الحديث عن معاناة اللاجئين السوريين لا تنتهي فصوله، خاصة في لبنان الذي لجأ إليه أكثر من مليون ونصف مليون لاجئ سوري فرارًا من جحيم الحرب التي استهدفتهم وهجرتهم وترفض عودتهم إلى بيوتهم وأرضهم وقراهم.
وقد زاد من حدة معاناة اللاجئين السوريين في لبنان، الأزمة التي عصفت بهذا البلد على المستوى الاقتصادي، فقد تهاوت العملة الوطنية اللبنانية وزادت البطالة والتضخم وتراجعت أسواق العمل وانكمش الاقتصاد، ما أرخى بثقله على اللاجئين السوريين وضاعف من معاناتهم، بل حول جزءًا من أزمة اللبنانيين الاقتصادية إلى نوع من العنصرية عند البعض، ممن رفض وجود السوريين في لبنان تحت أي اعتبار أو عنوان، بل وحمّل وجودهم مسؤولية الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي يعاني منها، كما لو أنهم هم المسؤولون عن سياسة لبنان الاقتصادية.
وبالعودة إلى الحديث عن معاناة اللاجئين السوريين في لبنان الذين تقول أرقام مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن أعداد اللاجئين السوريين المسجلين لديها تبلغ 865 ألف لاجئ سوري، في حين أن أرقام الموجودين في لبنان قرابة مليون ونصف لاجئ موزعين على نحو 2700 مخيم بين منظم وعشوائي، تدير بعضه مفوضية اللاجئين، وبعضه الآخر جمعيات أهلية لبنانية بالتنسيق مع المفوضية.
وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة اللبنانية طلبت من المفوضية التوقف عن تسجيل اللاجئين اعتبارًا من عام 2015، وتقدم المفوضية خدمات الطبابة والاستشفاء والتعليم والحصص الغذائية للمسجلين لديها، في حين يعاني غير المسجلين لدى المفوضية من انعدام الحصول على هذه الخدمات، كما يعاني المسجلون أساسًا من أنهم لا يستطيعون العمل كونهم مسجلين لدى المفوضية، في حين أن تقديماتها لا تكفي لسد حاجتهم، ما يجعلهم يلجأون إلى العمل في بعض الأعمال التي لا يقوم بها اللبناني، ويضاف إلى هذه المعاناة معاناة من نوع آخر تتصل بالطلاب وخاصة الجامعيين أو الذين ينهون دراستهم ولا يجدون سبيلًا للعمل في بلد يعاني من أزمة اقتصادية حادة.
سوق العمل الذي يعمل به السوريون
بسبب الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان والغلاء الفاحش الذي اجتاحه بعد انهيار العملة اللبنانية إلى مستويات قياسية، اضطر اللاجئون السوريون إلى ممارسة العديد من الأعمال من أجل تأمين لقمة العيش وسد رمق أسرهم، ما جعلهم يواجهون مشكلات كثيرة وعديدة خاصة مع ارتفاع منسوب الخطاب العنصري والدعوة إلى إعادة اللاجئين إلى سوريا وتحميلهم مسؤولية الأزمة، لا سيما في قطاعات الكهرباء والاتصالات والمياه وغيرها.
لا يُعرف على وجه الدقة عدد العمال السوريين العاملين في لبنان، لكن أغلبهم يعمل في الزراعة بشكل أساسي وفي أعمال البناء والتشييد، وبشكل أقل في أعمال التجارة، لا سيما تجارة الخضراوات والفاكهة، وكذلك في أعمال الفنادق والمطاعم، وتواجههم مشكلات عديدة في أثناء القيام بهذه الأعمال رغم أن اللبنانيين لا يشتغلون بها.
وللتدليل على حجم المعاناة التي يعانيها اللاجئون في هذه القطاعات فضلًا عن غيرها، تقول “رغدة” وهي ربة منزل وأم لأربعة أولاد وتقيم في مخيم للاجئين السوريين في سهل مرجعيون جنوب لبنان إنها تلجأ هي والعديد من نساء المخيم إلى العمل في جني المحاصيل الزراعية من السهل على هيئة مجموعات من النساء يجمعن البطاطا والبندورة وغيرها من المزروعات مقابل الحصول على مبلغ مالي تعده زهيدًا، حيث تُعطى المرأة العاملة 350 ألف ليرة عن كل ثماني ساعات عمل، بينما يتقاضى الرجل العامل في العمل نفسه 400 أو 450 ألف ليرة (ما يعادل 4 دولارات أمريكية)، أما الفتيات الصغيرات اللواتي يعملن مع أهلهن فإنهن يتقاضين 150 أو 200 ألف ليرة.
وعن المعاملة التي تتلقاها النساء من أرباب العمل في أثناء عملهن، تشير رغدة إلى أن ذلك يختلف من شخص لآخر، فهناك أرباب عمل يحاولون أن يجعلوا العمال يعملون دون توقف ويخصمون من الأجر اليومي لأقل وأتفه الأسباب، فضلًا عن أن البعض منهم يحاول المماطلة في دفع الأجر، وهناك بعض أرباب العمل يؤدون الحقوق على أكمل وجه ولا يُتعبون العمال في عملهم.
كما تشير رغدة إلى معاملة من نوع آخر، حيث تقول إن بعض أرباب العمل يحاولون التحرش أحيانًا ببعض النساء العاملات أو الفتيات منهن من خلال الألفاظ الخارجة عن الأدب واللياقة، وتكتفي بهذا القدر وترفض إضافة أي معلومة أخرى.
من ناحيته يقول “رشيد” وهو رجل في العقد الرابع من العمر، يعمل في مزرعة أبقار إنه يقوم بكل ما تتطلبه أعمال المزرعة ويتقاضى راتبًا شهريًا عبارة عن 6 ملايين ليرة لبنانية لا تكفيه هو وعائلته لتأمين مصاريف الأكل والشرب، ويشير إلى أنه طالب صاحب المزرعة بزيادة الراتب، فرفض وخيره بين البقاء أو ترك العمل، وأضاف رشيد “اضطرت إلى البقاء في العمل لأنني لا أملك خيارًا آخر”.
صنوف كثيرة من المعاناة التي يعيشها ويعاني منها اللاجئون السوريون في لبنان منها ما يتصل بالقوانين اللبنانية التي تضيق الخناق على العمال واللاجئين كل يوم، ومنها الممارسات التي يمارسها بحقهم مشغلوهم من اللبنانيين، ومنها ما يتصل بإجراءات الترحيل
أما “أبو أحمد” وهو رجل في العقد السادس من العمر، فكان يعمل في حراسة مجمع سكني فيما تقيم عائلته بعيدًا عن المجمع بما يقارب 15 كيلومترًا يضطر إلى قطعها ذهابًا وإيابًا كل يوم على دراجة نارية، يقول أبو أحمد إنه يعمل من الساعة السابعة صباحًا حتى الخامسة مساءً مقابل بدل مالي قدره أربعة ملايين ونصف، وهو معيل لعائلة تتكون من سبعة أشخاص، ويضيف “اضطررت إلى ترك العمل لأن ما أتقاضاه من بدل مالي لا يكفيني، فضلًا عن أنني أدفع قسمًا كبيرًا منه ثمنًا للمحروقات وصيانة الدراجة النارية”، كما أنه يضطر في الكثير من الأحيان إلى تغيير الطريق التي يسلكها إلى مسلك آخر من أجل الوصول إلى مكان العمل حتى لا يصادف حواجز أمنية لأن دراجته النارية غير قانونية.
من ناحيته يقول “مصطفى” وهو شاب عشريني ويعمل حارسًا ليليًا في مشروع مباني قيد الإنشاء إنه يسهر طوال الليل لحراسة المشروع من أن يأتي أي شخص لسرقة شيء منه، ويتحمل مسؤولية كبيرة في هذا العمل، فضلًا عن التعب والسهر، وأنه يتقاضى بدلًا ماليًا غير مكافئ، بحسب تعبيره.
ويضيف مصطفى إنه لا يستطيع العودة إلى سوريا خوفًا من اعتقاله من النظام، ويعيش وحده في لبنان، وقد خطب فتاة سورية تقيم في منطقة البقاع فيما يعمل هو في منطقة ساحل الشوف (المسافة بين البقاع الشمالي وساحل الشوف قرابة 140 كيلومترًا)، وعند سؤاله كيف يلتقي بها ومتى يزورها، يقول إنه يزورها كل شهرين أو ثلاثة أشهر مرة لبضعة أيام، وفي الفترة الأخيرة خاف من الانتقال إلى البقاع لأن إقامته غير قانونية، وأشار إلى أنه حاول في وقت سابق تجديد الإقامة إلا أن الجهات المعنية في لبنان قالت له لا داعي لذلك، وهو الآن متخلف قانونيًا بنظر السلطات ويواجه هذه المشكلة.
بدوره يقول “أبو الخير” إنه يعمل في الأعمال والمهن الحرة (بلاط) لكن هذه المهنة يرتبط العمل بها بمشاريع البناء والسكن المتوقفة في لبنان، وقد اضطر إلى التعويض عن العمل بهذه المهنة بالعمل في صيد السمك لتأمين قوت عائلته المؤلفة من ستة أشخاص.
مضيفًا “في أثناء ذهابي إلى صيد الأسماك في منطقة قريبة من بيروت وخلال وجودي على الشاطئ ركنت دراجتي النارية بعيدًا عني قليلًا، وقد أتى عليها لصان وسرقا الدراجة، علمًا بأنه لم يمضِ وقت طويل على شرائها، وأقوم بالانتقال بها لإنجاز بعض الأعمال، وأنا الآن من دون دراجة، ولم أذهب إلى المخفر لتقديم شكوى بذلك خوفًا من تحويلي إلى الأمن العام ومن ثم إصدار أمر بترحيلي إلى سوريا، لقد خسرت الدراجة وثمنها ألف دولار أمريكي، وخسرت معها مصدر رزقي”.
هي صنوف كثيرة من المعاناة التي يعيشها ويعاني منها اللاجئون السوريون في لبنان منها ما يتصل بالقوانين اللبنانية التي تضيق الخناق على العمال واللاجئين كل يوم، ومنها الممارسات التي يمارسها بحقهم مشغلوهم من اللبنانيين، ومنها ما يتصل بإجراءات الترحيل التي تشدد عليهم كثيرًا بهدف تقليل أعدادهم في لبنان.
وفي كل الأحوال يدفع اللاجئون الثمن، رغم حاجة سوق العمل اللبناني إليهم في العديد من الأعمال واعتراف اللبنانيين بهذه الحاجة.