في البداية، كاتب هذه السطور لا يخشى إلا من زيادة حمامات الدماء حيث إنه أول من استشهد دفاعًا عن الشرعية قبل الانقلاب هو والده على يد البلطجية يوم (28 – 6 – 2013) بالمنصورة، لكن يا صديقي دعني أفكر معك بصوت عالٍ قليلاً علَّنا نصل إلى وقف هذه الدماء وإيقاف كل هذه الانتهاكات بحق شعبنا.
فهل من الصحيح أن تظل في نفس المربع الذي وضعك فيه الانقلاب دون التحرك لأي خطوة للأمام أو إحراز أي تقدم على أي مستوى مطلوب (سياسيًا – دوليًا – حقوقيًا) حتى الحراك الثوري ضد الانقلاب بعد عام ونصف من الانقلاب لم يتحرك للأمام إلا ما رحم ربي من بعض أفعال المجهولين التي لا تُسمن ولا تغني من جوع ومنهم من يتم اعتقاله بسرعة أو تصفيته بسبب عدم وجود خطة أو استراتيجية واضحة لإدارة هذا الملف واتسام تلك الأعمال بعدم المنهجية والاحترافية والارتجال في معظم الأحيان؟
فِعليًا تمكن الانقلاب من كل شيء دوليًا ومحليًا وأصبحت شرعيته (الانقلابية) أمر واقع لابد علينا جميعًا أن نقبله ونتعامل على أساسه، ولا أخفيكم سرًا فمناهضو الانقلاب (أعني القيادة) ساهمو بقصد أو دون قصد في هذا وربما كانت لهم يد العليا بشكل أو بآخر في وصولنا لهذه الحالة وتلك المعادلة الصفرية، فقد كان بإمكانهم على الأقل مع أضعف التقديرات حقن دماء كثير من المصريين عقب أولى مجازر الانقلاب العسكري أمام بوابة نادي الحرس الجمهوري لكن (تنشيف الدماغ) أو ربما الاغترار بالعدد أو معلومات مخابراتيه عن انشقاقات (كما تحدث د. جمال عبدالستار) هي التي منعتهم من ذلك! ربما.
لكن عزيزي الثائر على الأرض هل من العقل أن تقوم بتجهيز نفسك للنزول لحضور فعالية في مدينة نصر مثلاً وأنت تعلم أنه من الممكن في لحظة من اللحظات أن تكون رقمًا في سجون الانقلاب العسكري ولن تجد من يسوق لقضيتك ويحاول بكل طرقه (الحقوقية) ألا تكون قيد الأسر (سأتركك لتجيب أنت على نفسك) ولتقيس هذا المثال على جميع الانتهاكات التي حدثت وتحدث.
سأشركك عزيزي القارئ فيما يدور في فكري قليلاً، فوالله ماكتبت هذه السطور إلا لأجلك أنت ولأجل حريتك وحياتك، فقد ألقي خطاب الانقلاب على الرئيس مرسي يوم 3/ 7/ 2013 أي منذ عام ونصف تقريبًا، هل يمكنك أن تذكر لي أي إنجاز حققته (القيادة) الموجودة في قطر وتركيا منذ ذلك التاريخ حتى الآن؟ لاشيء سوى استمرار الكذب على الثوار إلى الأرض بداية من (الجيش الثاني الميداني ينقلب على السيسي، الرئيس سيصلي العيد بمعتصمي رابعة، السيسي مات بسبب الفياجرا، السيسي يخضع للعلاج بأمريكا نتيجة إطلاق الرصاص عليه في الإسكندرية، الانقلاب سيسقط يوم 6 أكتوبر، المحكمة الجنائية الدولية تقبل طلب محاكمة السيسي والانقلاب بتهمة ارتكاب جرائم حرب، انتظروا مفاجأة يوم 25 يناير) هذا ما قدمته القيادة للثوار يا عزيزي، خطاب إعلامي – للأسف – لم يرق لمستوى الفشل، كذب وتضليل، جهل بأسس أو مبادئ أي شيء، فالمحكمة الجنائية الدولية لا تقبل أي ملف مقدم من أي دولة إلا إذا كانت هذه الدولة موقعة على اتفاقية المحكمة التي لم توقع عليها مصر أثناء حكم الدكتور محمد مرسي، وعلى هذا فقِس كل الأمثلة السابقة.
هذا هو الخطاب الإعلامي الذي يوجهه القياديون للمؤيدين أو للمعارضين أو حتى المجتمع الدولي، أما عن التحرك السياسي فدعني أسئلك “لو سقط الانقلاب غدًا في الثامنة صباحًا هل لدى القيادة خطة لإدارة الدولة المصرية بعد الانقلاب؟” سأتركك تجيب على هذا السؤال، ولكن بعض هذه الأرقام التي أراها من وجه نظري كارثية في الحقيقة (عدد أعضام مجلس الوزراء حوالي 27 وبرئيس الوزراء 28 والرقم بدون الوزراء الذين ليس لديهم حقائب كرئيس المخابرات وغيره مما تندرج صفتهم تحت مسمى وزير بدون حقيبة وزارية – عدد المحافظين 27 محافظًا) وإذا قمنا بتفنيد هذه الأرقام ففي الحقيقة كل وزير يجب أن يكون لديه على الأقل 4 مستشارين بالإضافة للعشرات من ذويي صفة مدير عام ووكيل وزارة، وكل محافظ يحتاج إلى 2 سكرتير عام للمحافظة بمساعديه دون التطرق لرؤساء الأحياء والمدن ورؤساء المجالس المحلية.
ينتج لدينا احتياجنا لجيش من الموظفين الثقات بداية من وزير ختامًا بمدير حي أو مجلس محلي جميعهم يجب أن يكونوا على قدر من العلم والدراية بكل الملفات داخل تلك المؤسسات التي سيديرونها، ناهيك عن الدولة العميقة، وناهيك عن الوزارات التي تحتاج للتفجير كالداخلية والدفاع والمالية والكهرباء مثلاً.
الآن يا صديقي يمكنك الإجابة على السؤال، هل بعد عام ونصف من الانقلاب أصبحت قيادة الإخوان قادرة فعليًا على قيادة الدولة في حال سقط الانقلاب؟! لن أجيب، ولن أطلب منك الإجابة، فالتاريخ دومًا هو الذي يجيب ويحاكم أيضًا.
أما عن المصالحة فإني لا أدعوك بأي شكل من الأشكال أن تضع يدك في يد من قتلوا “أبي” وأكثر من خمسة آلاف شهيد، لكن هذا الواقع ولا مفر منه، فالمعادلة أصبحت صفرية للأسف، لكن يمكنك أنت بنفسك الخروج من تلك المعادلة وصناعة واقع فعلي في حالة سقوط الانقلاب أو المصالحة أن تكون أنت الأجدر على حمل التركة المثقلة بالفساد منذ 60 عامًا، فالمصالحة قادمة لا محالة وموضوع الجلوس مع العسكري مسألة وقت ولكن يمكنك أنت صناعة جيل يحمل المسئولية وتربية تلك الكوادر من شبابك تحمل هذا الهم بدلاً من المؤتمرات التي تستنزف صندوق الجماعة في تركيا وجنيف ولندن، يمكنك إرسال مائة شاب للتعلم في أقوى جامعات العالم لمدة 4 سنوات يعود كل منهم متخصص في ملف وقادر على إدارة وزارة أو مصلحة حكومية بفكر أكاديمي يحمله شاب ويطبقه لأجل وطنه بدلاً من تلك الأبواق الإعلامية التي يُنفق عليها آلاف الدولارات ولا طائل منها، بل تضر أكثر مما تنفع!
يمكنك تطوير خطابك الإعلامي حقيقيًا وتصدير من لديهم رؤية حقيقية وهدف بدلاً من تصدير مجموعة من الأفَّاقين يزيفون الحقائق ويوهمون الثوار، وللأسف فالمصالحة أمرٌ حتمي لا محالة، فلتجلس على كرسي المصالحة قوي ولديك قوة شعبية وكوادر تُقحمهم في الدولة المصرية برمتها، خيرٌ ألف مرة من أن تجلس وأنت لا ظهير لك ولا كوادر لديك ولا رؤية، ومن الأشياء التي على القيادة أن يعلموها أنه مع كل غروب شمس يبيت خلف القضبان معتقل جديد، ومع كل مسيرة جامعية يستشهد ويصاب طالب أو طالبة، فالوقت ليس في مصلحة الثورة بالتأكيد والمماطلة ليست في مصلحتك أنت، فما لا يُدرك كله لا يُترك كله .. يرحمكم الله!