في ديسمبر/ كانون الثاني 2019، ظهر فيروس كورونا في الصين، وبعدها بفترة قليلة تبينت خطورته على البشرية فسارعت المخابر العلمية للبحث عن لقاح ناجع يمكن أن يكون حلًّا له. وفي تلك الأثناء بدأت الدول اتصالاتها للحصول على اللقاح المنتظر وعقدت صفقات كبرى مع المخابر، حتى يكون لها السبق في الحصول على المبتغى.
ما إن تمكنت المخابر من إنتاج اللقاحات الفعالة ضد فيروس كورونا المستجد “سارس كوف 2” المسبب لمرض كوفيد-19، حتى بدأت الدول في حرب اللقاحات أيّهم يحصل عليه أولًا، فأعداد الموتى والمصابين في تزايد ولا حل إلا في اللقاح حاليًّا في ظل صعوبة الحصول على دواء فعال ضد الوباء.
هذا كان حال أغلب الدول، حرب لقاحات، أيّهم يفتكّ اللقاح من الآخر، ما أحدث بعض الأزمات الدبلوماسية بين بعض الدول، لكن في تونس كان الوضع مغايرًا تمامًا رغم أن البلاد تسجّل أرقامًا قياسية للوباء، حيث للرئيس قيس سعيّد وجهة نظر أخرى.
رفض تلقي اللقاح
في الوقت الذي تصرف فيه الدولة التونسية الأموال الطائلة لتأمين اللقاح وحثّ الناس للإقبال على التلقيح ضد كورونا، يطل الرئيس قيس سعيّد على الشعب من تلال المنطقة العسكرية المغلقة بجبل الشعانبي من ولاية القصرين، قائلًا: “نحن لن نسرع ولم نلقّح خوفًا من كورونا”.
تصريح خطير جاء على لسان الرئيس سعيّد، له أن يؤثرّ كثيرًا على الحملة الوطنية لمجابهة فيروس كورونا، فالعديد من التونسيين كانوا يأملون أن يشاهدوا الرئيس يتلقى اللقاح علنًا ويشجّعهم على ذلك، حتى يزيحوا بعض الخوف عنهم ويسارعوا إلى التلقيح.
يذكر أن العديد من القادة والزعماء سارعوا إلى تلقي اللقاح أمام عدسات الكاميرا قبل مواطنيهم أو في المرحلة المبكرة من حملات التلقيح في بلدانهم، وهي خطوة رمزية لتبديد الغموض، والأهم من ذلك لبث الطمأنينة وتبديد الشكوك وتعزيز الثقة وتشجيع المواطنين على تلقي اللقاح.
تلقى الرئيس الأميركي جو بايدن أول جرعة لقاح في 11 يناير/ كانون الثاني الماضي، الشيء نفسه بالنسبة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس التشيلي سيباستيان بينيرا والرئيس السنغالي ماكي سال والجنوب إفريقي سيريل رامافوزا والملك المغربي محمد السادس وأمير قطر تميم بن حمد بن خليفة.
دائمًا ما يظهر قيس سعيّد في المقاهي يحتسي القهوة إلى جانب بعض التونسيين دون احترام للبروتوكول الصحي.
في بريطانيا، تلقت الملكة إليزابيث الثانية لقاح كورونا أيضًا، وقالت الملكة في حديث عبر الفيديو مع قادة القطاع الصحي في بريطانيا: “بقدر ما استطعت أن أفهم، فهو (اللقاح) غير ضار أبدًا، كان سريعًا جدًّا، وقد تلقيت الكثير من الرسائل من أشخاص فوجئوا تمامًا بمدى سهولة تلقي اللقاح. الجرعة لا تؤذي أبدًا”.
أجمع كل هؤلاء القادة على إرسال موجات إيجابية ومعلومات تفيد بأن تلقي اللقاح المضاد لفيروس كورونا الجديد، ضروري لحماية النفس والناس من حولنا، وأن لقاح كورونا المتاح حاليًّا جدير بالثقة، ولا يُخشى منه، لكنّ للرئيس التونسي رأيًا مغايرًا.
حتى أنه منع على العاملين في الرئاسة تلقي اللقاح، إذ أكد أحد مستشاري الرئيس أنه لم يتلقَّ أي أحد من قصر قرطاج بما في ذلك رئيس الجمهورية قيس سعيّد جرعة تلقيح ضد كورونا إلى حدود هذه الساعة، وذلك بقرار واضح من رئيس الدولة.
تعطيل وصول شحنة من اللقاح
لم يكتفِ الرئيس التونسي بذلك فقط، بل تعمّد أيضًا تعطيل تلقي تونس جرعات من اللقاح، حيث أكد النائب بالبرلمان ياسين العياري أن رئيس الجمهورية ساهم عمدًا في تعطيل وصول لقاحات فيروس كورونا إلى تونس بسبب صراعه مع رئيس الحكومة هشام المشيشي.
وأشار العياري خلال حضوره مساء أمس الجمعة في برنامج “يحدث في تونس” على قناة حنبعل الخاصة، إلى أن سعيّد تعمّد ختم مشروع القانون المتعلق بتعويض الدولة للأضرار الجانبية للقاحات كورونا بعد أسبوع من تمريره له من قبل البرلمان الذي صادق عليه بسرعة قياسية.
قيس سعيد يعطل شحنة لقاح كورونا للتوانسة شماتة ونكالا في المشيشي والنهضة ?????
هذا إجرام في حق الشعب@rsd_tunisian— الراصد التونسي?? (@rsd_tunisian) May 1, 2021
تأخُّر مصادقة سعيد على القانون دفع المزوِّد إلى تغيير اتجاه شحنة لقاحات التي كانت موجهة إلى تونس نحو نيجيريا، وأشار العياري إلى أن سعيّد یتحمل جزءًا من المسؤولیة في الأزمة الصحیة، وأنه یسعى إلي استثمارھا سیاسیًّا في إطار معركته مع رئیس الحكومة.
هذا التصرف الصادر من الرئيس جعل البلاد تتخلف عن باقي دول العالم التي بدأ أغلبها بحملات التلقيح وشارف العديد منها على الانتهاء، ما جعل الوضع الوبائي في البلاد يزداد خطورة، فتسجيل نقاط سياسية ضد البرلمان والحكومة أهم عند الرئيس من حماية صحة الشعب التونسي، وفق العديد من التونسيين.
التستُّر عن اللقاح الإماراتي
في الوقت الذي عطّل فيه قدوم شحنة اللقاح إلى تونس في موعدها المحدد، تستّر الرئيس عن هبة إماراتية وصلت لتونس تتمثل في 1000 جرعة لقاح هدية لرئاسة الجمهورية، وفق ما أكده عدة نواب في مجلس نواب الشعب.
وصل اللقاح، لكن الغريب أن اللجنة العلمية لمجابهة فيروس كورونا لا علم لها بجرعات التلقيح التي تلقتها الرئاسة، ما جعل العديد من التونسيين يتساءلون عن سر عدم كشف الرئاسة عن هذه المنحة إلا بعد أيام من وصولها، وهي التي سارعت إلى تأكيد نية الجزائر اقتسام اللقاح مع تونس (نفى الجانب الجزائري الخبر).
#صرخة طبيب الى #قيس_سعيد
“في ذروة اكبر حرب وجود تخوضها الدولة التونسية ضد #وباء منذ الاستقلال رئيس الجمهورية ورمز الدولة يمشي يتعشى ويصلي ويشرب قهوة وبعد يغيب10ايام ويمشي يتعشى ويصلي ويشرب قهوة
تصرف مخجل ولن يغفر له التاريخ هذا العبث”#تونس_المنكوبة#تونس_تستغيث#تونس#كورونا pic.twitter.com/8Wr0saje5c— ??ÃḺÌÃ?? (@Hayetlavie22) May 2, 2021
يقول العديد من المتابعين للشأن العام في تونس إن الرئاسة لم تكن لتتكلم عن هذا الموضوع لو لم يُعلنه بعض النواب وخرج إلى العلن، ذلك أنها كانت تريد التغطية عليه، خاصة أن هذا النوع من اللقاح لم يُمنح له رخصة ترويج في تونس.
فضيحة جديدة، أركانها شخصيات في قصر رئاسة الجمهورية خالفت آليات ومعايير الحصول على اللقاح، وتجاوزت مبدأ العدالة والشفافية وخالفت الخطة الوطنية للتلقيح، حيث إنهم لم يتواصلوا مع اللجنة المكلفة بالتلقيح، وتلقوا اللقاح خارج إطار التراتبية، وفي مكان غير مخصص للتلقيح.
استهتار بالوباء
ليس هذا فحسب، فقد تعمّد الرئيس عن حسن نية أو دونها، الاستهتار بالوباء، رغم الأرقام القياسية التي سجّلتها البلاد في عدد الموتى والمصابين، وبدء انهيار المنظومة الصحية في تونس.
ففي الوقت الذي شددت فيه الحكومة على الإجراءات الوقائية لمجابهة كورونا، ومنعها التنقل بين المدن وفرض حظر التجول في ساعات محدّدة من اليوم وإغلاق المقاهي والمطاعم والتخفيف من ساعات العمل وإيقاف الدراسة، ما فتئ الرئيس يظهر في شكل المتجاهل لهذه القرارات.
أثبت قيس سعيّد منذ توليه الرئاسة أنه حقًّا من كوكب آخر كما قال ذات مرة، فهو بعيد جدًّا عن مشاغل التونسيين.
دائمًا ما يظهر قيس سعيّد في المقاهي يحتسي القهوة إلى جانب بعض التونسيين دون احترام للبروتوكول الصحي، كما يتنقل في الشوارع وسط العشرات دون ارتداء الكمامة ودون احترام مسافات الأمان، رغم أنه من المفروض أن يكون هو القدوة.
حتى أنه ذهب إلى مصر وتنقل في الأسواق والمحلات الشعبية المكتظة بالناس، وزار المتاحف هناك كأن الوضع عادي ولا يوجد وباء، رغم أن مصر تسجّل أيضًا أرقامًا قياسية في عدد المصابين والموتى نتيجة فيروس كورونا والدولة المصرية لا تصرح بذلك.
التسريع بالكارثة
ما قام به الرئيس التونسي قيس سعيّد من استهتار ضد فيروس كورونا، يذكرنا بما قام به الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والرئيس البرازيلي جايير بولسونارو، وفق الطبيبة التونسية أسماء بابا.
تقول بابا في حديثها لـ”نون بوست” إن قيس سعيّد تعمد اللامبالاة مع الوباء وتعطيل صفقات شراء اللقاح والتشكيك في عمل اللجنة العلمية لمجابهة كورونا، وها نحن اليوم نحصد ما قام به، فالمنظومة الصحية تكاد تنهار نتيجة ارتفاع عدد الإصابات بالفيروس وعزوف الناس على التلقيح.
كان على الرئيس وفق أسماء بابا، أن يكون قدوة للتونسيين لحثهم على احترام البروتوكول الصحي المعمول به للوقاية من فيروس كورونا، فضلًا عن حثهم على الإقبال لتلقي اللقاح، لكنه اختار عكس ذلك لأهداف سياسية بعيدة عن مشاغل التونسيين في الوقت الحالي.
#تونس ?? تفرض حجراً صحياً إجبارياً لمدة أسبوع على كل الوافدين، اعتباراً من 3 مايو 2021
وستواصل تعليق الدراسة حتى 16 مايو؛ للحد من التفشي السريع لفيروس #كورونا.ارتفع إجمالي الوفيات إلى أكثر من 10 آلاف شخص، وسط تحذير مسؤولين من انهيار المنظومة الصحية في البلاد!#Kj_News pic.twitter.com/nQWaJU1Th1
— KJ News (@KJ_News1) April 29, 2021
ترى أسماء أن أميركا وبريطانيا تفاديتا الكارثة وتمكنتا من تلقيح شعبَيهما رغم ما ظهر في البداية من استهتار لدى قيادة البلدين. فكلتاهما دولتان متقدمتان ولهما أن يتداركا الأزمة في الوقت الذي تريدان رغم صعوبة المهمة وخطورة الوباء، لكن البرازيل فشلت في ذلك والدليل هو الوضع الكارثي الذي هي عليه الآن، حيث بدأ الكونغرس البرازيلي تحقيقًا في تعامل حكومة الرئيس جايير بولسونارو مع أزمة تفشي فيروس كورونا.
وسجلت البرازيل أكثر من 14 مليون حالة إصابة، و391 ألف حالة وفاة منذ بداية الوباء، ومن المحتمل أن يؤدي التحقيق إلى عزل بولسونارو الذي تحدث مرارًا ضد عمليات الإغلاق وارتداء كمامات الوجه والتلقيح.
وتأملت محدّثتنا أن يتدارك الرئيس قيس سعيّد الأمر، ويظهر جدية في التعامل مع الوباء ويبتعد قليلًا عن المناكفات السياسية، فالبلاد في وضع لا يحتمل أي تأخير في تعاضد الجهود لمجابهة الفيروس، خاصة أن الإمكانات ضعيفة والتدارك إن تأخر أكثر سيصبح مستحيلًا.
أثبت قيس سعيّد منذ توليه الرئاسة أنه حقًّا من كوكب آخر كما قال ذات مرة، فهو بعيد جدًّا عن مشاغل التونسيين، إذ امتهن تسجيل النقاط السياسية ضد خصومه المفتعلين وخلق مشاكل جانبية ومعارك افتراضية، ما سبّب أزمات كبرى في البلاد وأرهق مؤسسات الدولة التي تكاد تنهار.