جماعة محمود أفندي (Mahmud Efendi) هي إحدى الجماعات الصوفية في تركيا وتمتلك تاريخًا عريقًا في الثقافة التركية، تأسّست على يد محمود أوستا عثمان أوغلو، وكانت تعتمد بشكل كبير على التدريس الصوفي والدروس الدينية.
الجماعة لها أتباع في جميع أنحاء البلاد، وقد قامت بتأسيس العديد من المدارس والمؤسسات التعليمية والخيرية في تركيا، كما أنها تلعب دورًا هامًّا في الحفاظ على التراث الثقافي التركي.
تشتهر جماعة محمود أفندي بعدة عادات وتقاليد صوفية، مثل الذكر والصلوات الجماعية والصيام والعزلة والتعليم والتدريب الروحي، كما أنها تؤمن بأن السعادة والرضا النفسي يمكن الحصول عليهما عن طريق الاقتراب من الله والتفاني في خدمته.
بشكل عام، تعد جماعة محمود أفندي من أهم الجماعات الصوفية في تركيا، وتلعب دورًا هامًّا في الحفاظ على التراث الثقافي التركي والتعليم الصوفي.
من هو محمود أفندي؟
ﻓﻲ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ اﻟﻨﻘﺸﺒﻨﺪي، ﻳﻌﺘﺒﺮ اﻟﺸﻴﺦ دﻟﻴﻞ اﻟﺘﻠﻤﻴﺬ اﻟﻤﺜﺎﻟﻲ ﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻮاﻗﻊ، ﻳﺠﺐ أن ﻳُﻈﻬﺮ اﻟﺘﻠﻤﻴﺬ ﻧﺒذًا ﻟﺬاﺗﻪ وأن يظهر ﺑﺎﻻﺣﺘﺮام واﻟﻮﻻء اﻟﻜﺎﻣﻠَﻴﻦ ﻟﺸﻴﺨﻪ، وأن ﻳﻌﺒّﺮ ﻋﻦ اﻟﻄﺎﻋﺔ واﻟﻮﻻء اﻟﻜﺎﻣﻠَﻴﻦ ﻟﺬﻟﻚ اﻟﺸﻴﺦ وﺣﺪه، وﻫﻜﺬا ﻳُﻌﺮف ﻣﺠﺘﻤﻊ محمود أفندي نسبة إلى أستاذه إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ آﻏﺎ ﺑﺎﺳﻢ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺤﻤﻮد أوﺳتا عثمان أوﻏﻠﻮ.
ولد محمود أفندي (محمود أوﺳتا عثمان أوغلو) لعائلة مسلمة عام 1929 في محافظة طرابزون التركية، وهي مدينة مجاورة لمدينة ريزا مسقط رأس الرئيس التركي أردوغان، ونشأ نشأة متديّنة، حفظ القرآن الكريم وهو في السادسة، وتلقّى علوم اللغة العربية والنحو والصرف واللغة الفارسية على يد الشيخ تسبيحي زاده.
ثم درس القراءات وعلوم القرآن على يد الشيخ محمد رشيد عاشق كوتلو أفندي، ودرس علم الكلام والتفسير والحديث والبلاغة والفقه وأصوله وغيرها من العلوم الشرعية عند الشيخ دورسون فوزي أفندي (المدرّس بالمدرسة السليمانية)، الذي أجازه في العلوم النقلية والعقلية وهو في سن الـ 16.
لاحقًا، أﺻﺒﺢ ﻣﺘﻤﺮّﺳًﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﻔﺴﻴﺮ اﻟﻘﺮآﻧﻲ واﻟﺤﺪﻳﺚ واﻟﻔﻘﻪ اﻹﺳﻼﻣﻲ واﻟﻜﻼم واﻟﺘﺼﻮف، وﺑﻤﺠﺮد أن أﻛﻤﻞ ﺧﺪﻣﺘﻪ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﺑﺪأ ﻳﻌﻴﺶ ﻛﺼﻮﻓﻲ ﻣﻤﺎرﺳ، ثم تزوج ابنة عمه وبدأ عمله كإمام.
ﻓﻲ ﻋﺎم 1952 اﻟﺘﻘﻰ محمود أفندي بعلي ﺣﻴﺪر أﻓﻨﺪي، وﻫﻮ ﺷﻴﺦ ﻧﻘﺸﺒﻨﺪي، ثم أﺻﺒﺢ معلمه، وﻋﻴّﻦ أوﺳﺘﺎ ﻋﺜﻤﺎن أوﻏﻠﻮ إﻣﺎم ﻣﺴﺠﺪ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ آﻏﺎ ﻋﺎم 1954، وخدم ﻣﺤﻤﻮد أوﺳﺘﺎ ﻋﺜﻤﺎن أوﻏﻠﻮ ﻓﻲ ﻣﺴﺠﺪ ﺟﻮﻣﻮﺷﺎﻧﻴﻠﻲ ﻛﺘﻘﺪﻳﺮ للزعيم اﻟﺼﻮﻓﻲ اﻟﻨﻘﺸﺒﻨﺪي ﻣﺤﻤﺪ زاﻫﻴﺖ ﻛﻮﺗﻮ، اﻟﺬي ﻛﺎن واﻟﺸﻴﺦ اﻟﻨﻘﺸﺒﻨﺪي اﻷﻛﺜﺮ ﻧﻔﻮذًا، واﻟﺬي أﺷﺮف على ﺗﻘﺪُّم اﻟﻨﻘﺸﺒﻨﺪﻳﺔ وﺗﻮﺳُّﻌﻬﺎ ﺧﻼل اﻟﺴﺘﻴﻨﻴﺎت.
ﺷﺪد ﻛﻮﺗﻮ، أول ﺷﺨﺼﻴﺔ ﺗﺪرّﺑﺖ ﻓﻲ ﻣﺪرﺳﺔ ﻏﻴﺮ دﻳﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﺷﺒﺎﺑﻪ، على أوﻟﻮﻳﺔ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ وﺣﻮّل اﻟﻤﺴﺠﺪ إلى “ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ” ﺗﺠﺬب اﻟﻄﻼب ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﺤﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ إلى ﺗﺮﻛﻴﺎ.
أﺧﺬت ﺣﻴﺎة محمود ﻣﻨﻌﻄﻔﻬﺎ اﻷﻛﺒﺮ ﻋﺎم 1960، ﻋﻨﺪﻣﺎ أﺻﺒﺢ زعيمًا ﻟﻤﺠﺘﻤﻊ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ آﻏﺎ ﺑﻌﺪ وﻓﺎة ﻋﻠﻲ ﺣﻴﺪر أﻓﻨﺪي، وﻓﻲ ﻋﺎم 1972 اﻧﻔﺼﻞ أوﺳﺘﺎ ﻋﺜﻤﺎن أوﻏﻠﻮ ﻋﻦ ﻣﺠﺘﻤﻊ إﺳﻜﻨﺪر ﺑﺎﺷﺎ ﺑﻘﻴﺎدة ﻛﻮﺗﻜﻮ، وأﺳّﺲ تدريجيًّا ﻣﺠﺘﻤﻌﻪ اﻟﻨﻘﺸﺒﻨﺪي، وهنا واجه أوﺳﺘﺎ ﻋﺜﻤﺎن أوﻏﻠﻮ ﻓﻲ ﻣﻨﺼﺒﻪ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻣﺸﺎﻛﻞ ﻣﻊ اﻟﺴﻠﻄﺎت اﻟﺘﺮﻛﻴﺔ.
ﻓﻲ ﻋﺎم 1982 تمَّ إﻃﻼق اﻟﻨﺎر على ﻣﻔﺘﻲ أوﺳﻜﻮدار ﺣﺴﻦ ﻋﻠﻲ أوﻧﺎل وﻗُﺘﻞ، وﺣﻜﻤﺖ ﻣﺤﻜﻤﺔ ﺗﺮﻛﻴﺔ على أوﺳﺘﺎ ﻋﺜﻤﺎن أوﻏﻠﻮ ﺑﺎﻟﺴﺠﻦ اﻟﻤﺆﺑﺪ ﺑﺘﻬﻤﺔ ﻗﺘﻞ اﻟﻤﻔﺘﻲ اﻟﺬي ﻣﻨﻊ ﺷﻴﻮخ مجتمع إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ آﻏﺎ ﻣﻦ إﻟﻘﺎء ﺧﻄﺒﻬﻢ، ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إلى أي ﻧﺸﺎط آﺧﺮ ﻣﺘﻌﻠﻖ ﺑﺈﺳﻤﺎﻋﻴﻞ آﻏﺎ ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺟﺪ أوﺳﻜﻮدار.
ﺗمّت ﺗﺒﺮﺋﺔ أوﺳﺘﺎ ﻋﺜﻤﺎن أوﻏﻠﻮ لاحقًا ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺆوﻟﻴﺔ ﻋﻦ اﻟﻘﺘﻞ، ﻟﻜﻨﻪ ﺧﻀﻊ أيضًا ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ اﻟﺸﺮﻃﺔ ﺑﺸﺄن ﻣﺤﺘﻮى اﻟﺨﻄﺐ اﻟﺘﻲ ﺗﻢَّ ﺗﺴﺠﻴﻠﻬﺎ ﺳﺮًّا ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺑﻌﺾ اﻟﺼﺤﻔﻴﻴﻦ.
ﺣﻘﻴﻘﺔ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺤﺎﻛﻢ أﺑﺪًا ﺑﺴﺒﺐ ﺧﻄﺒﻪ، وأﻧﻪ ﺗﻤّﺖ ﺗﺒﺮﺋﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﻘﻀﻴﺔ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ، ﻋﺰزت ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﺳﻤﻌﺔ محمود أفندي في ﻋﻴﻮن ﺗﻼﻣﻴﺬه، وﻓﻲ عام 1985 ﺑﺪأت اﻟﺴﻠﻄﺎت اﻟﺘﺮﻛﻴﺔ تحقيقًا آﺧﺮ ﺑﺸﺄن أوﺳﺘﺎ ﻋﺜﻤﺎن أوﻏﻠﻮ مع محمود أفندي بعد إحدى خطبه، وكان الأمر لا يعدو حلقة جديدة من المضايقات التي كانت تقوم بها السلطات مع الشيوخ والعلماء.
لاحقًا، وفي العام 1996 وﺑﻌﺪ ﺗﻘﺎﻋﺪه ﻣﻦ ﻣﻨﺼﺐ إﻣﺎم ﻣﺴﺠﺪ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ آﻏﺎ، حاول محمود أفندي عدم الظهور، وﻣﻊ ذﻟﻚ ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺗﻌﺮض اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ للمراقبة ﻣﺮة أﺧﺮى خلال ﻤﺎ ﻳﺴﻤّﻰ “ﻋﻤﻠﻴﺔ 28 ﻓﺒﺮاﻳﺮ” أو “اﻧﻘﻼب ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺪاﺛﺔ”.
في العام نفسه أوقفت الشرطة بناءً كان المجتمع يريد تشييده من أجل التعليم الديني لـ 5 آلاف طفل، حيث ضغطت السلطات كثيرًا لسحب التراخيص ومنع البناء، وفي العام نفسه قُتل صهر محمود أفندي وخليفته حيدر علي مراد أوغلو.
رغم ذلك، ﻟﻢ ﺗﻮﻗﻒ ﻫﺬه اﻟﺤﻮادث أﻧﺸﻄﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﻧُﺸﺮت ﺧﻄﺐ أوﺳﺘﺎ ﻋﺜﻤﺎن أوﻏﻠﻮ اﻷﺳﺒﻮﻋﻴﺔ ﻛﻜﺘﺎب، وبقيَ محمود أفندي يكتب تفسيرًا من 37 مجلدًا ﻟﻠﻘﺮآن، كما ﻛﺘﺐ أوﺳﺘﺎ ﻋﺜﻤﺎن أوﻏﻠﻮ أيضًا ﺗﻔﺴﻴﺮًا ﻟﻐﻮﻳًّﺎ ﻟﻠﻘﺮآن ﻳﺸﺮح اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﻔﺮدﻳﺔ ﻓﻲ اﻵﻳﺎت اﻟﻘﺮآﻧﻴﺔ، ﺛﻢ ﻳﻀﻊ ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﻴﺎﻗﻬﺎ.
ﻣﻊ ذﻟﻚ، ﻓﻀّﻞ أوﺳﺘﺎ ﻋﺜﻤﺎن أوﻏﻠﻮ دائمًا اﻟﺘﺪرﻳﺲ واﻻﺗﺼﺎل اﻟﺸﺨﺼﻲ، وﻛﺎن ﻣﻌﺮوﻓًﺎ ﺑﻤﺤﺎدﺛﺎﺗﻪ اﻟﺘﻲ ﺟﺮت ﺑﻌﺪ ﺻﻼة اﻷﺣﺪ ﻓﻲ ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺳﻠﻴﻢ، وﺮﻏﻢ اﻟﺴﺎﻋﺎت الطويلة إﻻ أن اﻟﺤﻀﻮر اﻟﻜﺎﻣﻞ دائمًا ما كان صفة بارزة للجماعة، وهكذا ظلَّ الوضع حتى توفيَ الشيخ محمود أفندي في 23 يونيو/ حزيران 2022، حيث حضر جنازته الآلاف من أتباعه ومحبيه.
الجماعة
جماعة إﺳﻤﺎﻋيل آﻏﺎ (جماعة محمود أفندي) ﻫﻲ واﺣﺪة ﻣﻦ أﻛﺜﺮ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻧﺘﺸﺎرًا التي ﺗﻤﺜﻞ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﻨﻘﺸﺒﻨﺪﻳﺔ ﻓﻲ ﺗﺮﻛﻴﺎ، ﺣﻴﺚ ﺗﻀﻢّ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ 100 أﻟﻒ ﻣﻦ اﻷﻋﻀﺎء واﻟﺪاﻋﻤﻴﻦ، ووﻓﻘًﺎ لإحدى الدراسات فمن ﺑﻴﻦ ﺣﻮاﻟﻲ 4.5 ملايين ﺷﺨﺺ يتبعون الطرق الصوفية النقشبندية، هناك 7.2% ﻳﻨﺘﻤﻮن إﱃ جماعة محمود أفندي.
تعرَف الجماعة أيضًا أحيانًا بجماعة “تشارشامبا” ارتباطًا بحي تشارشامبا في منطقة الفاتح في إسطنبول، وﻳﻔﺘﺨﺮ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺎﻟﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﻇﺮوف اﻟﺘﻘﺸﻒ ﻓﻲ “مجتمع إﺳﻼﻣﻲ” وﻓﻘًﺎ ﻟﻠﻤﻔﻬﻮم اﻟﻨﻘﺸﺒﻨﺪي ﻟﻠﻌﺰﻟﺔ، ﻓﺈن اﻟﺮوﺣﺎﻧﻴﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺤﺼﻮرة ﻓﻲ اﻟﻤﻜﺎن واﻟﺰﻣﺎن، واﻟﻌﺰﻟﺔ ﻻ ﺗﻌﻨﻲ ﺑﺎﻟﻀﺮورة اﻟﻌﺰﻟﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﻤﺎدﻳﺔ ﻟﻠﻔﺮد ﻋﻦ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﻓﻘﻂ ذﻟﻚ اﻻﺗﺼﺎل اﻟﻮﺛﻴﻖ ﺑﻴﻦ أﺗﺒﺎﻋﻬﻢ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻫﻮ اﻷﻓﻀﻞ.
وﻣﻊ ذﻟﻚ، يوصى ﻓﻲ اﻟﻤﺪن ﺑﺎﻟﻌﺰﻟﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻷن اﻟﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﻜﺒﻴﺮة ﻳﺸﺠّﻊ على ﻋﺪم ﺳﻴﻄﺮة اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ على ﺣﻴﺎة أﻓﺮاده، فبالانسحاب ﻣﻦ اﻟﻮﺳﻂ اﻟﺤﻀﺮي ﻳﺼﺒﺢ اﻷﻋﻀﺎء أﻛﺜﺮ وﻋﻴًﺎ ﺑﺨﻄﺎﻳﺎﻫﻢ وﻫﻢ ﻳﺸﻬﺪون ﺧﻄﺮ اﻟﺤﻴﺎة المنفلتة بلا رقيب.
ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ، تنتشر العلوم في المدن أكثر، وهذا عامل يجعل الحصول على العلوم أمرًا سهلًا، لذلك تفضّل الجماعة التواجد في المدن مع الحفاظ على نوع من العزلة والانغلاق.
تعتبر الجماعة نفسها من أهل السنّة والجماعة، وهناك نوع من الرعاية التي توليها الجماعة لأفرادها بمختلف النواحي الفكرية والثقافية وأحيانًا حتى المادية، كما تملك في الوقت نفسه اقتصادها الخاص، فهناك تمويل يصل إليها من بعض الجمعيات المقرّبة من حزب العدالة والتنمية، وهناك مموّلون لها من التجار ومن التبرعات.
لكن الجانب الأبرز هو المؤسسات التجارية التي تتبع الجماعة، والتي تمارس التجارة كحال غيرها من المؤسسات والمحال والشركات، لكن زبائنها في الغالب هم من أتباع الجماعة، ويمكن القول إن هذه طريقة تتبعها الجماعة في تمويلها لجمع التبرعات وتدوير الأموال فيما بين أعضاء الجماعة أنفسهم، أحيانًا تكون الأسعار التي تبيعها تلك المحال أعلى من نظيرتها في المحال الأخرى بقليل، ورغم ذلك يستمر أعضاء الجماعة بالشراء منها لدعم المجتمع الأمّ.
بصورة عامة، يمكن القول إن مجتمع محمود أفندي لا يزال يحافظ على التقاليد القديمة في المظاهر وطريقة العيش المعتمدة على البساطة، وهذه الطريقة تطرح أسئلة حول الحداثة والتطور الفكري الذي شهدته الحركات الإسلامية الأخرى في تركيا نفسها، أسئلة حول السياسة والمجتمع والتحديات الفكرية الأخرى.
الجماعة بالمجمل تحمي أفرادها من الانحراف من خلال عزلهم في مجتمع له تقاليده الخاصة يحمي أفراده من جوانب كثيرة، وهو ما ساعد على ازدهار الجماعة ونموها، لأن العوائل المحافظة تجدُ في هذا المجتمع وسيلة لحماية أبنائها وبناتها من التأثر بالتيارات الفكرية التي ترى أنها غير ملائمة.
لا ننسى أن تركيا تعتبَر في جزء من ثقافتها وبحكم موقعها الجغرافي جزءًا من أوروبا، وبالتالي كان تأثُّرها بالانفتاح الثقافي والاقتصادي أكبر منه من البلدان العربية والإسلامية الأخرى، وبإضافة عنصر سنوات الحكم العلماني ومحاولة فرض الأسلوب العلماني في العيش بالقوة -مثل فرض ملابس معيّنة ومنع أخرى-، تحوّل الأمر إلى دافع آخر في الجماعة نحو التعاضد والتماسك.
وينعكس هذا بشكل واضح في الجماعة التي كانت ولا تزال من أشد الجماعات محافظة على التقاليد والتمسُّك بالتراث حتى في اللباس الخاص لأتباعها، فالنساء يرتدين ملابس خاصة سوداء، وهناك طريقة خاصة لربط الحجاب يمكن تمييزها بوضوح في بعض مناطق إسطنبول، مثل الفاتح التي تشهد تواجدًا كبيرًا لهم.
يجد المنتمي لجماعة محمود أفندي نفسه جزءًا أساسيًّا من جسد الجماعة التي تقف بجانبه وتدعمه وتمدّه بكل سبل العيش، الأمر الذي يمنحهم قوة وقدرة على الاستمرار في مجتمع علماني
إن دراسة الوضع العام لجماعة محمود أفندي تعكس الواقع العام لكثير من الجماعات الإسلامية في العالم الإسلامي مجملًا وتركيا خصوصًا، يمكن ملاحظة تأثير الانغلاق والعزلة على أتباعها كوسيلة للحماية من التيارات التي كانت تحكم في مرحلة ما بعد سقوط الدولة العثمانية في القرن الـ 20.
هذا الطابع العام على الجماعات الإسلامية في البلدان العربية أيضًا لكن بدرجات مختلفة، قد تكون اقتصرت على طرق التنظيم والتواصل في البلدان العربية، لكنها في تركيا وصلت حدّ اختيار ملابس خاصة وأنشطة خاصة وعلاقات خاصة داخل تلك الجماعات.
هذا الانغلاق الذي سبّبته طبيعة المرحلة السابقة، والذي كان ضروريًّا للبقاء والصمود بوجه السلطة والتيارات الفكرية التي تساندها، ظلَّ مستمرًّا رغم التمكين والانفتاح السياسي الكبير الذي وفّره حزب العدالة والتنمية بعد عام 2003.
لم تنفك كثير من الجماعات الإسلامية في تركيا من الاستمرار بالطريقة نفسها التي اعتادت عليها، رغم اختلاف الوضع من نواحٍ كثيرة، حيث يقول أتباع من هذه الجماعة إن هذا الأمر ضروري للمحافظة على الشباب والشابات من الانحراف في ظل هذه الموجات الليبرالية المتتابعة، والتي أصبحت تكتسب في جوانب منها طابعًا إلحاديًّا يُخرج الناس من الدين نفسه، وليس من دائرة الأخلاق والالتزام المحافظ فحسب.
تنتهج الجماعة عدة طرق لاستمرار ربط أعضائها بالجماعة الأمّ، خلال فترة الدراسة تتولى مشيخة الجماعة مهمة الصرف كاملًا على كافة احتياجات الطلاب، من كتب دراسية وملابس وطعام وشراب، حتى يُتمّ الطالب دراسته كاملة، وتربيته وفق منظور الجماعة لنمط الحياة الذي يجب أن يتبعه أعضاؤها، ثم يعيَّن بعد ذلك في إحدى المدارس الدينية التابعة لها أو في أحد المشاريع الإنتاجية الوقفية الخاصة بها، ولا تفرّق هذه المدارس بين طلابها، فهي مدارس تستقبل الطلاب من الجنسَين، وتمنحهم القدر نفسه من العلم.
وفق هذه الرؤية، يجدُ المنتمي إلى جماعة محمود أفندي نفسه جزءًا أساسيًّا من جسد الجماعة، التي تقف بجانبه وتدعمه وتمدّه بكل سبل العيش، الأمر الذي يمنحهم قوة وقدرة على الاستمرار في مجتمع ينتهج النهج العلماني، ويزيدهم صلابة في مواجهة المحن التي يتعرضون لها.
من الناحية السياسية، لم تقم الجماعة بأنشطة سياسية واضحة، وهي بالطبع لا تملك حزبًا سياسيًّا، لكنها على صلة وثيقة بحزب العدالة والتنمية، والذي -كما أوضحنا- أعطى الحرية لكثير من الجماعات بالظهور والعمل وتأسيس الجمعيات والتوسع والقيام بالأنشطة المختلفة علنًا، دونما حاجة إلى سرّية أو مظنة استئصال.
العمل السياسي
ﻟﻄﺎﻟﻤﺎ ﻛﺎن ﻫﻨﺎك راﺑﻂ ﺑﻴﻦ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﻨﻘﺸﺒﻨﺪﻳﺔ اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ واﻷﺣﺰاب اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ، ﺧﺎﺻﺔ ﺧﻼل اﻟﺴﺒﻌﻴﻨﻴﺎت ﻋﻨﺪﻣﺎ اﺷﺘﻬﺮ ﺑﻌﺾ أﻋﻀﺎء ﻛﻮادر ﺣﺰب اﻟﻌﺪاﻟﺔ واﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻟﺤﺎﻟﻴﻴﻦ ﺑﺤﻀﻮر دروس ﻛﻮﺗﻮ.
ﺧﺮجت اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺸﺨﺼﻴﺎت اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ ﻓﻲ ﺣﺰب اﻟﺮﻓﺎه ﻣﻦ ﻣﺠﺘﻤﻊ إﺳﻜﻨﺪر ﺑﺎﺷﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﺮﻛﺰًا ﺷﻬﻴرًا ﻟﻠﻄﺎﺋﻔﺔ اﻟﻨﻘﺸﺒﻨﺪﻳﺔ، وﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻧﺠﻢ اﻟﺪﻳﻦ أرﺑﻜﺎن ورﺟﺐ ﻃﻴﺐ أردوﻏﺎن، وﻓﻲ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﺤﺎﻻت ﺗﺮﺗﺒﻂ اﻟﺤﺮﻛﺎت اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺑﺎﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻷﺳﺒﺎب ﻋﻤﻠﻴﺔ، وﻫﻲ كﻀﻤﺎن ﺿﺪ ﻧﻈﺎم ﻋﻠﻤﺎﻧﻲ رادﻳﻜﺎﻟﻲ، وﻟﻠﺤﺼﻮل على ﺷﺮﻋﻴﺔ على اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ، وﻫﻮ أﻣﺮ ﺿﺮوري ﺑﻐﺾّ اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﺷﺮﻋﻴﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎل اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ.
وﻣﻊ ذﻟﻚ، ﺳﻮاء ﻛﻨﻬﺞ ﺑﺮاﻏﻤﺎﺗﻲ أم ﻻ، دﻋﻢَ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻷﺣﺰاب اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻷرﺑﻜﺎن ﻗﺒﻞ اﻻﻧﺘﺨﺎﺑﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻌﺎم 1991، حيث دﻋت جماعة محمود أفندي أتباعها إﱃ اﻟﺘﺼﻮﻳﺖ ﻟﺼﺎﻟﺢ ﺣﺰب اﻟﺮﻓﺎه، كما أﺣﺰاب أخرى ﻣﺜﻞ ﺣﺰب اﻟﻮﻃﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺪﻋﻮﻣﺔ أﻳﻀًﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، وﺷﺎرك أﻋﻀﺎء ﻣﻦ ﺣﺰب اﻟﺴﻌﺎدة ﻓﻲ ﺟﻨﺎزة اﻹﻣﺎم ﺑﻴﺮم ﻋﻠﻲ ﺑﻌﺪ ﻣﻘﺘﻠﻪ ﻓﻲ ﻣﺴﺠﺪ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ.
إن دﻋﻢ ﻣﺠﺘﻤﻊ اﻹﺳﻤﺎﻋﻴﻠﻴﺔ ﻟﻸﺣﺰاب اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻫﻮ ﻧﺘﻴﺠﺔ الﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻓﺮص للتواجد والبقاء، ﻟﺬﻟﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ تدعم اﻷﺣﺰاب اﻟﺴﻴﺎﺳﻴة تتجنّب الجماعة ﺗﺸﻜﻴﻞ ﺧﻄﻮط ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ.
ﻻ ﻳﻨﺼﺢ اﻟﺘﻼﻣﻴﺬ ﺑﺄﺧﺬ دور ﻧﺸﻂ ﻓﻲ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ، ﺣﻴﺚ ﺗُﻌﺘﺒﺮ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻃﺮﻳﻘًﺎ ﻳﺒﺘﻌﺪ ﻋﻦ اﻟﺘﻌﺎﻟﻴﻢ اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ، رغم ذلك كانت العلاقة مع حزب العدالة والتنمية كبيرة ﻣﻨﺬ ﺻﻌﻮده، حيث ﻗﺒﻞ اﻧﺘﺨﺎﺑﺎت ﻳﻮﻧﻴﻮ/ حزيران 2015 أطلقت الجماعة دﻋﻮة ﻟﻠﺘﺼﻮﻳﺖ ﻟﺤﺰب اﻟﻌﺪاﻟﺔ واﻟﺘﻨﻤﻴﺔ.
لفهم الموضوع أكثر، ربما يجب إلقاء نظرة على طبيعة تركيبة الدولة في تركيا، فالكثير من المؤسسات والمراكز لا تزال تخضع لسيطرة التيارات العلمانية، والقانون في أصله المجرد لا يزال علمانيًّا، بالتالي هناك الكثير من القضايا التي يمكن أن تُثار ضد الجماعات الإسلامية، سواء ما يتعلق بوجودها أو تمويلها أو حتى قضايا أخرى يراد منها وضع الجماعات تلك تحت طائلة القضاء، وهذا ما بقيَ مستمرًّا حتى في ظل حكومات العدالة والتنمية المستمرة.
فقضية أرغينكون عام 2007 هي إحدى القضايا التي أُثيرت حول الجماعات بحجّة منعهم الفتيات الذهاب إلى المدارس، وبعد غلق القضية أُعيد فتح قضية أخرى تتعلق بعلاقات بين أعضاء في العدالة والتنمية والجماعة، وقضايا تمويل أخرى ترتبط بالطرفَين، ولم يتم إغلاق القضية إلا عام 2009 حيث تمَّ إسقاط التهم الموجّهة إلى جميع أفراد الجماعة وتبرئة الآلاف منهم.
من الجوانب الأخرى التي استفادت منها الجماعة، ﺗﺨﻔﻴﻒ اﻟﻘﻴﻮد على اﻷﻧﺸﻄﺔ واﻟﻤﻄﺒﻮﻋﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ، ﺑﺴﺒﺐ ﺻﻌﻮد ﺣﺰب اﻟﻌﺪاﻟﺔ واﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﺮﻛﻴﺎ، حيث زار أردوﻏﺎن ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻣﺪارس اﻹﻣﺎم اﻟﺨﻄﻴﺐ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﻣﺴﺠﺪ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ آﻏﺎ واﻟﻤﺴﺠﺪ ﻧﻔﺴﻪ ودورات ﺗﺤﻔﻴﻆ اﻟﻘﺮآن، وﻳﺮى اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ أردوﻏﺎن على أﻧﻪ “زﻣﻴﻞ ﻣﻘﺎﺗﻞ” ﻗﺮﻳﺐ ﻣﻦ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ.
ﻓﻲ اﻟﺴﻨﻮات اﻷﺧﻴﺮة ، حذا ﺳﻴﺎﺳﻴﻮن، ﻣﺜﻞ ﺳﻠﻴﻤﺎن دﻳﻤﻴﺮﻳﻞ وﺗﺮﻛﻴﺶ وﻣﺤﺴﻦ ﻳﺎزﺟﻲ أوﻏﻠﻮ ودﻧﻴﺰ ﺑﺎﻳﻜﺎل وﻏﻴﺮﻫﻢ، حذو أردوﻏﺎن ﻓﻲ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﺰﻳﺎرات داﻓﺌﺔ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ، ﻛﻤﺎ زار أردوﻏﺎن ﻣﺤﻤﻮد أوﺳﺘﺎ ﻋﺜﻤﺎن أوﻏﻠﻮ ﻋﺪة ﻣﺮات.
خلال الانتخابات القادمة، يبدو واضحًا من تاريخ الجماعة وواقعها الحالي أنها ستدعم حزب العدالة والتنمية بصورة كبيرة، وستكون من أكبر داعميه الشعبيين.
ﻓﻲ 9 أﻏﺴﻄﺲ/ آب 2014 ﻗﺎم أردوﻏﺎن وزوﺟﺘﻪ واﺑﻨﺘﻪ ﺑﺰﻳﺎرة اﺳﺘﻐﺮﻗﺖ ﺳﺎﻋﺘَﻴﻦ إلى أوﺳﺘﺎ ﻋﺜﻤﺎن أوﻏﻠﻮ، ﻟﺘﻠﻘّﻲ ﻣﺒﺎرﻛﺘﻪ ﻗﺒﻞ اﻻﻧﺘﺨﺎﺑﺎت اﻟﺮﺋﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻴﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ، وﺗﻢَّ ﺗﻐﺮﻳﺪ 3 ﺻﻮر ﻷردوﻏﺎن وأوﺳﺘﺎ ﻋﺜﻤﺎن أوﻏﻠﻮ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، وﺑﻌﺪ اﻧﺘﺨﺎﺑﺎت ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ/ أيلول 2014 ﻧﺸﺮ ﻣﺠﺘﻤﻊ إسماعيل آغا تهانيه اﻟﺤﺎرة على ﻣﻮﻗﻌه على اﻹﻧﺘﺮﻧﺖ.
وزار أﺣﻤﺪ أوﺳﺘﺎ ﻋﺜﻤﺎن أوﻏﻠﻮ، ﻧﺠﻞ أوﺳﺘﺎ ﻋﺜﻤﺎن أوﻏﻠﻮ، أردوﻏﺎن ﻓﻲ ﻣﻘﺮّ إﻗﺎﻣﺘﻪ ﻓﻲ ﻛﻴﺴﻴﻜﻠﻲ ﻧﻴﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﻣﺠﺘﻤﻊ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ آﻏﺎ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﻬﻨﺌﺘﻪ، كما زار مرشح منصب رئيس الوزراء، أحمد داوود أوغلو، عند ترشيحه مرتديًا زيه الديني التقليدي.
من ناحية أخرى، يرجّح باحثون أن الحكومة بدورها استفادت من توسُّع جماعات معتدلة ذات طابع غير سياسي مثل جماعة إسماعيل آغا، بعد الانقلاب العسكري الذي حصل عام 2016، والذي يرجّح أن جماعة فتح الله غولن تقف وراءه.
كانت جماعة غولن من الجماعات المنتشرة بكثرة في تركيا، من حيث مؤسساتها المجتمعية والثقافية والخيرية، فضلًا عن أذرعها في الدولة التركية نفسها وفي الجيش، بغياب تلك المؤسسات فجأة بين ليلة وضحاها، كان هناك فراغ لا بدَّ من ملئه بمؤسسات لها قدرة فورية على تعويض هذا النقص والغياب، وجماعة لا يخشى على ولائها لأنها لا تملك في أدبياتها ولا في مشاريعها أو طموح قادتها أي هدف سياسي أو رغبة في منافسة الحزب الحاكم، وكل هذا بالطبع متوفّر في جماعات مثل جماعة محمود أفندي أو جماعة النورسيين، وهو ما حصل بالفعل، حيث تمددت جماعة محمود أفندي وباقي الجماعات التي على شاكلتها لأداء ما يمكنها من دور.
خلال الانتخابات القادمة، يبدو واضحًا من تاريخ الجماعة وواقعها الحالي أنها ستدعم حزب العدالة والتنمية بصورة كبيرة، وستكون من أكبر داعميه الشعبيين، حيث لم تخفِ الجماعة سابقًا توجُّهها المباشر لدعم الحزب، كحال بعض الجماعات الأخرى الكبيرة، وهي اليوم ترى فيه وسيلة لبقاء الأوضاع منفتحة أمامها للعمل والتوسع والدعوة دون تضييق، خاصة أن أفردها يستذكرون تاريخًا طويلًا من الملاحقة والتضييق -عليهم وعلى الجماعات الأخرى- من قبل النظام العلماني، خاصة في الفترة التي كان فيها حزب الشعب الجمهوري -المنافس المباشر لحزب العدالة والتنمية للمفارقة- حاكمًا لتركيا خلال العقود الماضية من القرن الـ 20.
ما يميز الدعم الخاص الذي تقدمه الجماعة أن البُعد العائلي موجود بقوة فيها، بمعنى أن هناك عوائل بأكملها داخلة فيها، وبحساب الأعمار المتدنية لمن يحق لهم التصويت وفق الدستور بعد التعديلات الدستورية الجديدة في العام 2017، سيكون حزب العدالة والتنمية على موعد للحصول على أصوات كثيرة من أتباع جماعة محمود أفندي.
خلاصة
تعد جماعة محمود أفندي إحدى الجماعات الصوفية التركية ذات التنظيم والتماسك العاليَين بين أفرادها، وهي إحدى الجماعات التي يرجّح أن أفرادها سيصوتون بشدة لصالح حزب العدالة والتنمية ومرشحه الرئاسي الحالي رجب طيب أردوغان.
شهدت الجماعة خلال تاريخها السابق عدة مواجهات بين زعيمها الشيخ محمود أفندي والحكومات العلمانية المتتابعة، رغم ذلك استمرت الجماعة بالعمل والتوسع في الخفاء حتى وصول حزب العدالة مطلع القرن الحالي، حين شهدت الجماعات الإسلامية انفتاحًا كبيرًا في المجتمع.
جماعة إسماعيل آغا هي إحدى أكثر الجماعات تميُّزًا، خاصة في إسطنبول، صحيح أن ارتداء الزي التراثي الإسلامي صفة دارجة في أغلب الجماعات الإسلامية التركية، لكن مجتمع إسماعيل آغا يتميز بلباس خاص به وخاصة النساء، ما يمكن من تمييزهم بسهولة خاصة في الأحياء التي يتواجدون فيها بإسطنبول مثل الفاتح.
خلال تاريخها في القرن الماضي، وقفت الجماعة بصورة دائمة مع الأحزاب اليمينية، مثل أحزاب نجم الدين أربكان المختلفة، وساندتها بحكم العلاقة العضوية بين الطرفَين وتوحُّد مصالحهما السياسية.
تعلمت الجماعات الإسلامية التركية من التاريخ المرير مع العلمانية، أن العودة إلى الوراء خط أحمر، وهو ما بدا واضحًا في ليلة الانقلاب العسكري في يوليو/ تموز 2016، إذ كان لجماعة إسماعيل آغا مواقف واضحة في الاندفاع ضد القوات التي نزلت في إسطنبول وأنقرة، وقدمت في تلك الليلة الكثير من أتباعها لمنع الانقلاب.
تعطي دراسة المجتمع عن قرب تصورات واضحة عن النهج الذي تتبعه الجماعات الإسلامية التركية عمومًا، في الانغلاق ضمن بوتقة محافظة بما يشكّل ضمانًا لكثير من المحافظين في عدم الانجرار وراء تيارات الانفتاح التي تشهدها تركيا بصورة كبيرة بحكم التاريخ والجغرافيا.
لكن ما يبرز في تجربة الجماعة عدم تغيير نهجها وأدبياتها حتى في ظل الانفتاح والتمكين الكبير الحاصل في عهد حزب العدالة والتنمية، الذي يمكن اعتباره نقلة نوعية عن فكر الجماعات الإسلامية اليمينية المحافظة، على رأسها حزب الرفاه الذي أسّسه أبو الإسلام السياسي التركي نجم الدين أربكان.