أثار بيان صادر عن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر تفاعلًا كبيرًا على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد استخدم الصدر في بيانه مصطلح “الخليج العربي” بمناسبة انطلاق “كأس الخليج” في العراق، وهي المنافسة الكروية الأبرز على المستوى الخليجي العربي، إذ انطلقت النسخة الـ25 من كأس الخليج العربي يوم الجمعة الماضي بمدينة البصرة العراقية، بمشاركة منتخبات السعودية وعمان واليمن والبحرين والكويت وقطر والإمارات والعراق.
بعد يوم من انطلاق المنافسة، أعلن الاتحاد الإيراني لكرة القدم، السبت، أنه بصدد رفع شكوى لدى الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) احتجاجًا على تسمية بطولة خليجي بنسختها الـ25 ببطولة “الخليج العربي لكرة القدم”، وأوردت وكالات إيرانية أن “بيان الهيئة الكروية يدين استخدام اسم مستعار للقب التاريخي للخليج الفارسي في الكأس”، وكشفت الهيئة الكروية الإيرانية أنها ستسلم “وثائق غير قابلة للشك بشأن هذه القضية إلى فيفا” من أجل حملها على إصلاح الأخطاء غير المناسبة في استخدام الأسماء، التي تتعارض مع الأعراف الدولية”.
زعمت الهيئة الإيرانية أن اسم “الخليج الفارسي هو الاسم الأصلي والتاريخي الذي تم استخدامه بشكل مستمر لسنوات عديدة في جميع اللغات والأدب العالمي، وقد تم ذكره بالكامل بهذا العنوان في أطالس تحتوي على خرائط قديمة ووثائق تاريخية”.
بدوره انتقد النائب في مجلس الشورى الإيراني ولي الله بياتي، تصريحات رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني وزعيم التيار الصدري العراقي مقتدى الصدر لاستخدامهما عبارة “الخليج العربي” وقال إن استخدام الصدر والسوداني “عبارة الخليج العربي الوهمية بدلًا من تسميته الأصلية الخليج الفارسي تمثل تحركًا غريبًا”، ودعا البرلماني الإيراني زعيم التيار الصدري ورئيس الوزراء العراقي إلى “الاعتذار”.
لا تفتأ مشكلة تسمية الخليج تغيب إلا وتظهر مجددًا، خاصة أن طهران أخذت على عاتقها الدفاع عن تسميتها للخليج في كل محفل وتصر عليها، وباتت المواقف الإيرانية الاحتجاجية كثيرة في هذا السياق، من جانبها فإن الدول العربية المحيطة بالخليج لا يمكن أن تقبل إلا بإطلاق صفة العربي عليه وتدافع عن التسمية في المحافل، لكن ما التسمية الصحيحة للخليج، أهو الخليج العربي أم الخليج الفارسي؟ وعلى ماذا تستند الدول المحيطة بالخليج بإطلاق التسمية عليه؟
بحر فارس
أطلق علماء الجغرافيا المسلمون اسم “بحر فارس” على منطقة الخليج، إذ يقول ياقوت الحموي: “يتشعّب من البحر الهندي خلجان كثيرة إلا أن أكبرها وأعظمها بحر فارس والقلزم” وهنا يقصد الخليج والبحر الأحمر، وكذلك أطلق الشريف الإدريسي ذات الاسم لكنه أتبعه بتسمية لافتة هي “الخليج الأخضر”.
كذلك لم يخالف الجغرافيون الأوروبيون منذ قرون بعيدة استخدام وصف “الفارسي” للخليج، لكنهم لم يحصروا التسمية بذلك، فقد كانت تتغير وفقًا لاهتماماتهم بالمناطق المطلة على هذا الخليج، فبالإضافة إلى البحر الفارسي، يجد الناظر إلى خرائط البرتغاليين الذين خاضوا غمار هذا البحر كثيرًا تسميات بحر أو خليج البصرة وبحر القطيف وبحر مسندم.
لكن هونديوس، أسماه “الخليج العربي”، وبالطبع لا يمكن إغفال أهمية هذه التسمية من هونديوس، فهو أحد أهم رسامي الخرائط الأهم في العالم، بالإضافة إلى كونه ناشرًا وعالمًا بالفلك، كما أنه رفع مكانة بلده هولندا كمركز لرسم الخرائط في أوروبا بالقرن السابع عشر.
بالانتقال إلى العثمانيين الذين بقوا في المنطقة ما يقرب من أربعة قرون، كانوا يميلون إلى تسمية الخليج بـ”بحر البصرة”، كما في أول أطلس عثماني الذي صدر مطلع القرن التاسع عشر.
إذن، تستند التسمية الإيرانية لـ”الخليج الفارسي” على ما أطلقه أهل الجغرافيا القدماء “بحر فارس”. في هذا السياق يفند الباحث الأكاديمي حسن منيمنة الادعاءات الإيرانية بقوله: “أشهر التسميات التي أطلقت على الخليج هي خليج فارس أو بحر فارس، وليس الخليج الفارسي، أي بالإضافة لا بالنسبة، في إشارة إلى أنه الطريق البحري الذي يصل إلى بلاد فارس.
يرى منيمنة أيضًا في مقال قديم له أن من اعتمد تسمية “بحر فارس” هم البحارة العرب، ثم مؤلفو مصنفات البلدان، مشيرًا إلى أنه “كما هو اليوم البحر الأبيض المتوسط يصل إلى بلاد الروم، فقد كانت تسميته بحر الروم، وكما أن ما هو اليوم المحيط الهندي يصل إلى الهند كانت تسميته بحر الهند، ولم يكن في هذه التسميات أي إقرار بسيادة على المياه الإقليمية أو اعتبار أو إنكار لملكية النطاق البحري، إذ هذه مفاهيم لم تكن من المتعارف عليه”.
الخليج العربي
أطلقت الدول العربية والخليجية تسمية العربي على هذا الخليج رسميًا في فترة الستينيات، بالتزامن مع ولادة فكرة الجامعة العربية وانتشار فكرة القومية العربية، وهنا أصبح اسم الخليج العربي المصطلح المعتمد والمستخدم في غالبية العواصم العربية، ثم تحول صراع التسميات الموجود في الخرائط والأطالس إلى الأروقة السياسية ليتحول إلى مسألة غير محسومة بين الدول العربية وإيران.
في تلك الأثناء حاول الشاه الإيراني محمد رضا بهلوي التحالف مع “إسرائيل” التي انتصرت في حرب حزيران 1967 من أجل بسط هيمنته على دول الخليج العربية الصغيرة، لذلك كان يشدد على فارسية هذا البحر وأقرّ عيدًا وطنيًا لـ”الخليج الفارسي”، وبعد إطاحة الثورة الإسلامية التي قادها الخميني بالبهلوي، قفزت فكرة تسمية عاطفية تلائم الجميع وهي “الخليج الإسلامي”، لكن سرعان ما تلاشت من التداول مع الحرب العراقية الإيرانية، إذ عاد العرب إلى تسمية “الخليج العربي”.
في هذا السياق، يقول الباحث سعيد علي الغيثي في بحث له: “الرومان قد أسموه “الخليج العربي” وممن أطلق تلك التسمية، المؤرخ الروماني بليني بلينيوس الأصغر، في القرن الأول للميلاد. وقيل أطلقها عندما أراد وصف مدينة مدينة المحمرة، حيث قال هي مدينة تقع في أقصى أطراف الخليج العربي”، ويشير الباحث إلى أن “تسمية الخليج العربي ظلت معروفة منذ قبل الإسلام، واستمرت إلى ما بعد الإسلام، لدى سكان شبه الجزيرة العربية وما جاورها”، وهذا يعني أن تسمية الخليج العربي ليست حديثة، ولم تظهر بظهور المد العروبي في القرن العشرين، وإنما هي أقدم من ذلك بكثير.
يعلل الخبراء والباحثون صحة تسمية “الخليج العربي” على هذه المنطقة ككل، بأن ثلثي سواحل الخليج تقع في بلدان عربية، إضافة إلى أن جميع الشعوب القاطنة على ضفاف الخليج هم من العرب سواء في الدول العربية أم حتى السواحل الإيرانية التي تقطنها قبائل عربية في الإقليم المعروف بالأحواز أو ما يطلق عليه عربستان الذي سيطرت عليه إيران 1925.
تحدث أيضًا الكثير من المؤرخين الغربيين عن عروبة الخليج مثل المؤرخ الإنجليزي رودريك أوين الذي زار الخليج العربي وأصدر سنة 1957 عنه كتابًا بعنوان “الفقاعة الذهبية – وثائق الخليج العربي”، وروى رودريك أنه زار الخليج العربي وهو يعتقد بأنه “خليج فارسي” لأنه لم ير على الخرائط الجغرافية إلا هذا الاسم، لكنه ما كاد يتعرف إليه عن كثب حتى رأى أن الأصح تسميته الخليج العربي، لأن أكثر سكان سواحله من العرب.
يقول الباحث والكاتب مهنا الجبيل في هذا الخصوص أن: “الأساس لدينا في التسمية ليس لتعصب قومي ولكن لحق التسمية الوارد أصله ثم تحوله هوية ضد التدخل الخارجي المعبر عنه رسميًا من إيران”، مضيفًا: “الصراع مع فارس كقوة قومية أو في نفوذها في هرمز الذي واجه عمان وسلطنة الجبور العقيليين الممتدة إلى البصرة على الخصوص ومعقلها الأحساء شهد تعاونًا فارسيًا مع البرتغاليين ضد الإقليم العربي في حملة لشبونة على عرب الخليج والوصول إلى طريق للديار المقدسة”.
ويبين الجبيل أن “المواجهة تضمنت الصراع على (البحرين) المسماة اوال قديمًا وشهد الخليج مواجهات بين السلطنة العربية للجبور العقيليين وبين نفوذ فارس واحتلالها شارك في الصراع عدة قبائل عربية وإيران حتى اليوم تتبنى تبعيتها لها مع مناطق أخرى فنحن نواجه أرضية ترصيف ذات أطماع سياسية”، مضيفًا “في هذه البطولة لم يستدعي أحداً إيران، هي من قام بالتحريض المكثف غيرة ورفضًا لأن يتردد مصطلح الخليج العربي بين الأشقاء في العراق في مرحلة نفوذها وتدخلها فيه” ويتسائل الجبيل: “فمن هو المتعصب ومن الذي يستدعي العداوات بيت القوميات وأين مفهوم الإسلام من هذا التحريض الذي تقوم به إيران؟”.
أوضح هنا فكرة مهمة حول الجدل الثائر الذي تحركه الثقافة الإيرانية الشرسة في مسمى #الخليج_العربي
وخاصة في #خليجي_25
علماً بأن لي قراءة تاريخية مكثفة حول المصطلح
والأساس لدينا ليس لتعصب قومي ولكن لحق التسمية الوارد أصله ثم تحوله هوية ضد التدخل الخارجي المعبر عنه رسميا من #إيران— مهنا الحبيل (@MohannaAlhubail) January 9, 2023
هذه ليست المرة الأولى التي تغضب إيران بسبب إضافة صفة العربي إلى الخليج، فلها سوابق كثيرة كان أبرزها، في مايو/أيار 2006، خلال لقاء بين الرئيس الإيراني أحمدي نجاد وأمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني في أثناء افتتاح دورة أسيان الدوحة، حين قال بن خليفة في معرض حديثه عن منتخب إيران لكرة القدم: “نجاح منتخب إيران في مونديال 2006 سيسعد سكان الخليج الفارسي العربي”، ليرد عليه نجاد “أعتقد أنك كنت تقرأ اسمه الخليج الفارسي عندما كنت بالمدرسة”، وفي سنة 2008، نظمت احتجاجات في إيران على تسمية متصفح غوغل الخليج بالعربي.
في المقابل، في يناير/كانون الثاني من عام 2010، ألغيت الدورة الثانية من ألعاب التضامن الإسلامي بسبب اعتراض الدول العربية على تدوين كلمة “الخليج الفارسي” على قلائد البطولة وجميع وثائقها، فقد اقترحت الجهات العربية الرسمية قبل ذلك كتابة لفظة الخليج فقط، لكن إيران واجهتهم بالرفض.