يومًا بعد آخر، تزداد عمليات تهريب المخدرات من قبل العصابات التابعة للنظام السوري إلى الأردن، تتصاعد إثرها عمليات الجيش الأردني لضبط الحدود ضد من قال إنهم “جماعات غير منضبطة على صلة بالنظام السوري”.
ويأتي هذا التصعيد بعد أشهر من إعادة الأردن افتتاح المعابر الحدودية مع سوريا في إطار تحسُّن العلاقات بين نظامَي البلدَين، حيث أقدم الملك الأردني عبد الله الثاني على عدّة خطوات تطبيعية مع بشار الأسد خلال الشهور الماضية.
حرب المخدرات
منذ أسابيع أوضح الملك عبد الله أن “محاولات تهريب المخدرات عبر الحدود مع سوريا والتهديدات المرتبطة بها تتزايد، ومن يدير هذه العمليات هي جهات منظَّمة”، وأشار إلى أن تهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن “يشكّل تهديدًا للأمن الوطني”، مؤكدًا على أن “القوات المسلحة الأردنية تتصدى لمثل هذه المحاولات المستمرة بشكل حازم وقوي”.
بعد ذلك، قالت مديرية أمن الحدود في القوات المسلحة الأردنية على لسان مديرها، العميد أحمد هاشم خليفات، إن “قوات غير منضبطة من جيش النظام السوري تتعاون مع مهرّبي المخدرات وعصاباتهم التي أصبحت منظَّمة ومدعومة منها ومن أجهزتها الأمنية، بالإضافة لميليشيات حزب الله وإيران المنتشرة في الجنوب السوري، وتقوم بأعمال التهريب على حدودنا”.
وكشف خليفات أنه “منذ بداية العام وحتى مطلع الشهر الحالي، ارتفعت كميات المخدرات التي ضبطتها قوات حرس الحدود على الواجهة الشمالية إلى أكثر من 19 مليون حبة كبتاغون مخدرة، ونحو نصف مليون كف حشيش، و5 أكياس حبوب مخدرات، في حين بلغت الكميات المضبوطة عبر ذات الوجهة الحدودية العام الماضي نحو 14 مليون حبة كبتاغون و15 ألف كف حشيش”.
وبحسب التصريحات الأردنية، ساهمت سيطرة النظام على الحدود مع الأردن منذ عام 2018 في ازدياد أعمال التهريب، ويدلل على ذلك أعداد المهرّبين وعمليات التهريب وكذا أعداد القتلى من الطرفَين في الاشتباكات الحاصلة على مدار الساعة، ويواصل المسؤولون الأردنيون مباحاثاتهم مع مسؤولي النظام السوري من أجل ضبط الحدود لكن “دون جدوى”، بحسب خليفات الذي أشار إلى أنه “حتى الآن لم نلمس أن لنا شريكًا حقيقيًّا في حماية الحدود”.
بدوره قال مدير الإعلام العسكري الأردني، العقيد مصطفى الحياري، إن “عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود السورية شهدت تصاعدًا مقلقًا، حيث ضُبطت 20 مليون حبة كبتاغون على الأقل خلال عام 2022 وحده”.
وأشار الحياري إلى أن الهدف من هذه العمليات تمويل الميليشيات التي تنشط على الحدود الأردنية، واتّهم “تنظيمات إيرانية باستهداف الأمن القومي الأردني”، مشيرًا إلى أن القوات الأردنية تواجه “حرب مخدرات” على حدودها الشمالية الشرقية.
أما عن حصيلة عام 2021، أحبط الجيش الأردني 361 محاولة تسلُّل وتهريب مخدرات من سوريا إلى الأردن، وضبط قرابة 15.5 مليون حبة مخدّر من أنواع مختلفة، بما في ذلك كبتاغون وتراماداول، وأكثر من 16 ألف عبوة حشيش مخدّر تزن 760 كيلوغرامًا، و2 كيلوغرام من مادة الهيروين.
وبحسب المصادر الأردنية، خلّفت المواجهات 40 قتيلًا على الأقل من المتسللين وهم من المرتبطين بإيران، وكشف المرصد السوري لحقوق الإنسان أن “الجيش الأردني نفّذ كمينًا، خلال محاولة المجموعة إدخال شحنة مخدرات إلى الجانب الأردني من بادية السويداء”.
وقال المرصد في تقرير إن من بين القتلى قائد المجموعة، وهو من الشخصيات التي لها علاقات وطيدة بقياديين في حزب الله اللبناني، ويترأّس مجموعة محلية تعمل بتجارة المخدرات في المنطقة الجنوبية من سوريا، مشيرًا إلى أن ميليشيات سورية مرتبطة بحزب الله تنقل المخدرات والكبتاغون من لبنان إلى مناطق في القلمون بريف دمشق والقصير بريف حمص.
تجميد التطبيع
إلى ذلك، يبدو أن فرص الأردن الرامية إلى تعويم النظام السوري تتراجع، بعد ما عاينته المملكة من ضرر على حدودها من قبل النظام السوري الذي لم ولن يتغيّر سلوكه، خاصة بعد ما أعلنته المملكة عن وجود “حرب مخدرات” على حدودها.
يُذكر أن العاهل الأردني ناقش مع الرئيسَين الأميركي، جو بايدن، والروسي، فلاديمير بوتين، وثيقة تمثّل رؤية عربية للحلّ في سوريا، وتتضمّن مقترحًا لـ”تغيير متدرِّج لسلوك النظام السوري بعد الفشل في تغيير النظام”، وكان ذلك في معرض انطلاق قطار التطبيع العربي في مسعى لإبعاد النظام السوري عن إيران ومحاربتها في سوريا، وهو مطلب بعيد المنال عن الدول العربية.
تتضمّن الوثيقة الأردنية خطوات على سبيل إعادة اللاجئين والعمل على انسحاب كامل القوات الأجنبية ووقف إطلاق النار وتفعيل أسرع للمسارات السياسية، وبالتزامن مع مناقشة هذه الوثيقة كان العاهل الأردني يعمل على التقارب مع النظام عبر عدة خطوات، كان أولها إعلانه أن رئيس النظام السوري بشار الأسد ونظامه “سيبقيان في سوريا لأمد طويل”، ودعا “إلى حوار منسَّق مع السلطات في دمشق”.
وتابع: “علينا أن نكون ناضجين في تفكيرنا، هل يجب تحقيق تغيير للنظام أم تغيير للسلوك؟ إذا كانت الإجابة تغيير السلوك، فماذا علينا أن نفعل للتلاقي بشأن كيفية التحاور مع النظام؟ لأن الجميع الآخرين يقومون بذلك، لكن ليست هناك خطة حتى الآن”.
كما أجرى عبد الله الثاني وبشار الأسد اتصالًا هاتفيًّا هو الأول منذ انطلاقة الثورة السورية على حكم الأسد، وأكّد العاهل الأردني خلال الاتصال دعم الأردن لجهود الحفاظ على سيادة سوريا واستقرارها ووحدة أراضيها وشعبها، ويُعتبر الأردن من الدول العربية القليلة التي أبقت على علاقاتها مع سوريا بعد اندلاع النزاع، غير أن الاتصالات كانت محدودة.
كانت هذه الخطوات كفيلة بإطلاق الباب لعلاقات أوسع على الأصعدة الاقتصادية والتجارية بين الجانبَين السوري والأردني، وكذا شهدَ البلدان زيارات حكومية متبادلة لبحث سبل التعاون فيما بينهما بعد انقطاع طويل، ولكن يبدو أن الأمور لا تمشي بحسب مزاج النظام الأردني، إذ إن الأسد وجيشه والمجموعات المرتبطة بهما حالت دون استقرار الحدود، فعملت على إغراق الأردن بالمخدرات مستغلة حالة التقارب التي يريدها عبد الله الثاني.
إضافة إلى عدم قدرة الأردنيين السيطرة على تهريب المخدرات من سوريا، فإنهم لم يستطيعوا منع تواجد إيران والميليشيات الشيعية التي باتت تنتشر بكثرة على حدودهم، وفي ظل الحديث عن انسحاب روسي من بعض النقاط في سوريا، خرج العاهل الأردني ليقول: “إن ملء إيران ووكلائها الفراغ الذي تخلّفه روسيا في سوريا قد يؤدي إلى مشاكل على طول الحدود الأردنية”.
ويرى الثاني أن “الوجود الروسي في جنوب سوريا كان مصدر تهدئة”، ولكن “مع انشغال موسكو في أوكرانيا، فإن الأردن يتوقع تصعيدًا في المشاكل على الحدود”، وفي إشارة إلى إيران قال: “نريد أن يكون الجميع جزءًا من شرق أوسط جديد، وأن يمضي قدمًا، لكن لدينا تحديات أمنية، نشهد هجمات حدودية بشكل منتظم ونعرف من يقف وراء ذلك”.
إلى ذلك، ورغم كل المجريات الحاصلة، لم يتّهم الأردن النظام السوري رسميًّا وذلك للمحافظة على القنوات المفتوحة معه، وكذلك ما زال المسؤولون الأردنيون يفصلون بين النظام السوري وميليشيات إيران بتصريحاتهم، لكنهم ضمنيًّا يعلمون أن هذا الأمر يستحيل.
ويشير مركز “جسور” في تقرير له، إلى ذلك بقوله: “المخاوف العربية من زيادة نفوذ إيران في سورية نتيجة تساهُل روسي، قد تؤثر على تنامي القناعة لدى دول عربية مؤثرة مثل الأردن والخليج بصعوبة فكّ ارتباط النظام عن إيران، وبالتالي ضرورة تجميد المساعي المتعلّقة بتطبيع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع دمشق، والذي سيدفعها أيضًا لإبداء مزيد من التشدُّد في مسألة استعادة النظام لمقعده في الجامعة العربية”.
في تفنيده لموضوع ارتباط التطبيع مع الأسد بـ “حرب المخدرات”، يقول الباحث في مركز الحوار السوري ومدير وحدة التوافق والهوية المشتركة الدكتور أحمد قربي: “في الحديث عن التطبيع وارتباطه بحرب المخدرات، علينا أن نفهم الدوافع لدى الأطراف، حيث بات معلومًا أن الأردن بدأ بقضية التطبيع مع نظام الأسد واستغل مجيء الإدارة الديمقراطية إلى البيت الأبيض المتمثلة بالرئيس جو بايدن وتهاونها بتطبيق قانون قيصر” ويرى قربي أن “الأردن أخذ الضوء الأخضر من إدارة بايدن ببدء التطبيع مع الأسد”.
ويشير الباحث قربي إلى أن “أحد الدوافع الأساسية للأردن في علاقاته مع النظام السوري تاريخيًا مرتبطة بالقضية الاقتصادية”، مضيفًا: “لو تتبعنا العلاقة بين البلدين منذ حكم حافظ الأسد يتضح أن أي انفتاح أردني على سوريا يتبعه نشاط اقتصادي باعتبار أن سوريا هي رئتي التنفس للأردن، ولهذا يسعى الأردن دائمًا لتطوير علاقاته مع سوريا بحكم الدوافع الاقتصادية، وهو ما يؤدي إلى الانفتاح إلى قضايا أخرى سياسية وأمنية وغيرها”.
أما عن ما حصل خلال السنوات الأخيرة من تقارب بين النظامين، يرى قربي أن الذي حصل عام 2019 هو أن الأردن أراد إعادة الحالة الاقتصادية إلى مسارها بعد تدهور طويل، لكن نظام الأسد كان دافعه لإعادة العلاقات مع الأردن هو مقابل سياسي وأمني بالدرجة الأولى”، ويوضح قربي بأن المتطلبات الأساسية للأسد مقابل الانفتاح الاقتصادي هي التطبيع معه والعودة إلى جامعة الدول العربية.
في هذا السياق وقع الأردن في إشكاليتين وفقًا لما يرى الباحث قربي، أولاهما أن “المملكة لم تستفد اقتصاديًا بالصورة التي كان يتوقعها، لأن سوريا هذه الأعوام ليست هي ذاتها 2011″، مضيفًا أن “الإشكالية الأخرى تتمثل بتعدد مراكز القوى في سوريا ونظام الأسد لم يعد ذاته بالحالة التي كان عليها قبل 2011 أيضًا، وبالتالي حتى الضبط الأمني لمنطقة الحدود اختلف بالنسبة للأردن في ظل وجود ميليشيات إيرانية وتعدد ولاءات المجموعات العسكرية”. ويذهب قربي إلى أن “عمّان أرادت الفصل بين موضوع الاقتصاد والتطبيع، ولكن نظام الأسد أجبر الأردن على هذه المعادلة: الاقتصاد مقابل الخطوات السياسية”.
حاليًا، في ظل حرب المخدرات الجارية على الحدود السورية الأردنية، يحدد الباحث قربي خيارات الأردن إذ أن هذا البلد الضعيف اقتصاديًا وقع مجددًا في أزمة اقتصادية نتيجة للحرب الروسية في أوكرانيا وبالتالي فإنه مضطر لأن يظل منفتحًا على دمشق للحد من تبعات الأزمات على الرغم من مشكلة انعدام “الضبط الأمني للحدود وضبط موضوع المخدرات”.
أما عن السيناريوهات المتاحة فهي قليلة كما ير اها قربي، حيث يشير إلى أن سيناريو عمّان الأول هو محاولة استخدام أدوات تقنية بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية من أجل الحد من الاختراقات التي تقوم بها عصابات المخدرات على الحدود، بالإضافة إلى محاولة التنسيق مع روسيا من أجل الضغط على النظام وإيجاد نوع من التوازن أو الضبط الروسي للميليشيات المتواجدة على الحدود والمؤسسات التابعة للنظام متمثلة بالفرقة الرابعة التي تدير عملية تجارة المخدرات في تلك المنطقة.
إذن، هل يوقف الأردن قطار التطبيع نهائيًّا؟ لا يبدو ذلك قريبًا إلى حدّ الآن، ولكن ما يمكن أن يفعله هو عملية تجميد للخطوات التي يقدم عليها، بانتظار ما ينتج لاحقًا من مقاربات دولية أو تفاهمات بين الأطراف الفاعلة في الملف السوري. وهنا لا يتوقع قربي، أن قطار التطبيع مرتبط بحرب المخدرات حاليًا، لأن المحرك الأساسي في عملية التطبيع ليس الأردن، إنما معادلة إقليمية تضم بعض الأنظمة العربية بالإضافة إلى “إسرائيل”.