ترجمة وتحرير: نون بوست
في أواخر السنة الماضية؛ بينما أدت الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ “إسرائيل” القسم، جرى تداول مزحة يائسة على الإنترنت، فقد صوّرت صورة تم تقسيمها إلى مربعات لتشبه رمز التحقق – وهو اختبار مصمم للتمييز بين الإنسان والحاسب – أعضاء حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وجاء في الشرح المكتوب تحت الصورة “حدد المربعات التي يظهر فيها الأشخاص الذين وجهت إليهم لائحة اتهام”. وشملت الإجابة الصحيحة نصفهم. لقد كانت تلك هي الرسالة التي أصبحت نموذجية لوسط “إسرائيل” واليسار في السنوات الأخيرة: قاتمة، ساخرة، مستقيلة في النهاية.
بعد بضعة أسابيع؛ قدّمت حكومة نتنياهو المرحلة الأولى من الإصلاح القضائي الذي من شأنه أن يضعف المحكمة العليا في البلاد ويجعل الحكومة محصنة إلى حد كبير ضد الرقابة. في الواقع؛ كان المشرعون اليمينيون قد طرحوا إجراء مشابهًا من قبل، لكن تم اعتباره متطرفًا للغاية.
ويقول معارضو نتنياهو إن ما تغيّر هو أنه متهم حاليا، ويحاكم بتهمة تقديم خدمات سياسية لأباطرة المال مقابل هدايا شخصية وتغطية صحفية إيجابية – وهي اتهامات ينفيها. ومن خلال إزالة القيود المفروضة على السلطة التنفيذية؛ هدد الإصلاح الشامل بوضع “إسرائيل” بين صفوف الديمقراطيات غير الليبرالية مثل المجر وبولندا. وفي خطاب حاد استثنائي، وصفت رئيسة المحكمة العليا في البلاد، إستر حايوت، هذا المشروع “ضربة قاضية” للمؤسسات الديمقراطية. ومنذ ذلك الحين؛ تدفق عشرات الآلاف من المتظاهرين إلى شوارع تل أبيب ومدن أخرى كل يوم سبت، ولخصت لافتة أحد المتظاهرين المشاعر: “للبيع: الديمقراطية. النموذج: 1948. دون مكابح”.
أُدين بن غفير، البالغ من العمر 46 سنة، بثماني تهم على الأقل، بما في ذلك دعم منظمة إرهابية والتحريض على العنصرية
يقود نتنياهو حزب الليكود؛ وهو حزب تحدده الأفكار المحافظة والشعبوية. ولطالما تبنى الليكود مواقف متشددة بشأن الأمن القومي، لكن قادته كانوا يمجدون تقليديًا سيادة القانون، ويحافظون على توازن القوى، ويؤيدون حرية التعبير. وقد اعتاد نتنياهو التودد إلى الناخبين الوسطيين في محاولة لإقناع المترددين، ولكن في ظل فشل محادثات السلام مع الفلسطينيين واكتساب القومية الدينية القوة، تضاءل اليسار الإسرائيلي، وأصبح حزب نتنياهو أكثر تطرفا. في الآونة الأخيرة، قدم نائب من حزب الليكود اقتراحًا من شأنه أن يمنع فعليًا العديد من السياسيين العرب من الترشح للبرلمان.
ويحذّر المتظاهرون من أن عناوين الأخبار الإسرائيلية بدأت تغدو كدليل للأنظمة الاستبدادية المستقبلية؛ إذ يبدو أنه تم اختيار الوزراء بعناية لتقويض الإدارات التي يديرونها، فيعتزم وزير العدل الجديد تقويض سلطة القضاء، كما هدد وزير الاتصالات بوقف تمويل هيئة البث الإسرائيلية، على أمل تحويل الأموال إلى قناة مواتية لنتنياهو، حسبما ورد. وقد وصف وزير التراث المنظمات التي تمثل اليهود الإصلاحيين بأنها “خطر فعلي” على الهوية اليهودية.
ومع ذلك؛ لا أحد يسيء إلى الإسرائيليين الليبراليين والوسطيين تمامًا مثل إيتمار بن غفير، الذي دخل البرلمان سنة 2021، ويقود حزبًا يمينيًا متطرفًا يسمى “عوتسما يهوديت” أو “القوة اليهودية”. فلطالما كان مائير كاهانا قدوة بن غفير ومصدره الأيديولوجي، وهو حاخام بروكلين الذي انتقل إلى “إسرائيل” في سنة 1971، وخلال فترة ولاية واحدة في الكنيست، اختبر الحدود الأخلاقية للبلاد. ويسعى السياسيون الإسرائيليون إلى التوفيق بين هويات “إسرائيل” باعتبارها دولة يهودية وديمقراطية، وقد جادل كاهانا بأن “فكرة الدولة اليهودية الديمقراطية مجرّد هراء”.
من وجهة نظره؛ فإن الاتجاهات الديموغرافية ستحول حتمًا غير اليهود في “إسرائيل” إلى أغلبية، وبالتالي فإن الحل المثالي هو “الترحيل الفوري للعرب”. وبالنسبة إلى كاهانا، كان العرب في نظره “كلابًا” “يجب أن تجلس بهدوء أو ترحل”. وكان خطابه عنيفًا لدرجة أن المشرعين من كلا الجانبين اعتادوا الخروج من الكنيست عندما يتحدث، وقد مُنع حزبه “كاخ” في النهاية من دخول البرلمان في سنة 1988، ويعتبر حزب “القوة اليهودية” فرعًا أيديولوجيًّا لحزب “كاخ”، فقد شغل بن غفير منصب زعيم شباب في حزب “كاخ” ووصف كهانا بأنه “قديس”.
يعتبر نتنياهو الشخصية السياسية المهيمنة في “إسرائيل” لجيل كامل؛ حيث شغل منصب رئيس الوزراء لمدة 15 سنة وهو أمر غير مسبوق.
أُدين بن غفير، البالغ من العمر 46 سنة، بثماني تهم على الأقل، بما في ذلك دعم منظمة إرهابية والتحريض على العنصرية، وجمع سجلًا إجراميًا لفترة طويلة حتى أنه عندما مثل أمام قاضٍ، “كان علينا تغيير الحبر على الطابعة”، على حد تعبير دفير كاريف، المسؤول السابق في جهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الشاباك”. ومؤخرا في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي؛ رفض نتنياهو مشاركة المسرح معه، أو حتى الظهور معه في الصور، ولكن سلسلة من الانتخابات المخيبة للآمال أقنعت نتنياهو بتغيير رأيه.
يعتبر نتنياهو الشخصية السياسية المهيمنة في “إسرائيل” لجيل كامل؛ حيث شغل منصب رئيس الوزراء لمدة 15 سنة وهو أمر غير مسبوق. ولكن في سنة 2021؛ تم تهميشه من قبل ائتلاف برلماني ضم لأول مرة حزبًا عربيًا مستقلًا.
خلال انتخابات السنة الماضية، عاد نتنياهو بما وصفه باحث قانوني بـ”شكل عدواني”، لتأمين ائتلاف ناجح، وقام بتنظيم تحالف بين حزب “القوة اليهودية” وحزب يميني متطرف آخر يُدعى “الصهيونية الدينية”. وفاز التحالف بثالث أكبر حصة من المقاعد في البرلمان، متجاوزًا التوقعات بشكل جذري لدرجة أن نتنياهو يواجه الآن احتمالا مزعجا لتقاسم السلطة مع بن غفير؛ الرجل الذي وصفه رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت بأنه خطر وشيك على “إسرائيل” مقارنة بإيران المسلحة نوويا. وبدلًا من إعطائه وظيفة شرفية؛ عيّنه نتنياهو وزيرا للأمن القومي. وفي “إسرائيل”، توقف الجناح اليساري المحاصر عن التساؤل عما إذا كان يمكن لشخص مثير للانقسام مثل بن غفير أن يصل إلى أعلى مستويات السلطة. وبدلا من ذلك، بات السؤال المطروح: هل يمكن احتواؤه؟
تستضيف قاعة المناسبات هيشال ديفيد، بالقرب من محطة الحافلات المركزية في القدس، حفلات الزفاف، وبار متسفا، ولمرة واحدة في السنة، حفلا تذكاريًّا عن كاهانا؛ حيث يختار المنظمون قاعة هيشال ديفيد، مركزًا للاحتفال، لأنها كانت “القاعة الوحيدة في القدس التي لا توظف العرب”. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي؛ بعد 32 سنة من مقتل كاهانا على يد متطرف أمريكي من أصل مصري في أحد فنادق مانهاتن، تجمع حشد صاخب في القاعة لإحياء ذكرى إرثه؛ حيث بيعت قمصان تحمل شعار “كاهانا كان على حق” مقابل تسعة دولارات، وجلست النساء – من القلائل اللاتي حضرن – وراء حجاب.
كان من المقرر أن يكون بن غفير أول المتحدثين في الأمسية، لكن الصحافة علقت لأسابيع أسابيع على مسألة ظهوره كما لو كان الأمر مثيرًا للجدل في برنامج واقعي. (وافق بن غفير على الانضمام إلى فريق عمل “الأخ الأكبر” في سنة 2019، لكن الانتخابات المبكرة أفسدت الخطة) كان بن غفير سفير حزب “كاخ” الأكثر وضوحًا. وفي أول موعد له مع زوجته المستقبلية، قاموا بزيارة قبر باروخ غولدشتاين، المستوطن المتطرف الذي قتل في سنة 1994 تسعة وعشرين من المصلين المسلمين في الحرم الإبراهيمي، وهو موقع مقدس للمسلمين واليهود في الخليل. وحتى وقت قريب؛ كانت صورة غولدشتاين معلقة على جدار غرفة المعيشة في منزل بن غفير في مستوطنة كريات أربع في الخليل.
بدأ بن غفير حضور الحفل التذكاري لكاهانا عندما كان في سن المراهقة، وأصبح في النهاية مضيفًا له، واعتاد على استدعاء المراسلين، واعدًا إياهم بالأنشطة الاستفزازية لإغرائهم لتغطية الحدث؛ مثل حبل المشنقة لتهديد مشرع عربي، وقد اعتبرت هذه الحركة ثانوية. وقال كاريف، المسؤول السابق في “الشاباك”، “لقد كانت مزحة صغيرة”. وقد توسعت منذ ذلك الحين لتشمل حزبًا سياسيًا (القوة اليهودية)، وذراعًا ماليًا (صندوق إنقاذ شعب إسرائيل)، وجماعة مناهضة للاندماج (لهافا). وفي الانتخابات الأخيرة؛ وفقًا لأحد التقديرات، صوت ثلث الجنود الإسرائيليين لصالح بن غفير.
عندما دخل بن غفير إلى الحكومة؛ أصر على أنه أصبح أكثر اعتدالًا، وأكد لأحد الجماهير أنه لم يعد يؤيد فكرة “قتل العرب”، حتى أن اثنين من مرشديه في أقصى اليمين انفصلوا عنه بشأن ما اعتبروه تنازلات غير مقبولة، وقال باروخ مارزل المتحدث باسم حزب كاخ إن “بن غفير قد يقتل ثماني بعوضات بدلًا من البعوضتين اللتين قتلهما أسلافه لكن ذلك لم يضع حدًّا للجدل القائم”.
وأخبرني أحد المطلعين أن الصدع كان حقيقيًًّا، فلقد كان مارزل شخصية قاسية، وهو بمثابة”الجيل الأول من أنصار كاهاني”، فيما يعتبر بن غفير من “الجيل الثاني”، وهو يخفف من تعصبه عبر نشر روح الدعابة على الإنترنت. ويرتدي بعض من نشطاءه قمصانا تحمل شعار “نوتوريوس آي بي جي.”. (في أحد مقاطع الفيديو الخاصة به على “تيك توك”، والذي تمت مشاهدته 1.3 مليون مرة، ركل كرة قدم يقترح أنها تمثل سياسيين عرب. ويقول “أنا أتدرب على ركل أيمن عودة وأحمد الطيبي ومحمود عباس إلى سوريا”). لكن الخلاف ساعد أيضًا بن غفير في الانتخابات، فيمكنه الآن أن يدعي بشكل معقول أنه لم يعد يمثل أقصى اليمين الإسرائيلي.
أصبح بن غفير محاميًا وهو في منتصف الثلاثينات من عمره، وغالبا ما أظهر قدرة على البقاء ضمن حدود القانون. وفي سنة 2015، وبخ أتباعه بالتوقف عن الصراخ هاتفين “الموت للعرب” وأن يهتفوا بدلًا من ذلك “الموت للإرهابيين؛ هذا الأمر قانوني بحت”. وأخبرني رافائيل موريس، وهو ناشط يميني متشدد يرأس حركة تسمى العودة إلى المسجد الأقصى، قائلًا “لقد تعلمت منه كيفية تحدي النظام دون تجاوز الخطوط الحمراء”، وقال كريف إن بن غفير “متطرف لكنه براغماتي. إنه يعرف كيف يتصرف بذكاء”.
قبل الانتخابات في سنة 2019، حث المستشارون بن غفير – على أمل ترسيخ ما وصفته الصحافة بأنه صورة “رجل دولة” حديث – على إزالة صورة غولدشتاين من جدار منزله. وأخبرني بيرالي كرومبي، قائد حملة بن غفير في ذلك الوقت، أنه “أخبر بن غفير أن الناس يخشون التصويت له”، ولكنه رفض. وأوضح كرومبي أن “بن غفير كان خائفًا للغاية من فقدان قاعدته الجماهيرية”، وبعد محاولتين فاشلتين للفوز بمقعد في الكنيست، وافق أخيرًا على إزالة الصورة.
وأكد كرومبي، الذي لا يزال مقربًا من بن غفير، أن “هذا الأمر كان بالغ الأهمية من الناحية الرمزية”. وفي غضون سنتين، وفقًا لأحد التحليلات، ارتفع دعم بن غفير في صفوف الناخبين من الليكود إلى ما يصل إلى الثلث.
لتأمين منصب وزاري رفيع؛ كان على بن غفير ذو الوجه المستدير والذي يمتلك نظارات بإطار سلكي وكيباه بيضاء واسعة، أن ينأى بنفسه عن الأيديولوجية التي صنعت سمعته دون إبعاد مؤمنيها المتحمسين، وقد عمل على ذلك خلال الحفل التذكاري؛ حيث دخل الغرفة مبتسمًا، ولكن عندما اعتلى المنصة، تلاشت ابتسامته، وطوقه حراس الأمن من جميع الجوانب. وقد أخبر بن غفير الجمهور أنه مدين بهويته الدينية لكاخ، لكنه أكد أيضًا على الاعتدال: “ليس سرًّا أنني اليوم لست الحاخام كاهانا”، وهو ما جعل الأشخاص يغيرون مقاعدهم، ليبدأ بعضهم في صيحات الاستهجان، وأضاف: “أنا لا أؤيد طرد كل العرب، ولن أضع قوانين لإنشاء شواطئ منفصلة لليهود والعرب”، ومع ارتفاع سخرية الجمهور أكمل قائلًا: “لكننا سنعمل بالطبع على طرد الإرهابيين من البلاد من أجل طابع الدولة، واستقرار أرضها، وهويتها اليهودية”؛ هنا تحولت صيحات الاستهجان إلى تصفيق. وفي نهاية الخطاب، وقف الناس يلتقطون الصور. ومع ذلك؛ كان على حراسه الشخصيين إخراجه من هناك.
ركزت التغطية الإخبارية للخطاب على ردود فعل المعارضة: “صيحات الاستهجان تطلق على بن غفير في حفل الحاخام كاهانا التذكاري”، وهو ما كان بالنسبة له نعمة؛ حيث كان التركيز على السخرية خطوة نحو القبول السائد. ولكن، كما أخبرني رينو زرور، الصحفي الذي أمضى سنوات في تغطية اليمين المتطرف، بدا الأمر كما لو أن التركيز على صيحات الاستهجان “قد بدر منه”. ووافق صحفيون آخرون على ذلك؛ مشيرين إلى أن بن غفير سمح بتسريب مسودة جزئية لخطابه على وسائل التواصل الاجتماعي. وفي السنة الماضية؛ اقترب أحد المؤيدين – الذي كان قلقًا بشأن تحوله – من ألموج كوهين، وهو سياسي من القوة اليهودية؛ وفي تبادل تم تسجيله على شريط قال كوهين: “إنها حيلة. هل تعرف ما هو حصان طروادة ؟”.
سمع معظم الإسرائيليين لأول مرة عن إيتمار بن غفير في خريف سنة 1995؛ وهي فترة عصيبة في التاريخ الإسرائيلي، فلم يمنع هجوم الانتحاريون الذي كان ينذر بالخطر رئيس الوزراء إسحاق رابين من توقيع اتفاقية سلام تاريخية مع القادة الفلسطينيين. وفي الصفقة، تم التنازل عن مساحات من الأراضي التي تحتلها “إسرائيل” في الضفة الغربية. الأمر الذي اعتبره اليمين خيانة، مما أدى إلى نمو الاحتجاجات العنيفة. وفي 11 تشرين الأول/ أكتوبر، ظهر بن غفير البالغ من العمر تسعة عشر سنة على شاشة التلفزيون مرتديًا قميصًا أزرق باليًا وذراعه في حمالة كتف، وهو يحمل شعار كاديلاك الذي انتزع من سيارة رئيس الوزراء، قائلا: “مثلما وصلنا إلى هذا الشعار، يمكننا الوصول إلى رابين”. بعد ثلاثة أسابيع؛ اقترب طالب حقوق يميني يدعى إيغال أمير من رابين في مظاهرة سلام في تل أبيب وأطلق النار عليه مرتين، وتوفي رابين بعد ذلك بوقت قصير.
بعد سبعة أسابيع؛ زار محامون من لجنة التحقيق الحكومية أمير في زنزانته لغرض استجوابه عن تلك الليلة، حيث قال أمير إنه التقى في الحافلة المتجهة إلى تل أبيب بناشط من حزب الليكود الذي أخبره أن إيتمار بن غفير يريد قتل رابين في المظاهرة. (رفض بن غفير إجراء مقابلة معه، ولكن أحد مساعديه وصف هذه الرواية بالكاذبة). وفي حين كان أمير يعرف بن غفير من دوائر النشطاء اليمينيين، إلا أنه أخبر المحققين أنه سخر من فكرة أنه قد يرتكب جريمة قتل، وقد اقترح أمير أنه كان مجرد طفل؛ ليس قاتلًا بل محرضًا.
نشأ بن غفير في مفاسريت صهيون، إحدى ضواحي القدس. عندما كان طفلاً، كان يعيش – حيث نشأت عائلة والدته – في منطقة قذرة كانت ذات يوم معسكرًا عبوريًا للمهاجرين اليهود من كردستان. وفي السنوات التي سبقت إنشاء دولة “إسرائيل”، حاربت ضد الحكم البريطاني مع المجموعة السرية المعروفة باسم إرجون (منظمة عسكرية). كما كان والده، الذي جاءت عائلته من العراق، يبيع المنتجات في سوق القدس.
بمرور الوقت؛ انتقلت عائلة بن غفير إلى منطقة أكثر رفاهية تصطف على جانبيها الأشجار. وفي حين كان والديه يمينيين، إلا أنهم لم يكونوا أيديولوجيين؛ وقد قال إنهما صوتا من حين لآخر لحزب العمال اليساري. ومثل العديد من اليهود الشرقيين (اليهود المزراحيون)، أو اليهود السفارديم، كانوا ينتمون إلى مكان ما بين العلمانيين والملتزمين. ولكن بن غفير كان مختلفًا؛ حيث أصبح متدينًا في الثانية عشرة، وأصبح متطرفًا في الرابعة عشرة؛ خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى. وقد قال السنة الماضية في مقابلة مع موقع ماكو الإخباري: “كانت جرائم القتل تحدث واحدة تلو الأخرى، وقد أخبرت والدتي أنه يجب حل هذا الأمر”.
في أحد أيام الجمعة؛ طلب من والده أن يوصله إلى وسط مدينة القدس، حيث تجتمع مظاهرة للنساء اليساريات كل أسبوع، وهناك قام باحتجاجٍ مضادٍ مكونٍ من فرد واحد، ولكنه ارتكب خطأ؛ فقد اعتادت النساء ارتداء ملابس سوداء، وكان بن غفير يرتدي الأسود أيضًا، لذلك اضطر إلى الاتصال بوالده للحصول على قميص آخر. ومع ذلك، لم يمض وقت طويل حتى التقى مع باروخ مارزل ومحرض آخر من كاخ، الذي قدمه للحركة. وقال: “في البداية، اعتقدت أنهم متطرفون للغاية بالنسبة لي، لكن في مرحلة ما أدركت أن ليس هذا ما تصوره وسائل الإعلام”.
أولئك الذين عرفوا بن غفير عندما كان مراهقًا يتذكرون صبيًّا ذكيًّا وجذابًا دائم الابتسام؛ حيث قال أحد أصدقاء المدرسة إنه كان “غريبًا بعض الشيء”، لكنه أضاف، مستخدمًا مصطلحًا يشير إلى السلوك العدواني، “كان هناك شيء أكثر ترويعًا من إيتمار”. وقد تذكر مدرس سابق بن غفير الذي التحق بمدرسة ثانوية مهنية في القدس، على أنه جاد ومشارك وكان دائمًا ما يجلس في الصف الأمامي “وكأنه لا يريد لأحد أن يزعجه”. وأضاف المعلم أن انتماءه إلى كاخ كان معروفًا في المدرسة، وأن الأمر لم يكن غريبًا، حيث جاء معظم الطلاب من عائلات يمينية للغاية.
طموح بن غفير جعله متطرفًا بين الكاهانيين؛ حيث قال كاريف: “كان معظمهم من الطفيليات؛ يستيقظون ظهرًا ولا يدرسون ولا يعملون. ولكن لطالما كان بن غفير قياديًّا”. وبمرور الوقت؛ بدأ بتجنيد آخرين لأنشطة كاخ، والتي قال كاريف إن أغلبها كان تخريبيًّا: تمت كتابة “كان كاهانا محقا” و”خروج العرب” على المباني في جميع أنحاء القدس، وتم تخريب سخانات المياه على أسطح العائلات العربية. وأخبرني عضو سابق في كاخ أن التجنيد في التنظيم قد بلغ ذروته في أعقاب الهجمات العنيفة: “قل إن هناك قصفًا وستسمع أحدهم يصرخ “الموت للعرب “، فنذهب إليه ونسأله إذا ما أراد الانضمام إلينا”. وقد قال لي إيهود أولمرت، الذي كان عمدة القدس حينها: “كان بن غفير ينتمي إلى مجموعة ازدهرت من وراء أولئك الذين قتلوا في الهجمات الإرهابية”. ذات مرة؛ بعد هجوم في سوق القدس، كان أولمرت يتجول في المكان عندما بدأ ثلاثة رجال بمطاردته وهم يهتفون “الموت للعرب!” و”جبان!” وقد كان أحدهم بن غفير، ويقول أولمرت إنه استدار ولكمه في وجهه.
في السادسة عشرة من عمره، أصبح بن غفير عنصرًا أساسيًا في مدرسة كاهانا اليهودية في القدس. (عندما ذُكِرَت “أيام الدراسة” لبن غفير لعضو كاخ السابق، ضحك وقال، “إنها ليست هذا النوع من المدرسة الدينية”). هناك، نقل حاخامٌ يدعى يهودا كروزر مبادئ الكاهانية: فكرة التعايش مع السكان العرب في “إسرائيل”، الذين يشكلون 21 بالمئة من البلاد، على حد تعبير بن غفير، هي “ثرثرة” (كاهانا: “لا يوجد تعايش مع السرطان”)؛ وينبغي إنقاذ النساء اليهوديات من الرجال العرب (كاهانا: “التلوث المذهل للبذرة اليهودية المقدسة”)؛ وأن “الطريق” إلى حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو “تبادل السكان”. بعبارة أخرى: طرد الفلسطينيين من “إسرائيل” الكبرى، وهي أرض تشمل الضفة الغربية والقدس الشرقية.
وبينما خدم زملائه القدامى في المدرسة الثانوية في جيش الدفاع الإسرائيلي، بقي بن غفير في المدرسة الدينية، يتعلم الأفكار المتطرفة بعد أن رفض الجيش تجنيده، وقال لي مسؤول دفاعي كبير سابق: “نحن نستثني عددًا قليلًا جدًّا من التجنيد”، وعندما سألته: “لماذا لم يتم تجنيد بن غفير؟”، حدق المسؤول في وجهي وقال: “هل أعط شخصًا كهذا سلاحًا؟”.
بصفته الوزير الجديد المسؤول عن الإشراف على قوة الشرطة الإسرائيلية، يشرف بن غفير على وحدة عمليات خاصة مكلفة بفض أعمال الشغب المسلحة، وهو ما يُنذر بالنسبة للعديد من الإسرائيليين بالخطر. وفي أحد الاستطلاعات؛ وصفه 46 بالمئة من المستجيبين بأنه “لا يستحق” مثل هذا المنصب الحساس، ولكن أداءه في انتخابات السنة الماضية كان قويًّا بما يكفي لدرجة أن نتنياهو منحه حقيبة موسعة تشمل مسؤولية واسعة عن “الأمن القومي” والسلطة على وحدات دوريات الحدود في الضفة الغربية، ما وصفه وزير الدفاع الذي انتهت ولايته، بيني غانتس، بـ “الجيش الخاص”.
في سنة 2021؛ عاد بن غفير إلى مدرسته الدينية القديمة بمناسبة عيد الاستقلال، وقال أمام حشد من الطلاب: “اعتاد الحاخام كروزر أن يخبرنا نحن الطلاب أننا سنصل يومًا ما إلى مواقع نفوذ. لسنوات؛ نزعوا الشرعية عنا، وقدمونا كمجموعة من الكارهين الوهميين المجانين؛ لقد شوهوا مواقفنا وكذبوا وغشوا. ولكن ببطء، وبمرور الوقت، رأيت كيف تغير موقفهم تجاهنا. ربما يكون ذلك بسبب وسائل التواصل الاجتماعي، التي لم تستطع الصحافة تجاهلها. فجأة؛ يتعرض الشعب الإسرائيلي لنا، وهو ما يُعد أمرًا مذهلًا، فلطالما كان العلمانيون المتدينون يعيشون في الجنوب وفي الشمال يعيش الأشكناز، فيما كان السفارديم الحريديم هم الذين يدرسون، والحريديم هم الذين يعملون. ولكنهم الآن محاطون في كل مكان يذهبون إليه بالحب”.
بالنسبة للعديد من المراقبين؛ فإن القبول المتزايد لبن غفير وحلفائه له علاقة أكبر بتصاعد الغضب الشعبوي، وإضعاف الجناح اليساري الإسرائيلي. في سنة 1977، بعد سنوات من حكم حزب العمال، وصل حزب الليكود إلى السلطة لأول مرة؛ حيث قام رئيس الوزراء، مناحم بيجن، بموازنة القومية المتحمسة مع احترام القضاء، وحذا جيل من السياسيين المحافظين حذوه؛ بما في ذلك نتنياهو، الذي انضم إلى الحزب في سنة 1988. ولكن سرعان ما بدأ نتنياهو في الاستفادة من العداء المتزايد لما أسماه “النخبة”: اليساريون والقضاة والأكاديميون والصحافة. فبعد مقتل رابين؛ انهار اتفاق السلام الذي وقعه، ومع نمو المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة، نمت كذلك الهجمات الإرهابية الفلسطينية، وبدأ عدد متزايد من الوسطيين يتفقون مع حجة اليمين القائلة بأنه “لا يوجد شريك للسلام”. ومع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، تعمقت الانقسامات، أو على الأقل أصبحت أكثر وضوحًا: في أحد الاستطلاعات الأخيرة، أفاد 22 في المائة من الإسرائيليين بأنهم “يكرهون” الناخبين اليساريين.
قام بن غفير بمهنة مبكرة في تأجيج مثل هذا النوع من الكراهية. وبصفته شابًا كاهانيًا، قام بمضايقة الممثلين المسرحيين المعروفين بآرائهم اليسارية، ووزع البيض لإلقائه على المتظاهرين في المسيرات التي تفخر بمجتمع المثليين. بالنسبة لبوريم، كان يرتدي زي باروخ غولدشتاين، القاتل الجماعي في الخليل. وفي سنة 2011؛ دعا الصحافة إلى تجمع عام في تل أبيب؛ حيث ظهر مع أربعين عاملاً سودانيًا مهاجرًا. اشترى لهم جميع تذاكر دخول المسبح، وبينما كانت الكاميرات تتدحرج، سلمهم ملابس السباحة. وقال للصحفيين “أريد أن يفهم كل المدللين في تل أبيب أنه إذا ما أعطينا حقوق الإنسان للسودانيين فسوف يأتون إلى هنا”، ونادى المهاجرين ضاحكًا، باللغة الإنجليزية، “اسبح! اسبح! “
لقد كان صريحًا بشكل مدهش بشأن الغرض من هذه الدعاية؛ حيث قال لمنشور إسرائيلي للرقابة الإعلامية في سنة 2004: “أنا أستخدم معسكرات كاخ الصيفية وحفلات رابين التذكارية حتى تأتي وتقابلنا. الأيديولوجية نفسها التي لن تنجح أبدا في إخفائها”. أمضى بن غفير سنوات في تنمية الصحفيين الذين يقدمون تقارير عن المستوطنات اليهودية، ليصبحوا كما وصفه أحدهم بـ”المتطرف الأليف”، كما يحتفظ بدفتر ملاحظات به حصيلة جارية من المراسلين والأخبار التي يزودهم بها. وقال لي حاييم ليفينسون، الصحفي القديم في صحيفة هآرتس، “عندما تتعرض لضغوط من مكتب الأخبار الخاص بك للعثور على شاب على قمة تل” – وهو لقب لأكثر المستوطنين تشددًا – “تحدث مع إيتمار”. في السنة الماضية، خلال موجة من الهجمات المميتة؛ تلقى بن غفير وقتًا على الشاشة على شاشة التلفزيون أكثر من أي عضو آخر في الكنيست، باستثناء رئيس الوزراء.
قال ميخائيل مانيكين، الناشط اليساري المخضرم، إن بن غفير “كان يدرك دائمًا أن كل شيء كان نوعًا ما من الاستعراض”، وأضاف مانيكين أن العديد من الليبراليين الإسرائيليين أخذوا هذا بمعنى أنه لم يكن أيديولوجيًّا، “لكن حقيقة أنه يستطيع المزاح معك لم تجعله أقل خطورة”، وعندما أحضر مانيكين مجموعات للقيام بجولة في الخليل، ظهر بن غفير بانتظام لمواجهتها؛ قال مانيكين: “كان يرمي البيض ويسبنا ويصرخ علينا، وبعد ذلك، عندما تنتهي الجولة ، كان يأتي إليّ مبتسمًا ويسأل:”إذن، متى ستعود مرة أخرى؟ “
في كانون الأول/ديسمبر الماضي، سافرتُ إلى أوروبا لمقابلة جلعاد ساد، الذي نشأ على يد تيران بولاك، اليد اليمنى لكاهانا، وعمل لسنوات كواحد من أقرب المقربين لبن غفير، والذي طلب مني عبر الهاتف، قبل لقائنا، عدم الكشف عن مكانه بالضبط، فهو لم يزر “إسرائيل” منذ أربع سنوات، وقال: “إذا وطأت قدماي القدس، فإنهم سوف يكسرون عظامي”،
وأوضح أنه بإشارته إلى “هم” فإنه يعني الذين كانوا أعضاء سابقين في كاخ وينتمون الآن إلى فروع أخرى، بما في ذلك مجموعة ليهافا المناهضة للاندماج، التي أسسها بنتزي جوبشتاين، وهو كاهاني يعتبره بن غفير “صديقًا عزيزًا” (رفض جوبشتاين التعليق على هذا المقال).
التقيت أنا وساد في مقهى في الطابق السفلي، وقد وصل وهو يبدو وكأنه واحد من آلاف الإسرائيليين في رحلة ما بعد الخدمة العسكرية في جميع أنحاء العالم، الشعر الأجعد الأشعث، واللحية الخفيفة، وملابس التنزه، والقرط المبتذل، ولم تكن هناك مؤشرات على حياته السابقة – الكيباه الكبيرة المطرزة والجوارب الطويلة التي تميز مستوطنين الضفة الغربية -.
سألتُ ساد لكم من الوقت عرف بن غفير، الذي يكبره بعشر سنوات، فقال “منذ أستطيع التذكر، لقد كان مثل الأخ الأكبر بالنسبة لي.”، وقد كان بن غفير أيضًا رئيسه، فقد اعتاد أن يدفع لساد وغيره من الفتيان المراهقين حوالي ستين دولارًا مقابل ليلة كاملة من رسم شعارات بالرش، وقال ساد إنه شجع أيضًا مثل هذه “الأنشطة” اللامنهجية، مثل قطع إطارات السيارات وتحطيم الزجاج الأمامي للسيارات (ينفي بن غفير ذلك)، وقد حدثت معظم الأحداث في الأحياء العربية في القدس الشرقية والخليل، لكن في بعض الأحيان استأجر الأولاد سيارة وانتقلوا من مدينة إلى مدينة في نوبة من التخريب. شغّل ساد لي تسجيلاً أكد فيه رجل لا يزال مقربًا من بن غفير أنه دفع له أيضًا مقابل الكتابة على الجدران عندما كان في سن المراهقة، وقال الرجل مازحًا: “عندما تحدثنا عن المال، اعتاد إيتمار أن يقول إن كل ما حصل عليه مقابل العمل في بنتزي هو شاورما”. (أنا أحجب اسمه لأنه كان قاصرًا في ذلك الوقت).
وأخبرني ساد أنه بعد فترة وجيزة من عمله في بار ميتزفه، أرسله بن غفير ليرش كتابات كاخ على الجدران في تقاطع مركزي في القدس، وتم اعتقاله ونقله إلى غرفة التحقيق التابعة للشرطة بوسط المدينة، ولكن عندما أعطى المحقق اسمه، قيل له: “لا يوجد أحد اسمه جلعاد بولاك في النظام”، اعتقد المحقق أنه لم يكن متعاونًا، فشرع في ضربه، كان ذلك عندما علم ساد أن بولاك لم يكن اسم ولادته، وأنه تم تبنيه، وكان والده البيولوجي فلسطينيًا.
واكتشف لاحقًا أن شريط فيديو لجمع الأموال تم تداوله داخل حركة كاخ، يظهره وهو يبلغ من العمر ثلاث سنوات، وكان الحاخام كاهانا يحتجزه، في الفيديو يخبر كاهانا أحد المتبرعين الأمريكيين: “لا شيء يمكن أن يثبت أهمية ما نقوم به أكثر من هذا الطفل الصغير هنا. كان بإمكانه الآن إلقاء الحجارة على اليهود، لو لم نأخذه هو ووالدته بعيدًا” من قرية عربية، يمكن بعد ذلك رؤية المتبرع – عالم آثار توراتي يدعى فينديل جونز – وهو يسلم كاهانا شيكًا، وعرض بن غفير مقطع الفيديو هذا في الذكرى السنوية لكاهانا مؤخرًا في سنة 2017.
أدت الأخبار المتعلقة بأصول ساد إلى جعله أكثر تطرفًا، وترك المدرسة بعد الصف التاسع؛ حيث قال: “فجأة، أصبح لديَّ عشرون ملفًا عند الشرطة للكتابة على الجدران، وعشرون ملفًا لتدمير الممتلكات”، وأضاف أن بن غفير استغل حماسه.
في سنة 2001؛ أعلن حزب الله أن لديه مقطع فيديو يوثق أسره لثلاثة جنود إسرائيليين مسلحين قبل سنة، وقد كان لدى الأمم المتحدة أيضًا مقطع فيديو يتعلق بالاختطاف، لكنها رفضت في البداية تسليم نسخة غير محررة إلى “إسرائيل”. غضب الكثير في اليمين الإسرائيلي، وفي إحدى الليالي في ذلك الصيف، وبحسب ساد، فقد طلب منه بن غفير أن يحضر قناع تزلج، ثم اصطحبه بالسيارة إلى قاعدة للأمم المتحدة في القدس الشرقية، وقام بن غفير بإنزاله بالقرب من الزاوية وسلمه قاطعًا للأسلاك، مشيرًا إلى المكان الذي يمكنه اختراق السياج دون أن يُقبض عليه، أخبرني ساد “لقد أرسلني لاقتحام قاعدة للأمم المتحدة في القدس وتدمير سياراتهم”.
أضاف ساد: “كنت في الرابعة عشرة من عمري! كان يمكن أن أُقتل!” (قال أحد مساعدي بن غفير إن ساد اختلق هذه الرواية بدافع العداء الشخصي)، وداخل المجمع، كما يقول ساد، قام بثقب إطارات أي سيارة يمكنه العثور عليها ورسم شعارات بالرش: “اطردوا الأمم المتحدة” و”كاهانا على حق”، وعندما عاد وجد بن غفير ينتظر في سيارته البالية، وموسيقى الحسيدية تنطلق من مكبرات الصوت، وسأل ساد متلهفًا: “ماذا حدث؟ ماذا حدث؟ “
لم يستطع كاريف، مسؤول الشاباك السابق، تأكيد عملية الاقتحام، لكنه قال إن الأمر بدا وكأنه من صنع “إيتمار الكلاسيكي”، فيما أبقى الكاهانيون أنفسهم على مسافة بينما يقوم القاصرون بالعمل القذر، وأوضح كاريف أنهم “كانوا يدركون جيدًا أن استجواب قاصر أمر أكثر تعقيدًا”
ومع ذلك؛ بدا كاريف مفتونًا تقريبًا بهدفه السابق؛ حيث قال: “إنني أقدر حقًا من أين أتى، ومدى صعوبة عمله، وإلى أين يتجه”، لم تكن هذه هي المرة الوحيدة التي أواجه فيها هذا التنافر، فقد كان الأشخاص الذين تحدثوا عن عنصرية بن غفير الصريحة متحمسين للحديث عن جاذبيته ولطفه الأساسي وأخلاقياته في العمل. (بعد سنوات، التقى كاريف ببن غفير في استوديو تلفزيوني وهنأه على ولادة طفله مؤخرًا، وتفاجأ بن غفير وقال: “أنتم الشاباك تعرفون كل شيء!” وأشار كاريف إلى ذراعه حيث كان هناك سوار معصم من جناح الولادة، ضحك الرجلان).
يشعر ساد بالقلق من أن دماثة بن غفير السطحية قد صرفت انتباه العديد من الإسرائيليين عن الخطر الذي يمثله، قال: “من كل ما أعرفه عن إيتمار والكاهانية، الهدف بسيط للغاية، إنه زرع الفوضى”.
ساد، الذي ترك كاخ منذ أكثر من عقد من الزمان، ويعمل الآن كمراسل في أماكن مثل أوكرانيا وكوسوفو، يوزع قصصًا للإذاعة الإسرائيلية وللمواقع الإخبارية الدولية، وفي سنة 2014، كشف عن بعض المعلومات المذهلة، وأثناء ظهوره في فيلم عن حياته، “أفضل سر غير معروف”، علم من والدته أن قصة ولادته التي ظهرت في فيديو جمع التبرعات كانت خدعة.
قالت له إن والده ليس فلسطينيا، وأنها لم “تُنقذ” قط من قرية عربية، فقد كانت أمًا شابة وحيدة من منزل تقليدي، وضغطت والدتها عليها لطلب المساعدة من حركة كاخ، وبمجرد وصولها، تم إقناعها بعمل فيديو ترويجي يمجد الحركة، قال لي ساد: “لقد استغلوها واستغلوني، هؤلاء الناس أبعد من أن يكونوا مجرد أناس خطرين، لقد تعلموا كيفية الحفاظ على نظافة أيديهم مع ترك الأرض المحروقة تحت أقدام الآخرين”.
بعد أسبوعين من الانتخابات الأخيرة، دعت سارة، زوجة نتنياهو، زوجات قادة الائتلاف الصاعدين (وجميعهم رجال) لتناول الغداء في فندق والدورف أستوريا في القدس، وانتشرت صورة للحدث على مواقع التواصل الاجتماعي
عائلة نتنياهو علمانية؛ لكن ضيوف سارة جميعًا كانوا متدينين، وكانوا يرتدون تنانير طويلة وأغطية شعر؛ مما يجعلهم عينة غير ممثلة بشكل واضح للمجتمع الإسرائيلي؛ حيث تمثل القطاعات الأرثوذكسية المتطرفة والقومية الدينية حوالي ثلاثين بالمائة من السكان.
وانتشرت الصورة على نطاق واسع لسبب آخر أيضًا، كانت أيالا، زوجة بن غفير، ترتدي مسدسًا في جراب كان مرئيًا من فوق تنورتها، وقد غردت أيالا، البالغة من العمر 35 سنةً، في وقت لاحق من ذلك اليوم “أعيش في الخليل، أم لستة أطفال حلوين، وأسافر عبر طرق يمزقها الإرهاب، ومتزوجة من أكثر الرجال تهديدًا في البلاد، ونعم ، لدي بندقية، لذا تقبل الأمر”.
بحسب الشاباك؛ هناك شيئان يميلان إلى إرضاء المتطرفين: التجنيد العسكري والزواج، وقد تخطى بن غفير التجنيد، وتزوج من شخص أكثر تطرفًا مما كان هو عليه؛ حيث التقى بن غفير مع أيالا نمرودي حوالي عام 2000، عندما كان في السادسة والعشرين من عمره وكانت في الخامسة عشرة من عمرها. كانت واحدة من الفتيات القليلات في حركة كاخ، وكانت من أنصارها المخلصين.
وقالت لموقع “واي نت” الإخباري: “صادف أن رأيت منشورًا عن كاهانا، قرأته، ووجدت العديد من الإجابات”، وبعد حوالي سنة من لقائهما، تم القبض عليها أثناء احتلالها لبؤرة استيطانية غير قانونية في الخليل، وعندما رفضت التوقيع على شروط الإفراج عنها، حضر بن غفير في المحكمة لتشجيعها، ثم تزوجا في العام التالي. قال لها: “لا أستطيع أن أعدك بالزهور والورود، لكن الاعتقالات والاحتجاجات والصحافة”، وفي مقابلة مع “واي نت”، نُشرت بعد شهر من زفافهما، سُئلت أيالا عما تنبأت به في العام المقبل، فأجابت: “أتمنى أن تكون أرض “إسرائيل” كلها لنا في العام القادم، أن نستمر في احتلالها – وأعني ضفتي الأردن وجنوب لبنان، وأن نتخلص من العرب ونرحلهم أخيرًا، ومن يحتاج منهم إلى عقوبة الإعدام، سيحصل عليها هناك”.
انتقل آل بن غفير إلى مستوطنة كريات أربع حيث استقروا في منزل في ضواحي المستوطنة المتنازع عليه في منطقة الخليل القديمة، التي أبقتها “إسرائيل” تحت السيطرة العسكرية. يعيش هناك حوالي 800 مستوطن يهودي يحرسهم أكثر من 600 جندي بالإضافة إلى 22 نقطة تفتيش وسياج من الأسلاك الشائكة. ومع تاريخ من عمليات الطعن من قبل الفلسطينيين وإطلاق النار من سيارة على طول الطريق السريع القريب، تعتبر هذه المستوطنة من بين أخطر الأماكن في الضفة الغربية. مع ذلك، عندما يتجول بن غفير في الحي يُبقي نوافذ سيارته مفتوحة “ليوضّح لهم من هو صاحب الأرض”، وذلك وفقًا لما صرّح به ذات مرة لأحد المحاورين.
يعيش في الجوار نحو 220 ألف فلسطيني في منطقة من الخليل خاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية، لكن في الجزء الذي ينتمي إليه بن غفير من البلدة يُمنع الفلسطينيون من القيادة عبر العديد من الطرق، ومُنعوا حتى من المشي في الشوارع التي تم تصنيفها على أنها “غير خصبة”. وعندما زُرت المنطقة مؤخرًا، وجدت ملصقًا عند مدخل الحرم الإبراهيمي مدون عليه: “حان وقت بن غفير”.
كنت أتجول مع ناشط فلسطيني يدعى عيسى عمرو عندما حذّره جندي إسرائيلي من السير على الطريق المخصص لليهود. وقد سمح لي الجندي أخيرًا بالانضمام إلى عمرو على الجانب الفلسطيني من الطريق الذي كان غير ممهد وتنتشر على قارعته القمامة، وهو ما يشكل الصور التي تتبادر إلى الذهن عندما يتحدث الناس عن كون “إسرائيل” دولة فصل عنصري. وتعتبر الخليل في الحقيقة مدينة نائية حتى بمعايير الاحتلال الإسرائيلي: فهي المدينة الفلسطينية الوحيدة التي تتوسطها مستوطنة يهودية وما يثير القلق بين معارضي الحكومة الجديدة هو أن بن غفير وغيره من القوميين المتطرفين سيجلبون ما يسميه عمرو “إضفاء الطابع الخليلي” على البلاد بشكل عام.
يقيم عمرو (24 سنة) في الخليل، وفي طفولته كان شارع الشهداء، الشارع الرئيسي في المدينة، يعجّ بالمتسوقين لدرجة أن “والده كان عليه أن يمسك ذراعه عندما يعبران”؛ والآن ترددت خطواتنا بينما كنا نسير في منتصف الشارع. بعد مذبحة غولدشتاين في سنة 1994، تم إغلاق 1200 متجرًا وسوقًا يملكها فلسطينيون على طول شارع الشهداء والشوارع المجاورة بأمر عسكري. وبعد ذلك، ظلت تفوح في الشارع رائحة الفاكهة والخضروات التي تركها التجار وراءهم لأسابيع، ليبقى الشارع مقفرا منذ ذلك الحين. يقول عمرو إن الأعمال العدائية تجاه الفلسطينيين كانت تنبع في الغالب من المستوطنين، لكن منذ الانتخابات الأخيرة أصبح الجنود الإسرائيليون وضباط الشرطة عدوانيين بشكل متزايد.
قبل عشرة أيام من زيارتي، أوقف جنديان مجموعة من نشطاء السلام الإسرائيليين الذين كانوا يتجولون في المنطقة؛ حيث تصدى أحد الجنود لأحدهم ولكمه في وجهه وضرب ظهر الرجل بسلاحه الناري. كان عمرو هناك وقام بتصوير الحادث، في حين قال له الجندي الآخر: “بن غفير سوف يرتب هذا المكان، لقد انتهى أمرك”، (في الأسبوع الماضي، واجه جندي عمرو أثناء حديثه مع اثنين من الصحفيين الأجانب، وأمره بحذف مقطع فيديو لتبادل الآراء بينهما؛ وعندما رفض أمسكه الجندي من عنقه وألقى به على الأرض وركله).
في كانون الأول/ ديسمبر، اقترح بن غفير مشروع قانون يمنح الجنود حصانة من الملاحقة القضائية. وقبل فترة وجيزة، كان قد لوّح بمسدس تجاه مثيري الشغب في القدس الذين ألقوا الحجارة بالقرب منه، وقال للجنود في مكان الحادث: “إذا رموا الحجارة، أطلقوا النار عليهم”.
لا يتسامح نتنياهو كثيرا مع المشرعين الذين يُنظر إليهم على أنهم غير موالين بشكل كاف، لكن بن غفير يعامله باحترام، وهو ما أكده لي كرومبي استراتيجي الحملة السابق، قائلًا: “بن غفير معجب به بشكل حقيقي”. وفي الصيف الماضي، استدعى نتنياهو أعضاء من اليمين المتطرف إلى قمة غير رسمية في قيسارية حيث يعيش. وقد كشف نتنياهو عن شروط التحالف بين بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، المستوطن وزعيم الصهيونية الدينية، وذلك بينما كان أربعة من أطفال بن غفير يتجولون حول المسبح. قال كرومبي إن الرجلين “كان من المفترض أن يكونا الفريق الفائز في معسكر يمين اليمين”. وقد استطاع سموتريتش – الذي يدعو إلى ضم الضفة الغربية والذي قال ذات مرة إنه يجب فصل أقسام الولادة في “إسرائيل” – اجتذاب رجال أعمال من الأشكنازي يرتدون ملابس الكيباه في الضواحي والمستوطنات، بينما ناشد بن غفير الناخبين الملتزمين في بلدات التنمية والمدن المختلطة في “إسرائيل”.
لكن هذا التحالف لم يكن سوى تحالف تكتيكي، إذ انقسم الحزبان بعد فترة وجيزة من الانتخابات. حدث ذلك – كما ورد – بسبب تضخم “أنا” قادته: طالب سموتريتش بأن يكون الزعيم الرسمي للتحالف بينما شعر بن غفير بأنه الأحقّ به. وقال كرومبي، وهو صديق لكلا الرجلين، إن سموتريتش قضى سنوات في تقديم نفسه على أنه ممثل النخبة الجديدة المثقفة والفخورة للمعسكر الديني القومي، و”لم يكن يعرف ما الذي أصابه” عندما بدأت شعبية بن غفير في التنامي. كان سموتريتش يمثل كتلة المستوطنين الطارئة، وهي كتلة انتخابية عالية التنظيم. قال كرومبي إنه شعر أن بن غفير جره إلى هامش المجتمع. (الأمر أشبه باتحاد حزب الشاي والفتيان الفخورين).
وفقًا لبيانات معهد الديمقراطية الإسرائيلي، التي تم جمعها بعد فترة وجيزة من الانتخابات، قال 78 في المائة من ناخبي التحالف إنهم يفضلون بن غفير على سموتريتش، وربما شعر نتنياهو بنفس الشيء. كتب يوسي فيرتر، كاتب عمود في صحيفة هآرتس، في تشرين الثاني/ نوفمبر أن نتنياهو لا يقلق بشأن بن غفير “المصاب بهوس إشعال الحرائق”، مقارنة بسموتريتش، “المصاب بجنون العظمة”. (قال مسؤول أمريكي إن إدارة بايدن “لا تتعامل” مع بن غفير، على أمل أن يتمكن نتنياهو من التحكم في تصرفاته).
في عرض كوميدي شهير، يتم تقديم بن غفير على أنه كلوتز ودود. أخبرني أومري ماركوس، الكاتب السابق للعرض: “لديك خياران مع متطرفين مثله، إما أن تقدمه على أنه دمية دب محشو، أو متعصب مخيف للغاية” – وكان القرار واضحًا وهو تصوير بن غفير على أنه دمية وسموتريتش هو المتعصب. يشاطره هذا الوصف كاريف، الذي تتبع أنشطة الرجلين خلال أوائل الألفينات. لقد افترض مؤشرًا للتهديدات – مستعارا من مؤشر تحتفظ به إدارة الشاباك التي تتعامل مع “الإرهاب غير العربي” – حيث تكون أعمال مثل تخريب الأماكن المقدسة وتصاعد الهجمات الإرهابية على الفلسطينيين على رأس مقياس من واحد إلى عشرة، وحسب هذا المقياس حصل بن غفير على ثلاثة، وسموتريتش على سبعة، وفقًا لما قاله.
في سنة 2005، انسحبت حكومة أرييل شارون، رئيس الوزراء المتشدد، من جانب واحد من قطاع غزة بعد سنوات من الهجمات التي شنتها المقاومة الفلسطينية. اعتبر المستوطنون اليهود، الذين يؤمنون بحق “إسرائيل” الإلهي في الحكم من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط، هذه الخطوة كارثةً لكن معظمهم استجابوا لإخلاء المستوطنات بقليل من العنف. قال كاريف: “كان الجدل الكبير آنذاك بين الحاخامات هو ما إذا كان سيكون الإجلاء طوعيًا أو قسريًا”. مع ذلك، قامت خلية صغيرة من المستوطنين المتشددين بالتخطيط لأعمال شغب والتحريض على الفتنة التي يزعم أن سموتريتش شارك فيها، وفقًا لمسؤولين أمنيين.
في آب/ أغسطس من تلك السنة، قاد كاريف عملية اعتقلت فيها القوات الخاصة سموتريتش مع أربعة مشتبه بهم آخرين في منزل بالقرب من مستوطنة بتاح تكفا. أخبرني كاريف: “كان لديهم تنكات مليئة بالبنزين والزيت المحترق من المرائب القريبة”، إلا أنه لم يحدد ما كانت خطتهم. لكن إسحاق إيلان، الذي أشرف على استجواب سموتريتش، قال في سنة 2019 إن المجموعة كانت تنوي إشعال النار في السيارات على طول طريق سريع في تل أبيب. (من جهته، نفى سموتريتش الذي رفض إجراء مقابلة معه بخصوص هذا المقال هذه المزاعم؛ وقال متحدث إنه اعتُقل بسبب تنظيمه مظاهرة وإغلاق الطرق، وأطلِق سراحه دون توجيه تهم إليه. وقد توفي إيلان في سنة 2020). وفي النهاية، اختار الشاباك عدم رفع القضية إلى المحكمة خوفًا من فضح أساليب الوكالة في جمع المعلومات الاستخبارية.
في غضون ذلك، حاول بن غفير الانضمام إلى مستوطني غزة قبل الإخلاء. لكن وفق ساد الذي كان جزءًا من الوفد المرافق لبن غفير في الرحلة، اعتبر المستوطنون الكاهانيين رعاع ومحرضين، مضيفا “لقد حولوا الرشاشات علينا”. عندما أصبح الإخلاء وشيكا، استولت المجموعة التي ضمت بن غفير وزوجته وبنتزي جوبشتاين على فندق مهجور مملوك لليهود على شاطئ غزة، ومكثت هناك لعدة أشهر، وكتبوا بجوار المسبح الفارغ “الموت للعرب”.
وفي الأسابيع التالية، انضم إليهم المتعاطفون ليصل عددهم إلى 150. وقد داهمت الشرطة ذلك الفندق أخيرًا في عملية مترامية الأطراف شارك فيها 600 ضابط، إلا أنه لم يتم العثور على بن غفير وأيالا في أي مكان، وفقا لساد الذي تابع قائلا: “لقد ذهبوا للتسوق قبل ساعتين”، مضيفًا أنه لم تكن هذه المرة الوحيدة التي يختفى فيها بن غفير في وقت حرج، فقد أثار هذا احتمال أن يكون بن غفير قد تعاون مع الشاباك وتم إبلاغه بشأن الغارة.
نفى بن غفير لسنوات الشائعات حول تعاونه مع الشاباك. وفي جلسة للكنيست في سنة 1999، فيما يتعلق بأنشطة عملاء الشاباك، قرأ مشرّع يميني يدعى بيني إيلون بصوت عال أمام اللجنة أقوال إيجال عامير، قاتل رابين، الذي أفاد بأنه قيل له إن بن غفير يريد قتل رابين نفسه. وقد سعى إيلون إلى طمأنة الدولة بأن الشاباك لم ينشر “عملاء استفزازيين”.
كشف الشاباك بعد مقتل رابين أنه نشر عميلًا واحدًا على الأقل بين صفوف اليمين المتطرف، وهو أفيشاي رافيف، الذي أطلق عليه الاسم الحركي شامبين. تحدث وزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان في مقابلة إذاعية في سنة 2019 عن حزب بن غفير. قال ليبرمان اليميني الذي هاجر من الاتحاد السوفيتي السابق، “هل إيتمار بن غفير كما يقدم نفسه، أم هو نوع جديد من الشمبانيا؟”، قبل أن يختم “لست متأكدًا على الإطلاق”. قام بن غفير بمقاضاته على الفور قائلا: “إذا كنت عميلًا في الشاباك، فإن ليبرمان يعمل في وكالة كي جي بي”. (وقد احتمى ليبرمان بالحصانة البرلمانية).
سألتُ كريف عن مدى صحة الشائعات حول تورّط بن غفير مع الشاباك، فأجاب: “حتى مع إيقاف التسجيل، لن أخبرك ما إذا كان ذلك صحيحًا أم لا”. لكني عندما تطرقتُ إلى مقابلة ليبرمان الإذاعية، وقلتُ: “وزير الدفاع ألمح إلى ذلك”، أردف كريف “وزوجة رئيس الوزراء”.
في سنة 2020، بينما كان نفتالي بينيت يشغل منصب وزير الدفاع، كتبت زوجته جيلات على فيسبوك أن منزلها قد تم اقتحامه، ووجّهت أصابع الاتهام إلى نشطاء حزب “القوة اليهودية”، الأمر الذي ردّ عليه بن غفير برفع دعوى قضائية بتهمة التشهير. بعد أربعة أشهر، أصدرت بيانًا مفصلًا كتبت فيه: “على الرغم من أن بن غفير يروّج لنفسه كيميني متطرف، فقد عمل لسنوات عديدة كعميل للشاباك بهدف جمع المعلومات عن نشطاء اليمين المتطرف والتحريض على المعسكر اليميني لتشويه سمعته”. لم تكشف زوجة بينيت كيف حصلت على هذه المعلومات (ورفضت عائلتها التعليق على هذا المقال). بعد شهر، توصلّت هي وبن غفير إلى تسوية خارج المحكمة، وأصدرت اعتذارًا رسميًا وسحبت ادّعاءاتها.
مع نمو سمعته على الصعيد القانوني، تمكن بن غفير من إبعاد نفسه عن الدائرة الأعمق للتطرف. ومع ذلك، لا يبدو أنه خفّف من أفكاره المتطرفة
في سنة 2015، حضر بن غفير، مرتديًا الزي الأبيض، حفل زفاف في القدس لزوجين شابين في دائرته. بعد مراسم الاحتفال، علا صوت الموسيقى، وانطلق الرجال في الرقص في انتشاء، حاملين ليس فقط العريس بل أيضًا السكاكين والبنادق وما بدا أنه زجاجة حارقة يمررونها من يد إلى يد، ثم رفع أحد الضيوف صورة لطفل، بينما طعن آخر الصورة بالسكين بشكل متكرر. كانت الصورة لطفل فلسطيني يُدعى علي دوابشة.
قبل خمسة أشهر، في قرية دوما بالضفة الغربية، ألقى مستوطنون قنابل حارقة على منزل فلسطيني، فأحرقوا الرضيع علي ووالديه حتى الموت وأصابوا شقيقه البالغ من العمر أربع سنوات بجروح بليغة. كان الكثيرون في حفل الزفاف ودودين مع مسبِب الحريق الرئيسي، الذي أُدين منذ ذلك الحين بارتكاب جريمة قتل وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وكان بن غفير محاميه. (على الرغم من أن بن غفير شوهد وهو يبتسم في مقطع فيديو من حفل الزفاف، إلا أنه أكد أنه لم يشاهد عرض الأسلحة أو صورة الطفل، التي وصفها بـ “الغباء”).
قبل انضمام بن غفير إلى البرلمان في سنة 2021، كان يشغل منصب المحامي الإسرائيلي الأول في قضايا الإرهابيين اليهود والمستوطنين ونشطاء اليمين المتطرف المشتبه بهم. أخبرني أحد المراقبين القانونيين بأنه “حرفياً محامي الشيطان”. إنه أمر غير معتاد في “إسرائيل” أن يمارس رجل ذو خمسين لائحة اتهام فردية مهنة المحاماة، وقد حصل بن غفير على رخصته فقط بعد معركة استمرت عامين مع نقابة المحامين في “إسرائيل”. ومن بين الذين قاوموا التصديق عليها يوري غيرون، رئيس نقابة المحامين آنذاك. أخبرني غيرون: “نأمل ألا تضم نقابة المحامين لصفوفها شخصا له سجل جنائي حافل، ناهيك عن شخص لم يتم إعادة تأهيله”.
لكن حتى منتقدو بن غفير يعترفون بأنه محامٍ موهوب. لم يمضِ وقت طويل على رخصته حتى دافع عن مستوطن يهودي متهم بمهاجمة رجل فلسطيني في الخليل. في المحكمة، طلب بن غفير من الشاهد الرئيسي تأكيد الادّعاء أن الشخص المتهم هو المشتبه به، فما كان من الشاهد إلا أن فعل – ثم كشف بن غفير أنه استبدل موكله برجل آخر ـ وألغى القاضي المحاكمة.
مع نمو سمعته على الصعيد القانوني، تمكن بن غفير من إبعاد نفسه عن الدائرة الأعمق للتطرف. ومع ذلك، لا يبدو أنه خفّف من أفكاره المتطرفة، حيث ورد أنه قال في سنة 2016: “أسلوبي مختلف، لكنني لم أتغير أيديولوجيًا”. أخبرني رجل يدعى دوف موريل: “لا أتذكر أن بن غفير جادل في أي وقت مضى بأنه بالخطأ أذى فلسطينيا بريئا”. كان موريل، البالغ من العمر ثمانية وعشرين عامًا، ضيفًا في “زفاف الكراهية” كما أصبح معروفًا في “إسرائيل”، وكان هو الذي رفع صورة الطفل علي. قال لي عندما التقيتُ به مؤخرًا في حرم جامعة تل أبيب، حيث يدرس القانون: “بالنظر إلى الوراء، أشعر بالرعب الآن”. كان من السهل رؤيته وسط حشد من الشباب: رجل سمين ذو لحية بنية اللون ويرتدي قلنسوة كبيرة.
بعد تسريب لقطات من حفل الزفاف للصحافة الإسرائيلية في 2015، أرسله والداه للإقامة مع أقاربه في ويسكونسن ونيوجيرسي. أخبرني هناك أنه تأثر بالمجموعات التحررية والنسوية على فيسبوك، وأعاد حساباته على مهل، وهو الآن ناشط في حزب “ميرتس” اليساري. لقد بدا صادقًا في محاولته لتذكر طريقة تفكيره في ذلك الوقت. أخبرني موريل: “كان هاينريش هيملر من الشخصيات المفضلة بالنسبة لي..أعلم أن ذلك سيشكل صدمة بالنسبة لك. لكن عندما تقرأ مذكراته، ترى رجلاً يتصارع مع الأمور الفظيعة التي كان النازيون يفعلونها، ومع ذلك لا يزال يؤمن بنظرية العرق. أنا حقًا اتفق مع ذلك، وكنت أعلم أن ما كنت أفعله كان ضارًا، لكنني اعتقدت أنه كان صحيحًا”. (في وقت لاحق، علم موريل أنه تمت إعادة كتابة اليوميات وتحريفها بشكل كبير).
في نيسان/ أبريل الماضي، أُدين موريل بالتحريض على الإرهاب مع ستة مشاركين آخرين في حفل زفاف، بما في ذلك العريس. وعلى الرغم من أنه الآن ينتمي إلى “أقصى اليسار” ـ على حد تعبيره ـ إلا أنه لا يزال يدعم الحراك الذي يدعو إلى السماح لليهود بالصلاة في الحرم القدسي – وهو الأمر الذي يُحظر عليهم القيام به حاليًا، حتى يتمكن المسلمون من الصلاة في المسجد الأقصى.
كجزء من نشاطه الديني في نفس الموقع دون المخاطرة بمواجهات عنيفة، تعرّف موريل على أيالا بن غفير، ووصفها هي وبن غفير بأنهما “شخصان رائعان يريدان القيام بأشياء فظيعة”. قال موريل إن أولئك الذين في أقصى اليمين لا يعتبرون أنفسهم متطرفين: “عندما تؤمن بأن العالم جاء بتعليمات استخدام، فعليك اتباع هذه التعليمات”.
لاقت شخصية بن غفير المتشددة على الجريمة صدى أكبر لدى مشجعي فريق كرة القدم في مسقط رأسه “بيتار يروشليم”، الذي لديه تاريخ طويل من العنصرية
في ربيع 2021، بعد شهر من انضمام بن غفير إلى البرلمان، اُختبرت ولاءاته كسياسي للمرة الأولى في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية، حيث انخرط السكان الفلسطينيون في معركة قانونية استمرت خمسة عقود للاحتفاظ بمنازلهم التي تقع على أراضٍ يطالب بها المستوطنون. في أيار/ مايو، كان من المتوقع أن تصدر المحكمة العليا الإسرائيلية حكمًا حاسمًا. وخوفًا من الطرد، خرج السكان في احتجاجات ليلية. بعد أسبوع من الاضطرابات، ظهر بن غفير، وأقام لنفسه مكتبًا، ووضع العلم الإسرائيلي، وعلّق لافتة ضخمة كُتب عليها “مكتب عضو الكنيست بن غفير” مشيرًا إلى أن الهدف هو توفير الأمن لعدد قليل من العائلات اليهودية التي تعيش هناك. بدلًا من ذلك، أثار وجوده المزيد من العنف وتبادل السكان الفلسطينيون والمستوطنون الرشق بالكراسي والحجارة. في تلك الليلة، ورد أن بن غفير تلّقى مكالمة هاتفية من مكتب نتنياهو، يحذر فيها: “إذا لم تغادر، فقد ينتهي الأمر بإطلاق حماس الصواريخ على إسرائيل”.
كان نتنياهو محقًا، حيث امتدت رقعة الاشتباكات إلى أجزاء أخرى من البلدة القديمة، بما في ذلك ساحة المسجد الأقصى الذي داهمته شرطة الاحتلال بعد ذلك. في تلك الليلة، أطلقت حماس صواريخ على القدس، وردّت “إسرائيل” بشن ضربات جوية مدمرة على غزة. لكن بالنسبة لأنصار بن غفير، كانت تلك مجرد البداية. في رسائل على واتساب وتلغرام، دعوا لمظاهرات عنيفة في المدن المختلطة في “إسرائيل”، حيث كتب غوبشتاين، حليف بن غفير: “أيها اليهود الأعزاء، نحن نرتب احتجاجًا في بات يام على الكورنيش الساعة 5 مساءً”. وانتهى هذا الاحتجاج بمحاولة قتل رجل عربي. في اليوم التالي، أدلى قائد الشرطة الإسرائيلية بتصريح مباشر ومقتضب صاعق: “المسؤول عن هذه الانتفاضة هو إيتمار بن غفير… لا تستطيع الشرطة التعامل معه”.
جلبت الانتفاضة إلى الواجهة مصطلحًا يفضله بن غفير: “مشيلوت” أو “الحوكمة”. في المقابلات، تحدث عن النساء اللواتي كن يخشين السير في الشوارع، وينتقدن إحراق المزارع اليهودية. وبينما كان نتنياهو يتحدث عن تكلفة المعيشة، ركّز بن غفير على مخاوف وتحيزات الإسرائيليين الذين اشتكوا من أن بناتهم لم يتمكنّ من زيارة المول خوفًا من التعرض للمضايقات. وسرعان ما بدأ المواطنون القلقون بشأن قضايا القانون والنظام في رؤيته كبديل مناسب للمؤسسة، وارتفع دعمه حتى في الكيبوتسات الإسرائيلية، التي كان يُنظر إليها منذ فترة طويلة على أنها معاقل يسارية، خاصةً بعد تصاعد وتيرة عمليات القتل من قِبل مسلحين فلسطينيين في السنة الماضية.
نجحت حملة “مشيلوت”؛ ففي استطلاع للرأي أجرته هيئة الإذاعة العامة الإسرائيلية قبل الانتخابات الأخيرة، قال 84 بالمئة من الناخبين إنهم “غير مهتمين” بعلاقة بن غفير بكاهانا. لكن بالنسبة لمنتقديه من اليسار، كانت “الحوكمة” رمزًا للأغلبية التي تمارس السلطة بأي طريقة تراها مناسبة. وكتب حاييم ليفينسون في صحيفة “هاآرتس” أن هدف بن غفير هو تخصيص موارد الشرطة من خلال مؤشر قومي، وليس مؤشر الجريمة”. وحسب بن غفير، فإن “الرجل البدوي الذي يغتصب فتاة صغيرة هو أسوأ عدة مرات من أي رجل آخر يقوم بنفس الفعل”، وتابع ليفنسون: “هذه هي نظريته كلها”.
لاقت شخصية بن غفير المتشددة على الجريمة صدى أكبر لدى مشجعي فريق كرة القدم في مسقط رأسه “بيتار يروشليم”، الذي لديه تاريخ طويل من العنصرية، ولم يضم أي لاعب عربي حتى 2013، عندما أحضر الفريق لاعبين مسلمين من الشيشان. ردًا على ذلك، ورد أن رجلين من رابطة مشجعي الفريق “لا فاميليا” أشعلوا النار في مكاتب الفريق وغرفة الكأس. قد يكون من الصعب تمييز “لافاميليا” عن العصابة، ففي سنة 2016، أدّت عملية سرية للشرطة إلى اعتقال 52 عضوًا للاشتباه في ارتكابهم أعمال عنف متصاعدة وتجارة أسلحة.
أدت الحكومة الإسرائيلية الجديدة اليمين وسط تصاعد هجمات العنف، حيث أسفرت سلسلة من الهجمات من قبل الفلسطينيين إلى غارات عسكرية إسرائيلية في أنحاء الضفة الغربية المحتلة
تعود علاقة بن غفير بالنادي إلى سنوات مراهقته، وغالبًا ما يُشاهَد وهو يرتدي وشاح الفريق باللونين الأسود والأصفر. بعد أسبوعين من الانتخابات، ذهب إلى ملعب في القدس ليشاهد مباراة نادي بيتار ضد اتحاد أبناء سخنين، وهو ناد من بلدة عربية شمالية. للمواجهات بين الفريقين تاريخ عنيف لدرجة أن معجبيهم مُنعوا لسنوات من السفر إلى مباريات تنظم خارج أراضيهم. انضم الآن أحمد الطيبي، مشرع عربي، إلى الجماهير في مدرجات سخنين. ومن مقعده، شاهد مقاطع فيديو تيك توك مثيرة للجدل على هاتفه، تظهر بن غفير في المنصة الشرقية، وهي مخصصة لقادة بيتار المتعصبين. كان يبتسم لالتقاط صور سيلفي مع المتفرجين، فيما تردد صدى هتاف في الملعب: “أحمد الطيبي في عداد الموتى!” كان الطيبي عضوًا في الكنيست لمدة 23 سنة، وشغل منصب نائب رئيس الكنيست. وفي سنة 2021، لم يستخدم بن غفير، في إحدى خطاباته الأولى أمام البرلمان، عبارة “السيد” الرسمية عند الحديث عن الطيبي عندما طلب منه أن يلتزم الهدوء.
صرخ بن غفير في وجهه: “من أنت؟ أنت إرهابي! أنت تنتمي إلى برلمان سوريا، وليس هنا! “. أجاب الطيبي: “غير مهذب! متنمر! اخرجوه من هنا!” بينما عاد إلى الخلف أثناء محاولة حراس الأمن إبعاد بن غفير، الذي تشبث بالمنصة.
في كانون الثاني/ يناير، التقيت بالطيبي في مكتبه في الكنيست. تحدث بهدوء، لكن صوته ارتفع عندما ذكرت اسم بن غفير الذي نعته “بالمتلاعب الرخيص”. أراد التوضيح أن العداوة بينهما لا تنبع من الاختلافات الدينية. لدى الطيبي ما يُعرف في السياسة الإسرائيلية بـ”تحالف الأقلية” مع المشرعين الأرثوذكس المتطرفين. ومن الشائع رؤية خصوم سياسيين في الكنيست يتبادلون عبارات لطيفة في الكافتيريا أو في القاعات. ولكن عند الحديث عن بن غفير، قال الطيبي، “هناك كراهية حقيقية”.
كان حزب الطيبي ينتمي إلى تحالف في المعارضة خلال الحكومة الأخيرة، الذي أصبح يُعرف باسم ائتلاف “التغيير”. ساعد تحالفه في التعجيل بحل الحكومة، وبالتالي عجّل بعودة نتنياهو. سألت الطيبي عما إذا كان يشعر بالمسؤولية الجزئية عن نتائج الانتخابات الأخيرة، لكنه تجاهل السؤال. وقال “قُتل عدد أكبر من الفلسطينيين في ظل حكومة التغيير أكثر من الحكومة السابقة”. بالنسبة للطيبي، هناك الآن مسألتان تحظيان باهتمام بالغ: تتعلق الأولى بمحاولات بن غفير الأخيرة لجعل الأوضاع المعيشية للفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية متدهورة، والثانية مكانة المسجد الأقصى. في سنة 2000، دخل أرييل شارون، بصفته زعيم المعارضة، إلى الحرم المقدس مما ساهم في اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية. وقد أعرب الطيبي عن قلقه من اندلاع انتفاضة ثالثة في وقت قريب. وحذر الطيبي من أنه إذا حاولت الحكومة الجديدة تغيير الترتيبات الأمنية الهشة التي تحكم الموقع منذ سنة 1967، “يمكن أن تندلع اضطرابات في كامل المنطقة”.
أدت الحكومة الإسرائيلية الجديدة اليمين وسط تصاعد هجمات العنف، حيث أدت سلسلة من الهجمات من قبل الفلسطينيين إلى غارات عسكرية إسرائيلية في أنحاء الضفة الغربية المحتلة. استمرت المداهمات حتى السنة الجارية، عندما قتلت القوات الإسرائيلية تسعة فلسطينيين، الذين قال الجيش إنهم من النشطاء، ومن بينهم امرأة مسنة داخل مخيم جنين للاجئين. في هذا السياق، نشر ألموغ كوهين، النائب عن حزب القوة اليهودية، رمزًا تعبيريًا لفزاعة ذو الرأسين وملاحظة تشجيع: “استمر في قتلهم”.
يقول بن غفير الآن إنه سيعمل على منح تراخيص أسلحة للمواطنين الإسرائيليين
بعد ذلك بوقت قصير، قتل فلسطيني مسلح سبعة يهود إسرائيليين بالرصاص خارج كنيس يهودي في القدس، قبل أن تقتله الشرطة. وصل بن غفير، الذي تم تنصيبه حديثا وزيرا للأمن القومي، إلى مكان الحادث في تلك الليلة مرتديا قميصا أبيض وسترة. وعند وصوله صرخ رجل باكيا “تعامل معهم، إيتمار – لقد صوتنا لك!”. بهدف مواساة الشهود، كرر بن غفير ثلاث مرات أنه ترك “مائدة السبت” لعائلته ليكون حاضرا. يبدو أنه يُريد أن يُشكر على جهوده. ومن دون تقديم كبش فداء كالمعتاد على غرار بينيت والوزراء اليساريين والطيبي والصحافة الليبرالية والأمم المتحدة – بدا في حالة ارتباك.
لكن في غضون 24 ساعة من إطلاق النار، عثر بن غفير على الجاني: المدعي العام الإسرائيلي، إذ أخبر الصحفيين بأنه لم يتصرف بالسرعة الكافية للسماح بإغلاق منزل الإرهابي، الأمر الذي يعتبره بعض المسؤولين الأمنيين رادعا للمهاجمين المحتملين الآخرين. كتبت أيالا بن غفير افتتاحية لموقع إخباري لمجتمع المستوطنين، تشكو من أنه بينما كان زوجها “يعمل بجهد أكبر مما كنت أعتقد أنه ممكن”، كان المستشارون القانونيون للحكومة “يناقشون ما إذا كانوا سيشربون نسبريسو أو إسبرسو”.
على الرغم من أن سلف بن غفير من حزب العمل قد عمل على تقييد الحصول على الأسلحة، يقول بن غفير الآن إنه سيعمل على منح تراخيص أسلحة للمواطنين الإسرائيليين. كان التحالف السابق قد أطلق برنامجًا مدته خمس سنوات خصص ما يقارب عشرة مليارات دولار للجاليات العربية في “إسرائيل”، والتي عانت سنوات من الإهمال الحكومي. اقترح حزب بن غفير أنه سيعمل على إلغاء البرنامج، مشيرًا بدون دليل إلى أن “مبلغًا كبيرًا” من الأموال قد ذهب لتمويل الإرهاب والجريمة.
لكن بن غفير لم يحرز تقدما كبيرا على المستوى السياسي. وبدلاً من ذلك، قام كالعادة بالتركيز على الرموز: فقد أغلق أفران الخبز الخاصة بالسجناء الفلسطينيين (التي كانت تعمل لأن عربات توصيل الخبز كانت تستخدم لتهريب البضائع)، ثم نشر مقطع فيديو على تيك توك وهو يستمتع بتناول خبز عربي طازج. بعد عملية إطلاق النار على الكنيس، أمر بوضع الأسرى الفلسطينيين في الحبس الانفرادي. وردا على ذلك، أطلق نشطاء في غزة صواريخ على “إسرائيل” تحمل رسائل للأسرى.
لم يؤد إصلاح القضاء إلا إلى زيادة حدة الانقسامات في البلاد. وسيمنح الكنيست، من بين أمور أخرى، القدرة على إبطال قرارات المحكمة العليا بأغلبية بسيطة، ويسمح للحكومة بالسيطرة على لجنة تعيين القضاة. في هذا السياق، صرح آدم شينار، أستاذ القانون الدستوري في جامعة رايشمان، “هناك قلق من أن تقوم الأغلبية السياسية غير المقيدة بما تريد. وبالطبع، من سيكون الضحية؟ ربما الفلسطينيين، والنساء بشكل عام، وطالبي اللجوء، والمواطنين الفلسطينيين الإسرائيليين، ومجتمع الميم، والأقليات الدينية، وحركة الإصلاح، والمحافظين”. بعبارة أخرى، أوضح شينار أن الجماعات التي لا تثق باللوبي المسيطر على الكنيست، تضع الكثير من الآمال على نظام المحاكم. ذكرت أن الليبراليين أثاروا مثل هذه المخاوف في الماضي، وتساءلت عما إذا كان من الممكن أن تكون مثل استغاثات زائفة من ذئب كاذب. في هذا الصدد، قال شينار “ما ينساه الناس هو أن الذئب ينقض في نهاية المطاف على فريسته”.
كان نتنياهو نفسه قد أصدر تحذيرًا مماثلاً في سنة 2020، قائلاً إن الإخلال بالوضع الراهن في الموقع يمكن أن “يطلق العنان لمليار مسلم علينا”.
على نحو متزايد، انهالت انتقادات لاذعة من اليمين. قال المدعي العام السابق لنتنياهو، أفيخاي ماندلبليت، في مقابلة إن الإصلاح هو “أخطر شيء يمكن أن يحدث”. أظهر استطلاع للرأي نشرته القناة 12 أن 62 في المائة من الإسرائيليين يريدون وقف أو تأخير الإصلاح، بينما أراد 24 في المائة فقط المضي قدما في الإصلاح. حذر الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، في خطاب ألقاه في 12 شباط/فبراير، قائلا: “نحن على وشك مواجهة انهيار دستوري واجتماعي”. في اليوم التالي، خرج مائة ألف متظاهر أمام الكنيست مرددين “ديمقراطية!”. في الداخل، أقرت لجنة تشريعية تسيطر عليها الحكومة أول مقترحات الإصلاح.
في ظل هذه الاضطرابات، وصلت رسالة مؤخرًا إلى مكتب بن غفير ناشد فيها رافائيل موريس، الناشط في حركة جبل الهيكل، بن غفير للسماح لليهود بالصعود إلى الموقع المقدس في عيد الفصح وتقديم القرابين. تعتبر الطقوس، التي كانت تمارس في العصور القديمة، متطرفة لدرجة أن قلة من الطوائف تسمح بممارستها. ومن خلال توجيه رسالة لبن غفير، يشير موريس إلى “أهمية الطقوس التي يدركها بن غفير جيدا من خلال نشاطه السابق”. أخبرني موريس أنه غير متأكد من رد بن غفير. وكان دوف موريل، الذي دافع عن هذه القضية، مصرا على أن بن غفير “لن يأذن بذلك أبدا” تحت الضغط الذي يمكن أن يُسلط عليه من أجل الامتثال للمعايير الحكومية.
يؤيد هذا الرأي آخرون في “إسرائيل”. وقد حدثني رينو زرور، الصحفي الذي يغطي تطورات اليمين المتشدد، عن تقرير موجز قدمه بن غفير بعد انفجار قنبلتين في القدس، مما أسفر عن مقتل شخص وإصابة حوالي عشرين آخرين. عند مناقشة الهجمات، ميز بن غفير بين “إسرائيل الصغيرة” و”يهودا والسامرة”، المصطلح التوراتي للضفة الغربية. لقد كانت إشارة سريعة، لكن “بن غفير كما عهدناه في السابق” لم يكن ليتطرق إليها حسب بن زرور. كان بعض القادة العرب مستعدين لحجب الأحكام. في مقابلة تلفزيونية بعد الانتخابات، قال فايز أبو صهيبان، رئيس بلدية رهط، المدينة ذات الغالبية البدوية في النقب: “ربما سيفعل أشياء لم يفعلها الآخرون”.
وفي الفترة القصيرة التي أمضاها بن غفير في المنصب، يبدو أنه يشعر بالاستياء في الغالب من حدود منصبه. في احتفال انتقالي في رأس السنة الجديدة، نعت سلفه بأنه “بلا شك الوزير الأفشل على الإطلاق”. في منتصف ليلة الثالث من كانون الثاني/يناير، قصد الميكفاه أو الحمام التعبدي. وعلى الساعة السابعة من صباح اليوم التالي، سار في الحرم القدسي محاطاً بالأمن والشرطة. وسرعان ما أدان العالم العربي والولايات المتحدة وتركيا زيارته التي استغرقت ثلاثة عشر دقيقة. ووصفته وزارة الخارجية الفلسطينية بأنه “اعتداء صارخ”.
كان نتنياهو نفسه قد أصدر تحذيرًا مماثلاً في سنة 2020، قائلاً إن الإخلال بالوضع الراهن في الموقع يمكن أن “يطلق العنان لمليار مسلم علينا”. لكن بن غفير أكد أنه حصل على موافقة رئيس الوزراء قبل القيام بالزيارة. وقال في مقطع فيديو إن جبل الهيكل “مفتوح للجميع، والمسلمون والمسيحيون يأتون إلى هنا، ونعم اليهود أيضًا”. وأضاف محدقا بالكاميرا وهو يسير في المجمع: “في حكومة أنا عضو فيها، لن يكون هناك تمييز عنصري”.
المصدر: نيويوركر