بشكل مفاجئ، أعلنت الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، الثلاثاء 15 مارس/آذار 2022، عن ترتيبات تجريها لدعوة القوى والمكونات السياسية والثقافية والاجتماعية اليمنية، ومنهم جماعة الحوثي، إلى مشاورات في مقر المجلس بالعاصمة السعودية الرياض في الفترة من 29 مارس/آذار وحتى 5 أبريل/نيسان القادم بحضور المبعوثين الأممي والأمريكي إلى اليمن وسفراء مجلس التعاون الخليجي والدول الـ19 الفاعلة في الملف اليمني، في إطار مبادرة ترمي إلى تعزيز مساعي السلام التي تقودها الأمم المتحدة.
وحظي مقترح الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي بموافقة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وسيتم خلال الأيام القليلة القادمة البدء بتوجيه الدعوات للمشاركين من مختلف التوجهات السياسية بمن في ذلك الجماعة الحوثية مع تقديم ضمانات بتسهيل وصول وفدها إلى الرياض.
تأتي تلك الأنباء، بعد قرار تاريخي لمجلس الأمن الدولي (2624)، وصف فيه الحوثي بـ”بالجماعة الإرهابية”، وأعقب ذلك قرار مجلس جامعة الدول العربية بتصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، وأخيرًا إدراج الحوثيين في القائمة السوداء للمنظمات الإرهابية من الاتحاد الأوروبي.
المؤتمر المزمع عقده في العاصمة السعودية الرياض سيكون تحت لافتة المرجعيات الثلاثة للحل السياسي في اليمن (المبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة)، ومزيجًا من مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي رعته الأمم المتحدة عام 2013 ومؤتمر الرياض الذي عقد في مايو/آيار 2015، في حين سيصل عدد المشاركين في المؤتمر إلى نحو 500 مشارك من مختلف التيارات السياسية اليمنية وشيوخ القبائل والأدباء والمثقفين وممثلي منظمات المجتمع المدني.
في هذا التقرير، سنحاول قراءة مبادرة مجلس التعاون الخليجي وعلاقته بقرارات مجلس الأمن الدولي وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي على ضوء التحركات الإقليمية وتحركات المبعوثين الأممي والأمريكي إلى اليمن، لإحلال السلام في دولة أنهكتها الحرب للعام الثامن على التوالي، وإمكانية نجاح ذلك.
توقيت المشاورات المرتقبة
بغض النظر عما إن كان مجلس التعاون لدول الخليج العربي، وضع في حسبانه مسألة قبول الحوثي أو رفضه لمثل هذه الدعوة، فإن توقيتها جاء بالتزامن مع ملامح فشل المبعوثين الأممي والأمريكي إلى اليمن، في أن يتقدما خطوة واحدة نحو البوابة الرئيسية لإحداث خرق في جدار الأزمة السياسية في البلاد، وظلا يدوران في حلقة مفرغة، تشير إلى أن الوضع في اليمن فد يستقر في وضع “لا سلم.. لا حرب”، وهو ما يبدو عملية غربية متفقة لاستنزاف دول الخليج العربي.
في المقابل تسعى الولايات المتحدة الأمريكية، التي رفضت في وقت سابق من هذا الشهر إعادة الحوثيين إلى قائمة المنظمات الإرهابية، بهدف الضغط على الحوثيين للقبول بالسلام، لأن تبرم اتفاقًا مع إيران الداعم الرئيسي للحوثيين، بهدف الاستفادة من نفطها لتخفيف عواقب العقوبات التي فرضتها على روسيا، على حساب أمن حلفائها في المنطقة.
وعلى ضوء تلك النتائج، يبدو أن التحالف العربي ينتظر نتائج العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وعلى غرارها سيقرر مصير الحرب في اليمن، وبدا ذلك من خلال تقديم المبادرات التي قد تكون النهائية، بعد تقديمه مبادرات سابقة قوبلت جميعها بالرفض المطلق من الحوثيين الذين يتشجعون ويصعدون عملياتهم كلما سمعوا عن مبادرة سلام أو وقف الحرب.
لماذا هذه المبادرة؟
تدرك المملكة العربية السعودية أن الحوثيين لن يقبلوا بهذا الحوار، فقد سبق أن قدمت في مارس/آذار 2021، مبادرة لوقف إطلاق نار شامل في اليمن، داعية الحوثيين لقبولها والانخراط في العملية السياسية، لكنها هذه المرة وسعت تلك المبادرة بشكل أعم، وجعلت مجلس التعاون الخليجي يقودها، بشكل جماعي، ويبدو أنها منحت العمانيين والقطريين مساحةً واسعةً للتحرك على ضوئها.
سلطنة عمان وقطر، رفضتا بقوة أن تدرج الولايات المتحدة الأمريكية، الحوثيين في قائمة المنظمات الإرهابية في وقت سابق من هذا الشهر، وعزتا ذلك إلى أنه سيساهم في تفاقم كبير للأزمة الإنسانية في اليمن، نتيجة للتصعيد العسكري التي ستشهده البلاد، جراء ذلك التصنيف.
لا يريد التحالف العربي أن تتسبب تلك المواقف في تصدعات داخل المجلس، ورأى أن يرعى مجلس التعاون الخليجي هذه المبادرة كـ(منظومة)، التي قد ترفع الحرج عن السعودية فيما قد تقرره في وقت لاحق وحال رفض الحوثيين لها أو فشلها إن شاركوا فيها.
تناقض مع القرارات الدولية
خطوة مجلس التعاون الخليجي تناقض قرار جامعة الدول العربية التي أدرجت جماعة الحوثي في القائمة السوداء ضمن 12 كيانًا إرهابيًا، إلى جانب داعش والقاعدة والنصرة وبوكو حرام، وآخرين، إضافة إلى القرار السابق من مجلس الأمن الدولي واللاحق من الاتحاد الأوروبي، على اعتبار أن القانون الدولي يجرم الحوار مع الجماعات الإرهابية.
لكن، يبدو أن مجلس التعاون الخليجي، ومع تضييق الخناق الشديد على الحوثيين الذين قد يجدون أنفسهم مقيدي الحركة والتواصل مع العالم الخارجي، يريد أن يفتح لهم نافذة “أمل”، وقد يضطروا للحوار معهم رغمًا عن أنفهم، وما دون ذلك سيجدون أنفسهم منبوذين، وقد يصل الأمر إلى تصفية قياداتهم ومطاردتهم وتشكيل تحالف دولي على غرار التحالف الخاص بداعش.
هل يقبل الحوثيون؟
منذ الوهلة الأولى، ردت الجماعة بالرفض السريع لهذه المبادرة على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية في حكومة الحوثيين غير المعترف بها أحمد العماد، الذي اعتبر أن لا جديد فيها، وهي دعوة للاستهلاك الإعلامي، من دون أن يحدّد موقف الحوثيين من الحضور.
وقال رئيس اللجان الشعبية الحوثية، محمد علي الحوثي، إن دعوة المجلس الخليجي للحوار هي في الواقع دعوة الرياض، والرياض طرف في الحرب وليست وسيطًا، في إشارة إلى أن الجماعة قد ترفض ذلك.
مايثار في الاعلام
عن دعوة المجلس الخليجي للحوار
هي في الواقع دعوة الرياض والرياض طرف في الحرب وليست وسيطا
— محمد علي الحوثي (@Moh_Alhouthi) March 15, 2022
لكن من وجهة نظر فاحصة، قد تكون هذه الدعوة بمثابة فرصة أخرى بعد الفرصة التي فوّتها الحوثيون في مارس/آذار 2021، حينما أعلنت السعودية عن مبادرة لإحلال السلام، لكنها قد تكون الأخيرة، بعد أن ضاق الخناق على الحوثيين في كل مكان، فيما لو استثمرت الشرعية اليمنية تلك القرارات بشكل صحيح.
هناك سيناريوهان لتعامل الحوثي مع هذه الدعوة: الأول القبول، بهدف إرسال رسائل إلى الداخل، بأن قرارات مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية مجرد حبر على ورق، وسيروّجون لذلك في الداخل على أنه انتصار، وسيوافقون على المشاركة لمجرد تسجيل الحضور، وبعد ذلك سيرفضون أي نتائج يفضي إليها الحوار ما لم يكن في صالحهم.
أما السيناريو الثاني، وهو الأقرب، فيتمثل في رفض الحوثيين المشاركة في المشاورات والاستمرار في تضييع الفرص لإحلال السلام والعمل على تصعيد عملياتهم العسكرية في الداخل اليمني، ردًا على ذلك، على اعتبار أن إنهاء الحرب في اليمن لن يكون إلا عن طريق الحسم العسكري.
خلاصة
على ضوء التحركات الدولية بشأن السلام في اليمن، يبدو أن مجلس التعاون الخليجي لم يعد يثق كثيرًا بالتحركات الوهمية التي يقوم بها المبعوثان الأممي والأمريكي إلى اليمن، وبالتالي يحاول مجددًا إعادة تقييم الحرب في اليمن، ومن ثم جر الحوثيين إلى مربع الحوار مع المكونات اليمنية الأخرى.
للتحالف العربي هدف إستراتيجي، وهو وقف الحرب، قبل أن يضمن أمنه وخصوصًا المملكة العربية السعودية المهدد أمنها بالفعل من نظام إيران وأذرعها في المنطقة وخصوصًا الحوثيين، وهي تحاول بشتى الطرق أن تفصل (الجماعة) عن النظام المركزي في طهران، وهو الهدف من المشاورات السياسية المزمع إقامتها في الرياض.
إذا فشل مجلس التعاون الخليجي في استدراج الحوثي إلى الرياض، فإنه قد يكسب من هذا المؤتمر أو المشاورات السياسية، إعادة تقييم دوره في الحرب ولملمة شتات الشرعية وإدماج المكونات السياسية المتناحرة وتوحيد صفها لمواجهة الحوثي.. وفي الواقع؛ فإن مشاركة الحوثيين في الحوارات والمؤتمرات لن تسفر عن شيء، كالعادة.