اشتعلت الانتخابات الرئاسية التركية بين الرئيس الحالي، رجب طيب أردوغان (ممثل تحالف الشعب الحاكم)، ومنافسه كمال كليجدار أوغلو (مرشح تحالف الأمة المعارض)، قبل 3 أيام فقط من يوم الحسم (الأحد 28 مايو/ أيار الجاري)، على خلفية التطورات الدرامية المرتبطة بأطراف تحالف الأجداد الانتخابي.
وتمثل نسبة الـ 5% التي صوتت لتحالف الأجداد تحديًا لطرفَي الجولة الثانية في الانتخابات التركية (أردوغان الراغب في تعزيز كتلته التصويتة، وكليجدار أوغلو الحريص على زيادة عدد ناخبيه)، كون هذه النسبة من شأنها التأثير على الانتخابات المتزامنة مع نهاية الـ 100 عام الأولى من عمر الجمهورية التركية.
وبين عشية وضحاها، أصبح تحالف الأجداد ملء السمع والبصر، رغم حصول مرشحه سنان أوغان (56 عامًا)، خلال الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية، على نسبة 5.17% من إجمالي أصوات الناخبين في الداخل والخارج.
ورغم أن سنان أوغان لا يحقّ له خوض الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة التركية، إلا أن السؤال الأهم الذي يحظى باهتمام محلي وعالمي: لمن ستذهب أصوات أحزاب تحالف الأجداد بعد انحياز أوغان لأردوغان، ومبادرة زعيم حزب النصر (أكبر أحزاب الأجداد)، أوميت أوزداغ، بالتحالف مع كليجدار أوغلو؟
ويصنَّف سنان أوغان وأوميت أوزداغ ضمن التيار اليميني المتطرف، في ضوء التصريحات الصادرة عنهما خلال الشهور القليلة الماضية، خاصة تجاه اللاجئين وتبنيهما خيار الطرد المباشر للمهاجرين، مع دعمهما للجهود الحكومية التركية في مكافحة الإرهاب والتصدي للأجنحة السياسية المتحالفة مع الإرهابيين.
تركيبة تحالف الأجداد
خلال فترة التحضير الاستباقية للانتخابات العامة التركية (الرئاسة والبرلمان)، حرص أشهر رئيس لحزب النصر، أوميت أوزداغ (أشهر قيادات تحالف الأجداد لاحقًا)، على الوقوف على مسافة واحدة من التحالفات الرئيسية (الشعب الحاكم والأمة المعارض)، مؤكدًا أنه “لن يتحالف مع أي حزب آخر لخوض انتخابات مايو/ أيار 2023”.
لكن منذ شهر يونيو/ حزيران 2022 حتى 11 مارس/ آذار 2023، تشكل تحالف الأجداد عبر التقارب مع أحزاب قومية وليبرالية (العدالة، بلدي، والتحالف التركي)، ورغم عدة جلسات جمعته مع السياسي محرم إنجه (مرشح رئاسة الجمهورية المنسحب فيما بعد)، إلا أنها فشلت في ضمّ حزبه الوطن إلى تحالف الأجداد.
ولم يكن حزب الوطن برئاسة محرم إنجه الوحيد في رفض التحالف مع الأجداد، إذ اتخذ رفعت سيردار أوغلو، رئيس حزب القويم (الصحيح)، القرار نفسه خلال فترة التحضير للانتخابات، اعتراضًا على ترشيح سنان أوغان وتحذيره من أن “تفتيت أصوات المعارضة سيخدم أردوغان”.
وكان أوميت أوزداغ البرلماني الوحيد في تحالف الأجداد قبل خسارته للمقعد في الانتخابات الحالية، فيما ينحاز حزب العدالة الليبرالي المحافظ (أُعيد تأسيسه عام 2015) للمبادئ الكمالية والعلاقة بأوروبا وأمريكا، وتأسّس حزب بلدي القومي عام 2019، وحزب التحالف التركي القومي عام 2020.
وقبل انتخابات 14 مايو/ أيار، أعلن تحالف الأجداد برنامجه الانتخابي الذي يتوافق مع توجهات أحزابه (العودة إلى النظام البرلماني، طرد المهاجرين غير الشرعيين، والعمل على ترحيل اللاجئين النظاميين وفق جدول زمني سريع، النهوض بالاقتصاد التركي، ودعم القطاعات الإنتاجية، والعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء).
وترى قيادات تحالف الأجداد أنه “لولا الأصوات التي حصل عليها مرشحها سنان أوغان خلال الجولة الأولى، لما ذهبت الانتخابات الرئاسية التركية إلى الجولة الثانية، بعد فشل مرشح المعارضة كليجدار أوغلو في تحقيق نتيجة متقدمة، وإخفاق أردوغان في تحقيق نسبة الـ 50+1 من إجمالي أصوات الناخبين”.
موقف سنان أوغان
يتبنّى سنان أوغان (المرشح الرئاسي لتحالف الأجداد في الجولة الماضية) نهجًا متشددًا في ملف اللاجئين والمهاجرين، مفاده “إجبارهم على العودة لبلادهم بشكل قانوني، حتى ولو بالقوة. سنجبرهم على العودة. لماذا لا يقيمون في مخيمات اللاجئين؟ سنعيد اللاجئين خلال عام واحد فقط”.
المفارقة أن سنان أوغان (الأكاديمي الأذربيجاني الأصل، العضو السابق في حزب الحركة القومية المرشح لرئاسته عام 2015) خاض جولة رئاسة الجمهورية التركية دون رابط تنظيمي بأي من أحزاب تحالف الأجداد، الذي بادرت كياناته بمنح أوغان العتبة القانونية المطلوبة لخوض انتخابات الرئاسة (100 ألف صوت).
وخلال مسيرته السياسية، اعتمد سنان أوغان على دعم أهل منطقته أغادير (شرق منطقة الأناضول)، حتى أنه نجح بأصواتهم (معظمهم من أصول أذربيجانية) في دخول البرلمان التركي عام 2011، قبل اعتراضه على التقارب بين زعيم حزب الحركة القومية، دولت بهشلي، وأردوغان، ومن ثم ترك الحركة القومية عام 2017.
المرشح الخاسر سنان أوغان يعلن دعمه لتحالف الجمهور بقيادة رجب طيب أردوغان في الجولة الثانية من #الانتخابات_التركية.
?حصل سنان على نسبة 5.17%من الأصوات في الجولة الأولى والتي يشكك المحليين في قدرته على توجيهها.
?اختلاف أوغان مع حلفه الذين ترشّح عنه (الأتا) في الجولة الأولى… pic.twitter.com/BLBLXwtZnj
— نون بوست (@NoonPost) May 22, 2023
ورغم أن سنان أوغان لم يكن من الداعمين لتعديل الدستور التركي (استفتاء 2017) على عكس الحركة القومية، إلا أنه ظل مخلصًا (عن بُعد) للحركة، حتى أنه رفض تأسيس أي حزب جديد، وخاض انتخابات 2023 من دون غطاء حزبي تنظيمي، مكتفيًا بإعلان تحالف الأجداد اختياره مرشحًا لرئاسة الجمهورية قبل 14 مايو/ أيار.
لكن أوغان حاول التخفيف ممّا يتردد في هذا الشأن، قائلًا: “موقفي يتوافق مع التيار الرئيسي للسياسة التركية -تحالف الشعب بقيادة أردوغان-، عبّرت عن خطوطي الحمراء دون أي مساومة أو مشاركة أو التزام.. أتمنى أن يكون القرار الذي اتخذته في إطار مبادئنا الأتاتوركية والقومية، ومفيدًا للأمة التركية”.
من جانبه، حرص أردوغان على نفي وجود “مساومة أو تدخل في مفاوضات السيد سنان أوغان”، الذي روّج قبل انحيازه لأردوغان أنه يتمسّك بـ”إعادة اللاجئين، عدم تعديل البنود الأربعة الأولى من الدستور، الإبقاء على تعريف التركية، محاربة كل التنظيمات الإرهابية، وتبني سياسة اقتصادية أكثر مرونة في سياسات الفائدة”.
وترك أردوغان الباب مورابًا في الملف الأشد حساسية: “تركيا تدعم العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين. مسألة عودة اللاجئين مُدرَجة على أجندة مسار الحوار الرباعي -تركيا وروسيا وإيران وسوريا-، بعد الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية يمكن وضع خارطة طريق بخصوص اللاجئين”.
أوميت أوزداغ الشعبوي
أسّس اليميني القومي أوميت أوزداغ حزب النصر (الظفر) المتشدد في 26 أغسطس/ آب 2021، متبنيًا لخطاب يتماهى مع أفكار اليمين الأوروبي تجاه قضية الهجرة واللجوء، معتمدًا على عضويته في البرلمان التركي (الجمعية الوطنية الكبرى)، غير أن توجهاته أفقدته المقعد البرلماني الوحيد للحزب في انتخابات 14 مايو/ أيار الجاري.
وقبل تأسيسه لحزب النصر، اشتهر أوميت أوزداغ بخلافاته مع الأحزاب التركية التقليدية، إذ انتقد سياسات حزب العدالة والتنمية (الحاكم) في التعامل مع ملف اللاجئين، ووجّه اتهامات بالفساد لقيادات أحزاب سياسية أخرى، وحينها وصلت علاقته بقيادات حزبَي الحركة القومية والشعب الجمهوري إلى مرحلة القطيعة.
دعمه أملاً في الحصول على وزارة الداخلية وأطلق وعوداً منذ الصباح ليخرج ببروتوكول لا يذكر فيه اسمه حتى.. ما قصة تحالف أوميت أوزداغ وكليجدار أوغلو#الانتخابات_التركية pic.twitter.com/0wfBou7KEg
— نون بوست (@NoonPost) May 24, 2023
ويستفيد أوميت أوزداغ ممّا يمكن تسميته بـ”الشهرة السلبية” عبر خطابه العنصري، الذي يميل إلى التحريض المباشر على اللاجئين والمهاجرين في تركيا، لا سيما السوريين، وتعمّده ترويج أرقام ومعلومات مغلوطة بهدف تأليب الرأي العام ضدهم، ما جمع حوله شريحة من الأصوات الشعبوية المتطرفة التي تقتنع بأسلوبه المتشدد.
لكن هذه الكتلة تبدو غير مؤثرة في الواقع، كونها فشلت في الحفاظ على مقعده البرلماني (في غازي عنتاب) خلال الانتخابات الأخيرة، وهو مؤشر مهم جدًّا في تقييم قوته السياسية في المشهد العام التركي، ما يرجّح أن هذه الكتلة ستتراجع خلال الجولة الثانية للانتخابات، ولن تكون مؤثرة بقوة في نتيجة انتخابات الرئاسة.
تقارب المصالح الشخصية
ويتفق رئيس حزب النصر، أوزداغ، مع مرشح رئاسة الجمهورية كليجدار أوغلو على أجندة تشمل “إرسال اللاجئين لبلادهم خلال عام واحد” وملفات أخرى (عدم تغيير المواد الـ 4 من الدستور التركي ومكافحة الإرهاب)، غير أن مستقبل العلاقة سيكون عرضة للصدام إذ أنه تحالف تحكمه مصالح شخصية.
وشدد أوميت أوزداغ (خلال إعلانه عن دعم كليجدار أوغلو في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية التركية) على أن “تركيا تعاني من 13 مليون طالب لجوء وهارب. رفاه الشعب التركي لن يتحقق إلا بعودتهم لبلادهم”، وقد “اتفقت مع كليجدار أوغلو على إعادتهم إلى بلدانهم خلال عام”، لكنه لم يوثّق الرقم المذكور.
وقال أوميت أوزداغ (الذي يروّج أنه سيصبح وزيرًا للداخلية بعد فوز كليجدار أوغلو): “أطالب كل من صوتوا لتحالف الأجداد في الجولة الأولى، التصويت لكليجدار أوغلو في الجولة الثانية”، رغم أن انحيازه (مع حزب العدالة) لكليجدار أوغلو لن يضيف له أكثر من مليون و500 ألف صوت.
لا حديث لهم سوى #اللاجئين وتحريض الشارع عليهم.. المعارضة التركية تُسعّر خطاب
الكراهية ضد المهاجرين وتُلوّح بملفهم كآخر ورقة لها للفوز بالجولة الثانية للانتخابات #الانتخابات_التركية pic.twitter.com/xTnRVyDggL— نون بوست (@NoonPost) May 22, 2023
ولم ينكر كليجدار أوغلو (رغم التزامه قبل انتخابات 14 مايو/ أيار بخطاب وسطي) ما أعلنه أوميت أوزداغ حول عودة اللاجئين، لكنه تشدد سياسيًّا وإعلاميًّا ضد اللاجئين والمهاجرين، وكذلك حليفته ميرال أكشينار (زعيمة حزب الجيد)، لضرورة تبنّي سياسات أشد قوة تجاه ملف اللجوء ومواجهة المهاجرين في تركيا.
ويفسّر مراقبون لجوء كليجدار أوغلو للخطاب المتشدد لدغدغة مشاعر الكتلة التصويتية للأحزاب القومية (المنتشرة بين تحالفات السلطة والمعارضة)، بعدما حصلت في الجولة الأولى على أكثر من 22.26% من إجمالي أصوات الناخبين، من بينها نسبة 10.07% لحزب الحركة القومية فقط، منحته 50 مقعدًا برلمانيًّا.
ويتوقع مراقبون أن يتسبب تحالف أوميت أوزداغ مع كليجدار أوغلو في خلافات داخل تحالف الأمة المعارض، خاصة مع الحزبَين الأحدث تأسيسًا في التحالف (الديمقراطية والتقدم بقيادة علي باباجان، والمستقبل برئاسة أحمد داوود أوغلو)، حول ملف اللاجئين السوريين تحديدًا، وملفات أخرى جدلية.
أيضًا، قد يتأثر التحالف (غير الرسمي) بين كليجدار أوغلو وتحالف العمل والحرية الكردي، كون الخطاب المتشدد لأوزداغ يتعارض مع الأجندة التي يطالب بها الأكراد الذين يقلقهم الخطاب القومي المتشدد من الأحزاب اليمينية التركية، وهو أمر ينعكس على أصوات الكتلة الكردية (أكثر من 10%) بحكم النتائج الأخيرة.
أسباب توازن القوة
المؤكد أن سنان أوغان (غير المنتمي لأي حزب سياسي في تحالف الأجداد) لا يضمن توجيه عدد الأصوات التي حصل عليها في انتخابات 14 مايو/ أيار لصالح أردوغان في 28 مايو/ أيار الجاري، كما أن أوميت أوزداغ (رئيس أكبر حزب في التحالف نفسه) لا يتحكم في توجيه نسبة الأصوات المذكورة لكليجدار أوغلو.
التوازن يعود إلى أن سنان أوغان كان نجم التحالف، ولسان حاله في الجولة الأولى للانتخابات خلال المؤتمرات الانتخابية والحملة الدعائية للأجداد، كما أن أوميت أوزداغ هو صانع سياسات التحالف، وواضع الجزء الأهم من برنامجه الانتخابي، كما أنه صاحب الصوت الأعلى فيه، ما يعزز كفّة الطرفَين.
نعم، حقّق تحالف الأجداد أكثر من 2 مليون و800 ألف صوت (تعادل نسبة 5.17% من إجمالي الأصوات الصحيحة التي شاركت في انتخابات 14 مايو/ أيار الجاري)، لكنها باتت كتلة تصويتية متحررة من الالتزام الجماعي للتحالف، بعد انحياز أطرافه لمواقفهم الشخصية في دعم أردوغان وكليجدار أوغلو.
من “إخوتنا” و”لا نسمح بالعنصرية تجاههم” إلى وصفهم بقطاع الطرق وأدوات للجريمة .. كيف تحوّل خطاب #كليجدار_أوغلو ضد اللاجئين قبل وبعد الجولة الانتخابية الأولى؟ #الانتخابات_التركية pic.twitter.com/zUhCIQxndF
— نون بوست (@NoonPost) May 23, 2023
وتمَّ حلّ تحالف الأجداد فعليًّا بعد انتخابات 14 مايو الجاري، وأصبح كل حزب فيه مخيّر في انحيازه السياسي، بدليل أن فيديت أوز، رئيس حزب العدالة (ثاني أكبر كيان في التحالف) الذي قرر دعم كليجدار أوغلو، قال: “تحالف الأجداد لم يعد قائمًا، وكل حزب يقرر ما يريد. تشاورنا من باب المجاملة السياسية”.
بدوره، اعترف أوميت أوزداغ في تغريدة عبر تويتر بأن “تحالف الأجداد بات منتهيًا، وأن كل شخصية وكل طرف فيه سيكون له قرار منفرد”، ما يؤكد أن التحالف لم يعد له أي دور تنظيمي في تعبئة وحشد أصواته (الـ 5%) حاليًّا، وأن الخيارات السياسية تحكمها مصلحة كل طرف كان موجود فيه.
أيضًا، ستحجُم شريحة من الأصوات التي كانت محسوبة على تحالف الأجداد عن المشاركة، نتيجة تشددها ضد مرشحَي الانتخابات الرئاسية (أردوغان وكليجدار أوغلو)، في جولة الأحد القادم، ومن ثم إن نسبة الـ 5.17% لن تكون قوة حاسمة لكنها ستكون معززة للنتيجة العامة، حال حفاظ المرشحَين على أصواتهما التقليدية.
وحصل أردوغان على 49.52% من إجمالي الأصوات الصحيحة في انتخابات 14 مايو/ أيار، مقابل 44.88% من الأصوات لكليجدار أوغلو، وصوّت الناخبون الأتراك المقيمون في الخارج (3.4 ملايين من بين أكثر من 64 مليون ناخب تركي) في ثاني جولات انتخابات الرئاسة التي تشترط فوز أحد المرشحين بصوت واحد، على عكس الجولة الأولى التي كانت تتطلب 50+1 من إجمالي الأصوات.