قطعت السلطات الجزائرية علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب وقررت سحب سفيرها من العاصمة الرباط، مساء أمس الثلاثاء، بعد توتر العلاقات بين البلدين ازداد بشكل كبير مؤخرًا، فما الذي يفسر هذ الخطوة الجزائرية؟
عند إعلانه قرار بلاده، اتهم وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة المغرب بـ”شن حملة إعلامية دنيئة ضد بلاده والتعاون مع منظمات إرهابية ثبت ضلوعها في الجرائم الشنيعة المرتبطة بالحرائق والتجسس على مواطنين ومسؤولين جزائريين باستعمال برنامج بيغاسوس الإسرائيلي والتخلي عن التعهدات بشأن الصحراء الغربية”.
وأضاف لعمامرة – خلال مؤتمر صحفي – أن المسؤولين المغاربة يتحملون مسؤولية تردي العلاقات بين البلدين، منددًا بما قال إنها حملة اعتمدت على سيناريوهات خيالية تستهدف الجزائر، ووصف حديث أحد الدبلوماسيين المغاربة عن حق تقرير مصير منطقة القبائل بالانحراف الخطير.
كما اتهم الوزير المغرب بـ”التخلي بصفة خطيرة وممنهجة بشكل كلي أو جزئي عن الالتزامات الأساسية التي تشكل القاعدة الأساسية والأرضية المرجعية التي تقوم عليها عملية تطبيع العلاقات بين البلدين”، بعد عودة العلاقات بينهما عام 1988.
وفق رمطان لعمامرة فإن المغرب “جعل من ترابه الوطني قاعدة خلفية ورقبة للتخطيط وتنظيم ودعم سلسلة من الاعتداءات الخطيرة والممنهجة ضد الجزائر”، مبينًا “آخر هذه الأعمال العدائية تمثل في الاتهامات الباطلة والتهديدات الضمنية التي أطلقها وزير الخارجية الإسرائيلي خلال زيارة رسمية للمغرب بحضور نظيره المغربي”.
أثبتت عدة معطيات ووقائع محاولات المغرب المتكررة لضرب وزعزعة استقرار الجزائر، لذلك كان هذا القرار صائبًا وصحيحًا
وقبل أسبوع، أعرب وزير الخارجية الإسرائيلي، من المغرب، عن قلق “إسرائيل” مما قال إنه دور الجزائر في المنطقة وتقاربها الكبير مع إيران، وهاجم لابيد الجزائر بسبب شنها حملة مع دول عربية أخرى، ضد قرار الاتحاد الإفريقي، قبل أيام، قبول “إسرائيل” بصفة مراقب في المنظمة القارية.
وسبق أن ذكرت وكالة الأنباء الجزائرية أن المجلس الأعلى للأمن – الذي يترأسه الرئيس عبد المجيد تبون – قرر خلال اجتماعه الاستثنائي الأربعاء الماضي إعادة النظر في العلاقات بين الجزائر والمغرب وتكثيف المراقبة الأمنية على الحدود الغربية، على خلفية الأفعال العدائية المتكررة من المغرب ضد الجزائر، حسب وصف الوكالة.
وكانت الخارجية الجزائرية قد أعلنت – الشهر الماضي – استدعاء سفيرها في الرباط للتشاور، بعد أن طلبت الجزائر توضيحات من المغرب بشأن موقفه من دعم “حركة انفصالية” في منطقة القبائل الجزائرية، ولم يستبعد بيان الخارجية الجزائرية – حينها – “اتخاذ إجراءات أخرى” حسب التطور الذي ستشهده القضية.
قرار متوقع
يرى الناشط السياسي الجزائري سمير بالعربي في حديث لنون بوست أن قرار بلاده كان متوقعًا ومنتظرًا منذ مدة خاصة بعد تصريحات ممثل المملكة في الأمم المتحدة بشأن الشعب القبائلي، وكان سفير المغرب في الأمم المتحدة عمر هلال قد وزع مذكرة على أعضاء منظمة دول عدم الانحياز في يوليو/تموز الماضي، تحدث فيها عن “حق تقرير المصير لشعب القبائل”، وهو ما اعتبرته السلطات الجزائرية دعمًا لحركة تصفها “بالإرهابية”، تتخذ من باريس مقرًا وتطالب بما تسميه حق تقرير المصير في منطقة القبائل الجزائرية.
وفق الناشط الجزائري، فقد “أثبتت عدة معطيات ووقائع محاولات المغرب المتكررة لضرب وزعزعة استقرار الجزائر، لذلك كان هذا القرار صائبًا وصحيحًا وفي وقته، وهو قرار سيادي لحماية مصالح الجزائر ووضع المغرب أمام مسؤولياته والحد من تدخلاته في الشأن الداخلي للجزائر”.
بدوره قال الصحفي الجزائري رياض المعزوزي إن القرار لم يكن مفاجئًا، فجل المتابعين كانوا يتوقعون حدوث هذه الخطوة، ويرى المعزوزي أن “ممهد القرار الأول تلك الوثيقة التي نشرها سفير المغرب لدى الأمم المتحدة، تلتها تحركات المغرب لاحتواء الانفصالي فرحات مهني الذي بات لدى الجزائريين إرهابيًا بعد تصنيف الماك كحركة إرهابية”.
ويؤكد محدثنا أن قرار بلاده كان سابقًا غير معلن والآن بات علنيًا، ويعتقد المعزوزي أن “خطاب الملك المغربي مؤخرًا، ومطالبته الجزائر بفتح الحدود وتحسين العلاقات كان بنظرة استشرافية لما سيحدث، فقد أحست المملكة المغربية أن الجزائر ستتحرك فعليًا لتعقيد العلاقات بينهما، وهي عزلة تضاف للمملكة بعد توتر علاقاتها مع عدد من دول الاتحاد الأوروبي لا سيما إسبانيا وألمانيا وفرنسا، وارتمائها بين أحضان الصهاينة”.
النظام الجزائري يلعب بأوراق مكشوفة لإلهاء الشعب وتوجيهه عن أزماته الداخلية التي يعيشها
من جهته يؤكد النقابي والناشط السياسي الجزائري أن “قطع العلاقات بين الجزائر والمغرب ما هو إلا تحصيل حاصل لما سبق من تحركات مغربية ضد بلاده، ورد فعل سليم خاصة بعد تصريح وزير خارجية الكيان الصهيوني خلال زيارته الأخيرة للمغرب التي تهجم فيها على الجزائر وعلى الدور الإقليمي والإفريقي التي تلعبه في سبيل عدم قبول قرار عضوية الكيان في الاتحاد الإفريقي الذي عارضته أغلب الدول الشمالية للقارة الإفريقية ما عدا المملكة المغربية”.
التغطية على فشل النظام الجزائري
يشاطر أستاذ القانون الدستوري بجامعة بن طفيل بالقنيطرة، رشيد لزرق، رأي الجزائريين بكون هذا القرار متوقعًا، لكنه يختلف معهم في الأسباب، إذ يقول في حديث مع نون بوست: “إنه خطوة كانت متوقعة من النظام العسكري لكونه يعاني من اختناق داخلي”.
ويؤكد محدثنا أن “الجنرالات المتحكمين في الحكم في حالة انهيار وهم على وشك تحويل الجزائر إلى دولة فاشلة بتمام الحروف بعد فشلهم في التحكم في الحراك الشعبي الذي تعرفه بلادهم منذ أكثر من سنتين بغية الخلاص من العسكر”.
ويرى رشيد لزرق أن القرار الجزائري الهدف منه تصعيد نذر الحرب ضد المملكة المغربية، بعد فشلها في إطفاء حريق، وفشلها السياسي والاقتصادي ومحاولة الالتفاف على مطالب الشارع الجزائري بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ويتابع “كل هذا هروبًا من تحقيق تحول ديمقراطي حقيقي الذي لن يكون إلا برجوع العسكر لوظيفته الأصلية وقيام حكم مدني ديمقراطي قويم”.
بدوره يقول المحلل السياسي المغربي عبد الوهاب الحسيمي: “النظام الجزائري يلعب بأوراق مكشوفة لإلهاء الشعب وتوجيهه عن أزماته الداخلية التي يعيشها، ومن بين هذه الأوراق خلق عداوة مع المغرب وإذكاؤها، وتقديم هذا البلد على أنه سبب كل المشاكل التي تتخبط فيها الجزائر”.
يتابع الحسيمي في حديثه لنون بوست “حتى الحرائق التي عرفتها مؤخرًا منطقة القبائل التي كانت متزامنة مع عدة حرائق في دول عديدة، لم تخجل القيادة الجزائرية في توجيه أصابع الاتهام للمغرب الذي عرض عليها يد المساعدة”، ويشير الحسيمي إلى أن “العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والجزائر في الواقع مقطوعة وغائبة منذ عقود طويلة”.
وردًا على اتهامات لعمامرة لبلاده قال عبد الوهاب الحسيمي: “عند الحديث عن أسطوانة الكيان الصهيوني، فهل الجزائر قادرة على قطع علاقاتها مع كل الدول التي تربطها علاقات بالكيان الصهيوني؟ اليوم الجزائر تتودد وتنبطح صباحًا ومساءً للإمارات العربية لإحداث مشاريع بالجزائر وربما لتمكينها من مساعدات مالية، فهل الامارات غير مطبعة مع “إسرائيل”؟ وما تقوم به الجزائر مع الإمارات ينطبق مع دولة البحرين وسلطنة عمان؟ ألم تكن هذه الدول سباقة للتطبيع؟”.
عندما اندلعت الحرائق في ولاية تيزي وزو، كان المغرب أول المعزين في الأرواح التي سقطت
يتابع محدثنا “أما موضوع دعم المغرب لحركة “الماك”، فالجزائر لم تقدم ولا دليل واحد يؤكد دعم الدولة المغربية لهذه الحركة، وكل ما تقدمه هو تصريح سابق للسفير الدائم للمغرب في الأمم المتحدة، وسياق هذا التصريح معروف، إذ جاء ردًا على مداخلة لوزير الخارجية الجزائري في أثناء اجتماع لدول عدم الانحياز خصصها لملف الصحراء رغم أن الاجتماع مخصص لمعالجة ملف كورونا”.
وأضاف “إن كانت فعلًا للجزائر كل هذه الغيرة على وحدة التراب الجزائري، فلماذا لم تقطع علاقاتها بفرنسا التي يقطن بها قادة حركة “الماك”؟ فحركة الماك أسست على الأراضي الفرنسية وهذه الدولة توفر لكل قادة الحركة كل أنواع الحماية وتمتعهم بجوازات سفر ليتنقلوا في أوروبا ويسوقوا لمشروعهم وأطروحتهم”.
ويؤكد الحسيمي أن “المغرب حاول عدة مرات ربط علاقات طبيعية مع الجزائر وكانت هناك دعوات رسمية من أعلى سلطة في البلاد، في خطاب المسيرة الخضراء سنة 2018 وفي خطاب العرش لهذه السنة، ومع ذلك لم يكن هناك أي تجاوب، على العكس كانت ترد السلطة الجزائرية بالتصعيد والهجوم على المغرب”.
يتابع “حتى عندما اندلعت الحرائق في ولاية تيزي وزو، كان المغرب أول المعزين في الأرواح التي سقطت، وطلب من سلطات الجزائر السماح له لتقديم المساعدة لإخماد الحريق، كما جند طائرتين متخصصتين في إطفاء الحرائق من نوع كنادير، وفي الوقت الذي كان المغرب ينتظر إعطاء الإذن بالسماح بدخول المساعدات المغربية، كان رد السلطة الجزائرية هو اتهام المغرب بالضلوع فيها”.
بالمحصلة، يبدو أن حمم البركان الدبلوماسي النشط بين البلدين تبعث الغازات والأبخرة فتتسلل من أروقة السياسة إلى أحاديث الناس في البلدين الشقيقين، وربما مشاعرهم كما تفضحه تعليقات الكثيرين منهم على صفحات شبكات التواصل الاجتماعي، إذ تستعر بين الطرفين معارك ومشادات كلامية حامية الوطيس تشحذ حمى البغضاء والحقد والكراهية وحتى العنصرية بين الإخوة والجيران، وهو ما على قادة البلدين الحذر منه وتوخيه، لأنه لا يمكن أن يسفر إلا عن خراب.