يجتمع قادة الاتحاد الأوروبي على مدى يومين في العاصمة البلجيكية بروكسل، وفي جدول أعمال القمة العديد من القضايا على رأسها العلاقة مع تركيا والتوتر مع روسيا، فضلًا عن ملفات أخرى عديدة تمس العلاقات الداخلية بين دول القارة العجوز.
انضمام تركيا للتكتل
دائمًا ما تتصدر تركيا جدول القمم الأوروبية نظرًا للعلاقة المتذبذبة التي تجمع الطرفين، فعشية هذه القمة أعرب الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، عن توقعاته بعدم مناقشة العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي بشكل معمق، لكن يبدو أن ذلك غير دقيق.
في هذه القمة، سيسعى زعماء الاتحاد الأوروبي لإحياء محادثات انضمام تركيا للتكتل وذلك من خلال “تعزيز التعاون في عدد من مجالات الاهتمام المشترك”، وفقًا لمسودة البيان النهائي للقمة.
يُفهم من ذلك وجود نية أوروبية لتجاوز التوتر الحاصل في العلاقات مع تركيا، فقد سبق أن كثف المسؤولون الأتراك الدعوات إلى الحوار مع الأوروبيين لتسوية مواضيع حساسة مثل ملف الهجرة والخلاف البحري اليوناني التركي في شرق المتوسط أو دور تركيا في النزاعات بسوريا وليبيا.
من المنتظر أن يقر زعماء الدول الـ27 في التكتل مقترح التمويل المقدم من المفوضية الأوروبية خلال القمة الحاليّة
وذات مرة أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن الانضمام للاتحاد الأوروبي من الأولويات السياسية لأنقرة، معربًا عن رغبته بفتح صفحة جديدة في علاقة أنقرة بأوروبا، مع ضرورة تحديث مواد الاتحاد الجمركي وإعفاء المواطنين الأتراك من تأشيرة دخول دول الاتحاد الأوروبي.
وتأمل تركيا في تحديث اتفاق الاتحاد الجمركي الموقع عام 1995 والدفع قدمًا بعملية ترشيحها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، كما ترغب في تجديد الاتفاق الموقع سنة 2016 مع الأوروبيين الذي أتاح خفض عدد المهاجرين الوافدين من تركيا إلى أوروبا بشكل كبير في مقابل مساعدات مالية.
وتلوم أنقرة الاتحاد الأوروبي لأنه لم يدفع إلا 3.7 مليار يورو كمساعدة لاستقبال مهاجرين من أصل ستة مليارات موعودة، وتستقبل تركيا نحو 4 ملايين لاجئ ومهاجر غالبيتهم من السوريين، وتقول السلطات التركية إنها أنفقت أكثر من 40 مليار يورو على اللاجئين.
في هذا الشأن، من المتوقع أن يناقش القادة الأوروبيون منح تركيا 3.5 مليار يورو (4.18 مليار دولار) لتمويل استمرارها في استضافة اللاجئين السوريين حتى عام 2024 في إطار خطة أوسع نطاقًا لدعم اللاجئين في أماكنهم لمنع هجرتهم لدول التكتل.
وتهدف هذه الحزمة المالية الأوروبية التي توجه مباشرة لمشروعات إنسانية ولا تعطى للحكومة، إلى منع موجات جديدة من تدفق المهاجرين إلى الاتحاد الأوروبي وكسب الوقت لحين انتهاء الحرب الأهلية السورية التي بدأت قبل عشر سنوات.
على عكس التمويلات السابقة، يفترض أن يأتي التمويل هذه المرة بالكامل من الميزانية المشتركة للتكتل، وبالتالي يتعين على البرلمان الأوروبي إقرارها، ومن المنتظر أن يقر زعماء الدول الـ27 في التكتل مقترح التمويل المقدم من المفوضية الأوروبية خلال القمة الحاليّة.
التوتر مع روسيا
من المنتظر أيضًا أن يتصدر التوتر مع روسيا ملفات القمة الأوروبية، فالعلاقات الروسية الأوروبية تشهد تدهورًا متواصلًا منذ ضم موسكو شبه جزيرة القرم الأوكرانية واندلاع النزاع مع الانفصاليين الموالين لروسيا في شرق أوكرانيا سنة 2014، والتدخل الروسي في الانتخابات الأوروبية، وكانت حالة الروسي أليكسي نافالني أحدث نقطة للتوتر في علاقات روسيا مع دول الغرب.
يعتبر نافالني – أبرز معارض للرئيس الروسي فلادمير بوتين – وكان قد نقل إلى مستشفى في برلين في أغسطس/آب 2020 بعد محاولة تسميمه في روسيا، وأمضى نافالني فترة نقاهة في ألمانيا استمرت نحو ستة أشهر، لكنه اعتقل فور عودته إلى روسيا في شهر يناير/كانون الثاني، وإلى الآن هو مسجون، ويطالب الأوربيون بضرورة الإفراج عنه.
وسبق أن فرض الاتحاد الأوروبي في شهر مارس/آذار الماضي عقوبات على مسؤولين روس كبار – مسؤولون في رأيه عن انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان – وهو ما رفضته موسكو وردت عليه بفرض عقوبات تشمل حظر دخول أراضيها على عدد من البرلمانيين والمسؤولين الأوروبيين، بينهم رئيس البرلمان الأوروبي دافيد ساسولي والمفوضة فيرا جوروفا ومدعي عام برلين يورغ راوباخ والنائب الفرنسي جاك مير.
رغم تدهور العلاقات بين الطرفين ووصولها إلى مستويات دنيا، يرى الأوروبيون أن إمكانية إصلاح الأمور واردة والتعاون ممكن في العديد من المجالات لو اتفق الطرفان على ذلك
ومن المرتقب أن يناقش القادة الأوروبيون صيغة حوار جديدة مع روسيا، إذ سبق أن تطرق قادة الاتحاد الأوروبي إلى مستقبل العلاقات مع روسيا خلال قمتهم السابقة في مايو/أيار الماضي وطلبوا من المفوضية الأوروبية تقديم مقترحات عن كيفية المضي قدمًا في هذه العلاقات.
في هذا الشأن دعت برلين وباريس لانتهاج إستراتيجية أوروبية جديدة من أجل علاقة “أفضل” مع موسكو، وذلك بعد لقاء الرئيسين الأمريكي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين، في جنيف في وقت سابق من هذا الشهر.
وفق تقارير إعلامية، فقد أرادت المستشارة الألمانية من الاتحاد الأوروبي النظر في دعوة الرئيس الروسي إلى قمة مع الزعماء الأوروبيين، وقد لاقت هذه المبادرة دعمًا من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
هذه المبادرة التي سيتم مناقشتها في القمة ستركز على إمكانية التعاون مع موسكو في مواضيع ومجالات معينة، حيث الاهتمام مشترك، من ذلك المناخ والبيئة والمحيط المتجمد الشمالي والصحة والفضاء والحرب على الإرهاب والسياسة الخارجية في مناطق معينة من ضمنها سوريا وإيران.
وفق “فايناننشيال تايمز” فإن ميركل التي التقت الرئيس الروسي مرارًا تعتقد أن قمة بايدن-بوتين مثال قد يحتذى به من أجل إحياء العلاقات الأوروبية الروسية، وتدعو المستشارة إلى إيجاد صيغة معينة يمكن للاتحاد الأوروبي التواصل عبرها مع روسيا، بصوت واحد.
وفي الـ16 من يونيو/حزيران الحاليّ، التقى الرئيس الأمريكي جو بايدن بنظيره الروسي فلاديمير بوتين في مدينة جنيف السويسرية، وهو أول اجتماع بين الرئيسين منذ تولي بايدن الرئاسة وسط توتر حاد بين واشنطن وموسكو على خلفية تبادل عقوبات واتهامات، وخلال لقائهما، أبدى بايدن وبوتين نيتهما تهدئة التوتر لكن من دون إعلان أي إجراءات ملموسة.
رغم تدهور العلاقات بين الطرفين ووصولها إلى مستويات دنيا، يرى الأوروبيون أن إمكانية إصلاح الأمور واردة والتعاون ممكن في العديد من المجالات لو اتفق الطرفان على ذلك، وعمل الروس ببعض التوصيات التي قدمها الأوروبيون، لكن هل ستقبل موسكو وجهة النظر الأوروبية؟