دخلت الأزمة السياسية المستفحلة في الصومال مرحلة جديدة بعدما أعلن الرئيس محمد عبد الله فرماجو أنه قام بتعليق صلاحيات رئيس الوزراء محمد حسين روبلي، لا سيما الإقالات والتعيينات، ريثما يتمّ الانتهاء من الانتخابات الفيدرالية التي كُلِّفت اللجان المستقلة بالإشراف عليها، بينما رفض رئيس الحكومة روبلي قرار الرئيس فرماجو، ووصفه بـ”الباطل وغير القانوني والمخالف لدستور البلاد”.
الصراع بين الرئيس الصومالي فرماجو ورئيس وزرائه روبلي تصاعدَ بصورة دراماتيكية في الأشهر الأخيرة، خصوصًا بعدما أقال روبلي رئيس جهاز الأمن والمخابرات الوطنية فهد ياسين (يوصف بأنه مقرَّب من الرئيس)، على خلفية إدارته التحقيق في اختفاء الموظفة في الجهاز إكرام تهليل، إلا أن الرئيس فرماجو ألغى في البداية قرار رئيس الحكومة ووصفه بـ”غير الشرعي وغير الدستوري”، وعيّن للجهاز مديرًا آخر من اختياره، لكنه اضطر لاحقًا إلى قبول إطاحة ياسين من المخابرات وقام بتعيينه مستشارًا لشؤون الأمن القومي.
ملف الانتخابات.. نجاح باهر لروبلي
كانت العلاقة جيّدة بين الرجلَين، الرئيس فرماجو الذي تمَّ انتخابه عام 2017 رئيسًا للبلاد، ورئيس الوزراء روبلي، والأخير هو مهندس عاشَ في السويد لفترة من الزمن، حيث تقلّد وظيفة في منظمة العمل الدولية، ولم يشغل منصبًا سياسيًّا من قبل في الصومال حتى اختاره الرئيس فرماجو العام الماضي ليكون رئيسًا للحكومة بعد شهرَين من إعفاء رئيس الوزراء السابق حسن علي خيري.
أسند فرماجو إلى رئيس الوزراء روبلي مهمة إيجاد حلّ توافقي لأزمة الانتخابات، التي كانت واحدة من أسوأ الأزمات السياسية في الصومال خلال السنوات الأخيرة، التي حدثت نتيجة لقرار اتخذه الرئيس بتمديد ولايته الرئاسية في أبريل/ نيسان الماضي.
بموجب نظام الانتخابات غير المباشرة المعمول به حاليًّا، وفي ظل عدم تطبيق التعددية الحزبية انتخابيًّا، يختار شيوخ القبائل نوّاب البرلمان، على أن يختار النواب الجدد رئيسًا جديدًا للبلاد.
بالفعل نجحَ روبلي في جمع كل الأطراف حول طاولة المفاوضات، فاتفقوا على جدول زمني للانتخابات، وشكّل هذا الحدث إنجازًا كبيرًا له، وجعله يحظى بشعبية كبيرة وسط المواطنين الصوماليين، فقد كادت الأزمة الدستورية وانسداد الأفق السياسي أن يَفتِكا بالاستقرار النسبي الذي يشهده الصومال.
لكنّ الاتفاق الذي تمَّ أواخر مايو/ أيار وقضى بإجراء الانتخابات التشريعية في غضون 60 يومًا، لم يتم تنفيذه حتى الآن بسبب تعقيدات المشهد الصومالي، إذ يعتقد بعض المراقبين أن المشكلة المترسِّخة في العديد من الدول الإفريقية، ومن بينها الصومال، هي أنه لم يتم توطيد مفهوم الدولة الوطنية، حيث يرتبط ولاء عدد كبير من المواطنين بالقبيلة والعشيرة وليس الدولة، وهذه إحدى المشكلات التي يعاني منها الصومال.
فبموجب نظام الانتخابات غير المباشرة المعمول به حاليًّا، وفي ظل عدم تطبيق التعددية الحزبية انتخابيًّا، يختار شيوخ القبائل نوّاب البرلمان، على أن يختار النواب الجدد رئيسًا جديدًا للبلاد.
بداية الصراع بإقالة رئيس الوزراء مسؤولَين أمنيَّين
إذا عُدنا إلى الصراع بين الرئيس فرماجو ورئيس الوزراء روبلي، نجد أن الخلاف قد بدأ يطفو إلى السطح في يوليو/ تموز الماضي، عندما أقال روبلي مسؤولَين أمنيَّين بارزَين، هما عبد الله كلني جيس، مدير شؤون الموظفين في جهاز المخابرات، ومساعده الأيمن عبد الوهاب شيخ علي، مدير وحدة المخابرات في مطار مقديشو، عقب اعتراضهما على مغادرة مواطنين صوماليين، من بينهم عثمان نور حاج معلّمو، المحافظ السابق لمحافظة غيدو التابعة لولاية جوبالاند، كانوا متّجهين إلى مدينة غربهاري بمحافظة غيدو، في خطوة اعتبرها مكتب رئيس الوزراء خرقًا لقراره الأخير إزاء حرية الحركة والتنقل للمواطنين داخل البلاد وخارجها.
زاد توتر العلاقات بين الرئيس الصومالي ورئيس وزرائه عندما قام الثاني بزيارة إلى العاصمة الكينية نيروبي في أغسطس/ آب، ليباشر تقاربًا بين البلدَين رغم أن الرئيس حظر إبرام اتفاقات مع كيانات أجنبية قبل الانتخابات.
قبل هذه الزيارة بيوم واحد، أمرَ رئيس الوزراء الصومالي روبلي بإعطاء مؤسسات الحكومة صلاحيات كاملة فيما يخص حماية المصالح القومية والدستورية، إلى جانب الاتفاقيات الدولية بما فيها إبرام تفاهمات دبلوماسية واتفاقيات تجارية مع دول العالم، مخالفًا بذلك قرار الرئيس محمد عبد الله فرماجو الذي يمنع المؤسسات الحكومية من إبرام اتفاقيات مع جهات دولية خلال فترة الانتخابات.
وقال روبلي في بيان: “الحكومة هي أعلى سلطة تنفيذية في البلاد وفق البند 97 من الدستور المؤقت”، وأشار البيان إلى أن رئيس الحكومة يعتزم مواصلة جهوده المحلية لحين الانتهاء من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في البلاد، كما سيعمل على تحسين علاقة بلاده مع الخارج لضمان وتحقيق مصالح الشعب الصومالي.
قضية تهليل تفجِّر سلسلة قرارات
أما القضية التي ضاعفت الصراع بين الرئيس ورئيس وزرائه، فكانت قضية اختفاء موظفة شابة في جهاز الاستخبارات الصومالي تُدعى إكرام تهليل (25 عامًا)، إذ نشرت وسائل إعلام حكومية على مواقعها في مطلع سبتمبر/ أيلول الحالي، خبرًا مفاده أن حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة اختطفت الضابطة المختفية منذ يونيو/ حزيران وقتلتها، وهي رواية لم تقنع أهل المجني عليها وقطاعًا عريضًا من الشعب الصومالي.
إكرام تهليل، ضحية الفساد والعصابات الإجرامية التي تحكم البلاد، عادت من الغربة لتساعد في عملية بناء الدولة، فقتلت وقتل حلمها. الله يغفر لها ويعوض شبابها بالجنة ? pic.twitter.com/OaO15KcLph
— خَضَر. ?? (@KhadarA_Mohamed) September 2, 2021
زادت الشكوك حينما قامت حركة الشباب بتبرئة ساحتها، فنشرت بيانًا في اليوم التالي لاتِّهام الحكومة، تنفي فيه تورُّطها في اختفاء إكرام، إذ قالت: “لا نعلم شيئًا عن مقتل إكرام تهليل الموظفة في جهاز المخابرات والأمن الوطني، وقد صدمنا بإلصاق جهاز مخابرات حكومة الردة (الفيدرالية)، جريمة قتلها بنا كما صُدم بذلك الشعب الصومالي أيضًا”.
بعد صدور ذلك البيان، حدثت اضطرابات أمنية في مدينة بلدوين أدّت إلى اختطاف فتية تربطهم قرابة برئيس جهاز المخابرات، فهد ياسين، في خطوةٍ بدت وكأنها ثأر قَبَلي بين أبناء عشيرة إكرام تهليل وعشيرة رئيس جهاز المخابرات، وهو ما استنكرته القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني التي ألمحت إلى أن هذه الخطوة قد تحرف القضية عن مسارها الصحيح، وفقًا لموقع “الصومال الجديد”.
ومع تصاعد التطورات، حدّد رئيس الوزراء محمد حسين روبلي، في وقت متأخر من مساء 4 سبتمبر/ أيلول الحالي، لرئيس جهاز المخابرات والأمن الوطني مهلة 48 ساعة ليقدّم خلالها تقريرًا وافيًا ومقنعًا حول هذه القضية.
وفي 5 سبتمبر/ أيلول، بعث رئيس جهاز المخابرات فهد ياسين برقيةً إلى رئيس الوزراء يطالبه فيها بانعقاد اجتماع مجلس الأمن القومي، ليوافيه بحقيقة قضية إكرام تهليل.
استمرَّ الصراع بين الرجلَين، فقد قام رئيس الوزراء روبلي بإقالة وزير الأمن حسن حندوبي جمعالي، وعيّن مكانه عبد الله محمد نور المعارض للرئيس، فرفض فرماجو هذا القرار معتبرًا أنه “باطل” دستوريًّا.
لكنّ روبلي قرّر إقالة فهد ياسين رئيس جهاز المخابرات، وعيّن بدلًا عنه الجنرال بشير غوبي كرئيس مؤقت للجهاز، فكانت هذه الخطوة السبب المباشر لتصاعُد وتيرة الخلافات بين روبلي وفرماجو.
بعدها أصدر الرئيس فرماجو قرارًا بتعيين فهد ياسين مستشارًا لشؤون الأمن القومي بعد “استقالته” عن رئاسة جهاز المخابرات حسبما جاء في بيان الرئاسة الصومالية، الذي وردَ فيه أيضًا قرار بتعيين ياسين فري رئيسًا لجهاز المخابرات والأمن الوطني، في خطوة معاكسة لقرار رئيس الوزراء تعيين الجنرال بشير غوبي رئيسًا للجهاز.
يقول مراقبون إن الرئيس فرماجو يشعر بالامتنان لياسين، وهو الصديق المقرّب له الذي كان مهندس فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2017، بيد أن رئيس الوزراء روبلي اتّهمَ الرئيس بـ”عرقلة” تحقيق حول اختفاء الموظفة الشابة إكرام تهليل، معتبرًا أن قرارات فرماجو الأخيرة تشكّل “تهديدًا وجوديًّا خطيرًا لنظام الحكم في البلاد”.
استمرّ الصراع بين الرجلَين، فقد قام رئيس الوزراء روبلي بإقالة وزير الأمن حسن حندوبي جمعالي، وعيّن مكانه عبد الله محمد نور المعارض للرئيس، فرفض فرماجو هذا القرار، معتبرًا أنه “باطل” دستوريًّا.
لاحقًا، قام الرئيس فرماجو بإصدار قرار سَحَبَ بموجبه “السلطات التنفيذية” من رئيس الوزراء محمد حسين روبلي، وقال مكتب الرئيس في بيان: “انتهك رئيس الوزراء الدستور الانتقالي لذا تُسحب منه صلاحياته التنفيذية (..) لا سيما صلاحية إقالة و/ أو تعيين مسؤولين إلى حين إجراء الانتخابات”. لكنّ رئيس الوزراء الصومالي أعلن من جهته “رفضه القرار غير القانوني والذي لا أساس له” الصادر عن الرئيس والقاضي بتعليق سلطاته التنفيذية.
خطورة الصراع بين الرجلَين
حذّر تقرير مطوّل لمجموعة الأزمات الدولية من مدى خطورة الخلاف بين الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو ورئيس الوزراء محمد حسين روبلي، معتبرةً أن الأطراف الصومالية “تلعب بالنار”.
ووجّهت الأزمات الدولية تحذيرًا للرئيس وأنصاره داعية للتوقف عن أي محاولة لحجب الثقة عن رئيس الحكومة روبلي، وحثّ تقرير المجموعة المجتمع الدولي على اتخاذ موقف صارم من القادة الصوماليين والقيام بفرض عقوبات على أولئك الذين يعرقلون العملية الانتخابية، وطالب التقرير السلطات القضائية في البلاد بالتحقيق في قضية إكرام تهليل وتقديم نتائجه بشكل علني حفاظًا على النزاهة والحيادية.
تسود مخاوف من حدوث تصعيد عسكري داخلي في مقديشو، فقد شوهدت وحدة عسكرية على ارتباط وثيق بالرئاسة تحرس مباني جهاز الاستخبارات نهاية الأسبوع الماضي.
واختتمت المجموعة تقريرها بالتحذير من أن الصراع بين اثنين من كبار القادة الصوماليين، يمكن أن يقوِّض القدر الضئيل من الاستقرار الذي تتمتّع به البلاد، وأن الأزمة الحالية تشتِّت انتباه السياسيين عن الأولويات الأخرى، بما في ذلك تقديم الخدمات للصوماليين.
كما تسود مخاوف من حدوث تصعيد عسكري داخلي في مقديشو، فقد شوهدت وحدة عسكرية على ارتباط وثيق بالرئاسة تحرس مباني جهاز الاستخبارات نهاية الأسبوع الماضي، وتحدّث لـ”الجزيرة نت” عنصر من الجهاز -دون كشف اسمه- عن وضع “متوتر” وموظفين “مرتبكين”، مضيفًا “يبدو أن بعض الضبّاط أخذوا طرفًا”.
كيف ستنتهي الأزمة؟
يلفتُ تقرير مجموعة الأزمات الدولية المشار إليه أعلاه، إلى أن الرئيس فرماجو والدائرة المقرَّبة منه يفكّرون في اتخاذ قرار بعزل رئيس الوزراء روبلي، وحذّر التقرير من خطورة هذه الخطوة، ربما للشعبية التي اكتسبها روبلي بعد نجاحه في إيجاد حلٍّ توافقي لأزمة الانتخابات، ولقراراته الأخيرة المتعلقة بقضية إكرام تهليل.
غير أن الرئيس فرماجو لا يزال يحتفظ بقدرٍ من الشعبية بدعم من قبيلته، ولأنه يصعب التحقُّق من حجم جماهيرية الرجلَين من دون دراسة أو استطلاع رأي محايد، يكفي جدًّا أن نقول إن الرأي العام الصومالي منقسم بين الزعيمَين، لذلك تبدو فرضية قيام الرئيس فرماجو بإعفاء رئيس الوزراء روبلي غير مأمونة العواقب في ظل هذا الوضع المتأزِّم.
يبرز الاحتمال الثاني، وهو إطاحة رئيس الوزراء برئيس الجمهورية، فقد تغري التطورات الأخيرة رئيس الحكومة روبلي على تنفيذ “انقلاب أبيض” ضد الرئيس، مستفيدًا من خلافات الأخير مع قوى المعارضة ورؤساء الإقليم، وقد أشار روبلي في بيان سابق (ضمنًا) لهذه الخطوة عندما اتّهمَ رئيس الجمهورية بـ”عرقلة” تحقيق حول اختفاء الموظفة الشابة إكرام تهليل، معتبرًا أن قرارات فرماجو الأخيرة تشكّل “تهديدًا وجوديًّا خطيرًا لنظام الحكم في البلاد”.
ومع ذلك، فإن خطوة انقلاب روبلي على فرماجو ستكون محفوفة بالمخاطر في ظلِّ انتشار السلاح والميليشيات المقاتلة، إلى جانب الرفض المتوقَّع من شركاء الصومال الغربيين، وقد أعربَ الممثِّل الخاص للأمم المتحدة في الصومال، جيمس سوان، عن قلقه العميق إزاء الخلاف المتزايد بين الرئيس فرماجو ورئيس حكومة تصريف الأعمال روبلي.
الاحتمال الأخير الذي يخشاه الصوماليون هو أن تتفاقم حدة الأزمة السياسية التي تشهدها بلادهم، في ظل انعدام الثقة وانسداد الأفق وغياب روح المرونة لكل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.
الاحتمال الثالث، يرى موقع “الصومال الجديد” أن استقالة أحد الطرفَين من شأنه أن يعجّل باحتواء الأزمة السياسية والدستورية القائمة، ويقول متابعون إن استقالة الرئيس المنتهية لولايته من شأنها أن تضع حدًّا لهذه الأزمة، أكثر من استقالة روبلي الذي من الممكن إن استقال عن منصبه أن تبقى قضية إكرام تهليل على حالها ولربما تتطور إلى مراحل تصعيدية، كما أن استقالة فرماجو قد تساهم -حسب المتابعين- في تحسين السمعة السياسية له التي تشوّهت أكثر بسبب مواقفه الرافضة إزاء تحويل ملف إكرام تهليل إلى القضاء والمحاكم المختصة به، حسب الموقع.
ويتمثل الاحتمال الرابع في نجاح الوساطة واستجابة طرفَي الصراع إلى المناشدات الدولية، فبحسب مقرّبين من مكتب رئيس الوزراء هناك وساطة يرعاها كل من رئيس إقليم جلمدغ، أحمد قورقور، ورئيس إقليم جنوب غربي الصومال، عبد العزيز محمد حسن، وتتسرّب أنباء مفادها أن روبلي يتمسّك بعدة ملفات، من بينها عدم دخول مساومات في قضية إحقاق العدالة لذوي الموظفة إكرام تهليل، وكذلك تكليف بشير جوبي مديرًا للمخابرات والأمن الوطني.
أما الاحتمال الأخير الذي يخشاه الصوماليون، فهو أن تتفاقم حدة الأزمة السياسية التي تشهدها بلادهم، في ظلِّ انعدام الثقة وانسداد الأفق وغياب روح المرونة لكل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وهو ما ينذرُ بتجدُّد المواجهات المسلحة في العاصمة وأجزاء أخرى من الصومال، ما يؤدي إلى عودة القتال وتعطيل الانتخابات المقررة في أكتوبر/ تشرين الأول القادم، وربما تستفيد حركة الشباب من هذا الوضع السياسي المتأزِّم، ذلك أن الصراعات بين كبار الزعماء السياسيين تُقلق وتشتِّت تركيز القادة الأمنيين.