أسابيع انقضت على تنصيب الحكومة المغربية الجديدة برئاسة عزيز أخنوش، وهي التي استقبلها المغاربة بالنزول إلى الشوارع احتجاجًا على قرارات شتّى، اتُّخذت على نحو ارتجالي، ليتأكد مجدّدًا أن الوعود الانتخابية أشبه بفقاعات الصابون، تُبهرنا بجمالية ألوانها لكنها تختفي بمجرد أن نلمسها.
أبت حكومة أخنوش أن تتحمل مسؤولية الارتفاع الكبير الذي عرفته أسعار عدد من المواد الغذائية، وتبرّأت معلِّلة أن الأسعار كانت آخذة بالارتفاع تدريجيًّا منذ شهر أبريل/ نيسان الماضي، لكن ما لم يؤخذ في الحسبان هو الانتعاش الاقتصادي الذي يعرفه العالم، وهو أكثر ممّا كان متوقعًا، وكذلك الارتفاع الكبير الذي عرفته أسعار الطاقة.
لكن جملة التبريرات هذه لم تكن في محلها، أي أنها أصابت الناس بخيبة أمل، خاصة أن الحكومة لم تترجم أي استعداد عملي لإرجاع الأسعار إلى وضعها الطبيعي، بينما تستمر سياسة رفع الأسعار في إرهاق الطبقات الفقيرة والمتوسطة.
بثّ اليأس
بدايات حكومة أخنوش -ولو لم تمضِ بعد 100 يوم حتى يتسنى لنا الحكم على أدائها- تُبثُّ اليأس في نفوس الناس، وترغمهم على التسليم بما هو حاصل وسائد، بدا ذلك جليًّا عندما حاولت التغطية على الزيادات الصاروخية في الأسعار، باتخاذ قرار غير مفهوم ومتناقض، ألا وهو فرض “جواز التلقيح” وكذلك فرض الجرعة الثالثة، رغم أنه لم يصدر أي قرار أو قانون ينص على إجبارية التلقيح ضد فيروس كورونا، حيث كان اختياريًّا منذ بدئه.
أول حكومة في التاريخ السياسي للمغرب يستقبلها الناس بالتظاهر، وحتى عزيز أخنوش نفسه احتجَّ على المحتجّين.
خرجت أعداد كبيرة من الناس، في أكثر من مدينة، يحتجّون سلميًّا على قرار إلزامية جواز التلقيح، وقد وُجهوا بقوة العصا لإخراس أصواتهم، رغم أن التظاهر والتجمهر والتعبير السلمي هو حق مكفول بموجب الدستور الذي حمله حراك 2011، بينما يأتي وزير الصحة زاعمًا تحت قبّة البرلمان أن المحتجّين لا يمثلون سوى أقلية.
لعلّها أول حكومة في التاريخ السياسي للمغرب يستقبلها الناس بالتظاهر، وحتى عزيز أخنوش نفسه احتجَّ على المحتجّين بينما هو يتحدث في البرلمان، حيث استنكر الرجل إضراب الأساتذة الذين يشتغلون بموجب عقود عن العمل، مباشرة بعد الانطلاقة الفعلية للموسم الدراسي الحالي، والتي تمَّ تأجيلها شهرًا حتى يتسنّى للتلاميذ اليافعين تلقّي اللقاح، وكان هذا أيضًا مثارًا للجدل، لتجد الحكومة نفسها في مأزق أخلاقي، حينما أجبرت ضمنيًّا القُصَّر على تلقي اللقاح، قبل أن تتراجع موضحة أن الأمر اختياري بالنسبة إلى هذه الفئة العمرية.
خطبة الوعيد
عندما كان عزيز أخنوش لا يزال يشقّ طريقه ليعتلي منصب رئاسة الحكومة، أي قبل انطلاق الانتخابات بشهور، توعّد بإعادة تربية من ينتقدون مؤسسات الدولة، قائلًا: “من تنقصه التربية سنعيد تربيته”.
اعتُبر هذا التصريح من أمين عام لحزب سياسي ووزير للفلاحة آنذاك، كأخطر هجوم على الشعب المغربي، ورغم هذه الزلة التي جلبت لأخنوش انتقادات لاذعة، إلا أنها لم تعصف بطموحاته السياسية، وفق ما كان يبتغيه الخصوم، وفي مقدمتهم إخوان العدالة والتنمية.
لكن الرجل عندما كان يتحدث عن إضراب الأساتذة، كانت لهجته أقرب إلى الوعيد، متناسيًا أن برنامج حزبه (التجمع الوطني للأحرار) تعهّدَ برفع راتب الانطلاقة للأساتذة إلى 700 دولار، بينما هم يبدأون مسارهم الوظيفي بأجر يناهز 500 دولار، لتأتي المفاجأة على لسان أخنوش في معرض حديثه عن البرنامج الحكومي، بأن الأساتذة الذين هم قيد العمل غير معنيين بهذه الزيادة أصلًا، وأن هناك فئة جديدة سيجري توظيفها في التعليم بعد مسار تكويني بمعاهد متخصصة في علوم التربية.
ولا ننسى أن حزب الاستقلال المشارك في الحكومة، كان قد تعهّد بإدماج الأساتذة المتعاقدين في نظام الوظيفة العمومية أسوة بزملائهم الأقدمين، وهو ملفّ عالق منذ عام 2016، عندما أعلنت وزارة التربية الوطنية عن خطة التعاقد، وأسمتها فيما بعد بـ”النظام الأساسي لأطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين”، وما زال الأساتذة يحتجّون، إذ كان عام 2019 شاهدًا على إضراب طويل تعدّت مدته شهرَين متواصلَين، هذا فضلًا عن المسيرات الاحتجاجية التي جابت شوارع العاصمة الرباط، وفي الأخير تقول الحكومة الحالية إن التعاقد سيظل معمولًا به.
لماذا الإقصاء؟
الأكثر من هذا أن إعلان توظيف الأساتذة الذي صدر أخيرًا، لم يكن مبشّرًا بل هو صدمة مُحبطة لآمال كثير من حملة الشهادات الجامعية، الذين كانوا بصدد اجتياز امتحانات القبول، ولم يدّخروا أي جهد في التحضير والاستعداد الجيّد قصد الظفر بمنصب وظيفي، ذلك أن مجال التعليم هو بمثابة طوق نجاة من البطالة، نظرًا إلى عدد المناصب الكثيرة المعلن عنها كل سنة، كما هو الشأن بالنسبة إلى مجال الأمن.
أثار عزيز آخنوش غضب المغاربة في أول تمثيل خارجي للبلاد.
هي شروط إقصائية، مثل تحديد عمر بأقل من 30 سنة، واعتماد الميزة (أي الدرجة) في شهادة الباكالوريا (الثانوية العامة) وشهادة الإجازة (تعادل الباكالوريس) كمعيار أساسي للانتقاء الأولي، رغم أن هناك قولًا دارجًا لا يختلف حوله جميع الطلاب والخريجين، وهو أن الجامعة المغربية لا تعترف بكفاءة الطالب، أي أن الدرجات لا يمكن التسليم بها كمعيار لتقييم أهلية خرّيجي الجامعات.
هكذا خرج الشباب يحتجّون في مدن شتّى، ويطالبون بإلغاء هذه الشروط التي من شأنها أن تحرم الكثيرين من حقهم في اجتياز امتحان القبول، علمًا أن الامتحانات السابقة لم تسلك مسار الانتقاء الأولي، حينها كان يُمنَح لكل خرّيجي الجامعات الحق في الالتحاق بمباريات التوظيف في قطاع التعليم، وهذا طبعًا يتعارض مع شعار حزب أخنوش الانتخابي: “تستاهل ما أحسن” أي تستحق الأفضل.
الرجل الثاني في الدولة، عزيز أخنوش، أثار غضب المغاربة في أول تمثيل خارجي للبلاد، عندما زارَ السعودية خلال قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، وظهر وهو ينحني أمام ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، في مشهد اعتُبر مسيئًا، حيث ذكّر هذا بمشهد رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، عام 2016 في مدينة طنجة، وهو يستقبل ملك السعودية، سلمان بن عبد العزيز، مقبّلًا كتفَيه مثلما يفعل مريدو الزوايا الصوفية عندما يلتقون بأوليائهم.