منذ الإطاحة بنظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير في أبريل/نيسان 2019، لم تشهد البلاد أي استقرار سياسي ولا اقتصادي ولا حتى أمني، فقد ظلت تخرج من أزمة لتقع في أزمة أخرى، إما صراع بين مكونات قبلية في اتجاه ما من اتجاهات السودان، شرقًا وغربًا وجنوبًا، وإما انفلات أمني في العاصمة الخرطوم.
أما الاحتقان السياسي والتدهور الاقتصادي فلم يتوقفا مطلقًا طيلة العامين الماضيين، فلم يشرق صباح من دون أن يكون هناك تراشق إعلامي بين مكونات الحكومة الانتقالية نفسها بشقيها المدني والعسكري، كما لم تنجح خطط الحكومة في السيطرة على التدهور الاقتصادي ناهيك بمعالجته بشكل كامل.
غير أن المحاولة الانقلابية المزعومة التي كُشف عنها صباح يوم الثلاثاء الماضي، فجرت أزمة سياسية كبيرة بين المكونين المدني والعسكري، فقد شن كل من رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو “حميدتي” هجومًا عنيفًا على الحكومة المدنية والأحزاب السياسية المشاركة في السلطة الانتقالية.
البرهان وحميدتي يحملان المدنيين المسؤولية
كان من اللافت أن رئيس مجلس السيادة ونائبه لم يدينا ما وُصفت بالمحاولة الانقلابية، ولم يهاجما “الانقلابيين”، بل صبا جام غضبهما على الأحزاب السياسية والشق المدني، واتهموها بالتسبب في الانقلاب العسكري المزعوم.
لا يُنكر أي شخص ضعف الحكومة المدنية وإحباط عامة الشعب منها بسبب سوء الأداء الذي لازمها طيلة الفترة الماضية، بالإضافة إلى كثرة التشاكسات بين مكوناتها الحزبية، وطريقة تشكيلها من الأساس، إذ قامت من البداية على محاصصة حزبية بين أجسام الحاضنة السياسية “قوى الحرية والتغيير”.
لكن الهجوم المنسق للبرهان وحميدتي على الحكومة المدينة ورمي كل الفشل عليها أثار دهشة واسعة داخل البلاد وخارجها، فالمكون العسكري مسؤول بالدرجة الأولى عن الملف الأمني، وقد فشل تمامًا في التصدي للتفلتات الأمنية والحد من النزاعات القبلية والتقليل من حوادث النهب والقتل في المدن الكبيرة، وفي أماكن تقع على مرمى حجر من القصر الجمهوري حيث مكتب رئيس مجلس السيادة ونائبه.
من الغريب أن يتحدث حميدتي عن معاناة الشعب وفقره، لأنه لا يمكن أن يشعر بهذه المعاناة، فشركاته تصدر أطنان الذهب المنهوب إلى الإمارات
أما انتقاد البرهان وحميدتي الأحزاب بسبب صراعاتها على المناصب، فهذا يمكن قبوله أو تفهمه ممن هم خارج السلطة، لكنه انتقاد فريد من اثنين يجلسان على أعظم مقعدين من مقاعد السلطة، وكل واحد منهما يصارع الآخر ويصارع الحكومة المدنية على المزيد الصلاحيات والسلطات.
كذلك جاء انتقادهما لأداء الحكومة الانتقالية الاقتصادي، بينما لا تزال شركات الجيش والدعم السريع وجهاز المخابرات تزاحم القطاع الخاص في قطاعات التعدين والزراعة وتصدير الثروة الحيوانية وغيرها، هذه الشركات التابعة للأجهزة الأمنية والعسكرية لا تخضع لأي نوع من أنواع الرقابة، وقد صرح رئيس الوزراء حمدوك ذات يومٍ موضحًا أن “استعادة الشركات الاقتصادية التابعة للقطاعين الأمني والعسكري تحظى بأولوية قصوى من الحكومة من أجل تبعية وولاية وزارة المالية على المال العام”، مشيرًا إلى أن “وزارة المالية لديها ولاية على 18% من الإيرادات فقط في حين 82% من الإيرادات لا تورد إلى الميزانية”.
وكان من الغريب أيضًا أن يتحدث حميدتي عن معاناة الشعب وفقره، لأنه لا يمكن أن يشعر بهذه المعاناة فشركاته تصدر أطنان الذهب المنهوب إلى الإمارات كما ذكر تقرير وكالة رويترز التي أوضحت أن قائد الدعم السريع كون ثروة تقدر بملايين الدولارات من تهريب الذهب، كذلك استغرب الذين سمعوا خطاب الرجلين “البرهان وحميدتي” حديثهما عن الثورة والثوار بينما يعلمان تمامًا أن الاتهامات تطاردهما في مجزرة فض اعتصام القيادة العامة و17 اعتصامًا آخر تم فضهم جميعًا فجر الـ29 من رمضان عام 2019.
وزير شؤون مجلس الوزراء خالد يوسف رد على البرهان وحميدتي قائلًا: “حديث رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان عن وصاية الجيش على البلاد بسبب الانقسامات السياسية، هو تكرار لتاريخ الانقلابات السابقة في البلاد وتهديد مباشر للمرحلة الانتقالية”.
وأضاف يوسف في مقابلة مع قناة الجزيرة ضمن برنامج “بلا حدود”، أن المكون المدني في مجلس الوزراء لن يقبل بهذا الهجوم وسيواجهه، وردًا على اتهام البرهان للقوى المدنية بالتنافس على السلطة ومحاولة إقصاء الآخرين بما في ذلك القوات المسلحة، أوضح المسؤول السوداني أنه لن يقبل بهذا الهجوم وسيواجه ذلك عبر تصحيح الأوضاع.
هل كانت هناك محاولة انقلاب فعلًا؟
منذ تشكيل الحكومة الانتقالية عام 2019، أُعلن عن عدة محاولات انقلابية في البلاد، لكن لم يتضح للرأي العام السوداني أنه قد جرت محاكمات للمتهمين بهذه المحاولات، قبل أن يتم الإعلان الثلاثاء الماضي عن محاولة جديدة تم القضاء عليها في ذاك اليوم، الأمر الذي أثار شكوكًا بشأن حقيقة وجود محاولة انقلابية من عدمها، وأشار مراقبون ومحللون عسكريون إلى أن تنفيذ عملية انقلابية في ظل الأوضاع الحاليّة أمر ليس بالسهولة التي تم إعلانها، مؤكدين أن الانقلابات العسكرية أصبحت شيئًا من الماضي ولم تعد هناك بيئة خصبة لذلك كما كان في السابق.
بعد الكشف عن المحاولة من المكون العسكري في الحكومة الانتقالية، ثم إعلان السيطرة على الأوضاع، اعتبر العديد من الناشطين السياسيين أن ما حدث مجرد مسرحية لانقلابٍ قادمٍ ربما تمثل في تمسُك المكون العسكري في السلطة بمنصب رئيس مجلس السيادة وعدم تسليمه للمدنيين كما تنص الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية.
يستند أصحاب هذا الرأي إلى أن رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان صرح في خطابه بأنه لن يسلم السلطة إلا لحكومة منتخبة، ما يعني فعليًا أنه سيتمسك بمنصب رئيس المجلس ولن يسلمه إلى المدنيين في الفترة المحددة التي نصت عليها الوثيقة الدستورية، زاعمًا أن الجيش هو الوصي على الشعب السوداني خلال الفترة الانتقالية.
لم يتفاعل الناس مع دعوة عضو مجلس السيادة محمد الفكي عبر فيسبوك إلى “هبة شعبية” للدفاع عن الانتقال
كما يجزم الناشط المعروف أسعد التاي وهو ضابط سابق في القوات المسلحة السودانية أن كل ما حدث مجرد تذمر من عدد من ضباط وأفراد القوات المسلحة احتجاجًا على رداءة أوضاعهم الاقتصادية، مشيرًا إلى أن المدنيين أمامهم فرصة للاستفادة من أخطائهم وتوحيد الصفوف لاستعادة الشعبية التي فقدوها بسبب سوء أدائهم في الفترة الماضية.
ويلفت العديد من الناشطين إلى أن كل ما خرجت لأجله الجماهير في ديسمبر/كانون الأول 2018، وأطاحت بسببه بنظام البشير موجود في الفترة الانتقالية، ما جعل الشارع العام يشعر بغضبٍ وإحباطٍ شديدين من المسار المتخبط الذي تسير عليه الحكومة المدنية، بقيادة عبد الله حمدوك، لذلك لم يتفاعل الناس مع دعوة عضو مجلس السيادة محمد الفكي عبر فيسبوك إلى “هبة شعبية” للدفاع عن الانتقال.
دعم قوي لحمدوك بعد الانقلاب وواشنطن تتجاهل البرهان
بعد ساعات فقط من إذاعة نبأ المحاولة الانقلابية توالت ردود الفعل الدولية التي أجمعت على إدانة المحاولة الانقلابية، مؤكدة دعمها لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك بالتحديد.
كان على رأس تلك المنظمات مجلس الأمن الدولي الذي أدان بأشد العبارات محاولة تعطيل عملية الانتقال في السودان بالقوة، وجدد أعضاء مجلس الأمن بالإجماع في بيان صحفي دعمهم الكامل لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك في مساعيه لإتمام المرحلة الانتقالية بنجاح وتحقيق آمال وتطلعات الشعب السوداني في مستقبل سلمي وشامل ومستقر وديمقراطي ومزدهر.
وحث أعضاء المجلس جميع أصحاب المصلحة السودانيين على المشاركة البناءة في المبادرة الوطنية التي أطلقها حمدوك والمعروفة باسم “الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال-الطريق إلى الأمام”، وشجعوا كذلك الجهات الفاعلة المدنية والعسكرية في السودان على البقاء ملتزمين ومواصلة العمل بروح التعاون والمشاركة لتحقيق هدف الانتقال الشامل للسودان على النحو المبين في الوثيقة الدستورية واتفاقية جوبا للسلام، وفقًا للبيان.
من جانبها أدانت وزارة الخارجية الأمريكية المحاولة الانقلابية، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس في بيان إن الولايات المتحدة تؤكد دعمها لعملية التحول الديمقراطي الجارية في السودان.
ودعا البيان إلى مساءلة جميع المتورطين في إطار إجراءات قانونية عادلة، مضيفًا أن الإجراءات المناهضة للديمقراطية تقوض دعوة الشعب السوداني إلى الحرية والعدالة وتضع الدعم الدولي للسودان، بما في ذلك العلاقة الثنائية مع الولايات المتحدة، في خطر.
بيد أنه كان من اللافت احتواء البيان الأمريكي على العبارة الآتية “ندين أي تدخل خارجي يهدف إلى بث التضليل وتقويض إرادة الشعب السوداني”، فالبيان لم يوضح طبيعة التدخل الخارجي الذي يهدف إلى التضليل.. هل مقصود به منصات إعلامية خارجية أم تدخل خارجي مباشر من دول الجوار وغيرها يهدف إلى تقويض العملية الانتقالية واستبدالها بحكم عسكري شمولي؟
البيت الأبيض الذي نادرًا ما يعلق على أحداث خارجية، أصدر بيانًا بشأن اتصال هاتفي أجراه مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان مع حمدوك، أكد فيه المستشار الأمريكي أن أي محاولة من الجهات العسكرية لتقويض الإعلان الدستوري في السودان سيكون لها عواقب وخيمة على العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والسودان والمساعدات المخطط لها.
كما أشار سوليفان إلى أن المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الإفريقي جيفري فيلتمان سيسافر إلى السودان الأسبوع المقبل لتأكيد دعم الولايات المتحدة لعملية الانتقال التي يقودها المدنيون ومناقشة التحديات الأمنية الإقليمية.
أما أهم نقطة في بيان البيت الأبيض فهي نقل مستشار الأمن القومي دعوة من الرئيس بايدن لحمدوك للاجتماع معه في واشنطن، فالملاحظ أن الإدارة الأمريكية الحاليّة تجاهلت البرهان تمامًا على عكس إدارة ترامب، إذ كان وزير خارجيته بومبيو يجري اتصالات مباشرة مع البرهان إلى جانب اتصالاته مع حمدوك.
الكونغرس الأمريكي أيضًا علق على الحدث، فقد أصدر رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، الديمقراطي جريجوري ميكس ومعه عدد من أعضاء اللجنة من الحزبين، بيانًا مشتركًا قالوا فيه إنهم “يدينون بشدة أي جهود تقوض تقدم السودان نحو نظام سياسي بقيادة مدنية تحترم حقوق الإنسان وسيادة القانون”.
وأضاف البيان “الكونغرس سيواصل دعم المبادرات التي تعزز السلام الدائم والديمقراطية في السودان من خلال الحكومة الانتقالية التي يقودها المدنيون”، وأشار بيان لجنة الشؤون الخارجية، إلى أن هذا الدعم يتطلب “التزامًا قويًا” لدفع وإضفاء الطابع الرسمي على عمليات السلام في السودان مع التقدم نحو السيطرة المدنية على المؤسسات الأمنية السودانية والإصلاحات الاقتصادية والرقابة القوية على النفقات المالية الحكومية.
أما لجنة العلاقات الخارجية في الغرفة الثانية للكونغرس “مجلس الشيوخ”، فلم تتأخر، بل إن لهجتها جاءت أقوى بكثير، إذ هدد السيناتور الجمهوري البارز جيم ريتش، بأن أي محاولة من عناصر الجيش السوداني أو نظام البشير للإطاحة بحمدوك بالقوة أو تقويض القيادة المدنية، ستعرض العلاقة الثنائية بين السودان وواشنطن للخطر.
Any effort by elements of the Sudanese military or former Bashir regime to remove @SudanPMHamdok CLTG, by force or undermine civilian leadership, will jeopardize the US bilateral relationship, debt relief, over $1B in pledged US assistance & int’l goodwill toward #Sudan‘s future.
— Senate Foreign Relations Committee Ranking Member (@SenateForeign) September 23, 2021
وأشار السيناتور ريتش الذي يشغل منصب كبير الجمهوريين في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ، في تغريدة على “تويتر”، إلى أن خطوة إزاحة رئيس الوزراء حمدوك أو المدنيين من الحكومة الانتقالية في السودان ستؤدي كذلك إلى إعاقة جهود تخفيف الديون وستسفر عن حجب أكثر من مليار دولار من المساعدات التي تعهدت بها الولايات المتحدة للسودان.
من جهته رد رئيس اللجنة، السيناتور بوب مينينديز، على البرهان قائلًا إن الولايات المتحدة قد تعيد فرض العقوبات على السودان إذا أطاحت ما وصفها “القوى المناهضة للديمقراطية” بالحكومة المدنية.
In the same manner the United States lifted sanctions, it can reimpose them if anti-democratic forces topple Sudan’s government. The military must stay in the barracks. I will continue to support a civilian-led transition in Sudan & accountability for human rights abuses. https://t.co/D78sgbYHVd
— Senate Foreign Relations Committee (@SFRCdems) September 23, 2021
وأضاف قائلًا “يجب أن يبقى الجيش في الثكنات. سأستمر في دعم انتقال بقيادة مدنية والمساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان في السودان”.
بهذا تكون الحكومة المدنية بقيادة حمدوك نالت دعمًا قويًا من الولايات المتحدة بكل مؤسساتها: البيت الأبيض والخارجية والكونغرس بغرفتيه (مجلس الشيوخ ومجلس النواب) ومن الحزبين (الديمقراطي والجمهوري).
هل يسعى البرهان للانقلاب؟
هذا السؤال تردد كثيرًا خلال اليومين الماضيين، ويرى كثير من الشباب الذين شاركوا في الثورة ضد نظام البشير أن العسكر الموجودين في مجلس السيادة خاصة الثلاثي “البرهان وحميدتي وكباشي”، ليس لديهم أي نية لتسليم السلطة للمدنيين.
يستند الشباب إلى المجزرة التي ارتكبها المجلس العسكري فجر الـ29 من رمضان عام 2019، التي كانت انقلابًا فعليًا على الثورة، كان الهدف منه تصفيتها وقيام نظام حكم ديكتاتوري أسوة بنظام السيسي في مصر، لكن مليونية 30 يونيو أجبرت العسكر على التراجع والقبول بالشراكة مع المدنيين بشكل مؤقت لكن الهدف ظل قائمًا، بدليل إغراق البلاد في الأزمات الأمنية والاقتصادية، بما فيها المسؤولية غير المباشرة عن إغلاق مكونات قبلية لموانئ البلاد شرقي السودان، وتحميل المدنيين المسؤولية عن كل هذا الفشل مستغلين ضعف أدائهم وقلة خبرتهم.
بينما يرى فريق آخر أن الهدف من تحركات البرهان وحميدتي هو التهرب من تسليم رئاسة مجلس السيادة للمدنيين في نوفمبر/تشرين الثاني القادم، وهذا ما كشفه فيصل محمد صالح، المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء، الذي أكد أن المكون المدني رفض من قبل مقترحًا من المكون العسكري لتمديد فترة رئاستهم لمجلس السيادة.
يراهن العسكر على انخفاض شعبية المدنيين بفعل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة والآثار السلبية التي أفرزها تعويم العملة ورفع الدعم عن الوقود
وعلى ما يبدو فإن حالة التوجس وعدم الثقة ستسود بين المكونين، ويصعب تصور استمرار الفترة الانتقالية حتى نهايتها، رغم اللهجة الهادئة التي تبناها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان في حواره مع قناة العربية الحدث يوم الخميس الماضي، فمن الواضح أن كلا الطرفين لا يثقان في بعضهما البعض، المكون العسكري يتهم المدنيين بالتحريض والعمل على تشويه صورته أمام الشعب وأن خطة “إصلاح الأجهزة الأمنية والعسكرية” التي يطالب بها المجتمع الدولي هي “خطة تفكيك” للأجهزة، بينما تتهم القوى المدنية العسكريين بالاستحواذ على السلطة والتقاعس عن مهامهم المتمثلة في حفظ الأمن والاستقرار.
ويبدو كذلك أن كلا الطرفين يعد العدة لانهيار اتفاق الشراكة وبالتالي انهيار الفترة الانتقالية، إذ يراهن العسكر على انخفاض شعبية المدنيين بفعل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة والآثار السلبية التي أفرزها تعويم العملة ورفع الدعم عن الوقود، كما يعتمد العسكر كذلك على اصطفاف جزء كبير من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام جوبا معهم، فيما تراهن الحكومة المدنية والأحزاب السياسية بشكل رئيس على شيئين اثنين: أولهما وعي الشعب السوداني بمناهضته للحكم العسكري الشمولي مهما كان غضب الشارع من ضعف أداء الحكومة، أما الشيء الآخر فهو دعم المجتمع الدولي متمثلًا في شركاء السودان الخارجيين: الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وقد بدا ذلك واضحًا خلال اليومين الماضيين كما أسلفنا.