنظمة لمؤسسة الرئاسة وتاريخ البلاد، لكن أبى ذلك وخير اتباع هواه بعيدًا عن انتظارات التونسيين.
#قيس_سعيد_ارحل
و انتهى اليوم…
تعدت عقارب الساعة منتصف الليل…
معلنة مرورنا إلى يوم 21مارس….
معلنة نهاية تاريخ عيد الاستقلال…
و لم يهنئنا قيس…..
و لم تنشر صفحة الرئاسة اي تهنئة……
حتى نادية عكاشة لم توضح..
و انتظرنا ساعي البريد…
و لم يأت.
و طال انتظارنا..
⬇️— طارق المنضوج Mandhouj Tarek (@AlloLiberte) March 21, 2021
هذا الأمر، يؤكد وفق رضا الكزدغلي أن الرئيس اختار الأداء الذاتي والشخصي، حتى يفرض رؤية خاصة له للأحداث تخالف ما يراه التونسيين منذ عقود عدة، وهو ما يُفسر عدم احتفاله بالأعياد الوطنية على غرار عيد الاستقلال والجمهورية.
وأضاف الكزدغلي في حديثه لنون بوست، “نحن اليوم أمام تطور تدريجي لرؤية قيس سعيد منذ توليه المسؤولية، حتى وصل به الأمر إلى مرحلة من الوضوح التي لا يمكن لأحد أن يغطيه أو يُبررها، وهو أمر طبيعي لمسار تطور أداء ارتكز على الذاتي بعيدًا عن المؤسسة.
يؤكد هذا الأمر، وفق محدثنا أن الرئيس سعيد خرج وانحرف عن الدور المؤسساتي المنوط به، ففي كل مرة يؤكد أنه بعيد عن التونسيين الذين انتخبوه بكثافة في أكتوبر/تشرين الأول 2019 أمام منافسه رجل الأعمال نبيل القروي.
تحاشى لقاء باقي الرؤساء
في مقابل ذلك، لم يجد المحلل السياسي التونسي سعيد عطية سببًا مقنعًا يجعل الرئيس قيس سعيد لا يحتفل بعيدي الثورة والاستقلال وقبلها الجمهورية، لكنه يستدرك بالقول “ربما هي رسالة لباقي الرؤساء (الحكومة والبرلمان) مفادها أنه لا يريد تنظيم أي موكب يجمعه برئيسي الحكومة والبرلمان نظرًا للخلافات الأخيرة التي اتسعت هوتها تدريجيًا”.
ويتوقع رضا الكزدغلي أن يحصل نفس الأمر في عيد الجمهورية القادم، فقيس سعيد يتحاشى استقبال رئيسي الحكومة والبرلمان، فحتى فعيد الفطر والأضحى القادمين يمكن أن يقتصر سعيد على موكب بسيط لتلقي التهاني عكس ما جرت به العادة كي لا يلتقي المشيشي والغنوشي.
قبل توليه الرئاسة عمل سعيد أن يظهر في ثوب المتعفف عن السلطة وسعى أن يلبس ثوب الزاهد، لكن فور وصوله إلى قصر قرطاج تبين عكس ذلك
هذه التصرفات، لا تليق برئيس دولة وفق سعيد عطية، ويقول عطية في حديثه لنون بوست، إنه كان من المفروض على الرئيس أن يترفع عن الصغائر وأن يكون رئيسًا جامعًا لا مفرقًا والأهم أن يجمع التونسيين في المناسبات الوطنية حتى إن فرقتهم الصراعات السياسية و الانتخابية.
20 عيد الاستقلال
الرئيس بواس أكتاف سيده ماكرون قال انها كانت حماية و لم يكن استعمار ?♀️
لست رئيسي ولا تمثل تونس في شي #قيس_سعيد_ارحل— دلال الملوك ??? (@Blanche80078719) March 20, 2021
يؤكد محدثنا أن قيس سعيد عاجز إلى حد الآن أن يكون رئيس جمهورية حقيقي بعيد عن استعمال كل شيء في إطار المناكفات السياسية اليومية، فقد دأب منذ توليه منصب الرئاسة استغلال أغلب المناسبات لمهاجمة منافسيه وتسجيل نقاط سياسية ضدهم.
إلى جانب ذلك، لا يستبعد رضا الكزدغلي أن يكون قيس سعيد لا يعتبر الاستقلال عن المحتل الفرنسي محطة فعلية تحتاج للاحتفال، وسبق أن أكد سعيد في وقت ماضٍ أن تونس كانت تحت نظام الحماية الفرنسي لا الاستعمار المباشر كما حصل في الجزائر.
رئيس المناكفات السياسية
يتبين مما قلنا آنفًا، أن الرئيس قيس سعيد أبى مرة أخرى أن يكون رمز وحدة الدولة والتونسيين وأن ينأى بنفسه عن الصراعات والحسابات السياسية الضيقة، وهو ما أثار حفيظة التونسيين واستنكارهم خاصة أنهم كانوا يأملون خيرًا في سعيد منذ إعلان ترشحه لمنصب الرئاسة.
كذبتين في ذكرى ما يسمى عيد الإستقلال
الكذبة الأولى: #بورقيبة حرر #تونس وتونس دولة ذات #سيادة لكن ثرواتها لـ #فرنسا.
الكذبة الثانية: #قيس_سعيد رئيس لكل #التونسيين.
— Amel Zarouk (@Amel_Zarouk) March 21, 2021
يبدو أن قيس سعيد لا يعطي قيمة إلا لما هو ذاتي وشخصي، فحتى الأعياد الوطنية التي تجمع التونسيين لبعض الوقت في ظل الصراعات السياسية المتواصلة، لا يكترث بها بل ويعمل على تهميشها لفرض رؤيته للأحداث بعيدًا عما اعتاده التونسيون وبعيدًا عن مؤسسات الدولة.
قبل توليه الرئاسة عمل سعيد أن يظهر في ثوب المتعفف عن السلطة وسعى أن يلبس ثوب الزاهد، لكن فور صوله إلى قصر قرطاج تبين عكس ذلك، فقد سعى جاهدًا وراء فرض رؤيته وبرنامجه الغريب عن التونسيين، دون أن يولي أي اهتمام للشعب الذي أوصله للرئاسة.