ربما لم يفاجأ أي مواطن سوداني بالتقرير الذي نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية يوم الأربعاء 9 أغسطس/ آب، والذي كشفت فيه أن دولة الإمارات العربية المتحدة أرسلت سرًّا شحنات أسلحة وذخائر إلى ميليشيا الدعم السريع في يونيو/ حزيران الماضي عبر عنتيبي الأوغندية، لمساعدة حليفها محمد حمدان دقلو في معركته الرامية إلى السيطرة على السودان.
#UAE covertly shipped arms and munitions to #Sudan in June via Entebbe, disguised as humanitarian aid, destined to support #Hemedti and the #RSF in their battle for control in the country https://t.co/Joufvo6YME
— Dr Andreas Krieg (@andreas_krieg) August 10, 2023
50 رحلة جوية
كان متعقب الرحلات الجوية الذي يعرّف نفسه باسم غريون (Gerjon)، قد انفرد واستبق منذ أواخر يونيو/ حزيران الماضي تقرير الصحيفة الأمريكية واسعة الانتشار، عندما كشف عن جسر جوّي إماراتي ينطلق من مطار الريف العسكري في أبوظبي إلى تشاد المجاورة للسودان عبر أوغندا، لافتًا إلى أن عدد رحلات الشحن الجوي الإماراتية وصل إلى 50 رحلة.
New blog post! Between 16 May 2023 and today, there have been at least 28 cargo flights between the 🇦🇪UAE and an unknown destination in Africa, via 🇺🇬Entebbe.
Some of the flights depart from the military apron at 🇦🇪Abu Dhabi International Airport.
Link👇🏻https://t.co/i55CEnHevx pic.twitter.com/bTxWgbllSl
— Gerjon | חריון | غريون | ኼርዮን (@Gerjon_) June 30, 2023
بعد أيام قليلة من إعلان متعقب الرحلات عن الجسر الجوي وانتشار الخبر على نطاق واسع، حاولت الإمارات التغطية على الموضوع بنشر خبر وزعته وكالة الأنباء الرسمية “وام” يوم 4 يوليو/ تموز، بعنوان “الإمارات تشيّد مستشفى ميدانيًّا في أم جرس التشادية لدعم الأشقاء السودانيين اللاجئين إلى تشاد”.
لكنّ متعقب الرحلات الجوية غريون قال في تغريدة أخرى، إن الأشخاص المطّلعين على الأمر أخبروه بأن عدد الرحلات الجوية (50 رحلة) أكبر بكثير من المعتاد بالنسبة إلى مستشفى ميداني.
وبحسب “وول ستريت جورنال”، فإنّ وثائق كشفت عن وصول هذه الأسلحة عبر طائرة مساعدات إماراتية هبطت في عنتيبي بأوغندا في يونيو/ حزيران الماضي، إذ تمَّ الإعلان حينها أن الطائرة محمّلة بالمساعدات الإنسانية.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أوغنديين قولهم إنهم عثروا على عشرات الصناديق البلاستيكية الخضراء في مخزن شحن الطائرة المليء بالذخيرة والبنادق الهجومية والأسلحة الصغيرة الأخرى، وذلك بدلًا من المواد الغذائية والإمدادات الطبية المدرجة في بيانات الطائرة.
وكانت الأسلحة التي تمَّ اكتشافها في 2 يونيو/ حزيران في مطار عنتيبي جزءًا من جهد قامت به الإمارات، لدعم محمد حمدان دقلو “حميدتي”، أمير الحرب الذي يقاتل من أجل السيطرة على ثالث أكبر دولة في أفريقيا، وفقًا لـ”وول ستريت جورنال”.
أسلحة إماراتية لحميدتي
حول تفاصيل شحنات الأسلحة الإماراتية، تحدث “نون بوست” إلى وليد آدم، وهو مهندس طيران مهتم بالتسلح وأنظمة الاعتراض، والذي توقّع أن الشحنات الإماراتية تضمنت بنادق خفيفة ومتوسطة، فضلًا عن ذخائر مدفعية، وقذائف مورتر، ومسيّرات صغيرة، وصواريخ محمولة على الكتف (مضادة للطيران مثل إيغلا والدروع مثل آر بي جي 7)، إلى جانب صواريخ كورنت المضادة للدبابات، لافتًا إلى أن الأخيرة من المؤكد أنه تمَّ إرسالها.
لفت آدم إلى أن أبوظبي من المحتمل أن تكون أرسلت لحميدتي مركبات دفع رباعي مصفّحة، إذ استخدمت طائرات الشحن العملاقة من طراز سي-17 التي تمتلك أسطولًا كبيرًا منها، واستخدمتها من قبل لشحن السلاح إلى الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر.
لكنه استدرك أن الإمارات استخدمت طائرات الشحن إليوشن إي إل-76 لنقل الأسلحة إلى أوغندا، ومنها إلى تشاد لتهريبها إلى الدعم السريع عبر إقليم دارفور الحدودي مع تشاد.
وأضاف محدثنا أن تلك كانت أبرز أنواع الأسلحة التي خسرها الدعم السريع في الخرطوم بسبب قصف مقاتلات الجيش السوداني، مبديًا مخاوفه من عواقب وصول تلك الشحنات إلى الخرطوم إذا لم ينجح الجيش في التعامل معها قبل وصولها.
ويرى وليد آدم في حديثه لـ”نون بوست” أنه ليس من الضروري أن يكون هدف أبوظبي من دعمها المستميت لميليشيا الدعم السريع، الرغبة في سيطرة حميدتي على السودان ككل، مشيرًا إلى أن الأهداف تتغير بتغيُّر طبيعة الأوضاع على الأرض، فقد تكتفي الإمارات حاليًّا بالرغبة في تقسيم السودان إلى حكومتَين أو أكثر كما حدث في اليمن وليبيا وسوريا، من أجل إضعافه وسهولة السيطرة عليه.
أبوظبي نجحت في شراء ولاء رئيس تشاد
ردًّا على سؤال من “نون بوست” عمّا إذا كانت حكومة تشاد تعلم بأمر شحنات السلاح الإماراتية، قال الدبلوماسي الأمريكي السابق كاميرون هدسون: “نعم، لقد دفعت الإمارات العربية المتحدة للجنرال كاكا مقابل الوصول إلى مطار أم جرس”، ملمّحًا إلى الزيارة التي أجراها الرئيس الانتقالي لتشاد، محمد ديبي، إلى أبوظبي خلال يونيو/ حزيران الماضي، عندما تلقى دعوة رسمية لزيارة الإمارات.
رجّحت مصادر تشادية حينها أن الإمارات استهدفت استغلال موقع تشاد كدولة حدودية مع السودان، لاستخدامها في تهريب الأسلحة والعتاد العسكري لقوات الدعم السريع.
وأضاف هدسون، الذي عمل سابقًا في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، أن القوات المسلحة السودانية تعلم بشحنات الأسلحة، وقد حذّرت محمد إدريس ديبي “كاكا” بالفعل من أنه إذا استمرت الشحنات، فستستخدم القوات المسلحة السودانية طائراتها من دون طيار لتدمير مطار أم جرس.
قال الدبلوماسي الأمريكي أيضًا إن دولة الإمارات بإرسالها للسلاح إلى حميدتي، تنتهك العقوبات الدولية المفروضة على حظر السلاح إلى دارفور، حيث تهدد واشنطن الذين يساعدون الأطراف على إطالة أمد الحرب، لكنه استدرك قائلًا: “تقرير “وول ستريت جورنال” يوضح أن الولايات المتحدة حذّرت الإمارات، لكنها لم تفعل شيئًا آخر لإيقافها أو معاقبتها”.
وبالعودة إلى ما ذكره هدسون من أن أبوظبي قد تمكنت من شراء ولاء الرئيس المؤقت لتشاد الجنرال محمد كاكا، فإن وسائل إعلام إماراتية ذكرت في الأيام الماضية أن أبوظبي قدمت آليات عسكرية ومعدّات أمنية لتشاد، وذلك “لتمكينها وتعزيز قدراتها في مجال مكافحة الإرهاب ودعم برامج حماية الحدود”.
الإمارات تدعم تشاد بمعدات عسكرية لمكافحة الإرهاب
pic.twitter.com/a1giACe1Tk
— علي بن محيل البدواوي (@Emaratii) August 6, 2023
وتابعت “وكالة أنباء الإمارات” أن المبادرة تأتي في إطار العلاقات المتميزة بين البلدَين على مختلف الأصعدة، التي تُوّجت بتوقيع عدة اتفاقيات ثنائية، منها اتفاقية التعاون العسكري في يونيو/ حزيران الماضي خلال زيارة رسمية لمحمد إدريس ديبي، الرئيس الانتقالي لتشاد، إلى أبوظبي.
كما أضافت أن سفير دولة الإمارات لدى تشاد، راشد سعيد الشامسي، سلّم الآليات والمعدّات إلى الفريق ركن داوود يحيى إبراهيم، وزير الدفاع التشادي، بحضور رئيس الأركان العامة ورئيس الاحتياطي الاستراتيجي للجيش التشادي وكبار الجنرالات.
تعليقًا على الموضوع، دوّن الصحفي التشادي سعيد أبكر على صفحته بمنصة التواصل الاجتماعي “إكس” -تويتر سابقًا-: “تصاعدت وتيرة العلاقات التشادية الإماراتية بعد الأزمة السودانية، قدمت الإمارات بالأمس 15 مدرعة للجيش التشادي، وقالوا للحكومة التشادية إن “أول الغيث قطرة”، وأن الدعم العسكري سينهال عليكم.. هل ما تقدمه الإمارات إلى الحكومة التشادية يدخل في باب تحييد التشاديين في الملف السوداني؟”.
تصاعدت وتيرة العلاقات التشادية الإماراتية بعد الأزمة السودانية، قدمت الإمارات بالأمس ١٥ مدرعة للجيش التشادي، وقالوا للحكومة التشادية إنَّ (أول الغيث قطرة)، وأن الدعم العسكري سينهال عليكم.
هل ما تقدمه الإمارات إلى الحكومة التشادية يدخل في باب تحييد التشاديين في الملف السوداني؟ pic.twitter.com/bLCV7qOHlQ
— سعيد أبكر أحمد (@seid22Abkar) August 5, 2023
حرق العلم الإماراتي في أم جرس التشادية
وبدوره، نشر الصحفي طاهر زين مقطع فيديو قال إنه لشباب في مدينة أم جرس التشادية، يتجمعون في مسيرة احتجاجية للمطالبة برحيل الإمارات، معبّرين عن رفضهم للأنشطة المشبوهة والمثيرة للجدل، حيث هتفوا: “إمارات برة، تشاد حرة”، وجدير بالذكر أنه تمَّ حرق العلم الإماراتي خلال الاحتجاج.
شباب أم جرس في #تشاد يتجمعون في مسيرة احتجاجية للمطالبة برحيل #الإمارات، معبرين عن رفضهم للأنشطة المشبوهة والمثيرة للجدل. هتف الشباب: ‘امارات برة، تشاد حرة . #تشاد #احتجاج #الإمارات pic.twitter.com/aPCwWkmN1K
— Tahir Zene (@zenifilsT) August 5, 2023
الجيش السوداني لم يعلق رسميًّا حتى الآن على تقرير “وول ستريت جورنال” رغم الضجة التي أثارها، لكن مندوب السودان لدى الأمم المتحدة ألمح في حديث أمام مجلس الأمن الدولي يوم الأربعاء إلى تورُّط أبوظبي، حيث جاء في بيانه: “هناك قوة إقليمية دعمت العدوان على الحكومة السودانية وأرادت أن يصبح السودان أرضًا مباحة”.
عاجل | مندوب #السودان: هناك قوة إقليمية دعمت العدوان على الحكومة السودانية وأرادت أن يصبح #السودان أرضا مباحة
— الجزيرة – عاجل (@AJABreaking) August 9, 2023
من غير المرجح في الوقت الحالي أن تقدم حكومة الأمر الواقع السودانية التي يديرها الجيش على اتخاذ إجراء دبلوماسي ضد الإمارات، مثل طرد سفيرها أو خفض العلاقات الدبلوماسية معها، لكن ربما ينفّذ الجيش السوداني تهديداته بقصف جوي محدود يستهدف مطار أم جرس، وفق ما ورد في إفادات الدبلوماسي الأمريكي السابق لـ”نون بوست”.
نشرت منصة War Noir المتخصصة في تتبُّع الصراعات والأسلحة المستخدمة فيها، عدة صور وفيديوهات تبيّن استخدام الدعم السريع للأسلحة الإماراتية أو التي اشترتها الإمارات، آخرها كان بتاريخ 6 أغسطس/ آب الحالي.
أخيرًا، الدعم الإماراتي لحميدتي وقواته يشكّل كذلك تحديًا لسياسة الولايات المتحدة، التي تهدف إلى إيجاد حلّ تفاوضي للصراع في السودان، كما يشير أيضًا إلى تراجع القوة الناعمة الأمريكية في المنطقة، إذ لم يزُر رئيس الإمارات محمد بن زايد الولايات المتحدة منذ عام 2017، بدلًا من ذلك توطّدت علاقة أبوظبي مع روسيا والصين خلال تلك الفترة.