تقرع روسيا والغرب طبول الحرب في أوكرانيا، في ظلِّ نفخ كلاهما على الجمر إثر التصعيد المتبادل، فقد بات الجو مهيئًا تمامًا لاندلاع ما وصفها البعض بـ”الحرب العالمية الثالثة”، غير أن الكل في انتظار الشرارة الأولى التي تشعل الأجواء.
وانطلاقًا من مقولة “مصائب قوم عند قوم فوائد”، ورغم ما يحمله هذا التصعيد من مخاطر محتملة على طرفَي الأزمة، إذ لا خاسر ولا فائز في حرب بهذا الحجم، هناك في الجهة المقابلة قوى أخرى منها إيران، تجدُ في تلك الضبابية أجواءً ملائمة لتحقيق أكبر قدر من المكاسب على أكثر من مسار.
تعزيز التعاون مع الروس
“إذا عبرت القوات الروسية الحدود الأوكرانية من المحتمل أن تبرز إيران كفائز غير مقصود في الأزمة المتصاعدة بأوكرانيا”، هكذا استهلَّ الباحث في السياسات الدولية بجامعة نانيانج التقنية في سنغافورة، جيمس دورسي، تحليله المنشور على موقع “مودرن دبلوماسي” الأوروبي.
ويرى الباحث أن فرض عقوبات أمريكية وأوروبية على روسيا ردًّا على أي توغُّل في أوكرانيا، من المرجّح أن يجعل موسكو أكثر ميلًا إلى التعامل مع طهران، متجاهلةً أي تداعيات بشأن انتهاك العقوبات الأمريكية في التعامل مع إيران، وبالتوازي مع ذلك قد يؤدّي فشل المفاوضات بشأن الاتفاق النووي إلى ميل إيراني أكبر تجاه المعسكر الشرقي (روسيا والصين)، في محاولة لتعويض العقوبات الأمريكية.
ويأتي اللقاء الذي جمعَ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، على هامش زيارة الأول لموسكو الأسبوع الماضي، في هذا السياق، تلك الزيارة التي تعدّ الأولى بين قادة البلدَين منذ 5 سنوات، وكشفت نوايا الدولتَين في تعزيز التعاون المشترك.
جاءت مخرجات اللقاء في إطار تعزيز التجارة التبادلية والتعاون في مجال الطاقة والمبيعات العسكرية، وهو ما أوضحه الرئيس الإيراني حين خاطب بوتين قائلًا: “لدينا وثيقة عن التعاون الاستراتيجي الثنائي، التي قد تحدِّد علاقاتنا المستقبلية على مدى السنوات العشرين المقبلة. على أي حال، يمكن أن يفسِّرَ ذلك آفاقنا”.
حان الوقت لتخلّي نظام الملالي عن شعار الثورة الإيرانية البالغ من العمر 43 عامًا: “لا شرق ولا غرب”.
يدور الحديث هنا عن اتفاقية تعاون مقترحة بين البلدَين لمدة 20 عامًا، إذ تريد موسكو التفاوض على اتفاقية تجارة حرّة بين إيران والاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي يضمُّ أرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان، إلى جانب روسيا، تشبُّهًا بتلك التي وقّعها الإيرانيون مع الصينيين في مارس/ آذار 2021 لمدة 25 عامًا.
وتذهب الكثير من التكهُّنات التي نشرتها وسائل إعلام روسية إلى أن موسكو على استعداد لبيع أسلحة لإيران تضمُّ مقاتلات Su-35 وأنظمة الدفاع الصاروخي S-400، تصلُ قيمتها إلى 10 مليارات دولار أمريكي، وهو ما سيكون له آثاره السلبية على خريطة حلفاء روسيا في الشرق الأوسط تحديدًا.
إلا أن طريق التعاون الكامل بين موسكو وطهران بهذا الحجم لن يكون مفروشًا بالورود كما يتوقع البعض، حتى إن كانت الأجواء مناسبة لذلك، فعلى بوتين أن يضعَ في الحسبان علاقاته مع دول الخليج التي بلا شكّ ستتأثر بتعميق العلاقات مع طهران، وهو ما قد يدفعه إلى توخّي الحذر من باب إحداث التوازن وحفاظًا على مصالح بلاده، الأمر كذلك مع الصين التي لا تودّ أن تخسر أي من حلفائها، خاصة أنها أقل تطرفًا في تبنّي المواقف السياسية إزاء الملفات الساخنة في المنطقة.
لا تجد طهران -من منطلق براغماتي بحت- أي غضاضة في الانفتاح على أي معسكر يخدم مصالحها وأجندتها، بعيدًا عن أي خلافات أيديولوجية أو سياسية، وهو ما دفع الباحث والمحلل السياسي الإيراني صادق زيباكلام، المقيم في طهران، إلى القول بأنه قد حان الوقت لتخلّي نظام الملالي عن شعار الثورة الإيرانية البالغ من العمر 43 عامًا: “لا شرق ولا غرب”.
برنامج التسليح النووي
في سياق آخر، يعتبر المراسل السابق والكاتب في شبكة “سي إن إن” الأمريكية، ديفيد أندلمان، أن الظروف الدولية الآن باتت مواتيةً بشكل أكبر لطهران لتعزيز برنامجها النووي، مرجعًا ذلك إلى تركيز أمريكا وروسيا أكثر على الملف الأوكراني على حساب الملف الإيراني.
وألمح أندلمان، الكاتب المتخصِّص في التاريخ والقضايا الاستراتيجية، أن “ما ضاع وسط ضجيج قرع طبول الحرب الروسية، هو صوت صافرة الإنذار الملحّة، التي تحذِّر من التقدم في برنامج إيران النووي”، محذّرًا من اقتراب الاتفاق النووي من الوصول إلى نقطة اللاعودة.
الكاتب الأمريكي وغيره من المراقبين يرون أن التأخير في المفاوضات والتلكُّؤ في الوصول إلى صيغة توافقية، يمنحان طهران الوقت الكافي لإحراز المزيد من التقدُّم نحو القدرة على صنع سلاح نووي -تجريبي على الأقل-، لافتًا إلى أنه وقبل أسبوعَين فقط على انتهاء المحادثات بشكل عملي، هناك اعتقاد كبير بأن طهران ربما تكون قريبةً جدًّا أكثر من أي وقت مضى من إنشاء “جهاز نووي”.
التأخير في المفاوضات والتلكُّؤ في الوصول إلى صيغة توافقية، يمنحان طهران الوقت الكافي لإحراز المزيد من التقدم نحو القدرة على صنع سلاح نووي -تجريبي على الأقل-.
هذا التخوُّف عبّر عنه خبير الملف الإيراني في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، الباحث غازي سيك، حين أشار إلى أن طهران من المحتمَل أن تمتلكَ المواد التي تمكّنها من التخصيب لصنع قنبلة بالفعل في غضون شهر أو شهرَين على الأكثر، منوِّهًا أن امتلاك تلك المواد ليس وحده مَثار قلق، فالإيرانيون اكتسبوا خلال الفترة الماضية خبرات ومهارات تكنولوجية تمكّنهم من العودة بسرعة إلى وضع الاستعداد لإنتاج قنبلة، حتى لو تمَّ التوصُّل إلى اتفاق نهائي مع الأمريكيين.
وكعادتها.. وبتوجُّه ميكافيللي يتعارض مع الشعارات الجوفاء التي ترفعها الثورة الإسلامية في البلاد، تحاول طهران قدر الإمكان الخروج بأكبر قدر من المكاسب وسط الأزمات الإقليمية والدولية المشتعلة، لتأتي الأزمة الأوكرانية على طبق من ذهب لتعزيز تلك المكاسب، وسط حالة من الترقُّب من الخصوم التقليديين.