في قمة الجزائر 2005 كشف العرب عن ملامح “استراتيجية التنمية الزراعية المستدامة حتى عام 2030″، والتي أجازتها قمة الرياض 2007، وتتعلق بالعمل من أجل الوصول إلى الاكتفاء الذاتي من السلع والمحاصيل الاستراتيجية، عبر تبنّي سياسات زراعية جيدة وتوظيف الموارد الزراعية التوظيف الأمثل.
لكن وبعد قرابة 17 عامًا بات الوضع أكثر صعوبة فيما يتعلق بالأمن الغذائي العربي الذي تعرّض لطعنات قاسية، بعضها بسبب النزاعات والحروب الإقليمية والدولية، والأخرى بسبب التغيرات المناخية، فيما جاءت الضربات الأكثر صعوبة من السياسات الزراعية الخاطئة وغياب التخطيط وفقدان الإرادة.
قبل أيام كشفت بيانات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) عن ارتفاع جنوني في أسعار الغذاء العالمية، وصل لأعلى مستوياته منذ 10 سنوات، بسبب جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، وقد مثّلت تلك الأزمة معضلة حقيقية للأُسر التي باتت بالكاد تلبّي تلك الزيادات في السلع الغذائية التي تلتهمُ أكثر من 60% من مدخول الأسر.
تلك الزيادات رفعت معها بالطبع ميزانية الاستيراد، بما أرهق كاهل الحكومات العربية، حيث بلغت فاتورة استيراد الدول العربية من الأغذية نحو 100 مليار دولار سنويًّا، وفق تقرير قطاع الشؤون الاقتصادية بجامعة الدول العربية في مايو/ أيار 2020، بزيادة 10 مليارات دولار عن أرقام عام 2016، فيما حذّرت المنظمات الدولية من أن ذلك سيكون له تأثير سلبي للغاية على المستهلكين الفقراء، كما حثّت الحكومات على “اليقظة” بشكل خاص في التعاطي مع هذا الملف.
في هذا التقرير من ملف “بيت المونة” نلقي الضوء على أرقام ومؤشرات الأمن الغذائي العربي، ودلالات تلك الأرقام ومدى انعكاسها على قدرات المواطن العربي في توفير غذائه، بما يقلِّل الفجوة الموجودة وصولًا إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، مع استعراض بعض التجارب الناجحة في هذا المجال.
أرقام ومؤشرات عربية
بلغت الأراضي المزروعة في الوطن العربي عام 2020 نحو 72.8 مليون هكتار، بما نسبته 5.4% من مساحة الدول العربية، ويمثل نصيب الفرد من تلك الأرض نحو 0.14 هكتار مقارنة بالمتوسط العالمي والبالغ 0.18 هكتار للفرد.
ويختلف متوسّط نصيب الفرد من الأراضي من دولة عربية إلى أخرى، حيث تراوح في المتوسط عام 2020 بين 0.45 و0.20 هكتار للفرد في السودان وسوريا والمغرب وتونس، وبين 0.17 و0.10 هكتار للفرد في الجزائر والسعودية والعراق وموريتانيا، فيما وصل إلى أقل من 0.09 في باقي الدول العربية.
وتقدَّر نسبة الأراضي الصالحة للزراعة في الوطن العربي 38.5% من إجمالي المساحة الكلية، وتُعتبر إنتاجية الأراضي العربية متدنّية في مجملها قياسًا بالنِّسَب العالمية، لا سيما فيما يتعلق بمجموعة الحبوب التي تمثّل عصب الأمن الغذائي العالمي، إذ تقدَّر إنتاجية الأراضي في الدول العربية بنحو 1.13 طن للهكتار، مقارنة بـ 3.6% طن للهكتار على المستوى العالمي.
38.5% هي نسبة الأراضي الصالحة للزراعة في الوطن العربي
وعلى مستوى المياه، تقدَّر الكميات المتاحة في المنطقة العربية بنحو 274 مليار متر، بلغ متوسط نصيب الفرد منها 640 مترًا عام 2019، وتراجع إلى 628 مترًا عام 2020، وهو أقل بكثير من معدل الفقر المائي المحدَّد عالميًّا بـ 1000 متر مكعب.
وتقدَّر أعداد السكان في الوطن العربي بحوالي 436.1 مليون نسمة عام 2020، يشكّلون نسبة 5.6% من سكان العالم، فيما تقدَّر العمالة بنحو 135.8 مليون نسمة بنسبة 17.7% من حجم القوة العاملة في العالم، فيما تقدَّر أعداد العاملين في القطاع الزراعي فقط في الدول العربية بـ 17.6% من إجمالي القوة العاملة، مقارنة بـ 19.7% عام 2019.
وتشكّل الحبوب والبذور الزيتية قطبَي السلع الغذائية في الوطن العربي، حيث تحتكر المساحة المزروعة من الحبوب 60.5% من إجمالي المساحة المزروعة عربيًّا، تليها محاصيل البذور الزيتية بنسبة 20%، فيما ساهمت محاصيل الفواكه بـ 9% من المساحة الإجمالية، أما بقية المحاصيل الأخرى فتمثّل 10.5%.
ويبلغ إنتاج الحبوب في الوطن العربي 53.9 مليون طن عام 2020، بتراجُع ملحوظ عن بقية السنوات الماضية، هذا التراجُع بلغت نسبته 1.3% قياسًا بما كان عليه عام 2019، وبنسبة 2.39% مقارنة بمتوسط الإنتاج خلال فترة 2015-2019، فيما تشير التوقعات إلى احتمالية استمرار هذا التراجُع مستقبلًا.
تشكّل الحبوب والبذور الزيتية قطبَي السلع الغذائية في الوطن العربي، حيث تسيطر على أكثر من 80% من إجمالي المساحة المزروعة عربيًّا
ويتصدّر القمح قائمة الحبوب بنسبة 48% من الإنتاج الإجمالي لها، في حين تقدَّر مساحته المزروعة بنحو 30% من مساحة الأراضي المزروعة بالحبوب، وتشير الأرقام إلى تراجع إنتاجية القمح بنحو 2.5% عن عام 2019، وذلك لانخفاض المساحة المزروعة بنحو 9.1% ممّا كانت عليه خلال هذا العام، فيما يتركّز نحو 44% من إنتاج الحبوب في الوطن العربي في 5 دول رئيسية: مصر والمغرب والجزائر والعراق وسوريا.
ورغم أن الذرة تشكّل نحو 46% من مساحة محاصيل الحبوب المزروعة عربيًّا، إلا أن كمية إنتاجها تعادل فقط 15% من إنتاج محاصيل الحبوب، فيما يشير إلى تدنّي إنتاجية هذا المحصول، ويأتي في المرتبة الثالثة محصول الأرز الذي يشكّل 10.6% من إجمالي إنتاجية محاصيل الحبوب في الوطن العربي، علمًا بأنه لا يشكّل سوى 2.2% فقط من مساحة الأرض المزروعة بالحبوب.
وعلى مستوى الثروة الحيوانية، تقدَّر أعداد القطيع في البلدان العربية بـ 350.6 مليون رأس، بمعدل زيادة بلغ 0.38% عن عام 2019، بواقع 59.6 مليون رأس (17%) من الجواميس والأبقار، و274.6 مليون رأس (78.7%) من الأغنام والمَعز، و16.4 مليون رأس (4.7%) من الإبل، وتتركّز معظم تلك الثروة في 4 دول رئيسية: السودان والجزائر والصومال وموريتانيا.
توفُّر الغذاء
يعدّ مؤشر توفُّر الغذاء (وهو ذاك المؤشر الذي يقيس كفاية الإمدادت الغذائية الوطنية وخطر انقطاعها والقدرة الوطنية على توزيع الأغذية وجهود البحث لتوسيع الإنتاج الزراعي والغذائي)، أحد أبرز معايير التقييم التي يمكن الاستناد إليها، للوقوف على مدى وحجم قوة العلاقة بين الغذاء وسكان المنطقة العربية.
وبلغ هذا المؤشر للمواطن العربي 55.8 درجة عام 2020، ما يقلُّ عن المتوسط العالمي البالغ 57.3 درجة، ويتراوح هذا المؤشر من بلد إلى آخر، ما بين 60 و75 درجة في مصر والسعودية وقطر والإمارات والبحرين وعمان، وما بين 28 و48 درجة في الأردن وسوريا والسودان واليمن، وقد شهدَ هذا المؤشر تراجعًا خلال السنوات الماضية.
وبطبيعة الحال، يتأثر مستوى حصول الفرد على الغذاء تبعًا لمستويات مدخوله، إذ تشير إحصاءات البنك الدولي إلى أن معدل النمو السنوي لمتوسط دخل الفرد في الوطن العربي خلال فترة 2015-2020 كان سالبًا، حيث قُدِّر بنحو سالب 0.8% مقارنة بنحو موجب 0.8% على المستوى العالمي، فيما تتصدّر مداخيل الأفراد في الخليج قائمة المداخيل العربية بمتوسط شهري 1959 دولارًا.
وبشأن نصيب الفرد عربيًّا من الناتج الزراعي، فيتراوح بين دولة وأخرى، حيث يصل إلى 568 دولارًا للفرد في السعودية، و340 دولارًا في الإمارات، و473 دولارًا في السودان، و345 دولارًا في سلطنة عمان، و368 دولارًا في الأردن، لكن في المتوسط الإجمالي تصل إلى 306 دولارات للفرد مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 416.6 دولارًا.
فجوة كبيرة
بذلت الدول العربية جهودًا عديدة لتنويع سلعها الغذائية في محاولة لتقليل الفجوة الغذائية قدر الإمكان، حيث ارتفع الناتج الزراعي في الوطن العربي من 75.2 مليار دولار عام 1997 إلى 98 مليار دولار عام 2007 وإلى 140.75 مليار دولار عام 2017، كما ساهم بنسبة 13% من الإنتاج المحلي في الدول العربية، لكنها الجهود التي لم تستطع الوصول إلى مبتغاها.
وكانت المنظمة العربية للتنمية الزراعية قد أعربت عن قلقها إزاء زيادة قيمة الفجوة الغذائية في الدول العربية، والتي بلغت عام 2012 قرابة 34 مليار دولار سنويًّا، تمثِّل الحبوب أكثر من نصف تلك الفجوة، متوقعة زيادة هذا الرقم لا سيما في الحبوب واللحوم ليصل إلى 60 مليار دولار بحلول عام 2030.
وقد شهدت السنوات الأخيرة مع بداية الألفية الجديدة زيادة واضحة في معدلات الجوع ونقص التغذية، لعدة أسباب بعضها يتعلّقُ بالأزمات السياسية والنزاعات التي عانت منها بعض الدول، وأخرى خاصة بالتغيُّرات المناخية كالتصحُّر والجفاف وندرة المياه وانتشار الآفات الزراعية مع زيادة الأسعار، فيما تشير التقديرات إلى أن أعداد الذين يعانون من نقص غذائي في العالم تقدَّر بنحو 925 مليون شخص العام الماضي.
يتوقع أن يصل عدد من يعانون من نقص التغذية إلى 75.3 مليون عربي في غضون السنوات الثمانية المقبلة
وتترواح معدلات الجوع ونقص الغذاء في الدولة العربية من بلد إلى آخر، فالدول التي تعاني من نزاعات تبلغ نسبة النقص فيها 27.7% من إجمالي السكان، مقارنة بـ 5.4% في الدول التي لا تشهد أي نزاعات، وتشير التوقعات إلى أنه بحلول عام 2030 ستزداد النسبة في البلدان ذات النزاعات لتصل إلى 30% مقابل 8% في غيرها، وعليه يتوقع أن يصل عدد من يعانون من نقص التغذية إلى 75.3 مليون عربي في غضون السنوات الثمانية المقبلة.
ويشير أستاذ الاقتصاد الدولي بجامعة الإسكندرية، أشرف الشافعي، إلى أن العالم العربي خلال جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية الأخيرة، والهزّة التي تعرّض لها الاقتصاد العالمي خلال السنوات الثلاث الأخيرة تحديدًا، سيكون لها انعكاساتها الصعبة على المواطن العربي، مضيفًا في حديثه لـ”نون بوست” أن المؤشرات الحالية تذهب في اتجاه تقشُّف إجباري وترشيد قهري للمواطنين العرب للتكيُّف مع المستجدات الأخيرة.
وأضاف أن بعض البلدان تجاوزت فيها معدلات المجاعة أضعاف النِّسَب المعلنة رسميًّا، لافتًا أن مناطق في اليمن وسوريا وبعض القبائل الليبية، بجانب مناطق بأكملها في مصر والسودان ومعها لبنان مؤخرًا، باتت على مشارف مجاعة غير مسبوقة ربما تقود بالملايين إلى مستنقع الفقر المدقع، وهو الخطر الذي يتطلب تضافُر كافة الجهود خشية تمدُّده بما يتجاوز الخطوط الحمراء.
الاكتفاء من السلع
تراجعت معدلات الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية من 61.8% عام 2019 إلى 60.7% عام 2020، فيما تشير التوقعات إلى استمرار هذا الانخفاض بحلول عام 2030، وقد تأرجحت نِسَب الاكتفاء من سلعة إلى أخرى، حيث وصلت أعلى معدلاتها في الفواكه والخضروات بنسبة 99%، فيما وصلت لمستوياتها المتوسطة في البيض واللحوم والألبان متأرجحة بين 65.5% و79.4%، فيما ظلت في حدودها الدنيا بين 23.8% و36.8% في الحبوب والسكريات والزيوت النباتية.
وفيما يتعلق بالقمح، كونه السلعة الأبرز في منظومة الأمن الغذائي العربي، فقد شهدت الـ 50 عامًا الماضية تراجعًا في منحنى الاكتفاء الذاتي من هذه السلعة الاستراتيجية بصورة كبيرة، منحدرة من معدل الـ 90% تقريبًا عام 1970 إلى 49.5% عام 1977 ثم 40.4% بداية التسعينيات، ليرتفع بنسبة طفيفة العام الماضي ليصل إلى 41.6%.
ويعني هذا أن أكثر من نصف الخبز الذي يحتاجه العرب تتحكّم فيه دول الخارج، وهي المعضلة التي تكشّفت بصورة أكثر قسوة مع الحرب الروسية الأوكرانية الأخيرة، والتي أثّرت على أكثر من ثلث الإمدادات العالمية من الحبوب بصفة عامة.
الجفاف ألحق أضرارًا بأكثر من 44 مليون شخص في المنطقة العربية بين عامَي 1990 و2019
ويُرجع الباحث في مركز الاستشارات الاقتصادية العربية بالقاهرة، أحمد زيدان، فشل تحقيق العرب للاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية إلى عدة أسباب، قسّمها إلى 3 أقسام:
الأول يتعلق بالسياسات الخاطئة التي تتّبعها معظم الحكومات العربية، والتي لا تراعي فيها التطورات التي شهدتها علوم الزراعة بما تتناسب والبيئة العربية، إذ تعتمدُ الكثير من النظم الحاكمة على سياسة الإكثار من السلع التصديرية أكثر منها الاستراتيجية، لذا يلاحَظ زيادة رقعة المساحة المزروعة من الموالح والفاكهة والخضروات على حساب القمح والأرزّ.
أما القسم الثاني فيتعلّق بغياب الإرادة السياسية، والتي حمّلها الباحث في حديثه لـ”نون بوست” الجانب الأكبر من المسؤولية، لافتًا إلى أن الأزمة في أولها وآخرها أزمة إرادة، فإن توفّرت لتغيّرَ الوضع على حدّ قوله، منوّهًا إلى وجود ضغوط دولية على بعض الدول للحفاظ على معادلة مستمرة للغذاء تمنح القوى الكبرى التفوق، بما يسمح لها توظيف تلك السلع كأسلحة ضغط وحرب وابتزاز تجاه الدول النامية.
واختتمَ زيدان أقسامه الثلاث بالإشارة إلى العوامل المناخية كالتصحُّر وندرة الأمطار والمياه مع انتشار الأوبئة أحيانًا، مشيرًا أن تلك العوامل لعبت دورًا في ضرب الخارطة الزراعية في بعض البلدان كسوريا والعراق واليمن والسودان، وأن تلك الدول فقدَت الكثير من تفوقها بسبب تلك العوامل، مشددًا على سوريا التي تخلّت عن اكتفائها الذاتي من القمح بسبب موجة الجفاف التي ضربتها قبل 9 أعوام، وأزاحتها عن منصات التفوق في هذا المحصول الاستراتيجي.
وتشير التقديرات إلى إلحاق الجفاف أضرار بأكثر من 44 مليون شخص في المنطقة العربية بين عامَي 1990 و2019، ففي الأردن كان أثر الجفاف وقلة الأمطار وراء انهيار الإنتاج الزراعي، الوضع كذلك في فلسطين المحتلة حيث تأثّرت أشجار الفاكهة بالآفات الحشرية، وفي السودان جُرفت ملايين الأفدنة بسبب الفيضانات ما أدّى إلى نفوق الماشية وغرق المنازل والمحاصيل.
ومن العوامل التي أدّت إلى تفاقم أزمة الاكتفاء الذاتي سوء التخزين وهدر السلع الغذائية، فعلى سبيل المثال وصلَ الفاقد السنوي من القمح في مصر عام 2015 قرابة 4 ملايين طن بما نسبته 40% من إجمالي الإنتاج، بجانب الأزمات التي تشهدها بعض البلدان كاليمن وليبيا ولبنان والسودان وغيرها من البلدان التي أثّرت اضطرابتها السياسية والأمنية على مواردها الزراعية وقدراتها على الاكتفاء الذاتي من المحاصيل.
نماذج ناجحة
رغم الجهود التي بذلتها ولا تزال تبذلها الدول العربية من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي، والتي لم تحقِّق أهدافها بالشكل المطلوب، تبقى بعض التجارب الناجحة هي المرجعية التي يستندُ إليها البعض للتأكيد على أن الأزمة أزمة إرادة وتخطيط أكثر منها أزمة موارد وبيئة مناسبة.
وتتصدّر تلك التجارب التجربة العراقية، حيث نجحت بغداد في تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح للعام الثالث على التوالي، ليصل حجم إنتاجها عام 2021 إلى 4.5 ملايين طن، ورغم تراجُع هذا المعدل عن عام 2019 مثلًا، والذي بلغ إنتاجه 4.7 ملايين طن، إلا أن العراقيين نجحوا في تحقيق الاكتفاء الذاتي من تلك السلعة، إذ يحتاجون سنويًّا قرابة 4.2 ملايين طن.
وتنطلق أهمية التجربة العراقية من كونها استطاعت تجاوز الظروف السياسية والأمنية المضطربة التي تشهدها البلاد منذ عام 2003، ورغم ذلك تبنّت البلاد مشروعًا وطنيًّا عام 2010 لتعزيز سلة الأمن الغذائي، من خلال تحقيق الاكتفاء الذاتي لدى أكبر قدر ممكن من السلع، على الأقل السلع الاستراتيجية.
بتضافر مثلث التنمية العربية (المال الذي تملكه دول الخليج، والأيدي العاملة التي تمتكلها مصر والجزائر، والأراضي الخصبة الصالحة للزراعة التي يملكها السودان)، يمكن للعرب أن يحققوا الاكتفاء الذاتي من السلع
ومن التجارب الجيدة نسبيًّا في هذا القطاع، السياسة التي تبنّاها المغرب مؤخرًا لدعم خارطة إنتاجه الزراعية، حيث ضخّت البلاد ما بين عامَي 2008 و2018 استثمارات في المجال الزراعي بلغت 104 مليارات درهم، فضلًا عن سياسات دعم المزارع، وهو ما أدّى إلى ارتفاع الناتج المحلي الزراعي إلى 5.25% مقابل 3.8% لدى بقية القطاعات الأخرى، كما زادت الصادرات الزراعية بنسبة 17%.
دول الخليج هي الأخرى استطاعت تحقيق أرقام إيجابية في هذا المسار، حيث حقّقت الاكتفاء من معظم محاصيل الخضروات، كما تبنّت بعض الاستراتيجيات للتغلُّب على مشاكل المناخ لديها وقلة الأراضي الصالحة للزراعة، تتمحور حول استئجار أراضٍ زراعية في بعض البلدان لتعويض هذا النقص، كما هو الحال في السودان وكندا وأستراليا.
في ضوء المعطيات السابقة، فرضت التحديات والمستجدّات التي شهدها العالم مؤخرًا حزمة من التحديات على الحكومات العربية لإعادة النظر في خارطة الأمن الغذائي العربي، وضرورة تحقيق التضافُر بين مثلث التنمية العربية (المال الذي تملكه دول الخليج، والأيدي العاملة التي تمتكلها مصر والجزائر، والأراضي الخصبة الصالحة للزراعة التي يملكها السودان)، وبتضافُر هذا الثلاثي تحت مظلة الإرادة السياسية العربية يمكن للعرب أن يحققوا الاكتفاء الذاتي من السلع، التي ربما تضع قرارهم واستقلالهم السياسي على المحكّ وتعرّض الملايين منهم للموت جوعًا.