ترجمة وتحرير نون بوست
أعلن باراك أوباما في مؤتمره الصحفي بعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس يوم الأربعاء الماضي، أنه سيسعى للحصول على تفويض باستخدام القوة العسكرية من الكونغرس الجديد، والذي من شأنه أن يأذن لأوباما بتفعيل حملته لقصف سوريا والعراق، والتي بدأت قبل ثلاثة أشهر. إذا كان المتحدث كريما بما فيه الكفاية، فيمكنه القول إن السعي للحصول على تفويض من الكونغرس لحرب بدأت قبل أشهر، أفضل من خوض حرب بعد رفض الكونغرس صراحة لها، كما فعل أوباما بشكل غير قانوني في البلاد التي انفرط عقدها الآن: ليبيا.
عندما بدأ أوباما بقصف أهداف داخل سوريا في سبتمبر، لاحظت أن ذلك كان البلد الإسلامي السابع الذي تقصفه الولايات المتحدة خلال فترة رئاسته (مع استثناء الفلبين التي قصف أوباما أقليتها المسلمة). لاحظت أيضا أن الحملة الحالية تعني أن أوباما أصبح رابع رئيس للولايات المتحدة على التوالي يسقط قنابله على العراق. هذه الحقائق وحدها كفيلة بكشف العديد من الحقائق بشكل مثير للدهشة. العنف الأمريكي مستمر ومتواصل حتى أننا لم نعد نلاحظه! هذا الأسبوع فقط، أطلقت طائرة أمريكية بدون طيار صاروخا أسفر عن مقتل 10 يمنيين، ووصفتهم الولايات المتحدة فورا بأنهم من “المتشددين المشتبه بهم”، وهذا لا يعني في الواقع أنهم أكثر من مجرد ذكور في سن الخدمة العسكرية، عمليات القتل تلك لم تحصل على أدنى قدر من الاهتمام أو النقاش.
للحصول على النطاق الكامل للعنف الأمريكي في العالم، يجدر طرح سؤال أوسع: كم عدد الدول في العالم الإسلامي قصفتها الولايات المتحدة منذ عام 1980؟ قدمت افتتاحية واشنطن بوست مؤخرا جوابا على هذا السؤال، وهي تلك التي كتبها المؤرخ العسكري والعقيد السابق في الجيش الأمريكي آندرو باسيفيتش:
بينما تمتد جهود أمريكا “لتفكيك وتدمير” تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) إلى سوريا، تُحول حرب العراق الثالثة الشرق الأوسط الكبير إلى ساحة المعركة الرابعة عشرة في العالم الإسلامي والتي تقصفها أو تحتلها الولايات المتحدة والتي يُقتل فيها جنود أمريكيون أو يقاتلون فيها منذ 1980.
لقد استبعد باسيفيتش في حسابه السابق قصف واحتلال البلدان ذات الأغلبية المسلمة الأخرى التي لا تزال حليفة للولايات المتحدة مثل دولة الاحتلال الإسرائيلي والمملكة العربية السعودية، والتي نفذت فيها بدعم أمريكي حاسم. كذلك استبعد الانقلابات ضد الحكومات المنتخبة ديمقراطيا، والتعذيب، وسجن الناس دون أي تهم. كما أنه بالطبع استبعد كل تفجير وغزو واحتلال قامت به الولايات المتحدة خلال هذه الفترة في أجزاء أخرى من العالم، بما في ذلك أمريكا الوسطى والكاريبي، فضلا عن الحروب بالوكالة في أفريقيا.
هناك الكثير من الفظائع مما يمكن قوله بخصوص أفهال الغرب التي كرست كميات هائلة من الوقت والانتباه إلى الحشد ضد ”عنف” المسلمين. لا توجد حانات للمثليين في غزة، هكذا يقول بعض المجادلين المعادين للإسلام، كما لو كان ذلك (بدلا من مستويات العنف والعدوان) هو المقياس الأهم للحكم على مجتمع.
تعكس تلك العقليات الأحادية مثلا عدم النظر إلى انفتاح مجتمعات مثل بيروت واسطنبول، وانغلاق مجتمعات أخرى مثل أوغندا المسيحية.
هذا تحديدا هو توظيف التعصب، حيث يتم تسليط الضوء على سلوك بعض المسلمين كوسيلة لإسقاط ذلك على المجموع، في حين يتجاهل بصراحة السلوك البشع لأفراد من اليهود أو مجموعاتهم الخاصة. لماذا؟ أجابت عن ذلك رولا جبريل أمام بيل ماهر في الأسبوع الماضي وقالت إن “هؤلاء المحاربين الشجعان المدافعين عن المثل العليا، لو قالوا عن اليهود ما يقولون عن المسلمين، لتم فصلهم من وظائفهم!”
لكن برغم كل ما يمكن قوله عن هذه الفئة من الناس، إلا أن هناك ما هو مذهل فعلا بشأنهم: يعيش هؤلاء الناس أنفسهم، والذين ينددون بأفعال المسلمين على أنها نوع من التهديد الوجودي، يعيشون في البلدان التي تطلق العنان لأنفسها بقصف وغزو واحتلال العالم أكثر من أي دولة أخرى حتى الآن، هذه هي الحقيقة!
هؤلاء الذين يجلسون في الولايات المتحدة أو في بريطانيا يحذرون بلا نهاية من الشر المطلق للإسلام، والذين يصورونه على أنه جذر العنف والشر، لا ينفقون أيا من أوقاتهم على إدانة إدمان دولهم للعنف والعدوان، أو في تحليل دوافعهم الدينية والقومية وصلوا إلى قمة العمى عن رؤية الواقع!
إنهم يشبهون شخصا جاره يستمر في القتل والنهب، لكنه يقضي وقت فراغه في التنديد بأفعال أناس يعيشون على بعد آلاف الأميال. سيعتبر هذا الشخص مريضا بالوهم self-deluded وهو مصطلح يمكن أن يصف أيضا الفصائل السياسية والفكرية التي تتبنى هذا السلوك.
الاستهتار المطلق الذي جعل أوباما يفكر في طلب تفويض جديد هو انعكاس لمدى أهمية ومركزية العنف المادي في طريقة إدارة الولايات المتحدة لتوسعها في العالم.
المصدر: إنترسيبت