ترجمة وتحرير: نون بوست
دعا رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير زعيم حماس آنذاك، خالد مشعل، إلى لندن لإجراء محادثات تهدف إلى التوسط في إنهاء الحصار المفروض على غزة. وُجّهت الدعوة خلال سلسلة من الاجتماعات بين الرجلين التي يفهم موقع “ميدل إيست آي” أنها حدثت عندما كان بلير يتولى منصب مبعوث اللجنة الرباعية حول الشرق الأوسط، بعد أن استقال من منصبه الدبلوماسي في شهر أيار/ مايو سنة 2015.
من المحتمل أن تمثل التفاصيل بشأن تعامل بلير مع قادة حماس مصدر إحراج للحكومة البريطانية التي أعلنت يوم الجمعة عن خطط لحظر حركة المقاومة الفلسطينية باعتبارها منظمة إرهابية. كما أنها تشكل معضلة للزعيم الحالي لحزب العمل كير ستارمر، المعروف بدعمه القوي لإسرائيل وإعجابه ببلير، عندما يُعرض الحظر المقترح على مجلس العموم يوم الأربعاء.
اقترح بلير على مشعل آنذاك زيارة لندن في موعد محدد من شهر حزيران/ يونيو سنة 2015 خلال المحادثات التي دارت بينهما. وكان رئيس المكتب السياسي لحركة حماس آنذاك متواجدا في الدوحة في وقت سابق من تلك السنة. وذكر موقع “ميدل إيست آي” في ذلك الوقت أن بلير التقى مشعل أربع مرات على الأقل في العاصمة القطرية.
قالت مصادر لموقع “ميدل إيست آي” إن بلير وبعض المسؤولين الآخرين أقنعوا مشعل بأن الدعوة لزيارة لندن كانت رسمية ووُجّهت له بعلم رئيس الوزراء البريطاني آنذاك ديفيد كاميرون والمسؤولين الأمريكيين. ولكن حماس، التي تسيطر على غزة منذ انتخابات سنة 2006 وانتصرت عسكريًا في وقت لاحق على حركة فتح المنافسة، رفضت الدعوة.
أخبرت مصادر موقع “ميدل إيست آي” أن المسؤولين آنذاك كانوا منقسمين حول قبول الدعوة من عدمه. ورأى البعض أن الزيارة تشكل فرصة للدعاية وفرصة لحماس للضغط على قضيتها لإزالتها من قائمة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي. ولكن بعض الجهات الأخرى كانت قلقة من أن ينتهي بهم الأمر بإبرام اتفاقية سلام فاشلة مشابهة لاتفاقية أوسلو للسلام، بالإضافة إلى تخوفهم من صلات بلير بالإمارات العربية المتحدة والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
ووفقا لمسؤولين بارزين في حركة حماس، فقد اشتبك بلير مع مشعل في عدة جبهات. في ذلك الوقت، كانت حماس تستعد لنشر إعلان المبادئ لسنة 1988 الذي نقّحت مبادئه لإنشاء دولة فلسطينية في حدود سنة 1967. وقد عرض بلير عليهم أخذ مشروع الوثيقة إلى واشنطن. ولكن مشعل رفض عرضه.
حضر مسؤولون بريطانيون آخرون اجتماعات بلير في الدوحة مع حماس، وهو ما يدل على أن حكومة المملكة المتحدة كانت على علم تام بالمحادثات
عُيّن بلير مبعوثا للشرق الأوسط للجنة الرباعية المكونة من الولايات المتحدة والأمم المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي بعد فترة وجيزة من تنحيه عن منصب رئيس الوزراء في سنة 2007. وتشمل الصلاحيات التي منحتها اللجنة الرباعية لبلير الوساطة في مفاوضات السلام في الشرق الأوسط وتمهيد الأرضية لإقامة دولة فلسطينية – ولكنها رفضت في المقابل التعامل مع حماس لأن المنظمة لا تعترف بإسرائيل وتعرف بالتزامها بالكفاح المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي.
مناقشات صريحة
بعد تنحيه عن منصبه كمبعوث للجنة الرباعية، أعلن بلير في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من سنة 2015 أنه سيواصل حملته من أجل التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وفلسطين بصفته مواطنا عاديا. وقال إن دوره الجديد سمح له بإجراء مناقشات صريحة على جميع الجبهات.
ردًا على التساؤلات المتعلقة بلقاءاته مع مشعل، قال بلير: “لن أعلّق على ذلك، وسأكتفي بقول إنه منذ التنحي عن منصب مبعوث اللجنة الرباعية كان من الأسهل إجراء محادثات صريحة مع مختلف الأطراف. وبما أن لدي الكثير من العلاقات، أعتقد أن هذه الأطراف أكثر انفتاحًا في الحديث معي مما كانت عليه عندما كنت أمثل اللجنة الرباعية”. و في سنة 2017، أعرب بلير عن أسفه لاستبعاد المملكة المتحدة ودول غربية أخرى لحماس من طاولة المفاوضات مقابل دعم الحصار الإسرائيلي لغزة، واعترف أيضا بأن المملكة المتحدة حافظت على حوار غير رسمي مع المجموعة.
قال بلير للصحفي دونالد ماكنتاير في تعليقات نشرتها صحيفة “الغارديان” البريطانية: “بالنظر إلى الماضي، أعتقد أنه كان يجب علينا منذ البداية محاولة جرّ حماس إلى حوار وتغيير مواقف هذه المنظمة. أعتقد أن هذا ما كنت لأفعله”. وأضاف بلير: “لكن من الواضح أن هذا الأمر كان صعبًا للغاية، وقوبل برفض شديد من قبل الإسرائيليين. لكنك تعلم أنه كان بإمكاننا على الأرجح إيجاد طريقة للقيام بها، وانتهى بنا المطاف إلى القيام بالمحادثات بطريقة غير رسمية”.
ذكر ماكنتاير أن بلير أجرى أيضًا محادثات مع إسماعيل هنية، خليفة مشعل في رئاسة المكتب السياسي لحركة حماس. وتوصل موقع “ميدل إيست آي” إلى أن بلير التقى بقادة حماس سبع مرات على الأقل في محادثات استمرت في كثير من الأحيان إلى وقت متأخر من الليل.
حضر مسؤولون بريطانيون آخرون اجتماعات بلير في الدوحة مع حماس، وهو ما يدل على أن حكومة المملكة المتحدة كانت على علم تام بالمحادثات. كما انتقد مسؤولون آخرون في عهد بلير استبعاد حماس من المفاوضات الهادفة إلى تأمين السلام في الشرق الأوسط.
في سنة 2017، أشار جاك سترو، وزير الخارجية السابق في حكومة بلير، إلى أن إقالته من منصبه في سنة 2006 قد تكون بسبب إعرابه عن دعمه للمحادثات مع حماس في تصريحات غير رسمية للصحفيين. وصرح في مؤتمر “ميدل إيست مونيتور” في لندن: “أنا غير سعيد بمقاطعتنا لحماس. لقد تحدثت بشكل غير رسمي مع بعض الصحفيين في الرياض في أوائل سنة 2006 وقلت إننا يجب أن نتحدث مع حماس”، مضيفًا أن “البعض يقولون إنه تم عزلي من منصب وزير الخارجية بسبب تلك التصريحات”.
“الاحتلال إرهاب”
أدانت حماس يوم الجمعة خطط حكومة المملكة المتحدة لإدراج جناحها السياسي منظمةً إرهابية، مع العلم أن الجناح العسكري للحركة “كتائب عز الدين القسام” محظور في المملكة المتحدة منذ سنة 2001. وقالت في بيان “إن مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة بما في ذلك المقاومة المسلحة حق مكفول لأي شعب تحت الاحتلال، كما نص عليه القانون الدولي”.
الاجتماعات “الودية” توفر أساس دفاع قانوني. وتشمل الأمثلة على الاجتماعات “الودية” كل اجتماع لا يتم فيه الترويج للأنشطة الإرهابية للمجموعة أو تشجيعها
بدلاً من الاعتذار وتصحيح المأساة التاريخية التي ارتكبتها في بحق الشعب الفلسطيني سواء في وعد بلفور المشؤوم أو الانتداب البريطاني الذي سلم الأراضي الفلسطينية للحركة الصهيونية، فإن بريطانيا لا تنفك عن دعم المعتدين على حساب الضحايا.
إن الاحتلال شكل من أشكال الإرهاب، وقتل السكان الأصليين وتشريدهم بالقوة وهدم منازلهم وسجنهم إرهاب. وحظر حماس في المملكة المتحدة لن يمنع بالضرورة عقد اجتماعات أخرى مع مسؤولي حماس بموجب قانون الإرهاب، سواء قام بذلك بلير أو مواطنون بريطانيون آخرون.
تشير الملاحظات التفسيرية للمدعين العامين، الذين يدرسون ما إذا كان يجب محاكمة شخص ثبت أنه التقى بأعضاء جماعة إرهابية محددة، إلى أن الاجتماعات “الودية” توفر أساس دفاع قانوني. وتشمل الأمثلة على الاجتماعات “الودية” كل اجتماع لا يتم فيه الترويج للأنشطة الإرهابية للمجموعة أو تشجيعها، على غرار اجتماع مصمم لتشجيع مجموعة معينة على الانخراط في عملية سلام أو تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية.
وتجدر الإشارة إلى أن موقع “ميدل إيست آي” اتصل بمكتب بلير للتعليق.
المصدر: ميدل إيست آي