لن يستطيع صلاح إكمال دراسته في الفرع الذي يريد وبدأ يبحث عن عمل، فالجامعات رفعت الأقساط على الطلبة السوريين وأعادتهم لصفة “طلاب أجانب” تجري عليهم ذات الإجراءت ويدفعون نفس تكاليف الدراسة كأي طلاب أجانب في تركيا، بعد أن كانت تجري معاملتهم بصورة استثنائية نظرًا لكونهم لاجئين على أراضيها.
يقول صلاح في حديثه لـ”نون بوست” إن الحكومة التركية بهذا القرار قضت على أحلام الكثير من الشباب الذين يريدون إكمال تعليمهم، فلم يعد هناك فرق بين التسجيل في جامعة حكومية أو جامعة خاصة، كما يرى أن معاملة الطالب السوري كمثل الطالب الأجنبي ظلم له، فالطالب الأجنبي يأتي إلى تركيا للدراسة وقد جهز مصاريفه وعمل على تجهيز الأقساط، أما الطالب السوري فهو لاجئ لا يستطيع أن يحصل هذه الأقساط مهما عمل.
وأضاف صلاح أن قسط جامعته ارتفع إلى آلاف الليرات بعد أن كان يدفع 500 ليرة تركية، وهي أقل من 100 دولار، مطالبًا وزارة التعليم التركية بإعادة العمل بالقوانين الاستثنائية المتبعة خلال السنوات الماضية لكيلا يحرم آلاف الطلبة السوريون من إتمام ومتابعة تعليمهم.
حكوميًا: بمرسوم صدر عن الرئاسة التركية فقد تم رفع رسوم أقساط الجامعات الحكومية للعام الدراسي الحاليّ، كما تركت رئاسة الجمهورية خيار تحديد القسط للجامعات الحكومية دون أن تضع سقفًا ثابتًا لها، وهذا القرار أتى بعد سنة من إنهاء العمل بقرار إعفاء الطلاب السوريين من الأقساط، يذكر أن أقساط الجامعات الحكومية التركية الرمزية منذ عام 2014، كانت تشجّع السوريين على الدراسة، فقد كانت تتراوح بين 300 و800 ليرة تركية.
أما الآن فقد باتت الأقساط وفقًا لاطلاعنا على قرارات الكثير من الجامعات التي سنوردها في تقريرنا هذا تصل حتى 60 ألف ليرة أي ما يعادل 7000 دولار في كلية الطبّ و8000 في كلية الهندسة أي ما يقارب نحو 925 دولارًا، في حين أن تكاليف دراسة الهندسة لم تكن تتجاوز في العام الماضي 421 ليرةً نحو 50 دولارًا.
وهذه الأسعار تختلف من جامعة لأخرى، فمثلًا جامعة إسطنبول تختلف عن جامعة بولنت أجاويد، فالأمر متروك لعمادة الجامعة برفع الأقساط.
يذكر أن مجلس التعليم العالي التركي أصدر قرارًا يقضي بعدم إعفاء الطلاب السوريين من أقساط الجامعات التركية ابتداءً من الأوّل من يوليو/تموز الماضي، لكن بعض الجامعات التركية أعلنت أن قرار رفع الأقساط يشمل الطلاب الذين بدأوا حديثًا بالدراسة أما من كان قيده قبل هذه السنة فهو معفي حتى تخرجه.
الجدير بالذكر أن بعضًا من الجامعات التركية ما زالت تعفي الطلبة السوريين إلى الآن من دفع الرسوم وإن كانت قليلة، فيما يرى بعض الطلاب أن في السنة القادمة سترفع كل الجامعات الرسوم.
أما عن قرار الإعفاء من الرسوم فإنه يعود إلى العام 2014، فقد صادق حينها وزير التعليم العالي في تركيا على قرار يكفل تسديد كل الأقساط الجامعية عن الطلبة السوريين من خلال إدراجهم ضمن لائحة “طلبة دول أقرباء تركيا”، وبموجب القرار الذي تم التصديق عليه حينها منح القرار كل الطلبة السوريين حصولهم على ضمان صحي يحق لهم بموجبه تلقي العلاج المجاني والحصول على الأدوية اللازمة للعلاج بمبالغ رمزية جدًا.
أعداد الطلاب
التسهيلات التي قدمتها الحكومة والجامعات التركية للسوريين خلال السنوات الماضية جعلت أعداد الطلاب القادمين من سوريا ترتفع ارتفاعًا ملحوظًا، فقد بلغ عدد الطلاب السوريين في الجامعات التركية للعام الدراسي 2020/2021 ما يزيد على 27 ألف طالب بمختلف جامعات الجمهورية التركية البالغ عددها 182 جامعة، لكن مع صدور هذا القرار يبدو أن الوضع سيتغير وتتراجع الأعداد خاصة مع الرسوم العالية للجامعات، لا سيما الاختصاصات ذات التكلفة المرتفعة مثل الطب والصيدلة والهندسات بمختلف أنواعها.
أسباب القرار
من أجل الاطلاع أكثر على حيثيات القرار وما سببه من مشكلات للطلاب السوريين أجرينا مقابلة مع الصيدلاني سعيد السقا وهو مستشار تعليمي ومتخصص بالشؤون الطلابية في تركيا، قال: “منذ نحو عشرة أعوام تعفي الجامعات التركية السوريين من الأقساط التي تأخذها من الطلاب الأجانب، لكن منذ السنة الماضية بدأت بعض الجامعات تأخذ الرسوم من السوريين مثل أي طالب أجنبي، وازداد عدد هذه الجامعات هذا العام”، ويشير السقا إلى أن “رفع الأسعار لم يستهدف السوريين بشكل مباشر وإنما سحب ميزة منهم”.
وعن بعض الأسباب التي أدت لإلغاء هذه الميزات من الطلاب السوريين يقول السقا: “أعداد السوريين الكبيرة المسجلين في الجامعات التركية دون دوام، لأنهم سجلوا في الجامعة ولم يستطيعوا الدوام أو لأنهم فقط فكروا بالميزات التي قد يحصل عليها الطالب في تركيا وقد يكون أهمها ترشيح أسماء الطلاب السوريين في الجامعات التركية للحصول على الجنسية التركية وكارت المواصلات ذي الأسعار المخفضة جدًا وغيرها”.
وفي السياق يقول السقا: “الاعتراضات العشوائية من الطلاب السوريين التي تمت تجاه بعض الجامعات التي تأخذ من طلاب الاستكمال السوريين رسوم بسيطة تساوي رسوم الاستنفاذ للطالب التركي، فأي اعتراض بطريقة غير منظمة وليست عبر جهات رسمية، عبر تويتر أو غيره، كانت تسبب احتقان المعارضة واستفزاز الجامعات”.
يشير السقا إلى أن حملات المعارضة التي تهاجم الحكومة بسبب التعليم المجاني للسوريين من أبرز الأسباب، فقد تنامت فكرة بين الطلبة الأتراك والمجتمع التركي بشكل عام أن الطالب السوري في الأوساط التركية يدخل إلى الجامعات دون امتحان قبول وعلى نفقة الحكومة، وهو الأمر الذي تم نفيه أكثر من مرة، فالطالب السوري كان يعامل ببعض ميزات الطالب التركي لا أكثر.
وعن تأثير القرارات هذه على سير الحياة الجامعية للطالب السوري في تركيا يقول أحمد سامح عضو إدارة اتحاد طلبة سوريا في تركيا: “الطلاب السوريون عانوا من صعوبات شديدة للحصول على مقعد جامعي من خلال دخولهم لامتحانات اليوس والسات وقد أثبتوا جدارتهم وحصلوا على معدلات عالية جدًا في الامتحانين، ولم يتوقف الأمر هنا بل أيضًا تفوقوا في الجامعة وقصص النجاح تشهد على ذلك ولا تخفى على أحد وهناك العديد من الطلاب السوريين يعمل ليؤمن قسط الجامعة ومنهم من يعمل ليؤمن قسط الجامعة ويعيل أهله في آن واحد، ومع ذلك يتميزون في فروعهم، فهذه الفئة بالتأكيد لو لم يؤمن لها منحة أو معيل، فالخيار الأفضل هو الاتجاه للعمل وترك الجامعة وهذه الفئة ليست قليلة أبدًا وسنخسر عقول وجهود بخسارة هؤلاء الطلاب”.
في السياق ذاته يقول السقا: “يسبب الموضوع مشكلةً كبيرةً عند الطلاب السوريين الذين يعيش أغلبهم تحت خط الفقر في تركيا ويعاني صعوبة في تلبية حاجاته اليومية، فعبء الرسوم الدراسية يضيف أعباءً إضافية إلى حياته، والطالب المتفوق الذي يطمح لدراسة الطب والصيدلة كان ضحية كبرى لأن أقساط هذه الكليات أصبحت تكلفه آلاف الدولارات سنويًا وهو ما لا تقدر عليه الأسر السورية، فالطالب بهذه الحالة سيفقد حلمه في إتمام مسيرته التعليمية وهو الخطر الأكبر الذي يهدد السوريين”.
لا يوجد سند للطالب السوري
وبالطبع فإن رفع الرسوم ومعاملة الطالب السوري اللاجئ معاملة الطالب الأجنبي سيكون له أثر سلبي في مسيرة الحياة الجامعية، ويتوقع أحمد سامح أن تتناقص أعداد الطلبة الجامعيين إلا بحالة التراجع عن القرار أو وجود منح تتكفل بالطلاب السوريين: “الأمر متروك للأقساط وهل من الممكن أن تعود كما كانت عليه سابقًا أو هل سيقدم منح للطلاب الذين لن يتمكنوا من دفع مثل هذه الرسوم”.
يشير سامح إلى أن اتحاد الطلبة السوريين يعمل الآن على التواصل مع اللجنة السورية التركية المشتركة لشرح الحالة والنظر في حل لهذا الأمر، ووزارة التعليم العالي وأيضًا الـYTB المعنية بتقديم المنح، ويشير سامح إلى أنهم “يعملون جاهدين للوصول إلى حل لهذا الموضوع، ونحن أيضًا على اطلاع دائم على المتغيرات التي تمس الطالب السوري، فهنالك ما يقارب الـ5000 طالب سوري في الأردن لن يستطيعوا دخول الجامعة بسبب غلاء الرسوم هناك والمنح المقدمة لا تُسد هذه الحاجة. وأيضًا في تركيا على تواصل مع الاتحادات الطلابية السورية المنتسبة لنا لنعلم مجريات الأحداث وما التدابير الممكنة التي نستطيع فعلها للحد من المشكلة، ونعمل على التواصل مع جهات من شأنها تقديم منح تَسد مصاريف الطالب الشهرية”.
إلا أن سعيد السقا يرى أن “المؤسسات الطلابية السورية غير منظمة كفاية للعديد من الأسباب لعل أبرزها ضغوطات الحياة على الطلاب، فوجد في بعض الجامعات محاولات من الفرق الطلابية فيها لكنها باءت بالفشل لضعف تنظيم هذه الفرق وانخراطها الفاعل في المؤسسات الطلابية التركية أو الأجنبية مما لا يعكس أثر فعلي لها لدى الجامعات التركية، لكن عمل منظم على مستوى اتحادات الطلبة أو هيئات الطلبة لم أسمع به ولربما كان موجودًا لكن لم يصلنا صداه”.
مع كل الجدل القائم على موضع الطلبة السوريين في تركيا، فإن مؤسسات المعارضة السورية لم تنبس ببنت شفة ولم تتدخل في الموضوع، تاركة الطلبة لمصيرهم يواجهونه منفردين بلا سند أو صوت.