ترجمة وتحرير نون بوست
تمكن المستوطنون الإسرائيليون من تغيير الحقائق على الأرض في الضفة الغربية، الآن، في ظل وجود قائدهم المحبوب “نفتالي بينيت”، يبدون عازمين على تغيير الواقع في كل الأرض المحتلة.
بعد فرز الأصوات في الانتخابات العامة الإسرائيلية عام 2009، بدا أن التمثيل السياسي للمجتمع الديني القومي اليهودي يقترب من نهايته، فقد حصل حزب البيت اليهودي، وريث الحزب الوطني الديني الذي كان يُمثل في كل الانتخابات الإسرائيلية منذ تأسيسها، على ثلاثة مقاعد فقط، مقارنة بـ 10 مقاعد أو 12 كان يحصل عليها في أواخر السبعينات.
المتدينون القوميون الذين حاولوا دومًا الجمع بين الالتزام الكامل بالحركة الصهيونية مع التمسك بالتقاليد اليهودية خلافًا لليهود الحريديم الذين رفضوا الفكرة الصهيونية، انتهوا إلى دمجهم بشكل فعّال وحقيقي داخل الأحزاب العلمانية في إسرائيل، خاصة في حزب الليكود، الذي أعطى مساحة لمجتمعات المستوطنين أكبر من تلك التي حصلوا عليها في أي وقت مضى، وهي مجتمعات يظهر فيها القطاع القومي الديني بشدة.
لكن في أواخر عام 2012 جاء نفتالي بينيت، وهو ضابط سابق في وحدة الكوماندوز، حقق ثروة كبيرة في صناعة التكنولوجيا، ليسيطر على حزب البيت اليهودي، وباقي الأحداث سيذكرها التاريخ، بما في ذلك تعيينه في العام الماضي وزيرًا للاقتصاد، ووزيرًا للخدمات الدينية، وهما منصبان لايزال يشغلهما، حصل الحزب على 12 مقعًدا في انتخابات 2013، ويُتوقع أن يحصل على 15 مقعدًا على الأقل في الانتخابات المقرر إجراؤها في مارس المقبل، إنه الحزب الأكثر “موضة” في هذه الأيام.
هناك أكثر من 44 مرشحًا يشاركون في الانتخابات التمهيدية للحزب، أكثر من أي حزب آخر في إسرائيل، بما في ذلك حزبي العمل والليكود، اثنين من مرشحيهم ليسوا يهودًا! أحدهما مسلم والآخر درزي، وهو ما لم يكن مقبولاً على الإطلاق من المرشحين الذين يمثلون الحزب الوطني الديني سابقًا، نشطاء في حزب البيت اليهودي يقولون إنهم يأملون في أن يصبح بينيت رئيسًا للوزراء، إن لم يكن في الانتخابات المقبلة ففي التي تليها.
الحقيقة أن طموح الشخص الممثل “للقلنسوة المحبوكة” (وهو اللقب الذي حصلوا عليه بارتدائهم القبعة اليهودية الشهيرة، على خلاف الطاقية اليهودية من الفراء التي يرتديها اليهود الأرثوذوكس) لم يصل إلى هذا الحد من قبل، وهو ما يمكن اعتباره ثورة سياسية واجتماعية.
حتى في أعلى أيامهم، كانت تلك المجموعة مهمشة دومًا في المجتمع، قصة جانبية بالنسبة للمشروع الصهيوني السائد، صحيح كانت “القلنسوة المحبوكة” هي العمود الفقري لحركة المستوطنين، لكنهم سمحوا لحزب الليكود العلماني بأن يأخذ زمام المبادرة السياسية على مستوى إسرائيل ككل، والآن، مع بينيت في قيادة الحزب، يبدو أنهم يريدون أن ينتقلوا من المقعد الخلفي إلى عجلة القيادة.
الكثير من هذا التغيير يرجع سببه إلى بينيت نفسه، فبغطاء الرأس الصغير على أعلى رأسه الحليقة، يظهر نفتالي كأبعد ما يكون عن الصورة المعتادة للزعيم الديني الذي يردع الكثير من الإسرائيليين العلمانيين، حتى اليمينيين منهم.
إنه أيضًا مثال حي على رجل الأعمال الناجح في صناعة التقنيات المتقدمة، بعد بيع شركة Cyota التي أسسها بمبلغ يفوق 145 مليون دولارًا، وهو إنجاز يحظى بتقدير كبير في الدولة التي تفتخر بأن تطلق على نفسها “أمة المشاريع الصغيرة”.
وكما هو الحال مع الكثيرين في إسرائيل، خدم بينيت كضابط في وحدة الكوماندوز في الجيش، هذه المهنة العسكرية تساعده على تعزيز صورته كوطني حقيقي، وتسمح له أيضًا باعتماد أسلوب حديث شبيه بالأسلوب العسكري المباشر، بينيث يذهب إلى المعبد اليهودي، لكنه لا يستشير الحاخامات قبل اتخاذ القرار السياسي، هو بالتأكيد الزعيم الديني الأقل تدينًا ممن شهدهم الحزب.
لقد كُتب الكثير عن قدسية أرض فلسطين بالنسبة لليهود بعد حرب 1967، لقد صورها الحاخامات ونشطاء المجتمع الديني الوطني على أنها تحقيق وصية الكتاب المقدس، وما كانت الحركة الاستيطانية لتصبح ممكنة من دون هذه المفاهيم.
بينيت يؤمن إيمانًا راسخًا بأن أرض “إسرائيل” ملك للشعب اليهودي، وهذا حق إلهي لليهود وحدهم، وبالتالي فإن فكرة قيام دولة فلسطينية مستقلة على أي جزء من هذه الأرض المقدسة هو أمر غير مقبول، وفي هذا الصدد، فهو يتبع مسار قادة إسرائيل السابقين.
الفارق هو أن بينيت لا يخفي آراءه، إنه لا يطلب أن يتفهمه اليساريون، وقد نُقل عنه قوله: “لقد قتلت الكثير من العرب، ولا مشكلة في ذلك”، وبأن الفلسطين ليسوا إلا “شظايا في مؤخرة”.
“اوقفوا الاعتذار” هو شعار حملته الانتخابية الحالية، هذا هو عكس الشعارات السابقة لمعسكر المستوطنين، والتي كانت تتحدث عن أن “التسوية في قلب كل إسرائيلي”.
خلال عملية الجرف الصامد ضد غزة خلال هذا الصيف، وضع بينيت نفسه موضع المعارضة، ليس فقط ضد بنيامين نتنياهو، ولكن أيضًا ضد الجيش المقدس، فالاثنان مذنبان في عينيه، لعدم جرأتهم بما فيه الكفاية، فقد كان ينبغي عليهم السير لنهاية الطريق وسحق حماس واحتلال غزة بالكامل.
الحقيقة أن معظم الإسرائيليين يرون نتيجة الحرب الأخيرة مع حماس هي التعادل، إن لم تكن خسارة كاملة؛ وهذا ما جُعل تصريحات بينيت تُستقبل بشكل جيد لدى اليمين الإسرائيلي، وليس فقط المتدينين من اليهود.
“داني دايان” الرئيس السابق لمجلس يشع (والذي يمثل المستوطنات) والمرشح العلماني في الانتخابات التمهيدية لحزب البيت اليهودي، قال إن هذا النهج ضمن لبينيت الكثير من الأصوات بين الشباب الإسرائيليين الذين أنهوا خدمتهم العسكرية، ووفقًا لاستطلاعات الرأي، يأتي حزب بينيت على رأس الأحزاب المفضلة للناخبين الذين تقل أعمارهم عن 25 سنة.
وُلد معظم الإسرائيليين بعد حرب 1967، يوضح دايان، وهم حتى لا يعرفون كيف تبدو إسرائيل ومن ضمنها الضفة الغربية، الشيء نفسه ينطبق على أكثر من مليون مهاجر من دول الاتحاد السوفييتي السابق، والذين بدأوا في القدوم إلى إسرائيل في التسعينات، من الصعب إقناع هؤلاء بأن على إسرائيل التخلي عن الضفة الغربية، ثم إقناعهم لاحقًا بضرورة ضمها من جديد.
ومع ذلك، هناك عنصر آخر يبدو أنه يجذب الناخبين الإسرائيليين من المتدينين الجدد لهذا الحزب، ففي السنوات الـ 47 الماضية، كان المستوطنون والأحزاب اليمينية التي تدعمهم مشغولين في محاولة تغيير الواقع على الأرض بحيث يضمنون أن قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة سيكون في حكم المستحيل، الآن، وبعد استيطان أكثر من 350 ألف إسرائيليًا في الضفة الغربية، يشعرون كما لو أنهم أنجزوا هذه المهمة وهم على استعداد للتحرك للخطوة التالية: تحديد أجندة خاصة بهم لمستقبل إسرائيل وصراعها مع الفلسطينيين.
حتى الآن، ليس هناك أي اقتراح متماسك ومتفق عليه، دايان، على سبيل المثال، يعرض حلاً لإلغاء الحكم العسكري على الضفة الغربية، وتفكيك جدار الفصل العنصري والحواجز، والسماح للفلسطينيين بالحصول على حقوقهم المدنية كاملة، لكن ليس منحهم حق التصويت في البرلمان، بينيت من جانبه يقول بضم المنطقة ج من الضفة الغربية، والتي تبلغ حوالي 60٪ من مساحتها، وإعطاء الحقوق السياسية الكاملة لـ 100 ألف فلسطينيًا يعيشون فيها، آخرون مثل الرئيس الإسرائيلي “روفن ريفلين” يدعو لإعطاء هذه الحقوق لكل الفلسطينيين في الضفة الغربية، وأن تتحول إسرائيل بشكل عملي إلى دولة ثنائية القومية.
إلى حد ما، يقترب المجتمع السياسي حول “البيت اليهودي” من الأفكار لا القادة مثل إسحاق هيرتزوغ من حزب العمل أو تسيبي ليفني، اللذان لايزالان عالقين في فكرة عدم إنهاء المفاوضات مع الفلسطينيين، والتي لا تقود إلى أي مكان، كما أنها تتجاهل تغير الواقع على الأرض، يشعر الكثير من الإسرائيليين إذن أن بينيت يخبرهم الحقيقة، في حين أن ليفني ومن معها يبيعون حفنة من الأكاذيب.
لكن حتى دايان يعترف بأن بينيت والمعسكر الذي يمثله ليسوا على استعداد لتولي القيادة الإسرائيلية، هذه القناعة ليست بسبب استحالة تشكيل الحكومة بالحصول على 15 أو حتى 17 مقعدًا في البرلمان، وخاصة إذا كان المرشح قادمًا من أقصى اليمين، لكن ذلك لأن بينيت ليس قادرًا حتى الآن على صياغة اقتراح لضم الأراضي الفلسطينية والذي من شأنه أن يكون مقبولاً من قبل معظم الإسرائيليين.
هذه ربما تكون أكبر مفارقات إسرائيل، فإسرائيل ليست قادرة على الوصول لتسوية تتخلى فيها عن الضفة الغربية وغزة، وفي نفس الوقت غير قادرة على ابتلاعهما! نجاح بينيت يؤكد حقيقة الطريق المسدود الذي تجد إسرائيل نفسها فيه.
المصدر: ميدل إيست آي