أحدثت الدعوة التي قامت بها الجبهة السلفية في مصر فيما أسموه “انتفاضة الشباب المسلم” يوم 28 نوفمبر الجاري، صخبًا شديدًا وضجة كبيرة على جميع الأصعدة والمستويات ما بين القبول والرفض والتحفظ، لكنها وبلا شك ألقت بحجر ضخم في مياه المشهد المصري الراكدة بتصلب جناحيّ المشهد: النظام الحاكم بقمعه وقوته وإرهابه والإخوان المسلمين بثبات رؤيتهم ووسائل نضالهم.
ولعل أهم ظواهر هذه الضجة وعلاماتها – إلى جانب صمت قادة الإخوان وقواعدهم وقادة التحالف حول الدعوة للنزول لهذا اليوم – ما أحدثه النظام القمعي الحاكم في مصر وأدواته وأذرعه من ضجة حول مشهد 28نوفمبر:
– الذراع الديني الرسمي كالأزهر ووزارة الأوقاف ومشايخهما، وغير الرسمي الداجن كحزب النور البرهامي وغيره من أشياخ الحيض ودعاة المراحيض، والذين هبوا هبة مسعورة تارة بالتحريم والتحذير من النزول في هذا اليوم، وتارة بالترهيب والتخوين لكل دعاة نزول يوم 28 نوفمبر، واستخدام النصوص القرآنية والأحاديث النبوية وتطويعها وليها لتوافق أهوائهم وأهواء سيدهم القاطن فى الاتحادية والذي – كما يقولون – لا حرمة للدماء التي يسفكها ولا للإجراءات التي ينتهجها من قمع واعتقال ومصادرة لكل مظاهر الحياة.
– الذراع الإعلامي الذي يُعد أهم أذرع النظام العسكرى وأقواها، وهو بمثابة اليد العليا الآن للتضليل والكذب والخداع الذي ينتهجه النظام العسكري، فهو ينشر الخوف والرعب بين صفوف الناس من هذه الموجة ويطالب السيسي بقتل الملايين في هذا اليوم.
– الذراع الأمني والمخابراتي والذي قام بحملة كبيرة على بيوت أفراد وقادة الجبهة السلفية للقبض عليهم بتهمة التحريض على العنف، وكان آخرهم المهندس أحمد مولانا، ولعل ظهور البرادعي ووائل غنيم – بعد صمت رهيب وطويل منذ الانقلاب العسكري فى 3/ 7/ 2013 على الدماء والأشلاء والانتهاكات – يثير كثير من التساؤلات حول خروجهما في هذا التوقيت من كهف صمتهما.
ورغم كل ماسبق إلا أنني أختلف مع انتفاضة الشباب المسلم يوم 28 نوفمبر في أدوات المعركة وآلياتها وكيفية إداراتها واللافتات والعناوين المرفوعة فيها وتوقيتها:
– ربط الانتفاضة بالشباب المسلم – والمسلم فقط – بشكل حصري هوياتي انفصالي انعزالي عن نسيج ثوري جامع موجود – حتى ولو ضعيف – ولا أحد ينكره يمكن الاستفاده منه والبناء عليه والسعي نحو توحيده شيء يوحي بالشطارة في الخسارة من البداية وعدم القدرة على إدارة المعركة وتشتيت بوصلتها ووجهتها وتمزيق نسيجها وتفريق أبنائها.
– شعار المصحف ورفعه ورسالة أن المصحف سينتصر يوم 28 نوفمبر، شيء مقلق ليس من المصحف – حاشالله – لكن من استخدامه في مثل هذه الظروف التي تحياها الثورة المصرية وتوظيفه بشكل فصائلي حزبي ضيق، ورغم أن النبي – صلى الله عليه وسلم – وصحبه – رضوان الله عليهم – لم يرفعوا المصاحف في جهادهم ضد “الكفار” و”المشركين” فكيف بنا في مصر؟! وأيضًا لنفرض أن 28 نوفمبر كانت مثل الموجات السابقة في 6 أكتوبر وذكرى 25 يناير وذكرى 3 /7 ولم تؤت ثمارها، وخرج الناس كما خرجوا سابقًا ثم عادوا وقتل من قتل واعتقل من اعتقل، ماذا سيكون الحال وقتها هل سيكون “المصحف” قد خسر المعركة؟!
– ثم ما هي الآليات والسيناريوهات المطروحة للموجة مع نظام سلطوي قمعي يطلق الرصاص الحي مباشرة على الرؤوس والصدور؟! هل من مواجهة مسلحة مثلاً؟ ثم لو كانت هذه المواجهة هل هناك حساب للإمكانات والقدرات وأيضًا حساب للمكسب والخسارة والضرر المترتب على ذلك؟ أم أن الأمر مظاهرات سلمية جاهزة لتكن فريسة سهلة للرصاص الغادر وكنز استراتيجى للاعتقال؟ وإن كانت مظاهرات سلمية فما هو المختلف فيها عن الحراك الحالي؟! ولا تقل لي إنها معركة هوية ومصحف لأن من السهل تلوين الحراك الحالي وصبغه بهذا اللون من شعارات وهتافات وبانارات، ثم ماذا قدمت معركة الهوية التي سبق حزب النور بها الجميع في غزوة الصناديق، وزنزانة المادة 219 في الدستور، والحرب على الشيعة، ومعركة الضباط الملتحين، وغيرها الكثير والكثير غير تفتيت الصف الثوري وتمزيقه؟!
– بفرض أن الموجة نجحت – لا أدري كيف – هل أنت مستعد لتصدر المشهد وقيادته وفرض هويتك؟ ثم ما هي آليات التطبيق والممارسة؟ ثم أين الشعب – المتدين بطبعه – الذي سيقبل بفرض رسالتك وهو أسير مقيد مكبل بكل شيء من عطشه للحرية وجوعه للقمة عيش هنية وحاجته في كرامة إنسانية وظمأه لعدالة اجتماعية؟
– ثم إن “تنظيم داعش” موجود الآن وأصبحنا مثل سوريا والعراق وهو يرفع السلاح ضد النظام القمعي ويوجعه ويؤلمه، وهذه الأجواء التي تفرضها “انتفاضة الشباب المسلم” تصب في صالحه وتخدم بيئته وتخلق أجواء نموه وتمدده، فإن كنت تقبله وتقبل أفعاله وأفكاره فلما لا تنضم له وتعلنها صريحة واضحة؟! وإن كانت ترفضه وترفض أفعاله وأفكاره فأنت تعلم كيف نجح التحالف الثورى الجامع في خمد نيرانه وكبح نجمه حتى إنه غاب عن المشهد نهائيًا حتى الانقلاب العسكري، وأيضًا قادة الجماعة الإسلامية اعترفوا بخطأ مسارهم ونهجهم ووسائلهم لمّا رأوا نجاح المسار الثوري الجامع؟!
– ثم هل قرأت المشهد الدولي والإقليمي بأكمله ونظرت للصورة بجزئياتها، وتداخلت مع دوائر الصراع وبؤره وفهمت دوره وتأثيره في المشهد؟ وما هي رسالتك له؟ ودورك في مواجهته وخطواتك لذلك؟
وأخيرًا متى يفهم الشباب المسلم أن معاركه التي يخوضها قد يكون هو سبب كبير من أسباب فشلها؟ ولماذا لا نجيد خوض المعارك وإداراتها؟ بل إننا نجيد خلق الأعداء وخسارة الأصدقاء واللعب على المختلف عليه، ثم متى يشغل بالنا – ولو لمرة – قضية الإنسان – فقط الإنسان – وتحريره من قيود العبودية لنفسه وللأنظمة الحاكمة، فحرية الإنسان مشترك كبير بين الجميع، وكرامته قضية محورية، والعدالة الاجتماعية هي مركزية المطالب الثورية الحاشدة، وتقديم نموذج إسلامي رائع فاعل سياسيًا واقتصاديًا وإعلاميًا واجتماعيًا من أهم الأولويات بعد أن شوهته البيئة المحيطة وممارسات الأبناء وحقد الخصوم والأعداء.