كشفت الأحداث الأخيرة في الأراضي الفلسطينية حجم التعاون الكبير بين منصات التواصل الاجتماعي وحكومة الاحتلال الإسرائيلي، فقد حذفت هذه المنصات وعلى رأسها فيسبوك آلاف المنشورات والصور ومقاطع الفيديو وقيدت الكثير من الحسابات الفلسطينية أو المتضامنين مع القضية الفلسطينية.
في سياق هذه الانتهاكات الرقمية، كان مركز “حملة” يستقبل البلاغات عن انتهاكات الحقوق الرقمية، ويحاول استرجاع الحسابات التي استهدفتها سياسات محاربة المحتوى الفلسطيني، وأخيرًا ووسط تصاعد حجم الانتهاكات، أنشأ المركز منصة “حُر” لتوثيق انتهاك الحقوق الرقمية الفلسطينية.
“نون بوست” يحاور في هذه الحواريّة من سلسلة “حرّاس الرواية الفلسطينية” نديم ناشف، المؤسس المشارك والمدير التنفيذي للمركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي – حملة ومنصتها حُرّ، وهو من المدافعين الدؤوبين عن الحقوق الرقمية، وله باع طويل في تنظيم الأنشطة والفعاليات المجتمعية، حيث يعمل على قضايا الشباب وتنمية المجتمع منذ 20 عامًا، أسَّس جمعية الشباب العرب – بلدنا، وعَمِل مديرًا لها، كما أسَّس الجناح الشبابي لحزب بلد السياسي وعمِلَ منسقًا له، وفي هذه الحواريّة نغوص معه حول منصة حُر، والانتهاكات الرقمية بحق المحتوى الفلسطيني.
كيف انبثقت فكرة منصة حُر؟
منصة حُر هي استمرارٌ للعمل الدؤوب الذي يقوم به مركز حملة على مدار سنوات بشأن توثيق انتهاكات الحقوق الرقمية الفلسطينية والمناصرة والمدافعة عنها، وقد كنا في السابق نوثق جميع هذه الانتهاكات لكن بشكل يدوي، وأردنا أن نرتقي في العمل بشكل مدعومٍ ببرمجيات وتحليل للبيانات بطريقة تعزز عملنا، ولقد قمنا عمليًا ببناء منصة حر باللغتين العربية والإنجليزية لتوثيق الانتهاكات الرقمية ومتابعتها.
إلى ماذا تهدف منصة حُر؟
الهدف أن تكون منصةً مفتوحةً للجمهور الفلسطيني والجمهور المتضامن مع الحرية الفلسطينية بحيث يستطيع أن يدخل عليها ويتحدث عن الحالة أو الانتهاك الذي تعرض له من جهة، ومن جهة ثانية تتابع المؤسسة البلاغات التي وصلتها وتتواصل مع شركات التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر وتيك توك)، وتستأنف عن الحالات التي يوجد إمكانية أن تستأنف عليها وتحاول طبعًا أن تُرجع الحساب الذي تم حذفه أو تزيل القيود.
في الوقت نفسه، نقدم من خلال شبكة الائتلافات الني نحن فيها دعمًا آخر سواء قانوني أم نفسي، لأن الانتهاكات لا تكون فقط من شركات التواصل بل أيضًا قد تكون شخصية لحسابات فتيات مثلًا أو تسريب معلومات وما إلى ذلك، فندعمها ونحلها بالتعاون مع مؤسسات معنية.
لكن الهدف الأكبر هو تغيير السياسات العامة لشركات التواصل الاجتماعي، وتمنح حُر مؤشرات من خلال تحليل البيانات لتعطينا الصورة العامة عن انتهاكات الحقوق الرقمية الفلسطينية، ما يعني أن عملية المناصرة التي نقوم بها تكون مبنية على مئات بل آلاف الحالات والإحصاءات والوثائق التي تعزز مناصرتنا، فلا نتحدث بشعارات عامة، بل نحتج بالأرقام.
هل بدأتم فعليًا بالتواصل مع هذه المنصات للحديث عن انتهاكاتها بشكل رسمي؟
حقيقة، نحن نتواصل معهم بشكل دائم وفي حوار مستمر معهم، ونحاول دومًا الاستئناف على بعض الحالات، وكنا كذلك في السنوات الأخيرة، لكننا عمليًا نحاول الوصول من خلال منصة حر إلى الصورة الأكبر والبيانات الأشمل، فهناك فرق بين أن نعالج حالة عينية وأن نخبرهم بسياساتهم المنحازة بعد تحليل لبيانات ألف حالة، إلى جانب أن المنصة تقدم مؤشرات “real time – أو الوقت الحاليّ”، على سبيل المثال: كم حالة كانت عند فيسبوك هذه السنة وكيف تم التعامل معهم.
دعنا نتحدث بشكل عام، برأيك، ما المخاطر التي تحيط بالرواية والمحتوى الفلسطيني رقميًا؟
الرواية الفلسطينية تحيط بها العديد من المخاطر، عمومًا نحن في سياق أن آخر عقد أو أكثر كانت الحكومات تحاول كل الوقت أن تسيطر على كل حيز الإنترنت وحرية التعبير وتقليصها وسن قوانين قمعية، ولم يكن المحتوى الفلسطيني بعيدًا، فهناك مخاطر داخلية من السلطات الفلسطينية تحيط به.
وعلى مستوى الرواية الفلسطينية، هي مشكلة الاحتلال الإسرائيلي وتعاونه مع شركات التواصل الاجتماعي وما يحاولونه بداية من خلال التشريعات والأنظمة التي تستخدم لتجريم الناشط الفلسطيني والمؤسسات الفلسطينية، أي اعتبار أن أي نقد للاحتلال وسياساته وحتى دعوة “الدفاع عن الأقصى” مثلًا هي من وجهة نظرهم تحريض على العنف، فيحاولون حذف هذه المنشورات، ونحن نعلم أنه سنويًا هناك المئات من حالات الاعتقال على خلفية الكتابة على وسائل التواصل الاجتماعي.
إضافة إلى ذلك، فإن الحكومة الإسرائيلية توظف من خلال أجهزتها الاستخباراتية والأمنية برمجيات ترصد وتتابع مختلف الأنواع، مع ذلك، فإن الفرضية الأساسية هي أن جميع حسابات التواصل الاجتماعي الفلسطينية مراقبة ومتابعة.
الجانب الآخر، هي محاولات إسكات الرواية الفلسطينية بطريقة منظمة، إذ تنتهي كل الأجهزة الأمنية عند وحدة السايبر وتدلي دلوها بمعلومات يحللون من خلالها الأمور، ويقولون نحن نريد من المنصة الفلانية حذف هذا المقطع وهذا المنشور، ووحدة السايبر هي نقطة التقاء جميع مؤسسات الاحتلال وهي التي تحاور منصات التواصل الاجتماعي وتوجد اتفاقيات تعاون بينها وبين المنصات، ونحن نعلم أنه في عام 2020 وحدة ىالسايبر قدمت لفيسبوك أكثر من 20 ألف طلب إنزال لمضامين فلسطينية.. نحن نتحدث عن طلبات هائلة.
الأمر لا ينتهي عند وحدة السايبر، هناك جمعيات أو ما نسميها نحن مؤسسات شبه حكومية تأخذ تمويلًا من الحكومة الإسرائيلية وتنسق إستراتيجيًا مع الحكومة الإسرائيلية، وتشكل مجموعات تهدف إلى التبليغ بشكل جماعي عن المضمون الفلسطيني، بحيث يكون هناك محرر على تطبيق خاص بهم يخبرهم أن يبلغوا عن هذا المنشور أو تلك الصورة، وفي غالبية الحالات لا يكونون على دراية بمضمون الصورة أو النص لأنها باللغة العربية، وهذا إساءة استعمال نظام التبليغ، وإجمالًا فإن الحرب الرقمية قادمة من جهتين رسمية وشبه رسمية والهدف منها إسكات المضمون الفلسطيني.
أما الطرف الثالث المساهم في الموضوع فهو الذكاء الاصطناعي الذي يستعمله فيسبوك وغيره، وهو مبني على كلمات مفتاحية، بحيث يحذفون المنشورات بشكل أوتوماتيكي بمضامين فلسطينية، وهنا يعود الموضوع للائحة الإرهاب الأمريكية، فبعض الفصائل والشخصيات الفلسطينية موجودة على هذه اللائحة.
هذه العوامل الثلاث تسببت عمليًا في تنزيل لعشرات الآلاف من المضامين سنويًا، ومحاولة إسكات الصوت الفلسطيني.
في خضم هذه المخاطر، برأيك ما مدى أهمية حفظ الرواية الفلسطينية رقميًا؟
هو أمر مهم جدًا، في النهاية إذا كنت غير موجود على المنصات الرقمية، كأنك غير موجود من الأساس، وآخر إحصاءات أن ثلث البشرية موجود على إحدى شركات فيسبوك، فيمكننا إذًا تصور التأثير الهائل الموجود على الناس من خلال هذه المنصات، فوجودك أو عدمه كرواية أو مؤسسات أو أفراد يؤثر كثيرًا.
على سبيل المثال، شخص موجود اليوم في اليابان ويريد أن يبحث عن القدس على جوجل سوف تظهر له “القدس عاصمة إسرائيل” وهو أمر خطير يستهدف وعيه، ومن الواضح أن الشركات تميل لطرفهم، مثل جوجل التي تتبنى الرواية الإسرائيلية بشكل شبه كامل، وهذه إشكالية ونحن مجبورون أن نكون هناك وندافع عن روايتنا.
ما الطموحات المستقبلية أمام منصة حُر؟
نريد أن نصل إلى أكبر قدر من المجتمع المدني الفلسطيني، وأن نصل إلى الشتات الفلسطيني ونتعاون معه بحيث نصل إلى أكبر عدد بيانات، وطبعًا طموحنا الأكبر هو حماية الحقوق الرقمية الفلسطينية والتأثير على سياسة الشركات لتحترم هذه الحقوق.