في أثناء عمله بجمع البلاستيك وبقايا الكرتون من الطرقات، اعتقلت الشرطة التركية، الشاب السوري حمود الجاسم ذي الـ16 عامًا دون أي تهمة أو أي إساءة بدرت منه، نقلت دورية الشرطة الشاب إلى مركز الترحيل في المنطقة للبدء بإجراءات إرساله إلى شمال سوريا دون وجود تهمة أو حتى دون الرجوع إلى أهل الشاب لتوكيل محامٍ أو الطلب من المنظمات الحقوقية النظر بأمره رغم بقائه ما يقارب 20 يومًا في مركز الترحيل.
الشاب حمود يساعد أهله بمصروفهم رغم أنه من ذوي الاحتياجات الخاصة، وذلك لم يشفع له فقد تم ترحيله إلى شمال سوريا وبالتحديد إلى مدينة أعزاز من معبر مدينة كلّس، وبذلك يكون تم فصله عن عائلته دون النظر لوضعه الاستثنائي، الجدير بالذكر أن والد حمود يعمل حارسًا في أحد المواقع الإنشائية ووالدته مريضة وفقًا لما ذكر والده الذي يطالب السلطات التركية بإعادة ابنه فورًا إلى تركيا.
تتكرر حالة حمود كثيرًا هذه الأيام، فالقصص المتواترة تتنبأ بمئات حالات الترحيل القسري المتتابعة من تركيا نحو الشمال السوري، تحت ما يسمى “العودة الطوعية” خلال السنوات الماضية، كما يتم إجبار هؤلاء الأشخاص على التوقيع على ورقة “عودتهم الطوعية”، وقد يكون المرَحل لم يرتكب أي جرم أو فعل يستدعي ترحيله، لتصبح هذه الإجراءات غير مفهومة للنسبة العظمى من حالات الترحيل، خاصة أولئك الذين يملكون بطاقات حماية مؤقتة ويتم طردهم.
هذا وينص قانون الحماية المؤقتة في تركيا على أنه “يتم توفير الحماية المؤقتة للأجانب الذين أجبروا على مغادرة بلادهم ولا يمكنهم العودة إلى البلاد التي غادروها وقد وصلوا إلى تركيا أو عبروا حدودها باندفاع جماعي، باحثين عن الحماية العاجلة والمؤقتة”، كما أن هناك مادة تنص على أن إجبار الناس على العودة ممنوع منعًا باتًا.
سياسة التخفيف
ليس بعيدًا عن إجراءات الترحيل، برزت في الآونة الأخيرة قوانين جديدة قيل إنها تنظم الوجود السوري في تركيا، فقد نقلت صحيفة “حرييت” التركية قرارًا صادرًا عن وزارة الداخلية، ينص على منع كل الأجانب الحاملين لكل أنواع الإقامات والسوريين المسجلين في البلاد تحت الحماية المؤقتة، من تقييد نفوسهم في 16 ولايةً تركيةً، و800 حي في 52 ولايةً.
وقالت الصحيفة، إنّه في حال تجاوز عدد السوريين 25% من السكان في مكان ما، تُغلق أماكن الإقامة لاستقبال طلبات تقييد النفوس فيها، والولايات الـ16 التي حُظرت هي: أنقرة وأنطاليا وأيدن وبورصة وتشاناكالي ودوزجة وأدرنة وهاتاي وإسطنبول وإزمير وكيركلاريلي وكوجالي وموغلا وسكاريا وتكيرداغ ويالوفا، بحسب الصحيفة.
وقد قال وزير الداخلية التركي سليمان صويلو: “ينبغي تخفيف الكثافة السكانية للسوريين، حتى لا يؤدي ذلك إلى تدهور التركيبة السكانية في تركيا”، وأضاف صويلو “طبيعة الهجرة من سوريا إلى تركيا تغيرت، وجزء كبير من الذين يحاولون القدوم هم من المناطق المحيطة بدمشق”، مشيرًا إلى أن السبب في ذلك هو الأزمة الاقتصادية، والقادمون إما يريدون البقاء في تركيا وإما الانتقال إلى أوروبا.
أوضح صويلو أن “الدول المتقدمة لا تفعل أي شيء في هذا الصدد، إنهم يشاهدون فقط.. سنأخذ من يأتون من دمشق مباشرة إلى المخيمات”، مضيفًا “الحماية المؤقتة تُمنح للقادمين من مناطق الصراع ومناطق الحرب الأهلية، أما هؤلاء فسيتمّ إعادتهم إلى بلادهم”.
وفي مناسبات عدة أكد صويلو أن “اللاجئين السوريين في سوريا تحت الحماية المؤقتة وأنهم أخوة للشعب التركي ولا صحة للحديث عن ترحيلهم إلى مناطق الصراعات في سوريا”، إلا أن تأكيدات صويلو تلك لا تترجمها الوقائع، إذ يتم ترحيل أشخاص إلى سوريا بشكل يومي، إن كانوا من حملة الأوراق القانونية أو لا، وهو ما يعد خرقًا لقوانين الحماية المؤقتة.
يذكر أن تركيا سنت قانونًا للأجانب والحماية الدولية رقمه 6458 ويشتمل على مواد تنظم موضوع الحماية المؤقتة في البلاد، وفي المادة 91 منه ينص على أنه “يجوز تأمين الحماية المؤقتة للأجانب الذين أجبروا على مغادرة بلدهم الأصلي وهم غير قادرين على العودة إليه، وكانوا قد قدموا إلى حدود تركيا على شكل تدفقات جماعية بهدف الحصول على الحماية المؤقتة”.
إضافة إلى ما سبق “يحصل الأشخاص المقبولون من تركيا على حق الإقامة وجميع الحقوق والواجبات وهم يتمتعون بالحماية من عمليات الإعادة القسرية، وسوف تتخذ جميع التدابير اللازمة التي سيتم اتخاذها بخصوص هذه التدفقات الجماعية وذلك بالتعاون مع المؤسسات المحلية والدولية ومراكز التنسيق في الولايات التركية، بحيث يتم تحديد واجبات المؤسسات وصلاحياتها بقانون يصدر عن رئيس الجمهورية”.
إلى ذلك عقد والي غازي عنتاب جنوب تركيا داوود غول ومدير دائرة الهجرة فاتح أينا لقاءً مع المنظمات والهيئات السورية الموجودة في الولاية، وأوضح غول الحالات التي تتم من خلالها عمليات الترحيل، مؤكدًا أنَّ كلَّ شخص يتمُّ ترحيله يكون “قد ارتكب جرمًا يستحق الترحيل، كأن يكون اللاجئ السوري قد حاول إطلاق النار على دورية للشرطة وثبت أنَّه يحمل مخدرات أو مواد محظورة”.
من جهته أشار مدير الهجرة أنَّ “قرار الترحيل لا يشمل المسافرين دون إذن سفر، وإنما يشمل الأشخاص الذين زوّروا وثائق رسمية مثل بطاقة الطالب أو إذن السفر”.
العودة الطوعية
ردًا على تصريحات داوود غول يقول الناشط بمجال حقوق اللاجئين طه غازي خلال حديثه لـ”نون بوست”: “لا توجد معايير وأسس واضحة للترحيل هذه الأيام، ولا نستطيع الاعتماد على كلام والي عنتاب ورئيس دائرة الهجرة أيضًا بتحديد المعايير التي يتم فيها ترحيل السوريين بشكل قانوني”، مؤكدًا “خلال الفترة الماضية شهدنا بأن عمليات الترحيل تتم لأشخاص ليس عليهم أي قضية إدارية، كل ما هنالك أن قسمًا من الأشخاص المقيمين في إسطنبول مسجلون بغير ولاية، وهذا الأمر بالنهاية مرده إلى الكيفية التي أعطيت قرارات الترحيل لموظفي الأمن، وقد أقرت بعض المؤسسات التركية بأن هذا خطأ، لكن هذه الأخطاء للأسف الشديد باتت تتواتر بشكل شديد”.
عطفًا على ما تكلم به غازي، فإن الكثير من الأشخاص الذين تم ترحيلهم يشتكون من الظلم الواقع عليهم، فهم من حاملي الأوراق الرسمية النظامية ولم يرتكبوا أي جرم أو مخالفة أو جناية تذكر، لا بل فإن العديد منهم طلاب جامعات وأصحاب أعمال وموظفون، وقد رحلوا ليتركوا عوائلهم خلفهم دون معيل.
توضيحًا لموضوع “العودة الطوعية” يقول الناشط غازي: “لا يوجد شيء اسمه عودة طوعية، الأشخاص الذين تم ترحيلهم، جرى إجبارهم على التوقيع على ورقة العودة الطوعية، عدا عن الشتائم والضرب الذي يتعرض له اللاجئ الذي يرفض التوقيع على هذه الورقة، بالإضافة إلى منع التواصل مع أي من ذويه أو المحامين أو المنظمات الحقوقية”.
أما على المستوى الرسمي، فمنذ أيام التقى وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، نظيره الأردني أيمن الصفدي في العاصمة أنقرة، وقال جاويش أوغلو، إن بلاده تعمل مع الأردن من أجل عودة طوعية للسوريين اللاجئين إلى بلادهم، معربًا عن رغبة تركيا في تنظيم مؤتمر وزاري لمناقشة ما وصفها بالعودة الطوعية.
“قيدونا لمدة عشرين ساعة وكانت المعاملة سيئة مع الشرطة، ونحن في الحافلة لم يسمحوا لنا بالكلام أو حتى قضاء الحاجة إلا في الحالات القصوى، وكانوا كل 3 ساعات يفتشوننا
ليست هذه المرة الأولى التي يتكلم بها وزير الخارجية التركي عن “العودة الطوعية”، فقد سبق وأشار إلى رغبة بلاده في طرح ومناقشة فكرة العودة الطوعية للاجئين السوريين إلى بلادهم، وذكر جاويش أوغلو في أحد لقاءاته أنّ “بلاده بدأت تشهد تعاونًا أفضل من المجتمع الدولي بشأن إعادة اللاجئين بشكل آمن إلى بلادهم، وأنها أطلقت مبادرة تعاون مع دول الجوار التي تستضيف السوريين، وهي لبنان والأردن والعراق”.
وكان الوزير أوغلو قد أعلن أمام البرلمان التركي العام الماضي أنّ “تركيا اتفقت مع 4 دول مجاورة لسوريا على ضرورة إعادة اللاجئين السوريين بشكل طوعي إلى سوريا، لكن الأزمة اللبنانية أجّلت تنفيذ هذا الاتفاق”، موضحًا أن بلاده نجحت في وضع قضية العودة الطوعية للسوريين على أجندة الرأي العام الدولي.
تحت جنح الظلام
من أجل إعداد هذا التقرير، تواصلنا مع أحد الشباب الذين تعرضوا للترحيل تحت مسمى “العودة الطوعية”، فأخبرنا الشاب السوري أبو أحمد عن ظروف ترحيله، وروى لنا أنه كان يعيش في إسطنبول للعمل منذ أربع سنوات، إلا أن بطاقة الحماية المؤقتة التي يملكها مسجلة في ولاية مرسين، وبسبب سوء أحوال العمل في مرسين خرج إلى إسطنبول قاصدًا “باب الرزق” لإعالة أهله الموجودين في سوريا.
أبو أحمد هو أحد المهجرين قسريًا في سوريا، فنظام الأسد هجرّه وعائلته من بلدته في ريف دمشق عام 2017 إلى إدلب، وهنا يقول بأسى: “ظننت أنني لن أتعرض لما تعرضت له في سوريا بعد خروجي منها، لكن الحكاية أعيدت”، أبو أحمد بعد خروجه إلى إدلب اقترض مبلغًا من المال للخروج إلى تركيا بقصد العمل وتأمين أسرته التي بقيت في سوريا، كما يقول.
أما عن تفاصيل ترحيله، يقول إنه كان ذاهبًا لاستخراج إذن عمل وهي بطاقة تسمح للعامل السوري بأخذ حقوقه القانونية كاملة وتخوله البقاء في ولاية غير تلك التي سجل بها بياناته، وعندما انتهى من تقديم أوراقه، خرج باتجاه ميدان منطقة اسنيورت ليوقفه عدّة أشخاص بلباس مدني، ويروي أبو أحمد: “أوقفوني وأخبروني أنهم الشرطة وأظهروا بطاقاتهم وتعاملوا معي بلطف، وقالوا لي اصعد إلى الباص”.
يضيف “عندما صعدت إلى الباص باتت المعاملة مختلفة وسيئة، فقد قيدوني ووضعوني رفقة ما يقرب من 20 شابًا ونحن لا ندري أي شيء أو ماذا سيحصل بنا”، اقتادت الشرطة الحافلة التي تحمل أكثر من 20 شابًا إلى مركز منطقة توزلا الواقعة بالقسم الآسيوي من إسطنبول، وهو الذي بات يعرف بين السوريين اليوم بمركز الترحيل، حيث يتم وضع الشباب المعتقلين فيه ريثما يتم ترحيلهم إلى ولاية كيليس لترحيلهم إلى سوريا.
وفي السياق يتكلم أبو أحمد أنه جرى وضعه في هذا المركز لمدة 12 يومًا وقد شاهد أعدادًا كبيرةً بعضهم أتم شهرًا في هذا المكان، وخلال هذه الأيام كان حرس السجن يقولون لهم إنهم سيرسلونهم إلى ولاية أورفة وليس إلى سوريا، وهو ما أعطاهم بعض الأمل وفقًا لما يقول.
في يوم الترحيل من منطقة توزلا، تفاجأ أبو أحمد ورفاقه بأنهم ذاهبون إلى منطقة كيليس الحدودية مع سوريا، ويتحدث عن الإجراءات القاسية التي تمت بحقهم، فوفقًا لما يقول: “قيدونا لمدة عشرين ساعة وكانت المعاملة سيئة مع الشرطة، ونحن في الحافلة لم يسمحوا لنا بالكلام أو حتى قضاء الحاجة إلا في الحالات القصوى، وكانوا كل 3 ساعات يفتشونا، مع أننا مقيدون ولا نملك أي شيء غير تلك الثياب التي على أجسامنا”.
وصلت الحافلات التي تضم أكثر من 120 شخصًا لترحيلهم إلى سوريا ليلًا إلى مركز الهجرة في ولاية كيليس، وإلى تلك اللحظة لا يعرفون ماذا سيحصل بهم كما يقول أبو أحمد، ويروي: “أخذونا إلى مركز الهجرة ووضعونا في خيمة كبيرة وانسحبت قوات الشرطة المرافقة لنا وبعدها بدأ أناس جدد بأخذ بصماتنا وأجبرونا على أن نوقع على أوراق مكتوب عليها ورقة العودة الطوعية”، وهنا يضيف “عندما قلنا لهم لا نريد أن نوقع أجبرونا على ذلك”.
المثير للغرابة كما يقول أبو أحمد أن كل هذه الأمور تمت في جنح الظلام، إذ إنهم وبعد الانتهاء من إجراءات مركز الهجرة وتوقيعهم على الأوراق، أخذوهم إلى المعبر الحدودي مع سوريا، وكانت الساعة تشير إلى الثالثة ليلًا، وكانت ليلة الأحد أي أن هذا يوم عطلة رسمية، ويقول: “وصلنا إلى المعبر الفارغ كليًا إلا من بعض الضباط الذين كانوا يصرون على سرعة الإجراءات والترحيل، فلم يكن هناك أي موظف أو منظمة أو شرطة لنتحدث إليهم، وكان الضباط إلى هذه اللحظة يقولون لنا لن نرحلكم إلى سوريا”.
يكمل أبو أحمد “فجأة وجدنا أنفسنا وقد وصلنا إلى الجانب السوري من المعبر وقال لنا العناصر الأتراك هيا اذهبوا إلى سوريا”، يذكر أبو أحمد أن وضعه هو والشباب الآخرين مأساوي في المنطقة التي رحلوا إليها، فبعض الشباب ينامون حتى اليوم في المساجد والبعض الآخر في الفنادق، ويضيف أن بعد وصولهم إلى سوريا بيومين حصل قصف من النظام على مدينة أعزاز حيث يقيمون، وتعرضت حافلة تضم بعض الشباب المرحلين إلى القصف أيضًا، ما أدى لإصابة العديد منهم.
ويبين المقطع المصور هذا تعرض حافلة صغيرة للقصف كانت تقل بعض الشباب المرحلين وفقًا لما قاله الشاب السوري.
انتهاك لحقوق الإنسان
ولعل ترحيل اللاجئين إلى بلدانهم التي ما زالت تحت الخطر يعد انتهاكًا لحقوق الإنسان، وتنص المادة 33 من “اتفاقية جنيف” لعام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين، أنه “لا يجوز لأي دولة متعاقدة أن تسمح لأي لاجئ بدخول أي إقليم تتعرض فيه حياته أو حريته للتهديد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه لمجموعة اجتماعية أو رأي سياسي معيّن، أيًا كان ما لن يعود أو يُرد بأي شكل من الأشكال”.
وتعتبر تركيا ملزَمة بقاعدة عدم الإعادة القسرية بموجب القانون الدولي العرفي، التي تحظر إعادة أي شخص بأي شكل من الأشكال إلى مكان يواجه فيه خطرًا حقيقيًا بالاضطهاد أو التعذيب أو غيره من ضروب سوء المعاملة أو تهديد الحياة.
يذكر أن لجنة التحقيق الدولية المعنية أعلنت أن “هذا ليس الوقت المناسب ليظن أحد أن سوريا آمنة وأنه يمكن للاجئين العودة إلى ديارهم، لا بل نشهد تصاعدًا في القتال والعنف”، كما أصدر الاتحاد الأوروبي تقريرًا كاملًا عن الأمور التضليلية التي تصدر عن سوريا ومنها أن اللاجئين بوسعهم أن يعودوا إلى بلادهم لأنها أصبحت آمنة.
يقول التقرير: “التضليل: سوريا آمنة من أجل عودة اللاجئين، أما الحقيقة: قلة قليلة من السوريين يجرؤون على العودة لبلدهم. تعرض الكثير منهم عند عودتهم إلى الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والمعاملة السيئة على يد قوات أمن النظام أو أرغموا أحيانًا على التجنيد”.
وكذا أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرًا خلص إلى أنه “لا مأمن للاجئين العائدين في أي مكان في سوريا، وفضلًا عن ذلك، فإن ثمة خطر حقيقي في أن يتعرض اللاجئون الذين رحلوا عن سوريا منذ بدء الصراع للاضطهاد لدى عودتهم بسبب ما تنسبه السلطات إليهم من الآراء السياسية، أو بهدف معاقبتهم على فرارهم من البلاد وحسب”.
ضغوط المعارضة والانتخابات
يضغط سياسيو المعارضة التركية كثيرًا بخصوص ترحيل اللاجئين السوريين من البلاد، فقد جدد رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو تصريحاته ضد السوريين المقيمين في بلاده، ولطالما ردد عبارة “سنعيد السوريين إلى بلادهم عندما نصل إلى السلطة بالطبل والزمر بغضون عامين”، ويشدد كليجدار أوغلو أنه في حال وصول حزبه إلى كرسي الرئاسة في عام 2023 “سنصلح علاقاتنا مع الحكومة السورية ونرسل سفيرًا إلى دمشق. سأحصل على تمويل من دول الاتحاد الأوروبي لبناء مدارس وشركات للسوريين”.
كذا تفعل رئيسة الحزب الجيد ميرال أكشنار بتعهدها الدائم بإرسال اللاجئين السوريين إلى سوريا، عدا عن التصريحات العنصرية والمحرضة التي تصدر من سياسيين آخرين كأوميت أوزداغ الذي يتهم السوريين “بتغيير الديمغرافية في تركيا” وإيلاي أكسوي التي تدعو بشكل مستمر إلى “إصلاح علاقة أنقرة مع نظام الأسد والتنسيق بشأن إعادة السوريين”.
بات اللاجئ السوري اليوم، في تركيا خائفًا من تكرار سيناريو التهجير والترحيل تحت مسمى العودة الطوعية إلى بلده الذي يغيب عنه الأمن والاستقرار والبنية التحتية.
هذه التصريحات المعارضة، بجانب أنها تشكل ضغطًا على الحكومة التركية قبل موعد الانتخابات عام 2023 فإنها تشكل خطاب كراهية يحرض على الوجود السوري شعبيًا، ما يؤدي لحالات اعتداء في بعض الأحيان وهو ما حصل خلال الفترة الماضية بأحداث أنقرة وغيرها من حوادث القتل والاعتداء الفردية في إسطنبول وأنقرة وغيرها من المناطق التركية.
في السياق يقول طه غازي: “باتت الحملات الإعلامية بشأن ترحيل السوريين لدى الحزب الحاكم حاليًّا تأخذ منحى مثل الذي تتبناه المعارضة، فهذا الموضوع بات أداة لإعادة كسب ثقة الشارع التركي قبل الانتخابات، المواطن السوري بات بين سندان تصريحات المعارضة التركية بعودته الطوعية ومطرقة التيار الحاكم بقرارات الترحيل، والقرارات الجديدة الصادرة عن وزارة الداخلية تندرج تحت إطار ما يتم الترويج له هو العودة الطوعية.
أين المعارضة السورية؟
بالعودة إلى قصة الشاب أبو أحمد، قال إنهم يتواصلون حاليًّا مع اللجنة السورية التركية المشتركة التي تعمل بدورها على إيصال صوتهم لإعادتهم إلى تركيا بأقرب وقت، وأكدّ أن اللجنة تعمل حاليًّا مع والي كيليس ودائرة الهجرة هناك لإعادة المرحلين الذين يملكون أوراقًا رسميةً والطلاب وأصحاب الأعمال، فيما سيبقى أصحاب الجنايات في سوريا ولن تتم عودتهم إلى تركيا.
واشتكى ضيفنا، من تجاهل مؤسسات المعارضة السورية لحالتهم، فلم تتواصل معهم أي مؤسسة من المؤسسات الموجودة في الداخل أو الخارج أو تلتفت لمعاناتهم حتى الصحية، كما أنهم حاولوا التواصل مع إحدى الشخصيات التي لم يذكر اسمهان بشأن قضيته ورفاقه، لكنه رد عليهم بالقول: “الحكومة التركية لا ترحل أحدًا بشكل اعتباطي أو غير مسؤول”.
وكنا قد أعددنا في “نون بوست” أكثر من تقرير تناولنا من خلاله تقصير مؤسسات المعارضة بالتعامل مع أزمات السوريين في تركيا بشكل عام وأزمة الترحيل بشكل خاص، وفي هذا السياق يقول طه غازي في حوار أجريناه معه سابقًا: “كنا نتمنى أن يكون للمؤسسات المعارضة الرسمية السورية دور كبير في متابعة قضايا اللجوء السورية، لكن هذه المؤسسات للأسف ما زالت منذ 10 سنوات تقدِّم وتسوِّق نمطية اللاجئ السوري بأنه هو الإنسان المحتاج للصدقة والشفقة، فمعظم اللقاءات لمنظمات المجتمع المدني السوري ومؤسسات المعارضة تتمّ للبحث فقط عن الصدقة للاجئين”، وأضاف “اللاجئ السوري بات لديه احتياجات أساسية لا بدَّ من النظر إليها لسلامة أرواح اللاجئين السوريين في تركيا، ورأينا خلال الفترة الماضية كيف زادت حدّة الاعتداءات العنصرية لدرجة فقدنا فيها أرواح أشخاص”.
ختامًا.. بات اللاجئ السوري اليوم، في تركيا خائفًا من تكرار سيناريو التهجير والترحيل تحت مسمى العودة الطوعية إلى بلده الذي يغيب عنه الأمن والاستقرار والبنية التحتية، وبذلك يكون مهددًا في رزقه وسلامته وصحبة عائلته، في ظل غياب الرقابة الحكومية التركية وعجز المنظمات المدنية وتخاذل المعارضة السورية الرسمية.