لا يكاد يمر شهر في بلاد الحريات فرنسا، دون أن نسمع عن قانون جديد يستهدف المسلمين ويحد من حريتهم هناك، فالجميع، سلطة ومعارضة، يتسابقون أيهم يضيق على المسلمين أكثر، متناسين مشاكل بلادهم الكثيرة والمتنوعة، فلا همّ لهم إلا إرضاء اليمين المتطرف وأفكاره الهدامة.
الحد من حرية المسلمين
مطلع هذا الأسبوع، صوت البرلمان الفرنسي، على تعديلات جديدة ضمن ما يسمى “قانون مكافحة الانفصالية”، تم بموجبها إضافة بند إلى مشروع القانون المثير للجدل يقضي بمنع ارتداء الحجاب لمن هن أقل من 18 سنة في الأماكن العامة، ومنع ارتداء الحجاب لمرافقات التلاميذ خلال الرحلات المدرسية، ومنع حمل رايات أجنبية خلال حفلات الزفاف.
مجلس الشيوخ الفرنسي صوت لصالح هذا التعديل بـ177 صوتًا مقابل 141 صوتًا معارضًا، لينجح الجمهوريون ومجموع النواب المنتمين للتجمع الديمقراطي الاجتماعي الأوروبي في تمرير التعديل بحجة حيادية المدرسة والتلاميذ، رغم ما يمكن أن يُسببه هذا التعديل من آثار سلبية على المسلمين في فرنسا.
تحدث هذا القانون عن منع الحجاب لأقل من 18 عامًا بحجة حماية الفتيات، لكنه سكت عن قلنسوة اليهود لمن هم أقل من 18 سنة، وعن صليب المسيحيين أيضًا، ما يؤكد أننا أمام استهداف ممنهج للمسلمين في بلاد التنوير.
حرب فرنسا على الدين الإسلامي والمؤسسات والجمعيات الإسلامية لم تقتصر على سن تشريعات معادية فقط بل وصلت إلى حد الاعتداءات
بالتزامن مع ذلك تبنى مجلس الشيوخ الفرنسي إضافة بند إلى مشروع “قانون الانفصالية”، يُمنع بموجبه إصدار أو تجديد تصاريح الإقامة للأجانب المعارضين صراحة “مبادئ الجمهورية”، ووفقا للبند، لن يتم إصدار أو تجديد تصريح الإقامة للأجانب الذين يعيشون في فرنسا، ويجاهرون برفض مبادئ الجمهورية.
في نفس الإطار، أقر مجلس الشيوخ إضافة مادة أخرى بطلب من حزب الجمهوريين (يمين وسط) للقانون المثير للجدل تجيز لرؤساء البلديات حظر رفع أعلام دول أجنبية من خارج الاتحاد الأوروبي في مراسم الزفاف بالبلديات، وذلك بهدف منع رفع أعلام الدول الإسلامية والعربية في مراسم الزفاف.
ومن المنتظر أن يعرض مشروع “قانون الانفصالية” على الجمعية العامة خلال الشهر الحاليّ ليتخذ القرار النهائي بشأن إقراره ودخوله حيز التنفيذ، ويهدف هذا المشروع وفق أحزاب الاشتراكيين واليسار الراديكالي للتضييق على المسلمين، فيما ترى الحكومة أن الغاية منه تعزيز مبادئ الجمهورية.
ينص مشروع هذا القانون على تعزيز الرقابة على الجمعيات والمنظمات المدنية التابعة للمسلمين وتمويل الأنشطة الدينية، وفرض الرقابة على المساجد والجمعيات المسؤولة عن إدارتها، كما يفرض قيودًا على حرية تقديم الأسر التعليم لأطفالها في المنازل، ويحظر على المرضى أيضًا اختيار الأطباء وفق جنسهم لاعتبارات دينية أو غيرها، كما يجعل التثقيف العلماني إلزاميًا لكل موظفي القطاع العام.
سبق أن أقر المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (CFCM)، ما يُعرف بـ”ميثاق الأئمة“، وهو وثيقة كتبها حفنة من المسؤولين في المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، يريدها الرئيس ماكرون أن تصاحب هيكلة الإمامة في فرنسا.
وتستهدف هذه الوثيقة المسلمين، إذ تحمل في طياتها “فقرات تمس شرف المسلمين، ولها طابع اتهامي وتهميشي، وتضعف أواصر الثقة بين مسلمي فرنسا والأمة”، وفق هيئات إسلامية ناشطة في فرنسا، وفيه أيضًا عدد من المواد التي تفتح الباب مستقبلًا لتقييد الحقوق والحريات للمسلمين.
بالتزامن مع ذلك كشف مسؤولو كل من المسجد الكبير في باريس والمسجد الكبير في ليون ومسجد إيفري الكبير أن السلطات الفرنسية اعتمدت شروطًا جديدةً لذبح الدواجن تجعل من غير الممكن احترام المبادئ العقائدية والأساسية لطقوس الذبح الحلال اعتبارًا من يوليو/تموز 2021.
اعتداءات ضد المسلمين ومؤسساتهم
حرب فرنسا على الدين الإسلامي والمؤسسات والجمعيات الإسلامية لم تقتصر على سن تشريعات معادية فقط، بل وصلت إلى حد الاعتداءات، فلا يكاد يمر يوم دون تسجيل حالات خطيرة من عنف الشرطة ضد المسلمين من وادي رويا جنوب شرق فرنسا، إلى ساحل المانش شمال البلاد.
عند تعقب أعمال العنف والمضايقات من الشرطة ضد المسلمين، نرى أن هذه الأعمال أصبحت روتينًا شبه يومي، وتأتي من نظرة الشرطة الفرنسية إلى المسلمين، فهي تراهم مجرد أرقام أضيفت إلى مجتمعهم، وجب التخلص منها حتى لا تتكاثر وتنافسهم في بلادهم.
كما انتهجت السلطات نهج غلق المساجد، حيث أغلقت باريس أكثر من 80 مسجدًا ومدرسةً خاصةً ومحلًا تجاريًا منذ مطلع العام 2020، بذريعة مكافحة الإسلام المتطرف، الأمر الذي لم تشهده فرنسا من قبل، ومن المنتظر أن تنفذ الحكومة تحركًا ضخمًا وغير مسبوق ضد 76 مسجدًا في الفترة القادمة.
يحاول ماكرون وأعمدة نظامه من خلال هذه الإجراءات والاعتداءات ضد المسلمين ترميم صورته التي اهتزت كثيرًا
سبق أن اتهم موقع “ميديا بارت” الإخباري، السلطات الفرنسية باختلاق الذرائع لإغلاق محلات المسلمين في البلاد، وحسب الموقع فإن فرق مكافحة الانفصالية الإسلامية التابعة لوزارة الداخلية، نفذت 18 ألف عملية مراقبة وتفتيش منذ تاريخ تشكيلها في يناير/كانون الثاني 2020، تم خلالها إغلاق أكثر من 400 محل ومؤسسة للمسلمين، وهو ما يعتبر انتهاكًا للدستور الوطني.
كما شنت حكومة الرئيس ماكرون منذ أشهر حملة اعتقالات في عدة مدن فرنسية، استهدفت عددًا من تلاميذ المدارس، بتهمة تبرير الإرهاب، في أعقاب مقتل أستاذ التاريخ صمويل باتي منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
فضلًا عن ذلك، طلبت الحكومة الفرنسية مؤخرًا من أئمة المساجد تزكية زواج الشواذ، إذ قالت وزيرة المواطنة الفرنسية مارلين شيابا، في 23 من مارس/آذار الماضي، – في تصريحات متلفزة -: “يتعين على أئمة المساجد بفرنسا الاعتراف في خطبهم بحق الأشخاص من نفس الجنس في الزواج”.
كبش فداء
يحاول ماكرون وأعمدة نظامه من خلال هذه الإجراءات والاعتداءات ضد المسلمين ترميم صورته التي اهتزت كثيرًا في الأشهر الأخيرة وكسب ثقة الناخبين من اليمين المتطرف الذين ازدادت نسبتهم كثيرًا في السنوات الأخيرة.
ويعمل الرئيس ماكرون على تفادي خسارة جديدة في الانتخابات القادمة، فقد هُزم حزب الجمهورية إلى الأمام الذي أسسه ماكرون في الانتخابات البلدية الفرنسية في يونيو/حزيران 2020، وقد كان ذلك بمثابة تصويت على سياسات وشخص ماكرون.
وتظهر استطلاعات الرأي أنه من المرجح أن تكون الانتخابات الرئاسية العام المقبل إعادة لسباق عام 2017 مع زعيمة حزب الجبهة الوطنية المناهض للهجرة مارين لوبان، لذلك يعمل ماكرون جاهدًا على كسب ود اليمين المتطرف وذلك لا يكون إلا بالتضحية بالمسلمين.
إذكاء الإسلاموفوبيا
هذه القوانين والإجراءات التي تهدف إلى الحد من حرية العقيدة ومعاقبة إظهار الانتماء الديني، من شأنها إذكاء الإسلاموفوبيا في فرنسا ورفع حدة العداء للمسلمين ورموزهم الإسلامية، في الوقت الذي تصر السلطات الفرنسية على ضرورة اندماج المسلمين في المجتمع الفرنسي والتخلي عن قيمهم ومبادئ دينهم.
ومن المنتظر أن ترتفع الاعتداءات على المسلمين عما كانت عليه في السنوات القادمة، فالسلطات الحاكمة وأيضًا المعارضة تشرع لذلك بحجة حماية العلمانية الفرنسية وحماية المجتمع العلماني في الدين الإسلامي والمسلمين.
أمام تنامي خطاب الكراهية الذي يستهدف المسلمين وارتفاع نسق تحركات السلطات الفرنسية المناهضة للإسلام أصبحت “الإسلاموفوبيا راسخة في المجتمع الأوروبي، فلم تعد ظاهرة واسعة الانتشار وخطيرة في الأوساط اليمينية فقط، بل أضحت متأصلة أيضًا في التيار السائد في المجتمع الفرنسي.
إن مررت حكومة فرنسا ما تريده من الإسلام والمسلمين في فرنسا، فستتحول حياة المسلمين في أوروبا بأكملها إلى مأساة، المقاطعة المقاطعة يا عباد الله! #مقاطعه_المنتجات_الفرنسيه147 pic.twitter.com/BF5S2FAblW
— أخبار العالم الإسلامي (@muslim2day) March 23, 2021
تقول العديد من الجمعيات الإسلامية إن الحكومة الفرنسية استغلت مقتل المدرس الفرنسي صمويل باتي للترويج لأجندة عنصرية وتمييزية ومعادية للإسلام، وهو ما يعد انتهاكًا للحقوق الأساسية واللوائح الدولية الخاصة بحظر التمييز وكراهية الأجانب والعنصرية.
ويرى العديد من المسلمين في فرنسا أن السلطات هناك تشجع على كراهية الإسلام لما يخدم توجهاتهم الفكرية والسياسية، فمعاداة المسلمين أصبحت الطريق الأسهل للتقرب من أنصار اليمين المتطرف استعدادًا للانتخابات الرئاسية القادمة.
خلال السنة الماضية، سجلت فرنسا وفق رئيس “المرصد الوطني ضد معاداة الإسلام” (تابع للمجلس الفرنسي للدين الإسلامي) عبد الله زكري، 235 اعتداءً على المسلمين، مقابل 154 عام 2019، بما يمثل زيادة بنسبة 53%، وأوضح زكري، أن معظم الهجمات وقعت في مناطق رون ألب وباكا وإيل دو فرانس، التي تضم العاصمة باريس.
ما تقوم به #فرنسا في إطارها الأوروبي هو استنساخ لتجربة #الصين مع مسلمي #الأويغور بحيث قامت بعدة خطوات مماثلة كاغلاق المساجد ومنع الحجاب واللحم الحلال ومنع الأطفال من تعلم القرآن والهدف استئصال الإسلام من فرنسا خلال السنوات القادمة.
يجب التصدي لذلك.#مقاطعه_المنتجات_الفرنسيه152— مرصد الأقليات المسلمة (@turkistantuzbah) March 28, 2021
كما لفت إلى أن الاعتداءات على المساجد زادت 35%، مقارنة بما حدث عام 2019، مؤكدًا أن المسلمين يشعرون بالقلق من النظرة السلبية للفرنسيين تجاه الإسلام، وتعد فرنسا من أكبر الدول الأوروبية من حيث حجم الجالية المسلمة، فحتى منتصف 2016، كان يعيش فيها نحو 5.7 ملايين مسلم، بما يشكل 8.8% من مجموع السكان.
وسبق أن نددت منظمة العفو الدولية بالمناخ العدائي والخطاب التمييزي تجاه المسلمين في فرنسا في تقرير أصدرته بعنوان “التمييز ضد المسلمين: يجب على الدولة أن تتصرف” سلطت فيه الضوء على خطاب وزير الداخلية الفرنسي الذي سرد فيه أمورًا تعد من أساسيات الحريات الدينية، بما في ذلك الصلاة والصوم وإطلاق اللحية، معتبرًا إياها علامة على التطرف.
تحارب فرنسا الإسلام والمسلمين باسم العلمانية، ما يجعلها واحدة من أسوأ الدول الغربية في التعامل مع مواطنيها المسلمين، فهي تتبنى نموذجًا متطرفًا في العلمانية يفصل بين الدين والحياة انطلاقًا من ماضيها الاستعماري الموغل في الوحشية.