تشهد العلاقات المغربية الجزائرية في الفترة الأخيرة توترًا كبيرًا، صحيح أن هذه الأزمة ليست جديدة وأصبح من المعتاد متابعة التوتر بين البلدين، لكن الأزمة الحاليّة أخذت منحى تصاعديًا سريعًا، كما أنه لم يكن معتادًا دخول طرف جديد في الأزمة.
هذا الطرف الجديد ينفي أي علاقة له بما يجري بين المغرب والجزائر في الآونة الأخيرة، لكن العديد من المعطيات والمؤشرات المتعلقة بالموضوع، تؤكد أن هذا العنصر طرف أساسي ومباشر فيما وصل له الوضع بين البلدين الشقيقين.
نتحدث هنا عن الكيان الصهيوني الذي أعلنت المملكة المغربية نهاية السنة الماضية تطبيع العلاقات الدبلوماسية معه، بعد اعتراف إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بسيادة المغرب على الصحراء الغربية المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو.
تطبيع العلاقات
في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، أعلن دونالد ترامب موافقة المغرب على التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، مقابل توقيعه اعترافًا بسيادة المغرب على إقليم الصحراء المتنازع عليه منذ العام 1975، ليصبح المغرب الرابع عربيًا الذي ينضم لحظيرة التطبيع خلال سنة 2020، بعد توقيع الإمارات والبحرين اتفاقي تطبيع في 15 سبتمبر/أيلول الماضي، وإعلان السودان، في 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
بهذا التطبيع أصبحت الرباط، العاصمة المغاربية الوحيدة التي تقيم علاقات مع الاحتلال الصهيوني، إثر قطع موريتانيا علاقاتها مع تل أبيب في 2010، فيما لا تقيم تونس والجزائر وليبيا أي علاقات رسمية مع كيان الاحتلال منذ عقود.
ليس من مصلحة الكيان الإسرائيلي رؤية الشعوب العربية متحدة، فذلك يهدد وجوده ومستقبله
شمل الاتفاق المغربي الإسرائيلي، إعادة فتح مكاتب اتصال في كل من تل أبيب والرباط كانت قد أُغلقت عام 2000 إبان الانتفاضة الفلسطينية، ومن ثم تبادل فتح سفارات في كلا البلدين، وفتح المجال الجوي بينهما فضلًا عن توافقات تشمل المجالات الاقتصادية والتجارية والسياحية.
قال المغرب عقب هذا الاتفاق، إنه حقق اختراقًا تاريخيًا ونجاحًا دبلوماسيًا كبيرًا فيما يخصّ قضية الصحراء الغربية – المحدد الأول لسياسته الخارجية – فالتطبيع رافقه اعتراف أمريكي بسيادة المملكة على الصحراء الغربية.
اتهامات جزائرية
هذا كان حال المغرب، لكن الجارة الشرقية كان لها كلام آخر، إذ عبر رئيس الوزراء الجزائري عبد العزيز جراد عن استياء بلاده من تطبيع جاره المغرب علاقاته مع الكيان الإسرائيلي، واستهداف استقرار الجزائر، مؤكدًا وجود إرادة أجنبية حقيقية لوصول “الصهيونية” إلى حدود بلاده، داعيًًا الطبقة السياسية والنخب إلى التكاتف والعمل على استقرار الجزائر.
كما اتهم وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة المغرب بـ”التجسس على مواطنين ومسؤولين جزائريين باستعمال برنامج بيغاسوس الإسرائيلي” و”جعل ترابه الوطني قاعدة خلفية ورقبة للتخطيط وتنظيم ودعم سلسلة من الاعتداءات الخطيرة والممنهجة ضد الجزائر”، مبينًا “آخر هذه الأعمال العدائية تمثل في الاتهامات الباطلة والتهديدات الضمنية التي أطلقها وزير الخارجية الإسرائيلي خلال زيارة رسمية للمغرب بحضور نظيره المغربي”.
هدهد سليمان: جنرالات الجزائر ?? يخططون لاستفزاز المغرب ?? في حرب شبيهة بحرب الرمال السابقة والهدف خلق المشاكل للمغرب وتشتيت انتباه الشعب الجزائري الجائع واشغاله في حرب ستخسرها الجزائر بلا ريب.
نحن في اسرائيل مع المملكة المغربية ظالمة او مظلومة.— إيدي كوهين אדי כהן ?? (@EdyCohen) August 31, 2021
كان وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، قد عبر من المغرب، عن قلق “إسرائيل” مما قال إنه دور الجزائر في المنطقة وتقاربها الكبير مع إيران، وهاجم لابيد الجزائر بسبب شنها حملة مع دول عربية أخرى، ضد قرار الاتحاد الإفريقي، قبول “إسرائيل” بصفة مراقب في المنظمة القارية.
في وقت لاحق قال مسؤول جزائري كبير في تصريح لصحيفة “الشروق” المحلية إن الزيارة الرسمية الأخيرة لوزير خارجية “إسرائيل” يائير لابيد إلى المغرب لها هدفان أساسيان، مواصلة الضغط على الولايات المتحدة من أجل الحصول على اعتراف واشنطن بمزاعم “مغربية الصحراء” من جهة، وإنشاء خط عسكري مغربي إسرائيلي موجه ضد الجزائر.
وترى السلطات الجزائرية الحاكمة أن للكيان الإسرائيلي دورًا كبيرًا في توتر العلاقات مع الجارة الغربية، فمنذ أن طبعت الرباط علاقاتها الدبلوماسية مع تل أبيب، شهدت العلاقات الجزائرية المغربية تراجعًا كبيرًا وتوترًا ينذر بأزمة كبرى بين الشقيقين في حال لم يتم تدارك الأمر بينهما.
مصالح إسرائيلية
من مصلحة الكيان الصهيوني إشعال نار الحرب والفتنة بين الدول العربية، وبالدليل فإنه أينما حل يحل معه الخراب والدمار، لذلك فإن المخاوف الجزائرية تبدو جدية بعض الشيء، خاصة أنها لا تخفي عداءها للكيان الصهيوني ودعمها الكامل للقضية الفلسطينية.
وكانت حسابات على موقع توتير لشخصيات إسرائيلية قد هددت في أكثر من مرة الجزائر ورئيسها عبد المجيد تبون، في إطار الخلاف بين الرباط والجزائر الذي وصل إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما، وأكدت هذه الحسابات وقوف الإسرائيليين إلى جانب المغاربة.
شعوب المنطقة يشعرون بخيبة كبرى، ففي الوقت الذي كانوا ينتظرون فيه تفعيل مؤسسات اتحاد المغرب العربي ورؤية اتحاد مغاربي قوي يجمع بينهم، ها هم يعيشون على وقع تفتت جديد
ليس صحيحًا أن الإسرائيليين يقفون إلى جانب الشعب المغربي، وإنما يبتغون بهذه التدوينات والتصريحات إشعال نار الفتنة بين الشعوب المغاربية الشقيقة، فبعد أن تمكنت من إشعال الحريق في المشرق العربي لا بد لها أن تشعل حريقًا مماثلًا في المغرب العربي لذلك اختارت المغرب والجزائر لنفخ نار الحرب بينهما.
ليس من مصلحة الكيان الإسرائيلي رؤية الشعوب العربية متحدة، فذلك يهدد وجوده ومستقبله، وأفضل حل يراه الإسرائيليون للقضاء على هذا التهديد هو ضرب الوحدة العربية، وأسهل شيء لتحقيق ذلك زرع نار الفتنة بين الشعوب.
أما من الناحية الاقتصادية فمن مصلحة الكيان الإسرائيلي توتر العلاقات بين الجزائر والمغرب، حتى يوسع أسواقه، فمثلًا أزمة أنبوب الغاز بين البلدين ستصب لفائدة الإسرائيليين، ذلك أن قرار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وقف نقل الغاز الجزائري عبر الأراضي المغربية إلى إسبانيا، جاء في وقت يبحث فيه كيان الاحتلال عن أسواق جديدة للغاز المستخرج من حقولها قبالة سواحل البحر المتوسط، بعيدًا عن أسواقها المجاورة (الأردن ومصر).
لو تجرأ تبون على المغرب فسوف يصبح حسابه مع إسرائيل. وإسرائيل لا تمزح.
— ד”ר מאיר מסרי | د. مئير مصري (@MeirMasri) August 29, 2021
يمتلك كيان الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 6 حقول للغاز الطبيعي، معظمها قادر على الإنتاج بكميات تجارية، أبرزها حقل “لوثيان” أحد أكبر ثلاثة حقول مكتشفة في مياه شرق المتوسط، وهو الآن في مهمة البحث عن موردين جدد.
ويتوقع أن تعرض تل أبيب على الرباط توقيع اتفاقية تزويد الأخيرة بالغاز الطبيعي لتلبية احتياجات أسواقها، ليكون بديلًا عن الغاز الجزائري، كما يمكن أن يزود الإسرائيليون مدريد وأسواق مجاورة أيضًا، بالغاز الإسرائيلي، وذلك بعد إعادة تشغيل أنبوب الغاز المغربي الإسباني.
هذا الأمر يفسر مساعي “إسرائيل” لإشعال نار الفتنة بين المغرب والجزائر، فهي تسعى لكسب مزيد من الامتيازات، لكن شعوب المنطقة يشعرون بخيبة كبرى، ففي الوقت الذي كانوا ينتظرون فيه تفعيل مؤسسات اتحاد المغرب العربي ورؤية اتحاد مغاربي قوي يجمع بينهم، ها هم يعيشون على وقع تفتت جديد.