في ظل الهجمة المستمرة على الشبان الفلسطينيين في مناطق الضفة الغربية، أصبح مسلسل إجرام جيش الاحتلال والقوات الخاصة المرافقة له في تزايد كبير وعلى وتيرة يومية، إعدامات ميدانية لمقاومين فلسطينيين، حصار واجتياح مدن وقرى لأيامٍ وشهور، تقييد الحركة والتنقل، ونصب حواجز عسكرية، فخلال العام الحاليّ، ارتفع عدد الشهداء ليصبح 206 شهداء، آخرهم الشهيد عمار مفلح، في جريمة وثقتها الكاميرات.
نتابع معكم في “نون بوست” سلسلة “أجهزة القمع الإسرائيلية” للتعرف على الوحدات الأكثر شهرةً التي يستخدمها الاحتلال في عمليات الاغتيالات والتصفيات الميدانية، كوحدة اليمام والدوفدفان وسييرت ميكال وغيرها. في هذا المقال سنتعرف على الوحدة المعروفة بقدرتها الكبيرة على التخفي والتشبه بالعرب، كما أنها ذات ماضٍ وحاضر أسود في تصفية المقاومين الفلسطينيين.
ما هي وحدة الدوفدوفان؟ وكيف تأسست؟
الدوفدوفان وحدة تابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، تأسست عام 1986 وما زالت تنشط حتى يومنا هذا، أقيمت الوحدة تحت زعامة قائد المنطقة العسكرية الوسطى في جيش الاحتلال إيهود باراك – آنذاك – الذي أصبح لاحقًا رئيسًا للأركان ورئيس حكومة الاحتلال، وكان الهدف الرئيسي من تأسيسها القدرة على التغلغل داخل الضفة الغربية، سواء من الجانب الاستخباراتي أم العملياتي، من أجل رصد تحركات المقاومين ومنع العمليات والانتفاضة وضرب المقاومة الفلسطينية من خلال تنفيذ عمليات اعتقال واغتيالات.
وضع إيهود باراك في حينها تعليماته عند تشكيل الوحدة، فحدد ملامح أفرادها، بقوله: “أريد وحدة، يبدو أفرادها كالعرب، وأن يتحدثوا اللغة العربية كالعرب، ويقودوا دراجات، ومعهم خوذ في قلب القصبة في نابلس، كما لو كانوا في شارع ديزنغوف في تل أبيب، أناس يكونون قادرين على التحرك بتخفٍ جزئي يمكنهم من الوصول للهدف دون حاجة لقوات كبيرة تكون مكشوفة ميدانيًا”.
استعان باراك في مراحل تأسيس هذه الوحدة بمتطوعين من مختلف وحدات الجيش، خصوصًا من أصول شرقية وعرب يجيدون اللغة العربية ولهجاتها المحلية في فلسطين، بالإضافة إلى تدريبات خاصة من عناصر من جهاز المخابرات الإسرائيلية الذي كان يسمى حينها “الشين بيت” وأصبح اليوم يدعى “الشاباك”.
منذ بداية تشكيلها، ضمت جنودًا من وحدات الكوماندوز البرية والبحرية، ومع اندلاع انتفاضة الحجارة الفلسطينية في نهاية عام 1987، ازداد نشاط الوحدة وشاع اسمها، فشاركت في الحرب على غزة عامي 2012 و2014، وأصبحت الوحدة في 27 ديسمبر/كانون الأول 2015 تابعة للواء أوز، وتقرر دمجها في جميع قطاعات القتال، سميت بالدوفدفان (كلمة بالعبرية) وتعني “الكرز” باعتبارها مجازًا “درة الوحدات” مثل الكرز الذي يوضع في القمة دومًا.
مهام الوحدة
تتركز مهام وحدة الدوفدوفان على الاستخبارات والاعتقالات المعقدة أو تصفية المستهدفين المطلوبين والنشطاء والمقاومين في مناطق الضفة الغربية وغزة، وذلك باستخدام قدرات متطورة تكنولوجيًا واستخباراتيًا، فاشتهرت بتطبيق تكتيك المستعربين بالتعاون مع جهاز الشاباك، أي يتشبه منتسبو وحدة الدوفدفان بالعرب، من خلال ارتداء ملابس تشبه ملابسهم والتحدث باللغة العربية وغيرها من السلوكيات المرتبطة بالفلسطينيين، كنوع من الخداع والاختباء لتنفيذ هجماتهم.
منذ بداية نشاطها، حصل منتسبوها على دورات تدريبية خاصة تشتمل تعلم استخدام الأسلحة الساخنة والباردة، وكذلك التخفي كعرب (مستعربين) وإطلاق النار من السيارة والتحدث باللغة العربية والتحرك خفية في المخيمات والمدن الفلسطينية.
عمليات وحدة دوفدوفان خلال أوسلو والانتفاضة الثانية
نفذت وحدة دوفدوفان منذ تأسيسها آلاف العمليات وتلقت دعمًا كبيرًا بعد توقيع اتفاقيات أوسلو التي خلقت واقعًا جديدًا، فلم يعد بوسع الجيش الإسرائيلي البقاء في مراكز المدن الفلسطينية، وتولدت الحاجة إلى وجود قوة نوعية مع القدرة على دخول المراكز السكانية السرية.
ومنذ ذلك الحين أخذت وحدة دوفدوفان على عاتقها دورًا مزدوجًا للجيش والشاباك لتنفيذ المهام الأكثر تعقيدًا المتمثلة في تحديد مكان المطلوبين في الضفة الغربية، لا سيما أولئك الذين لم يتم تصفيتهم وكان لا بد من التحقيق معهم، ومع آخرين عُرِفوا بأنهم “قنابل موقوتة”، فقتلت الوحدة إياد بطاط الذي كان قائدًا عسكريًا في حركة حماس بالخليل.
محطات فشل
في يوليو/تموز 1992 قتل رقيب أول من الوحدة عن طريق الخطأ (نيران صديقة) في قرية برطعة ضمن عملية اعتقال بحق مقاومين، وقدمت الأسرة التماسًا إلى المحكمة العليا في قضية مقتل الرقيب إيلي إيشا، وكذلك في عام 2000 واجهت الوحدة أزمة فشل بعد خلل في الخطة أدى إلى تبادل إطلاق نيران من منتسبي الوحدة أنفسهم ومن كلا الجانبين (أصيب الجنود بنيران القوة التي ينتمون إليها)، ووقع الحادث خلال عملية أطلق عليها الإعلام الإسرائيلي “سيمفونية الحياة” التي هدفت إلى إلقاء القبض على محمود أبو هنود المطلوب الأول في الضفة الغربية وقائد الجناح العسكري كتائب عز الدين القسام، وقد فشل الاحتلال في اغتياله مرات عديدة.
خلال العملية في قرية عصيرة الشمالية، اعتقد قناصة الوحدة أن خمسة من زملائه الذين كانوا يعتلون الأسطح في منطقة العمليات أنهم مقاومون وأطلقوا النار عليهم وقتلوا أعضاء الوحدة من بينهم ثلاثة رقباء، في محاولة فاشلة لاغتيال أبو هنود، حيث نجح حينها في الانسحاب إلى نابلس بعد أن أصيب بجرح في كتفه، وحينها أعلنت الوحدة فشلها وتوقفت مبدئيًا عن العمل، إلا أنها خلال الانتفاضة عادت لنشاطها.
بعد الانتفاضة
ومع اندلاع الانتفاضة الثانية، وبعد نحو ثلاثة أسابيع عادت دوفدوفان إلى النشاط الكامل، وعادت لتكون رأس الحربة للجيش الاحتلال الذي حصل فجأة على موافقة دبلوماسية على العمليات العسكرية، واستخدمت دوفدوفان القوة على نطاق واسع، وقبضت على مئات المقاومين ونفذ مقاتلوها اغتيالات في الضفة الغربية، كما كانت الوحدة أول من اقتحم المقاطعة التي اعتبرت المعقل الحصين لمنظمة التحرير الفلسطينية.
في عام 2009، شاركت الوحدة بأول عملية عسكرية في غزة، ثم انضمت للعمليات اللاحقة عامي 2012 و2014، منذ إنشاء دوفدفان أصبح نشاط المستعربين يقتصر فقط على كونه جزءًا من قدراتها.
وخلال عام 2018، نفذت الوحدة عمليات اعتقال في مخيم الأمعري للاجئين بالقرب من رام الله، حيث ألقيت بلاطة رخامية من ارتفاع على الجندي رونين لوبارسكي، الذي أصيب في البداية بجراح بالغة وبعد نحو ثلاثة أيام قتل متأثرًا بجراحه، وتمت ترقيته بعد وفاته إلى رتبة رقيب.
مسلسل فوضى
يعرض مسلسل “فوضى” الصهيوني حياة وحدةٍ للمستعربين، كيف تعمل وكيف تخطط وتتنكر وتقتحم القرى والمدن الفلسطينية بمساعدة الاستخبارات العسكرية ووحدة 8200 في الجيش.
يُقدِمُ المسلسل صورةً عن حديث هؤلاء المستعربين باللغة العربية والموسيقى العربية التي يسمعونها وكيف يتعاملون مع الأهداف وعن حياتهم اليومية في المنزل وفي العمل العسكري، ويحاول عرض تناقضات حياتهم اليومية والعائلية المختلفة خارج إطار الوحدة العسكرية.
يتحدث كاتب السيناريو ليؤر راز، أن المسلسل تمت كتابته بالشراكة والمساعدة مع كل من زونان بين يتسحاك، وهو مدير المخابرات العامة في السابق وخريج وحدة “ساييرت ماتكال”، وهي وحدة كاوماندوز تعمل بأوامر جهاز المخابرات والاستخبارات العسكرية، و”أفيف إلعاد” وهو خريج وحدة “دوفدوفان” للمستعربين، التي نشطت عام 1986 حتى 2015.
فريق المستعربين في أول حلقة في مشهد اقتحام عرس فلسطيني
“دوفدفان” ونظيرتها “شمشوم”
اعتُمدت الوحدة باعتبارها القوة الرئيسية لقتل قادة الانتفاضة الميدانيين، تحت ستار وحدة خاصة، في ظل روايات الفلسطينيين عن الوحدة التي كانت تقتحم بيوتهم خلال السنة الأولى للانتفاضة لتقتل أكثر مما تعتقل نشطاء في الانتفاضة الأولى، وفقط في عام 1988، بدأت وسائل الإعلام الإسرائيلية بتسريب حقيقة وجود الوحدة، إلى جانب أخرى موازية لها حملت اسم “شمشوم”، في إشارة للبطل اليهودي الأسطوري الذي هدم المعبد على من فيه، تخصصت بدورها في عمليات التصفيات في قطاع غزة.
الدوفدفان.. قتلة الصحفية شيرين أبو عاقلة
في يوم عصيب على كل العرب، بتاريخ 11 مايو/أيار 2022، تعرضت مراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، للاغتيال بدم بارد برصاصة أطلقها قناص إسرائيلي أصابتها في الوجه مباشرة، بينما كانت تستعد مع مجموعة من المراسلين والإعلاميين لتغطية مداهمة قوات الاحتلال لمدينة جنين في الضفة الغربية، كما أظهرت مقاطع الفيديو التي صورت عملية الاغتيال، التي عممت على مستوى كبير.
أشارت صحيفة هآرتس في حينها، أن فحصًا أوليًا لجيش الاحتلال أقر بأن عناصر من وحدة دوفدوفان في الجيش الإسرائيلي هم من أطلقوا الرصاص في مخيم جنين باتجاه المنطقة الشمالية، حيث تواجدت شيرين والزملاء الصحفيون، وأشار الخبير الإسرائيلي عاموس هرئيل، إلى أن “الجيش لا ينوي فتح تحقيق جنائي في شرطة التحقيق العسكرية بشأن ظروف قتل الصحفية الفلسطينية أبو عاقلة”.