أزمات متلاحقة تقع على اللاجئين السوريين في تركيا خلال الآونة الأخيرة، اعتداءات عنصرية، إشكاليات تلاحق المعلمين، رفع الدعم عن الطلبة السوريين في صفوف الجامعات التركية، بعد ذلك تأتي إلى الواجهة أزمة هي الأكبر ألا وهي الترحيل إلى مناطق الشمال السوري، وذلك فيما بات يُعرف بـ”قضية الموز” التي أثارت جدلًا واسعًا وفتحت باب أسئلة كثيرة لدى اللاجئ في هذه البلاد.
أخذت قضية الصحفي السوري ماجد شمعة الذي تحتجزه السلطات التركية تمهيدًا لترحيله صدى واسعًا وتضامنًا كبيرًا من السوريين في رفض قاطع لفكرة “الترحيل” إلى أماكن غير آمنة، خاصة أنها ما زالت تحت القصف المستمر من النظام وروسيا، وسلطت هذه الحالة الضوء على غياب تضامن مؤسسات المعارضة.
صمت مؤسسات المعارضة عن القضايا التي تهم الشأن العام للاجئين السوريين في تركيا بشكل خاص ليس جديدًا، فتركيا تستقبل ما يزيد على 3.5 ملايين سوري على أراضيها، ويحتاج هذا الرقم الكبير إلى هيئات ومؤسسات تنطق باسمه وتعالج مشاكله، لكن الواضح أن لا أحد يلتفت للمعاناة التي يلاقيها أو يواجهها المعلم والطالب والعامل السوري في بلاد اللجوء.
وفي ظل الغياب الرسمي لمؤسسات المعارضة تبرز في هذه الأيام مبادرات لشخصيات سورية تعمل على ردم الهوة بين السوريين والأتراك وتعمل أيضًا على تغيير نظرة بعض الأتراك للسوريين عبر عدة أدوات، سنتكلم عنها في هذا التقرير.
دور المعارضة السورية
خلال إعداد هذا التقرير قرأت منشورًا على الفيسبوك للدكتور السوري معتز الخطيب الأستاذ في فلسفة الأخلاق، يقول فيه: “أي جسم “سوري” في تركيا يمكن تقويم أدائه ومساءلة مواقف أعضائه وفق أمرين: مدى رعايته لمصالح السوريين اللاجئين والمقيمين، ووجود مسافة تفصل بينه وبين التماهي أو التطابق مع مصالح البلد المضيف على حساب مصالح الجماعة التي ينتمي إليها ويدعي تمثيلها”.
يضيف الخطيب “هذان المعياران يحددان: أولًا: مدى سورية ذلك الكيان، وثانيًا: تمثيله أو عدم تمثيله للسوريين، وإلا فإنشاء كيانات سورية تدعي تمثيلًا لجماعة معينة يمكن أن يُستعمل باتجاهين متضادين: لصيانة مصالح جماعة اللاجئين والدفاع عنهم ونصرة مستضعفيهم وصيانة حقوقهم وكرامتهم أو للإمعان في سلبهم حقوقهم، بادعاء تمثيلهم من كيانات لا تمثلهم ولا تدافع عنهم بل تكون سهمًا في خاصرتهم ووظيفتها إضفاء شرعية “سورية” مفترضة على القرارات الموجهة ضدهم أصلًا، ومن ثم يكون إنشاء مثل هذه الكيانات حاجة “أجنبية” وزبائنية ضد مصالح جماعة اللاجئين أنفسهم!”.
لكي لا نكون في موقف المتحامل على مؤسسات المعارضة السورية وأبرزها الائتلاف السوري المعارض، بحثنا عن إجراءات اتخذها الأخير بحق بعض القضايا التي تهم السوريين في تركيا، فلم نجد أن هذه المؤسسة أو غيرها اتخذت موقفًا من ترحيل السوريين في “قضية الموز” وعلى رأسهم الصحفي ماجد شمعة، فالقضية كانت على رأس اهتمامات السوريين في تركيا خلال الأيام الماضية، وهي قضية خطيرة إذا اعتمدتها السلطات التركية لمعاقبة كل سوري ارتكب جرمًا أو فُهم بشكل خاطئ في قضية ما.
في حين أن الكثير من السوريين طالبوا مؤسسات المعارضة بالتحرك، لكن أعضاء بالائتلاف علا صوتهم ضد الضحايا، إذ يقول محمد الجمال أحد أعضاء الائتلاف في منشور له بلغة الشماتة والرضا عن قرار ترحيل الصحفي شمعة: “لست متعاطفًا مع شخص عمل في قناة منحرفة عميلة مدة طويلة!”، وأضاف “بقي يخدم توجهاتها ويأكل من أموالها الحرام حتى سبّب أزمة كبيرة في مجتمع الهجرة..”!
ليس بعيدًا عن قضية الترحيل، أيضًا خلال الأيام الماضية بدأت حملة لنشطاء سوريين على وسائل التواصل الاجتماعي للضغط باتجاه إعادة فتح معبر باب الهوى لاستئناف إدخال المرضى السوريين وعلاجهم في تركيا، إذ إن أنقرة أغلقت باب استقبال المرضى السوريين ومعالجتهم على أراضيها لأسباب عديدة، لكن التواصلات بين المسؤولين الطبيين في معبر باب الهوى وحملة النشطاء على وسائل التواصل أدت لإعادة تفعيل نظام علاج المرضى السوريين على الأراضي التركية وإنقاذ حياة المئات، وهنا نلحظ غياب المعارضة عن الأمر غيابًا تامًا، إلا من مشاركة بعض الشخصيات في هذه المؤسسات لمنشورات على فيسبوك وتويتر.
وكذا نستطيع الحديث عن الغياب الرسمي للمعارضة عن قضية المعلمين السوريين المفصولين من التدريس في المدارس التركية ومحنتهم وعائلاتهم، وكنا قد أوضحنا في تقرير سابق على “نون بوست” مجريات القضية، بالإضافة إلى إعداد تقرير عن رفع الدعم عن الطلاب الجامعيين السوريين في تركيا والبدء بفرض رسوم عالية لمن أراد دخول الجامعات دون أي تدخل من هيئات المعارضة.
مبادرات فردية لرأب الصدع
غياب مؤسسات المعارضة التي تصدر نفسها ممثلة للسوريين، أتاح الفرصة لبعض الشخصيات المجتمعية كصحفيين ومعلمين ومثقفين سوريين لأداء مهام التواصل مع المجتمع التركي بكل أطيافه سياسيًا واقتصاديًا وتعليميًا للبدء بحل المشكلات العالقة، ويبدو أن المشكلات تحتاج إلى وقت كبير لحلها، إذ إنه خلال عشر سنوات تراكمت الكثير من المشكلات وبات لزامًا العمل على حلها قبل أن يحدث ما لا تحمد عقباه.
ومن أجل فهم أطوار هذا الحراك السوري استضفنا الأستاذ طه غازي الناشط في حقوق اللاجئين الذي ينشط هو ومجموعة من السوريين بالعمل على أكثر من صعيد في مجال حفظ حقوق اللاجئين.
عمل غازي مع بعض الشخصيات السورية على إجراء لقاءات مع مخاتير بعض الأحياء التركية ورؤساء البلديات، كما علموا على لقاء بعض مديري المدارس التي حصلت بها إشكاليات بين طلاب سوريين وأتراك وعملوا على حلها ونزع التوتر الحاصل، كما أنهم التقوا برئيس حزب الشعب المعارض كمال كليتشدار أوغلو في سابقة لم تحصل بين السوريين وهذا الحزب، وذلك في إطار تغيير نظرة البعض من المجتمع التركي تجاه السوريين. ويقول غازي عن مرجعيتهم بالعمل “هذه المرجعية ليست مقترنة بوجودنا بأي جسم أو تشكيل أو منظمة أو هيئة أو مجلس، مرجعيتنا فقط قائمة على شيء واحد وهو حماية وصون حقوق اللاجئ السوري في تركيا داخل كل شرائح المجتمع السوري سواء كان طالبًا أم عاملًا”.
وتكلم غازي عن لقائهم برئيس الحزب الجمهوري وغيره من الأحزاب قائلًا: “فيما يتعلق بلقاءاتنا مع كمال كيليشدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي، وسبقه قبل ذلك لقاء مع علي باباجان رئيس حزب ديفا والوزير السابق، وتبعه لقاء مع مسؤولين من حزب المستقبل ومنظمات حقوقية تركية في لقاء حصل الشهر الماضي بجامعة ميديبول التركية، وسيكون لدينا لقاءات أخرى مع الأحزاب في الفترة القادمة منها مع رئيس حزب المستقبل أحمد داوود أوغلو ومع دولت بهتشلي رئيس حزب الحركة القومية التركية ومع قيادات الحزب الجيد”.
ضعف التواصل
وبشير غازي إلى أن “اللقاءات مع المخاتير والبلديات ومديري المدارس مهمة جدًا لأن اليوم بالنسبة لنا في مسارنا لمناهضة خطاب الكراهية والعنصرية لا بد أن يكون لنا غاية من هذه اللقاءات، وغايتنا الأساسية تغيير نظرة الشارع التركي عن واقع اللاجئين السوريين، وهذه النظرة ما زالت للأسف قاصرة وخاطئة، عندما التقينا مع قيادات الأحزاب للأسف التمسنا شيئًا مؤسفًا، إذ إنها تنظر لواقع اللاجئين السوريين بناءً على ما يقدم لها من تقارير”.
لم يكن لدى قيادات الأحزاب التركية في يوم من الأيام رؤية للنزول إلى الشارع والاحتكاك بالسوريين ولقائهم وفقًا لما يتحدث به غازي، ويشير إلى أن هذا البعد خلال السنوات الماضية بين قيادات الأحزاب والمجتمع السوري هو الذي ولد الفجوة الكبيرة وكان سببًا في تعزيز خطاب الكراهية والعنصرية، لذلك ارتأينا خلال المرحلة السابقة أن النخب الثقافية والفكرية والسياسية أو حتى المنظمات والهيئات السورية أن يكون لها خطوة إلى الأمام تجاه باقي الأحزاب، والأهم من ذلك كله المجتمع السوري اليوم لا بد أن يتم تحييده عن أي ولاء أو تبعية لأي حزب، اللاجئ السوري يجب أن ينظر إليه من منظور إنساني، وليس من منظور سياسي.
ويضيف: “أما مجتمعيًا فإنني كسوري بقدر ما أكون متفاهمًا ومتواصلًا مع الحي وأهله وشخصياته الاعتبارية بقدر ما أكون مندمجًا مع الشارع التركي، توجد الكثير من القضايا التي تكون أحيانًا على مستوى الشارع أو الحي ممكن حلها قبل أن تتحول لقضية رأي عام، كما أنه توجد قضايا ممكن أن نغير من خلالها نظرة المحيطين بنا أو نغير نظرة المنطقة بشكل عام، ويجب أن نبدأ بتغيير النظرة عن الوجود السوري بمسار يبدأ من الأحياء حتى نصل إلى مستوى الولايات وهذا يحتاج جهد ووقت”.
وجوابًا على سؤالنا هل تتبعون لأي من مؤسسات المعارضة أم هي مبادرات مجتمعية؟ قال غازي “لا نتبع لأي مؤسسة معارضة وأرفض أن نتبع لأي جسم من أجسام المعارضة السورية، لأن هذا الأمر ممكن أن يحدد أو يؤطر عملنا وتواصلنا مع باقي الأحزاب، اليوم يوجد تردد أو رجوع خطوة للوراء لدى شخصيات مرتبطة بالمعارضة السورية عندما نتصل ونقول لهم إن لدينا لقاءً مع أحزاب المعارضة التركية، ونتفهم أنه يوجد تبعات سياسية وهم أدرى بهذا الأمر”.
وعن نجاحهم في المرحلة الأولى قال: “نجاحنا في المرحلة الأولى من عملنا باللقاءات الحزبية والمجتمعية كان له مرتكز أساسي وهو الاستقلالية وعدم الانتماء إلى أي مؤسسة، نحن عبارة عن نخب سياسية وثقافية وإعلامية وتعليمية، مشروعنا بالنهاية هو مشروع كل سوري وهو مشروع متاح للكل وكل السوريين مدعوون للانضمام لهذا المشروع لنتخطى ما يمر به اللاجئ السوري في تركيا”.
تقصير مؤسسات المعارضة تجاه السوريين في تركيا
كان الدور الأساسي لمؤسسات المعارضة خلال العقد الأول من حالة اللجوء السوري إلى تركيا منصب على تأمين بعض المتطلبات الأساسية المتعلقة بالمساعدات الإغاثية أو الألبسة أو ما يتعلق بأمور أخرى، لكن المؤسسات هذه لم تغير نمطية تعاملها مع واقع اللاجئ السوري بتركيا، وعن هذا الأمر يتكلم غازي: “على سبيل المثال الطفل الذي قدم إلى تركيا عام 2011 وكان عمره 10 سنوات اليوم أصبح عمره 20 سنة، والمنظمات التي كانت تقدم له الإغاثة وبعض الثياب ما زالت حتى اليوم تنتهج ذات الخطاب في تعاطيها مع الموضوع”.
ويشير الناشط في حقوق اللاجئين إلى أنه “يوجد قصور ويوجد عدم رغبة بالتدخل في الأمور المهمة للاجئين ويبدو أنه يتم تحييد هذه المنظمات والمؤسسات عن قضايا واقع اللاجئين السوريين خاصة تلك التي تتعلق بالاعتداءات وقرارات الترحيل وتوقيف السوريين، فللأسف اليوم معظم منظمات المجتمع المدني مقصرة ونتمنى أن تعيد ترتيب أوراقها من داخلها وإلا إن لم يكن لديها أي برامج أخرى تلامس احتياجات اللاجئين السوريين الحقيقية بهذه الفترة، أدعوها لحل نفسها ليتم تشكيل مجالس أخرى من فئات شبابية لتكون قريبة من هموم اللاجئين”.
ينبه غازي إلى ضرورة وجود مجموعات عمل سورية بما يشبه اللوبي المؤثر على مراكز القرار التي تصيغ القرارات الخاصة باللاجئين السوريين في تركيا، وهنا نلحظ دور مثل هذه المجموعات في أوروبا وكندا وأمريكا بقضايا عدة، لكن المشكلة في تركيا أن السوريين خاصة الذين حصلوا على الجنسية التركية بعيدين عن برامج العمل التي تخدم اللاجئين على كل الأصعدة، وهو ما نعمل عليه في مجموعتنا باللقاءات مع الأحزاب وغيرهم، قد يكون تأثيرنا نسبيًا أو قليلًا لكنه مهم جدًا، ونحن بحاجة إلى العديد من المجاميع التي تؤثر على قيادات الأحزاب والقادة المجتمعيين في تركيا لتغيير حالة خطابهم.
ختامًا.. لا بد من التحرك عاجلًا لنزع فتيل الاحتقان الحاصل هذه الأيام خاصة مع بدء التنافس الانتخابي مبكرًا في تركيا، والأحزاب بدأت باستخدام ورقة اللاجئين لكسب الجماهير، وهنا يمكن القول إن المبادرات المجتمعية وإن كانت تعمل بشكل جيد لكنها ليست كافية في بلد كبير يتوزع فيه ملايين السوريين، الأمر بات يحتاج لتنظيم كبير وإطلاق خطة عمل تضمن حقوق اللاجئين وأمنهم وحمايتهم من التمييز والعنصرية وأية مخاطر أخرى قد تعترض حياتهم.