قبل أيام من الانتخابات العامة (الرئاسية والتشريعية) في تركيا، فرض ملف الصناعات الدفاعية والعسكرية نفسه على المشهد السياسي المحلي، في ضوء إعلان حكومة حزب العدالة والتنمية، بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، عن العديد من الإنجازات الجديدة، في القطاع الذي يحظى بأهمية كبيرة ليس في الداخل التركي فقط، بل في منطقة الشرق الأوسط (المستورد الأكبر للسلاح عالميًّا)، بتقاطعاته الاقتصادية والاستراتيجية والسياسية، فيما تتعامل المعارضة التركية مع المكتسبات المعلن عنها مؤخرًا كـ”مؤثر انتخابي”.
وتواصل حكومة حزب العدالة والتنمية تطوير منظومة الصناعات العسكرية والدفاعية التركية التي تشمل الطائرات المسيّرة المسلحة، والمنصات البحرية، والمدرّعات البرية، والصواريخ، والمركبات البرية والبحرية غير المأهولة، وأنظمة الحرب الإلكترونية، مع تواجد حوالي 7 شركات تركية متخصصة في الصناعات الدفاعية ضمن قائمة أفضل 100 شركة عالمية، وسط تأكيدات من أردوغان بأن “مشاريع الصناعات الدفاعية أصبحت مكمّلة لقوة تركيا السياسية والاقتصادية”، وأن “تركيا باتت صاحبة كلمة في العالم عبر التكنولوجيا المتقدمة في صناعاتها الدفاعية، التي تغيّر قواعد اللعبة”.
الانتقال من التبعية إلى الريادة
منذ فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، منتصف الأربعينيات من القرن الماضي، ظلت تركيا تعتمد على السلاح الأمريكي، قبل أن تبادر بحظر تصدير السلاح لتركيا، بسبب أزمة شمال قبرص عام 1974.
وشهدت الفترة اللاحقة، منذ عام 1980، محاولات محدودة للتصنيع، لكنها كانت قاصرة على الصناعات الصغيرة حتى عام 2001 الذي تأسّس فيه حزب العدالة والتنمية، ثم تصدُّره للمشهد السياسي في العام التالي، ودعمه للصناعات الصغيرة مرحليًّا، ثم توسُّعه في تشجيع الصناعات الثقيلة وإعطاء دفعة كبيرة للصناعات العسكرية خلال السنوات اللاحقة.
وحققت تركيا تقدمًا كبيرًا في مجال الصناعات الدفاعية، فيما تعمل حكومة أردوغان بداية من عام 2010 على تحقيق الاستقلالية الاستراتيجية، خاصة بعد اعترض الكونغرس الأمريكي على تصدير طائرات من دون طيار إلى تركيا آنذاك، بسبب الأزمة التركية- الإسرائيلية.
وخلال 10 سنوات فقط عزّزت تركيا بشكل كبير استقلاليتها في إنتاج الأسلحة، وحققت نجاحات عديدة في مجال التصدير، لا سيما في مجال الطائرات من دون طيار، ورغم أن تركيا كانت ثالث أكبر مشترٍ للأسلحة الأمريكية عام 2011، فقد تراجعت إلى المركز الـ 19 بفضل صناعاتها الدفاعية المحلية.
ويحظى ملف الصناعات الدفاعية بانتقادات من المعارضة التركية (وفق خطابها السياسي والإعلامي)، ليس فقط لأنها تطالب بالحدّ من الاستثمارات في القطاع بسبب ما يعانيه الاقتصاد المحلي (التضخم، الديون العامة، ديون القطاع الخاص وتراجع صرف الليرة)، ويطالب مرشح تحالف المعارضة لرئاسة الجمهورية، كمال كليجدار أوغلو، بـ”إخضاع صناعة الدفاع التركية لسيطرة الدولة، ولا ينبغي السماح للقطاع الخاص بإنتاج الأسلحة منفردًا”.
ويرى أن “خصخصة الصناعة الدفاعية كانت مخاطرة كبيرة”، لكنه لم ينكر أن “صناعة الدفاع التركية أحرزت تقدمًا كبيرًا.. تركيا تقع في مكان جيوسياسي حرج للغاية، وبجانبها الشرق الأوسط، وهو حمّام دم. يجب أن تكون تركيا قوية في المنطقة، وهذا يعتمد على قوة صناعة الدفاع الخاصة بنا”.
اقتصاد الصناعات الدفاعية
ومن مربع المسؤولية، لا تتوقف حكومة أردوغان أمام أزمة الاقتصاد صامتة، لكنها تعمل على تنويع موارده وتعزيز الدخل القومي عبر الاهتمام بعدة قطاعات، بداية من التصنيع الدفاعي العسكري في توفير الاحتياجات المحلية والتصدير (معظمه للولايات المتحدة وألمانيا وسلطنة عمان وقطر)، ويشدّد أردوغان على أن “الحكومة لن تسمح بإعاقة الإنجازات التركية، ولن نتوقف حتى تحقيق الاستقلال الكامل في الصناعات الدفاعية”.
ويشير أردوغان إلى أن “تركيا حققت ثورة في مجال الصناعات الدفاعية، مدعومة بأكثر من 2000 شركة تركية تعمل في هذا القطاع، بعدما كانت 56 شركة فقط عام 2002.. حصة البحث والتطوير للصناعات الدفاعية زادت من 49 مليون دولار إلى 1.5 مليار دولار، وارتفعت الصادرات الدفاعية التركية من 248 مليون دولار قبل 20 عامًا إلى 4.4 مليارات دولار، مع وجود أكثر من 725 مشروعًا دفاعيًّا باستثمار من الـ 75 مليار دولار. سنحوّل تركيا خلال الأعوام الثلاثة المقبلة إلى قوة عالمية في مجال الصناعات الدفاعية”.
ونجحت الصناعات الدفاعية في توفير حوالي 73 ألف فرصة عمل، كما تدرُّ ضرائب للحكومة بمليارات الدولارات، فيما تواصل اللجنة التنفيذية للصناعات الدفاعية (برئاسة أردوغان، وعضوية نائب الرئيس فؤاد أوقطاي، ووزيرَي الدفاع خلوصي أكار، والداخلية سليمان صويلو، ورئيس الأركان يشار غولر، ورئيس الصناعات الدفاعية إسماعيل دمير) متابعة خطط التوسع وإقامة مشاريع محلية جديدة لتعزيز قوة القطاع.
ويؤكد المدير العام لشركة بايكار التركية (المتخصصة في مجال الدفاع والطيران، والمصنّعة لمسيّرات بيرقدار)، سلجوق بيرقدار، أن الشركة أصبحت اليوم أكبر مصدّر للطائرات المسيّرة عالميًّا، خاصة طراز “بيرقدار تي بي 2”.
وبايكار واحدة من الشركات التركية الرائدة في مجال الصناعات الدفاعية، وشركة الصناعات الجوية والفضائية التركية (توساش)، وتوركسات، أسيلسان، روكيتسان، بيوتيكسان، توبيتاك، بروفن، جانيك والشركة التركية لتكنولوجيا الفضاء والدفاع (SDT)”، وكيانات أخرى في مجال إنتاج الصناعات الدفاعية وصناعات الفضاء.
منتجات تركيا تغزو الأسواق
تتعدد المنتجات الدفاعية والعسكرية التركية، بعد دخول سفينة الأناضول (أول حاملة للطائرات المسيّرة عالميًّا) الخدمة، بعدما دشّنها أردوغان في 10 أبريل/ نيسان 2023، قائلًا: “تتمتع سفينتنا بمواصفات ستمكننا عند الضرورة من القيام بعمليات عسكرية وإنسانية في كل مكان حول العالم. ستصبح تركيا دولة رائدة في مجال التقنيات والأنظمة والحلول التي تغير قواعد اللعبة في العالم”، وهناك الدبابة ألطاي (Altay) الجديدة، التي يؤكد أردوغان أنها “نقطة قوة مهمة للجيش التركي، ودرّة الصناعات الدفاعية التركية”.
وتشمل الإنجازات أيضًا المقاتلة الجوية محلية الصنع “قاآن“، التي تؤكد دخول تركيا مجال إنتاج المقاتلات الجوية من الجيل الخامس، ونجحت الخطوات الأساسية لإنتاج المقاتلة الجوية محلية الصنع “حُرجيت (HÜRJET)”، بعدما بدأ العمل بها في أغسطس/ آب 2017، حيث يرى رئيس مؤسسة الصناعات الدفاعية التركية، إسماعيل دمير، أن “المقاتلة النفاثة الجديدة تمثل إنجازًا مهمًّا” بسبب تسليحها وقدراتها التكنولوجية.
في مجال المسيّرات، خطت تركيا خطوات واسعة من خلال طراز “بيرقدار تي بي 2″ و”أنكا-إس المسلحة” بقدراتهما التكنولوجية، والطائرة المسيّرة القتالية “بيرقدار كيزيليلما” بقدراتها التسليحية وإمكاناتها التقنية في المراقبة والمناورة باستخدام رادار محلي الصنع.
ونجحت شركة “روبيت تكنولوجي” التركية في تطوير مسيّرة انتحارية متعددة الأغراض، وهناك طائرة الهليكوبتر متعددة المهام جوكباي (تستخدمها القوات الأمنية)، ومروحية أتاك-2 الهجومية، وإطلاق القمر الصناعي “كليتشي سات كوب”، وقمر الرصد الأرضي “أوميجي”.
وتمَّ إنجاز أول صاروخ جو-جو من طراز “بوزدوجان”، وصواريخ جو-جو خارج مدى الرؤية البصرية من طراز “جوكدوجان”، مع دمج صواريخ “جوكتو” بجوار نظام الدفاع الجوي الموجود على متن السفن التركية، الذي يمكنه تدمير الصواريخ المضادة للسفن، ودعم القوات البحرية بطائرات “بيرقدار تي بي 3″، وفرقاطة الدعم القتالي “ديمدج”، والفرقاطة “تي سي جي إسطنبول”، أكبر القطع البحرية التركية، ووحدات بحرية أخرى.
كما تمَّ تعزيز مهام الاستطلاع والمراقبة والدفاع عن الغواصات، وإنتاج وتصدير مدافع “هاوتزر ستورم”، وناقلات الجنود المدرعة “ألتوغ”، وتحديث دبابات “ليوبارد 2 إيه 4″، وإنجاز نظام جديد للدفاع الجوي بعيد المدى، ونظام صاروخي محمول قصير المدى مضاد للدبابات يمكنه العمل ليلًا ونهارًا، مع مواصلة إنتاج أنظمة الدفاع الجوي (سيبر، حصار، سونغور) تعزيزًا لمنظومة إس-400.
وأوضح مدير عام شركة STM للصناعات الدفاعية، أوزغور غولارز، أنه “يتم العمل بسواعد محلية على تطوير غواصات مأهولة وتحويلها إلى غواصات مسيّرة، حتى نصبح لاعبًا قويًّا في الساحة الدولية، من خلال العمل الذي نقوم به في مجال تطوير الغواصات”، وقال أردوغان إن “تركيا زوّدت قواتها بمختلف أصناف المسيّرات البرية الخفيفة ومتوسطة الحجم، واقتربت من تلبية كافة احتياجاتها في مجال المركبات العسكرية بإمكاناتها المحلية”.
المكاسب المتعددة للصناعات الدفاعية
تتنوع المكتسبات التي تحققها تركيا في ملف الصناعات الدفاعية، وطنيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا واستراتيجيًّا، من عدة أوجُه:
– وطنيًّا، من خلال وفاء أردوغان بجزء كبير من تعهّداته السابقة، لا سيما “تحقيق الاستقلال الوطني في مجال الصناعات الدفاعية، عبر العمل على إنهاء الاعتماد على الخارج”، وهو ما يتبدّى من واقع القفزة غير المسبوقة التي يشهدها هذا القطاع، منذ تولي حزب العدالة والتنمية للسلطة عام 2002.
إذ تحققت خلال السنوات الماضية نهضة كبيرة في هذا المجال بخبرات وقدرات محلية، مع مواصلة جهود التطوير لتحقيق الاستقلال التام، عبر إنتاج المزيد من المعدّات والآليات القتالية والدفاعية، التي تسهم بشكل كبير في تعزيز مكانة الصناعات الدفاعية التركية عالميًّا.
– سياسيًّا، يسهم تقدم الصناعات الدفاعية التركية في تعزيز استقلالية القرارات السياسية والاقتصادية، وتؤكد مصادر لـ”نون بوست” أن “محاولات الربط بين الإنجازات الجديدة في الصناعات الدفاعية، والانتخابات العامة في 14 مايو/ أيار 2023، في غير محله، كون الملف أكبر وأعمق ممّا تدّعيه المعارضة أو أعداء تركيا في الخارج، لأن ما يتحقق يعبّر عن استراتيجية الدولة، ورؤية حزب العدالة والتنمية الحاكم، التي تعتمد على تعزيز القدرات الشاملة في كل المجالات”.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار حرص أردوغان على تحقيق مكاسب سياسية للحزب الحاكم، وضمان بقائه في السلطة مدعومًا بالمزيد من الإنجازات، التي تؤكد استكمال الحزب لإنجازاته مستقبلًا.
– اقتصاديًّا، تؤكد إدارة الصناعات الدفاعية التركية تحقيق القطاع خلال العام الماضي (2022) أرباحًا تتجاوز الـ 12.2 مليار دولار، وأن نسبة الأرباح زادت 20% مقارنة بعام 2021، كما أن نسبة نمو القطاع تضاعفت حوالي 12 مرة عمّا كانت عليه قبل 20 عامًا.
وبات يستفيد من الصناعات الدفاعية التركية أكثر من 30 دولة، ما يدعم استراتيجية أردوغان الخاصة بتطوير الصناعات المحلية التركية، والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة في كل القطاعات، ومن تعظيم الصادرات من الإنتاج المحلي، والقيمة المضافة تعود إلى الاقتصاد والمجتمع التركي، ومن ثم توجّه تركيا جزءًا من إمكاناتها للتصنيع العسكري للاستفادة من فرص التصدير وضمان الاستدامة.
– عسكريًّا، يظهر مردود الصناعات الدفاعية والعسكرية التركية من خلال تلبية الاحتياجات الدفاعية التي تحتاج البلاد، وقد نجحت تركيا في الوصول بنسبة الاكتفاء الذاتي إلى حوالي 80% من الاحتياجات المحلية، بعدما أثبتت شركات الصناعات الدفاعية التركية قدرتها وكفاءتها.
ويؤكد أردوغان: “أصبحت احتياجاتنا في قطاع الصناعات الدفاعية تُسَدّ، وحقّقنا ثورة في هذا المجال، واستطعنا التحرُّر الكامل رغم العقبات”، حيث يلبي القطاع احتياجات القوات المسلحة ووزارة الداخلية من الأدوات والمعدّات والذخائر للأنظمة الدفاعية البرية والبحرية والجوية.
ويعمل الجيش التركي على استبدال جزء كبير من أسلحتها ومعدّاتها العسكرية المستوردة بالإنتاج المحلي (المروحيات، الدبابات والبنادق)، وأثبتت الطائرات المسيّرة التركية أنها أقوى من المنظومات الدفاعية الروسية في ساحات المعارك الإقليمية: ليبيا، سوريا، أذربيجان، العراق، وأوكرانيا؛ وأصبحت تحظى بشهرة كبيرة في هذا الشأن، ومن هنا تظهر أهمية التصريح الذي أدلى به وزير الدفاع التركي خلوصي أكار: “تركيا لن تتخلى عن مصالحها الإقليمية، ولن تسمح بالتعدي على حقوقها”.
– استراتيجيًّا، تحرص تركيا على تأكيد مكانتها كقوة عسكرية، وتتمسّك بالتوازن الأمني والاستراتيجي حفاظًا على مصالحها الإقليمية والدولية، وفق إرادة مستقلة وقادرة على القيام بما تريد من أجل مصالحها الخاصة (كما في الصراع بين حلف الناتو وروسيا).
لذا، يحقق التصنيع العسكري التركي ميزة أمنية استراتيجية تعزز الاستقلالية، دون الحاجة إلى إذن من الدول المصنّعة للسلاح، في عالم تتحكم فيه المصالح والأطماع في قوة التسليح وخريطة انتشاره، نتيجة المسموح وعدم المسموح به من الدول والتكتلات الكبرى في العالم.
– جيوسياسيًّا، تعوّل الحكومة التركية على أن تكون الصناعات الدفاعية-العسكرية سفيرها الإقليمي، خاصة الجوار العربي، وتحديدًا مجلس التعاون الخليجي (عبر الاتفاقيات الإطارية، وتيسير التصدير والاستيراد العسكري، وخطط واتفاقيات شراء طويلة الأمد)، من خلال تصدير الأسلحة (فرقاطات، مروحيات، مدرّعات وطائرات مسيّرة)، أو التعاون المشترك في التصنيع، خاصة بعد الانفراجة التي تشهده العلاقات المتنامية خلال العام الأخير، خاصة مع السعودية والإمارات وسط تقديرات بأن تتجاوز قيمة الصادرات المليار دولار.
– تنمويًّا، تعزز الصناعات الدفاعية دور رأس المال البشري (العناصر العاملة في قطاع الصناعات العسكرية من الشركات، الجهات البحثية، منظومات التطوير، مراكز أبحاث التكنولوجيا المتقدمة، وأمن ونظم المعلومات التابع للشركات التركية، والتصنيع والتدريب) كقيمة مضافة إلى رأس المال الوطني، وربط هذه الاستراتيجية بالمنظومات التعليمة لتأهيل المزيد من الخبرات والكفاءات.
وقد أكّد أردوغان هذا التوجه بقوله: “تركيا باتت قادرة على القضاء على التهديدات في مصدرها، وأن هذه القدرة نابعة من التقدم الذي أحرزته تركيا في الصناعات الدفاعية والقوى البشرية المدرّبة”.
مستقبل الصناعات العسكرية التركية
تتباين وجهات نظر المحللين العسكريين تجاه أُفق الصناعات العسكرية عمومًا، نتيجة التطور التكنولوجي الهائل في هذا المجال، وصعوبة التنبؤ بتطوراته، وكذلك مجالات الاتصالات والاستشعار الكيميائي والبيولوجي وغيرها، فإن هذه التحديات تفرض نفسها على الجهات المعنية بملف الصناعات العسكرية التركية على وجه الخصوص (تكتيكيًّا واستراتيجيًّا)، لارتباطها الوثيق بحفظ السلام والأمن والاستقرار، وحماية المصالح التركية على كل الأصعدة.
وتتنوع الإنجازات التي يعلنها أردوغان، لتشمل معظم القطاعات (الصناعات الثقيلة، البنية التحتية، القطاع العقاري والطاقة)، لكن يحظى قطاع الصناعات الدفاعية بأهمية واضحة، مع نشاط كبير للقطاع الخاص، بهدف تحرير القطاع من القيود والمعوقات البيروقراطية.
وقد عبّر أردوغان عن رؤيته الاستراتيجية المتكاملة، في الإعلان عن مشروع “قرن تركيا” في 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، على هامش الاحتفال بالذكرى الـ 99 لتأسيس الجمهورية، حيث اختصر الشعار “فرد سعيد، شعب مُرفَّه، دولة قوية” طبيعة المستهدفات التي تعيد تقديم تركيا لمحيطها وللعالم بصورة جديدة.
ويتضمن مشروع “قرن تركيا” محاور أساسية (الأمن، الاستقرار، التنمية، القوة، النجاح، السلام، العِلم، دعم الشعوب، الإنتاجية، المواصلات، الرقمنة، الاستثمار في الإنسان، رفاهية المواطن وتمكين الشباب)، وفي مجال الصناعات العسكرية المحلية تركّز الاستراتيجية على البنية التحتية للتكنولوجيا والاتصالات، والمواصلات المتفرعة إلى الإنترنت والأقمار الصناعية ومحطة الفضاء، والاكتفاء الذاتي من التسليح.
في المقابل، تواصل المعارضة التأكيد على أنها ستمدّ الجسور مع الخارج، وتعمل على دمج تركيا إقليميًّا ودوليًّا، غير أن هذا التوجه لا يخفي رغبة الأطراف الرئيسية في المعارضة مواصلة الاعتماد على الخارج في تلبية الاحتياجات المحلية، وربط نهوضها بالاقتصاد، ودعم قطاعاته (لا سيما الصناعات الدفاعية والعسكرية) بـ”العودة إلى النظام البرلماني، وفتح الباب للتعاون مع صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية، وتعزيز حقوق الإنسان والترسيخ لحرية التعبير”.
من هنا، نفهم مغزى قول أردوغان “هم (المعارضة) يتحدثون عن البصل، ونحن نتحدث عن الغواصات والسيارات الكهربائية وحاملات الطائرات والمقاتلات النفاثة واستخراج الغاز، وهي جميعًا صناعة وطنية 100%”، فهل تواصل المعارضة تسطيح المكتسبات الوطنية لأهداف سياسية-انتخابية، أم تراجع نفسها وتضع ما تحقق في المكان اللائق دعمًا للجهود الوطنية؟