“بالأمس كانتا دولتَين شقيقتَين، وبين ليلة وضحاها غدتا شريكتَين لا أكثر”، هكذا وصف الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو صورة العلاقات الروسية البيلاروسية خلال زيارة سابقة له إلى موسكو، مستاءً من سياسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تجاه بلاده.
لكن تناسى -فيما يبدو- أنه الرجل -كما بوتين- الذي يحكم بلاده بقبضة من حديد على مدى 27 عامًا، ويبذل جهدًا لتقديم نفسه على أنه “رجل الشعب”، لكنه يركّز بشكل أكبر على ضمان ألا يعرِّض أحد موقعه في السلطة للخطر، فما الذي يجمع جارا وحليفا وشقيقا الأمس؟ وإلى أي مدى يمكن للسياسة التوسعية لروسيا أن تضعهما في مواجهة الغرب؟
تبادل الأدوار.. حدود العلاقة بين بوتين ولوكاشينكو
لأكثر من جيل بأكمله، اعتمدَ لوكاشينكو على موسكو للحصول على المال والدعم السياسي للبقاء في السلطة، وصنع شكلًا فنيًّا سياسيًّا بالاعتماد على دعم الكرملين للبقاء في السلطة لمدة 27 عامًا، بينما لم يقدِّم على ما يبدو سوى القليل في المقابل.
بالنسبة إلى الرئيس الروسي، تقدِّم الجمهورية السوفيتية السابقة، التي تعمل كحاجز عازل بين روسيا ودول شرق أوروبا التابعة لحلف شمال الأطلسي، شريكًا موثوقًا به -وإن كان مزعجًا بعض الأحيان- في أوروبا، حيث أقامت العديد من الجمهوريات السوفيتية السابقة الأخرى تحالفات سياسية مع الغرب بعد تراجع علاقاتها مع موسكو إلى أدنى مستوياتها بعد الحرب الباردة.
على مدى عقود، انتزع الرئيس البيلاروسي بمهارة الامتيازات من موسكو، لا سيما في شكل قروض حكومية وإمدادات طاقة رخيصة، حيث تزوِّد روسيا بيلاروسيا بالنفط بأسعار أقل من السوق، وتقوم الأخيرة بدورها بتكريره وبيعه دوليًّا، حيث يمثّل هذا الربح جزءًا كبيرًا من الناتج المحلي الإجمالي لبيلاروسيا.
اقتصاد بيلاروسيا الصغير نسبيًّا -الذي لا يزال يعتمد على نموذج الحقبة السوفيتية لملكية الحكومة- تدعمه موسكو التي تكبّدت حوالي 100 مليون دولار منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، في المقابل ما يقارب نصف جميع البضائع التي تنتجها بيلاروسيا -خاصة الجُبن والشاحنات والجرارات- تذهب إلى روسيا، مقارنة بنحو 24% من الاتحاد الأوروبي.
تهدف سيطرة لوكاشينكو المشدَّدة على الاقتصاد، وإن كانت بشكل جزئي، إلى إعاقة الجهود الروسية. لم يحدث إلغاء الاتحاد والخصخصة أبدًا في بيلاروسيا، ولذا حتى مع استمرار لوكاشينكو في مقاومة تعزيز الاندماج مع روسيا، فإنه يشرف على منطقة مليئة بالأصول التي يرغب الكثير في موسكو في الاستيلاء عليها وإعادة توزيعها.
لم تكن العلاقة بين بوتين ولوكاشينكو دائمًا على ما يرام، ففي عام 2009، عندما حاول لوكاشينكو التقرُّب من الغرب بعد سلسلة من النزاعات حول المواد الخام، جاء عقاب بوتين وقتها برفع أسعار الطاقة.
أزمة اللاجئين الدائرة حاليًّا على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا تمثّل هي الأخرى وجهًا آخر للشراكة بين موسكو ومينسك، ولا تخلو من مزاياها بالنسبة إلى بوتين، فقد منحته الفرصة لاستعراض عضلات روسيا بالقرب من الحدود مع حلف الناتو في وقت تتصاعد فيه التوترات مع الحلف، وتحرص موسكو على إظهار أنها تدافع بقوة عن نفسها وحلفائها ضد ما تعتبره تحالف عدواني في البحر الأسود.
ويتماشى احتمال تسبّب أزمة المهاجرين واللاجئين في إثارة الفوضى في أوروبا مع استراتيجية بوتين لتحدّي وتقويض الاتحاد الأوروبي، وينظر الكرملين إلى بيلاروسيا على أنها منطقة عازلة ذات أهمية استراتيجية على الحدود مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
من الشراكة إلى المناكفة.. اختبار لصبر بوتين
لم تكن العلاقة بين بوتين ولوكاشينكو دائمًا على ما يرام، ففي عام 2009، عندما حاول لوكاشينكو التقرُّب من الغرب بعد سلسلة من النزاعات حول المواد الخام، جاء عقاب بوتين وقتها برفع أسعار الطاقة.
بعد ذلك بوقت قصير، عادَ لوكاشينكو إلى موسكو وأصرَّ على أن “الروس والبيلاروسيين شعب واحد”، ومع ذلك لم يتردد الزعيم العنيد في إلغاء اجتماع مع نظيره الروسي دميتري ميدفيديف، مدّعيًا أن كوليا -ابنته الصغيرة- كانت مريضة.
كذلك شهدت العلاقة بين الرئيسَين تقلُّبات على مدى العقدَين الماضيَين، في السياسة الخارجية، على سبيل المثال، سعى لوكاشينكو، الذي مُنع مؤقتًا من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، قبل عقد من الزمن إلى تشكيل اتحاد أوثق مع روسيا.
ومع ذلك، بحث في الآونة الأخيرة عن فرص لتوثيق العلاقات مع الدول الغربية؛ الدول نفسها التي اتهمها ذات مرة بـ”محاولة تحويل فتيات بلاده إلى عاهرات، وإطعام مواطنيه المخدرات غير المشروعة، ونشر المثليين”.
في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حاول لوكاشينكو التخلص من صورته كـ”آخر ديكتاتور في أوروبا” من خلال مغازلة الغرب والنأي بنفسه قليلًا عن روسيا، لكن هذا الأمر لم يجرِ بشكل جيد في الكرملين، فقد أصبح لوكاشينكو يعتمد أكثر من أي وقت مضى على دعم بوتين، لكن موسكو أوضحت أن هناك خطوطًا لن تسمح له بتجاوزها.
عندما اتّهم الاتحاد الأوروبي بيلاروسيا في الأيام الأخيرة بشنِّ “هجوم مختلط” على الدول الأعضاء، بمحاولة استخدام الآلاف من المهاجرين من الشرق الأوسط والأفغان والأفارقة كسلاح سياسي، والدفع بهم للعبور بشكل غير قانوني إلى بولندا؛ سارعت روسيا إلى إرسال قاذفات ذات قدرة نووية للقيام بدوريات مشتركة في سماء بيلاروسيا، وأجرى المظليون من كلا البلدَين تدريبات مشتركة يوم الجمعة بالقرب من الحدود البولندية والليتوانية.
لكن عندما سُئل عن تهديد من قبل لوكاشينكو بإغلاق خط الأنابيب الروسي الذي ينقل الغاز عبر بيلاروسيا إلى أوروبا، كان ردّ الكرملين بمثابة صفعة قاسية، وبدا كأنه ينأى بنفسه عن هذا التهديد قائلًا إن لوكاشينكو لم يناقش الأمر مع موسكو، وستفي بجميع عقود تسليم الغاز.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يختبر فيها لوكاشينكو صبر بوتين، فعلى مرّ السنين ضغط بوتين على لوكاشينكو لتشكيل “دولة اتحادية” مع روسيا، وهو اقتراح لا يحظى بشعبية لدى العديد من البيلاروسيين، كما هو الحال بالنسبة إلى الرئيس لوكاشينكو الذي يتحدث عن هذه الفكرة لكنه يبقيها على مسافة كافية، لتجنُّب التخلي عن السيادة البيلاروسية أو رؤية سلطته تتآكل.
أثبتت موسكو مرارًا وتكرارًا أنها تسعى لإبقاء بيلاروسيا في دائرة نفوذها، فهي تستخدم الأراضي البيلاروسية لمراقبة النشاط العسكري في أوروبا الغربية، لكن لوكاشينكو تجاهلَ طلبًا روسيًّا عام 2015 لإنشاء قاعدة جوية عسكرية كانت تأمل أن تستضيف طائرات مقاتلة من طراز سوخوي سو-27، فيما وصفته موسكو على لسان وزير خارجيتها بـ”حلقة غير سارة”، وهو عرض علني نادر للخلاف بين الحليفَين المقرّبَين.
كذلك جادل كلا البلدَين باستمرار حول صفقات الغاز والنفط؛ عندما لم يتمكن الاثنان من الاتفاق على سعر جديد في أواخر عام 2019، خفّضت موسكو إمدادات النفط، وبعد بضعة أشهر طلبت بيلاروسيا أول شحنة من النفط الأمريكي في محاولة لتظهر لروسيا أنها تستطيع البقاء على قيد الحياة دون دعمها، وأنها مستعدة للتوجه إلى الغرب إذا لزم الأمر.
تتحول بيلاروسيا بسرعة إلى جبهة جديدة في حملة بوتين المستمرة لتقويض الدولة الأوكرانية وإجبار البلاد على العودة إلى مجال النفوذ الروسي.
في اختبار آخر، بذلَ لوكاشينكو جهودًا كبيرة للتأكيد على حياده عندما بدأ الهجوم الروسي على أوكرانيا عام 2014، وتحفّظ على الاعتراف البيلاروسي الرسمي بشبه جزيرة القرم، وأوضح أنه لن يسمح بأي هجمات على أوكرانيا من الأراضي البيلاروسية، بل سخر من الحجج التاريخية التي قدّمها الكرملين لتبرير غزو أوكرانيا، بحجّة أن منغوليا (إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي) يمكن أن تطالب بمساحات كبيرة من روسيا نفسها.
سيكون للوجود العسكري الروسي المتوسع في بيلاروسيا تداعيات أمنية كبيرة في جميع أنحاء المنطقة.
حتى أثناء مزاحه مع بوتين في آخر اجتماع لهما هذا الشهر، قال إنه كان يتطلع إلى تلقّي دعوة للذهاب إلى هناك معه، وقد أتى هذا الموقف ثماره في البداية، حيث عزز مكانة لوكاشينكو الدولية، ومكّنه من العمل كمضيف لمحادثات السلام الدولية في مينسك الهادفة إلى نزع فتيل الصراع، واستفادت بيلاروسيا أيضًا من الصراع بطرق أخرى، حيث أصبحت مينسك مركزًا للحركة الجوية الأوكرانية الروسية بعد حظر جميع الرحلات الجوية المباشرة بين البلدَين المتحاربَين عام 2015.
العسكرة الروسية لبيلاروسيا.. العودة الطوعية إلى أحضان بوتين
مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية غير المُعلنة الآن عامها الثامن، وسط قليل من الدلائل على إحراز تقدُّم نحو تسوية سلمية قابلة للحياة، تتزايد احتمالية ظهور خط جبهة جديد واسع النطاق في شمال أوكرانيا، فقد أعلن لوكاشينكو عن خطط لنشر أنظمة دفاع جوي روسية من طراز إس-400 على طول الحدود الأوكرانية، ما أثار مخاوف من أنه مستعدّ للعب دور أكثر بروزًا في الحرب الروسية الهجينة المستمرة ضد أوكرانيا.
ومع تحول بيلاروسيا بسرعة إلى جبهة جديدة في حملة بوتين، سينظر الكثير في كييف إلى عسكرة الحدود البيلاروسية مع أوكرانيا كخطوة مشؤومة، حيث يوجد بالفعل قلق كبير بشأن توسُّع الوجود العسكري الروسي في بيلاروسيا مقابل اعتماد لوكاشينكو الصريح بشكل متزايد على الكرملين في مواجهة الاتحاد الأوروبي.
يؤكد ذلك إجراء روسيا وبيلاروسيا عددًا قياسيًّا من التدريبات المشتركة حتى الآن، ما أوجدَ فعليًّا وجودًا عسكريًّا روسيًّا دائمًا في البلاد، وفي الوقت نفسه تمَّ مؤخرًا إنشاء قاعدة تدريب مشتركة جديدة في غرب بيلاروسيا، ما زاد من الوجود العسكري الروسي، الأمر الذي يرجّح أن لوكاشينكو أيضًا على استعداد للتخلي عن تحفُّظاته السابقة على إنشاء قاعدة للقوات الجوية الروسية في الأراضي البيلاروسية.
زادت العزلة المتجددة من التزامات نظام لوكاشينكو تجاه روسيا، التي لا ترغب في شيء أكثر من قمع الاحتجاجات والسيطرة على الأمة بشكل أكبر مع تجريدها من أصولها.
إعلان لوكاشينكو الأخير بشأن نشر أنظمة صواريخ روسية مضادة للطائرات على الحدود الأوكرانية، هو أحدث مؤشِّر على تدهور العلاقات الثنائية بين مينسك وكييف، كما يشير إلى أن بيلاروسيا تتحول بسرعة إلى جبهة جديدة في حملة بوتين المستمرة لتقويض الدولة الأوكرانية وإجبار البلاد على العودة إلى مجال النفوذ الروسي.
سيكون للوجود العسكري الروسي المتوسع في بيلاروسيا تداعيات أمنية كبيرة في جميع أنحاء المنطقة، لكن الدولة الأكثر عرضة للخطر هي أوكرانيا، التي يتعيّن عليها أن تحاول بشكل عاجل دقّ ناقوس الخطر بشأن تدهور الوضع الأمني على الحدود الشمالية للبلاد، في حين يتعيّن على المجتمع الدولي استيعاب الآثار الكاملة لاستيلاء بوتين على بيلاروسيا، والتي ظلت إلى حد كبير بعيدة عن الرادار الجيوسياسي.
بالتوازي مع العسكرة الروسية لبيلاروسيا، يعمل الكرملين أيضًا على تعزيز سيطرته على السياسة الاقتصادية والخارجية البيلاروسية، ومن شأن خارطة الطريق المكوَّنة من 28 نقطة، والتي تمَّ توضيحها في وقت سابق من سبتمبر/ أيلول الماضي في موسكو، أن تربط الدول ببعضها بشكل وثيق بينما تحدُّ بشدة من قدرة مينسك على اتباع سياسات مستقلة عن روسيا، وهو ما يشير إلى اقتراب بوتين من تحقيق الاستيلاء الخفي على بيلاروسيا دون إطلاق رصاصة واحدة.
“صبي صغير يختبئ خلف أخيه الأكبر”
بهذه العبارة الصريحة وصفَ فراناك فياكوركا، مستشار زعيمة المعارضة البيلاروسية سفياتلانا تسيخانوسكايا، محاولة استخدام لوكاشينكو الكرملين لتهديد الاتحاد الأوروبي، واللعب بورقة روسيا ضد الغرب، لكن دون أن يطلب من موسكو أولًا، أو يستشير الكرملين بشأن تصريحاته.
قبل أغسطس/ آب 2020، قضى “ديكتاتور” بيلاروسيا معظم فترة حكمه التي تجاوزت ربع قرن في مواجهة روسيا والغرب في عملية توازن دبلوماسي أكسبته درجة من الاحترام، لكن استعداده الواضح للتضحية بالسيادة البيلاروسية مقابل بقائه السياسي تبدو اليوم ظاهرة حديثة تعكس عزلته الدولية المتزايدة على مدى الأشهر الماضية.
زادت العزلة المتجددة من التزامات نظام لوكاشينكو تجاه روسيا، التي لا ترغب في شيء أكثر من قمع الاحتجاجات والسيطرة على الأمة بشكل أكبر مع تجريدها من أصولها -مثل بيلاروسكالي (Belaruskali)، أكبر منتجي الأسمدة البوتاس في العالم، أو Minsk Tractor Works الشركة المصنِّعة للآلات الزراعية- بأقل تكلفة سياسية واقتصادية.
مع اندلاع المظاهرات الجماهيرية المناهضة للنظام في جميع أنحاء بيلاروسيا في أعقاب الانتخابات الرئاسية المشكوك فيها في 9 أغسطس/ آب 2020،، بدا أن لوكاشينكو في خطر مباشر بفقدان السلطة، وانهار سعيه المتوازن عندما جعل منه ردّ فعله الوحشي على الاحتجاجات التي عمّت أرجاء البلاد على انتخابات رئاسية وصفتها المعارضة بـ”الباطلة”، رئيسًا منبوذًا دوليًّا.
ومع ذلك، تدخّل بوتين لدعم لوكاشينكو، وزوّد زميله “الديكتاتور” بشريان الحياة المالي، والطائرات المحمَّلة بدعاة الكرملين، ووعد علنًا بإمداده بقوات الأمن الروسية لضمان الأمن في بيلاروسيا إذا خرجت الأمور عن السيطرة، خاصة بعد فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على بيلاروسيا عقوبات شاملة جديدة، من بينها منع السفر وتجميد الأصول.
وفي يونيو/ حزيران الماضي، أكّد اجتماع مخطَّط له بين بوتين ولوكاشينكو على متن يخت روسي في منتجع سوتشي الروسي المطلّ على البحر الأسود، الروابط بينهما ودور موسكو كراعٍ وحامٍ لنظام لوكاشينكو.
لقد كان لقاءً باهظًا انتهى بتكبُّد دافع الضرائب الروسي نصف مليار دولار من الاعتمادات والإعانات، وتكبّدَ دعم لوكاشينكو أيضًا تكاليف اجتماعية ودبلوماسية، الأمر الذي أدّى إلى تفاقم التوترات مع الغرب، وكان الكرملين على استعداد لقبول ذلك إلى حدٍّ ما.
وبحسب مدير دراسات الأمن الدولي في المعهد الملكي للدراسات الدفاعية والأمنية (RUSI)، نيل ملفين، فإن سبب دعم بوتين المستمر للرئيس البيلاروسي هو الخوف من ثورة قد تأتي بحكومة أخرى موالية للغرب في الجوار، فهو لا يريد أن يُطاح بلوكاشينكو من قبل حركة شعبية من شأنها أن تحوِّل بيلاروسيا إلى الغرب.
لهذا السبب كان للرئيس الروسي، المعارض لـ”الثورات الملونة” مثل الثورة البرتقالية الموالية للغرب في أوكرانيا، دور أساسي في دعم لوكاشينكو المحاصر العام الماضي عندما قام الرجل البيلاروسي القوي، الذي يتولّى السلطة منذ عام 1994، بقمع الاحتجاجات بعد الانتخابات، وشكّكت جماعات المعارضة في نتائج الانتخابات، وقالت إن التصويت كان مزورًا.
نظرًا إلى ضعف موقف لوكاشينكو السياسي الداخلي، من الواضح أن بوتين يحاول الآن الضغط عليه وتحويل بيلاروسيا إلى دولة مطيعة.
من هذه النقطة فصاعدًا، تعمّق اعتماد لوكاشينكو على الكرملين بشكل مطّرد عندما شن حملة مطولة على المعارضة الداخلية وانخرط في مواجهة حادة بشكل متزايد مع الغرب.
تضمّنت هذه المعالم البارزة حادثة مايو/ أيار 2021 التي شهدت إجبار طائرة ركّاب تابعة لشركة رايان إير (Ryanair) الإيرلندية، كانت تمرُّ عبر مجال لوكاشينكو الجوي الوطني، على تحويل مسارها والهبوط في مينسك، واختطاف الصحفي المعارض رومان بروتاسيفيتش منها في مشهد لا يحدث عادة إلا في أفلام هوليوود.
ليس من الواضح ما الذي دفع لوكاشينكو للقيام بذلك، لكن من الواضح من يقف إلى جانبه، إنه الراعي الرسمي “المتناقض” بوتين، فرغم تعليق أوروبا الرحلات الجوية إلى بيلاروسيا، أبقى بوتين المجال الجوي مفتوحًا على الجانب الشرقي من الحدود، وهدَّد باتخاذ إجراءات انتقامية ضد الاتحاد الأوروبي.
في الأوقات الأقل حرارة من الناحية الدبلوماسية، لم يكن الكرملين ليسمح بمثل هذه الأحداث المثيرة مباشرة قبل منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي السنوي (2-5 يونيو/ حزيران 2021)، حيث سُئل بوتين مباشرة عن بيلاروسيا، وردّ ببرود من خلال الاعتراف بأن “بيلاروسيا لديها العديد من القضايا الداخلية ونحاول اتخاذ موقف محايد بشأنها”.
وردًّا على سؤال حول الصحفي المعارض، قال: “إنك تطرح أسئلة سياسية في منتدى اقتصادي. أنا لا أعرف رومان بروتاسيفيتش ولا أريد أن أعرفه”.
ونظرًا إلى ضعف موقف لوكاشينكو السياسي الداخلي، من الواضح أن بوتين يحاول الآن الضغط عليه وتحويل بيلاروسيا إلى دولة مطيعة، يترافق هذا مع دفع موسكو لتحويل الأراضي البيلاروسية إلى منصة للقوات المسلحة الروسية مع تحركات لتسريع التكامل الاقتصادي الذي يمكن أن يرقى فعليًّا إلى ضمّ بيلاروسيا على مرأى الجميع.