اتفقت الجزائر وألمانيا على الشروع في دراسات لإنتاج الهيدروجين الأخضر في الجزائر وتصديره نحو أوروبا، وبالخصوص نحو برلين، في محاولة من الأخيرة لتنويع مصادر تموينها بالطاقة عقب الضربة التي تلقتها بسبب غزو أوكرانيا، فيما تسعى الجزائر إلى الاستثمار في مجال الطاقة المتجددة، والاستفادة من الخبرة الألمانية على أمل ألا تتكرر التجارب السابقة بين البلدين التي لم تصل إلى طريق التجسيد.
وبعد أن وضعتها الحرب في أوكرانيا في قلب الأزمة الطاقوية العالمية، باعتبارها أبرز المرشحين لتكون بديلا أو موردا مساعدا لتعويض الإمدادات الروسية، أعلنت الجزائر عن نيتها تنويع صادراتها من الطاقة إلى أوروبا بأن تتعدى الغاز لتشمل الطاقات النظيفة كالكهرباء والهيدروجين.
أنبوب جديد
انعقدت هذا الأسبوع بالعاصمة الجزائر النسخة الرابعة ليوم الطاقة الجزائري-الألماني، والتي شكلت فرصة لتقييم الشراكة بين البلدين في هذا المجال، وبالخصوص في ظل التطورات الدولية الحالية التي جعلت ملف الطاقة يتصدر اهتمامات المشاورات في مختلف الاجتماعات الدولية عقب اندلاع الحرب في أوكرانيا شهر شباط/فبراير 2022.
وكانت الفرصة سانحة للطرف الجزائري للتعبير بصراحة أن الشراكة التي يريدها مع برلين تتمثل في تطوير قطاع الطاقات المتجددة بالأساس، وليس الاكتفاء بتغطية حاجيات برلين من الغاز عقب نقص الإمدادات القادمة من روسيا جراء العقوبات المفروضة على بلاد الرئيس فلادمير بوتين.
واتضح من خطاب وزير الطاقة والمناجم الجزائري أن بلاده قد حضرت كل الجوانب التي لا تسمح للطرف الألماني المناورة أو عدم قبول عرضها، وأهم ما في هذا العرض تمثل في الإعلان عن الاستعداد لإعادة إطلاق الدراسات الخاصة بأنبوب الغاز الجزائر- سردينيا (إيطاليا).
وقال عرقاب إنه “يتم النظر في إعادة إطلاق الدراسات حول إنشاء خط أنبوب الغاز الجزائر – سردينيا (غالسي)، بمواصفات ومعايير فنية، تتكيف مع تصدير الهيدروجين في المستقبل نحو أوروبا وألمانيا على وجه الخصوص”.
وأوضح الوزير الجزائري أنه “سيتم استخدام هذا الخط مبدئيا لتصدير الكميات الإضافية من الغاز الطبيعي نحو أوروبا، في انتظار إنشاء سوق حقيقية للهيدروجين.”
كان الرئيس تبون قد أبدى خلال زيارته إلى روما شهر أيار/مايو الفارط استعداد بلاده تصدير الطاقة الكهربائية إلى إيطاليا لتكون هي الموزع لهذه الكميات نحو أوروبا.
وتعد الجزائر أول مصدّر للغاز في إفريقيا، وتمد أوروبا بنحو 11% من احتياجاتها.
وتملك الجزائر أربعة خطوط أنابيب غاز تربط بأوربا، هي أنبوب المغرب العربي الرابط بإسبانيا عبر المغرب، والذي أوقفت العمل به في 31 أكتوبر 2021، بعد أن قطعت علاقتها الدبلوماسية بالرباط في شهر آب/أغسطس من العام نفسه، ولم تقم بتجديد العقد عند انتهائه، إضافة إلى أنبوب “ترانسماد-إنريكو ماتاي” الرابط بإيطاليا عبر تونس، والذي لا يزال قيد العمل مع أنبوب “ميد غاز” الذي يربط الجزائر بإسبانيا مباشرة، ليكون بذلك خط “غالسي” في حال تنفيذه الثاني الذي يربط البلد بالضفة الشمالية للمتوسط دون العبور بأي بلد.
ولتنفيذ هذه الشراكة وقعت شركة سوناطراك الحكومية مذكرة تفاهم مع “في آن جي” الألمانية تهدف إلى تمكين الجزائر من اكتساب خبرات في إنتاج الهيدروجين الأخضر، والانتقال إلى مرحلة التصدير في آفاق 2030، وبالخصوص نحو ألمانيا.
وتقترح الجزائر أيضا على الألمان الاستفادة من فائض إنتاجها من الكهرباء، فإنتاجها الحالي يتعدى 25 ألف ميغاواط يوميا، فيما لا يتعدى استهلاكها اليومي 12 ألف ميغاواط، ما يعني حسب وزارة الطاقة الجزائرية إمكانية تصدير 10 ألاف ميغاواط من الكهرباء يوميا نحو أوروبا.
وسبق للمدير العام لشركة سونلغاز الحكومية مراد عجال أن كشف في وقت سابق أن الجزائر تدرس اتفاق تصدير الكهرباء إلى إيطاليا.
وكان الرئيس تبون قد أبدى خلال زيارته إلى روما شهر أيار/مايو الفارط استعداد بلاده تصدير الطاقة الكهربائية إلى إيطاليا لتكون هي الموزع لهذه الكميات نحو أوروبا.
احتياج ألماني
لا يعد اهتمام برلين بالشراكة مع الجزائر في مجال الطاقة حديثا، فهو يعود إلى سنوات ماضية وتعزز منذ اتفاق البلدين على تنظيم “يوم الطاقة الجزائري الألماني” في 2015، وهو يهدف بالنسبة للجزائر إلى الاستفادة من التجربة الألمانية في عملية الانتقال الطاقوي، غير أن هذه الشراكة أصبحت أكثر من ضرورة في الوقت الحالي بالنسبة للألمان بسبب الظروف الطاقوية التي فرضتها الحرب في أوكرانيا.
وقالت الوزيرة المنتدبة بوزارة الاقتصاد وحماية المناخ الألمانية فرانزيسكا برانتنر لدى زيارتها الجزائر هذا الأسبوع للمشاركة في “يوم الطاقة” إن بلادها “مستعدة للعمل مع الجزائر التي تتميز بتنوع مصادرها الطاقوية، من أجل تطوير الشراكة في مختلف مجالات الطاقة، خاصة في ظل الظرف الحالي الذي تمر به أوروبا”.
وأضافت أن “ألمانيا التي تنفق سنويا حوالي 200 مليار يورو لدعم أسعار الطاقة، تفضل استثمار هذه المبالغ الضخمة في الطاقات المتجددة من خلال تعزيز تعاونها مع دولة شريكة كالجزائر”.
وحسب برانتنز، فإن ألمانيا تحتاج إلى استيراد الهيدروجين الأخضر بكميات “كبيرة”، لسد احتياجات قطاعات الصناعة والنقل بكل فروعه، لذلك سترصد أموالا معتبرة لتمويل ودعم هذه الإستراتيجية وتوسيعها إلى الدول الشريكة.
وسبق توقيع سوناطراك مذكرة التفاهم مع “في أن جي”، إجراء محادثات بين الحكومة الجزائرية ومسؤولين اقتصاديين ألمان، منها تلك التي تمت شهر سبتمبر/أيلول الماضي مع ممثلين عن “في أن جي” و”وينترشال ديا” التي قالت مديرتها العامة دون سمرز وقتها إن الجزائر هي المرشّح الأول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لشراكة قوية في مجال الطاقة مع مؤسستها.
ويندرج اهتمام ألمانيا بالاستثمار في مجال الهيدروجين بالجزائر في إطار تنفيذ تعهدات الحكومة الألمانية التي أطلقتها قبل اندلاع الحرب في ألمانيا، والمتمثلة في أن تصل نسبة إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة كالرياح والطاقة الشمسية والهيدروجين إلى 80 بالمائة بحلول عام 2030، والتي تتوقف في الوقت الحالي عند 42٪.
وتسعى الحكومة الألمانية للوصول إلى الحياد الكربوني في توليد الكهرباء بحلول عام 2035، حيث اتخذت البلاد خطوات لتحقيق هذه الخطة تتمثل في استثمارات داخلية في الطاقة الشمسية والرياح، غير أن حاجة الاقتصاد الألماني لا يمكن تلبيتها من الإنتاج الطاقوي الداخلي رغم ضخامته، ولا بد للبلاد أن تستعين بالإنتاج الطاقوي المستورد.
وتتوافق هذه الرؤية مع الخطة التي وضعتها سوناطراك الجزائرية التي أعلنت انضمامها إلى المبادرة العالمية المتعلقة بـ” صفر حرق للكربون بحلول عام 2030″.
خطأ الماضي
يحرص الطرف الجزائري على أن تتفادى المفاوضات مع الألمان الوقوع في الأخطاء السابقة المتعلقة بالشراكة في مجال الطاقات المتجددة، والمتعلقة بالأساس بمشروع “ديزرتيك” للطاقة الشمسية الذي لم يكتب له النجاح، لذلك شكلت الشراكة هذه المرة مباحثات على أعلى مستوى في البلدين.
في الخامس تشرين الأول الماضي، أعلنت الرئاسة الجزائرية أن الرئيس تبون تلقى مكالمة هاتفية من نظيره الألماني فرانك شتاينماير، هنأه فيها بالذكرى الستين لاستقلال الجزائر، معربا عن ارتياحه لمستوى العلاقات الجيدة التي تربط البلدين، وبحث معه سبل تعزيز هذه العلاقات وتوسيعها إلى كل المجالات وتكثيف الاستثمار في كل الميادين، ولا سيّما الطاقة، والطاقات المتجددة.
وكان مشروع دزيرتيك سيحقق الانتقال الطاقوي المنشود للجزائر، إلا أنه لم ينفذ حسب وزير الانتقال الطاقوي الجزائري السابق شمس الدين شيتور، بسبب “رفض البنوك تمويله”، نظرًا لكلفته الاستثمارية التي “تفوق 450 مليار دولار”.
وتعود فكرة مشروع ذزيرتيك إلى أكثر من عقد، فقد انطلقت لما زار الرئيس السابق الراحل عبد العزيز بوتفليقة ألمانيا في الـ 7 من كانون الأول/ديسمبر سنة 2010.
واختلفت التبريرات حول عدم تنفيذ هذا المشروع الضخم، فقد قال وزير الطاقة الأسبق نور الدين بوطرفة لدى رده على سؤال شفوي بمجلس الأمة في كانون الثاني/يناير 2017 إن المفاوضات التي تجريها الجزائر مع ألمانيا بشأن هذا المشروع الضخم لا فائدة من استكمالها في ظل وجود فائض في الطاقة الكهربائية بمعظم بلدان أوروبا.
مهما اختلفت التبريرات، فإن الحكومة الجزائرية بقدر ما هي متمسكة ومتحمسة للشراكة مع ألمانيا، بقدر ما هي مصممة في الوقت ذاته على تحقيق الانتقال الطاقوي حتى ولو كان دون برلين
أما وزير الطاقة السابق عبد المجيد عطار فقال في تصريحات تلفزيونية في كانون الثاني/يناير 2021 إن “ديزيرتيك” تابع لجمعية ألمانية اقترحته على عدّة بلدان من بينها الجزائر، وهو “مشروع ضخم يتطلب ميزانية كبيرة جدًا”.
وأردف عطّار وقتها أن “هدف المشروع كان استغلال الطاقة الشمسية التي تتوفّر عليها بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومن بعدها تصدير الطاقة نحو أوروبا”، لافتًا إلى أنّ “أحد مشاريع الجمعية تم تجسيده على أرض الواقع في المغرب، لكن المشروع كان بلا فائدة، والمغرب خسر الكثير من الأموال مقابل مشروع فاشل”، على حد قوله في تبريره لتخلي الجزائر عن المشروع.
وقال الخبير الطاقوي مهماه بوزيان الذي عمل مستشارًا في وزارة الانتقال الطاقوي الجزائرية إن “مبادرة ديزيرتيك تحولت من الصورة المبهرة المغذّية لحلم كبير، إلى مجرد فكرة فاشلة ومنتهية الصلاحية لسبب بسيط يتمثل في عدم قدرة المبادرين به على التوفيق بين أحلام المجتمع المدني العالمي وتوجهات العلماء وآراء الخبراء، وبين المصالح التجارية العابرة للحدود التي تدافع عنها مؤسسات صناعية ترجو بيع تكنولوجياتها وجني الأرباح في ظرف 3 إلى 5 سنوات، دون الانتظار حتى 2050 لتجسيد المشروع.”
ومهما اختلفت التبريرات، فإن الحكومة الجزائرية بقدر ما هي متمسكة ومتحمسة للشراكة مع ألمانيا، بقدر ما هي مصممة في الوقت ذاته على تحقيق الانتقال الطاقوي حتى ولو كان دون برلين، لذلك عمدت على إجراء مباحثات وعقد اتفاقات مع دول سواء في أوروبا كإيطاليا وسلوفينا وفرنسا، أو خارجهما مع الصين وتركيا، وذلك بهدف المحافظة على صورتها كمورد آمن وموثوق للطاقة، والذي مكنها من أن تحقق هذا العام صادرات تاريخية للغاز بلغت نحو 56 مليار مكعب.