تقدم رئيس أركان الجيش التركي السابق “إلكر باشبوغ” بإفادته أمام القضاء بصفته متضررًا في قضية أرغنكون التي اُتهم فيها هو وعدد من كبار قادة الجيش التركي في سنة 2012 بالتآمر لقلب نظام الحكم والإطاحة بحكومة حزب العدالة والتنمية التي كان يترأسها الرئيس التركي الحالي “رجب طيب أردوغان”.
ويشتكي إلكر باشبوغ، الذي حُكم عليه في وقت سابق بالمؤبد ثم أمرت المحكمة الدستورية بإطلاق سراحه بسبب عدم شرعية الحكم، ضد كل المسؤولين في جهازي القضاء والأمن الذين شاركوا في إعداد ملفات قضية أرغنكون، بصفته سُجن طيلة فترة المحاكمة بدون وجه حق – حسب ادعائه – وبصفتهم شاركوا في تزوير ملفات القضية واختلقوا حيثياتها بنية الإطاحة به وبباقي قادة الجيش الذين اتهموا في هذه القضية.
ويذكر أن النيابة العامة التركية فتحت التحقيقات في قضية أرغنكون رسميًا في سنة 2008، واستمرت حتى سنة 2013، وتمثلت في ادعاء النيابة العامة وجود تنظيم يعمل بشكل سري داخل أجهزة الدولة التركية منذ تسعينات القرن الماضي ويخطط للإطاحة بحكومة حزب العدالة والتنمية في سنة 2009، وقد حضيت القضية بتغطية إعلامية كبيرة جدًا وخاصة من الإعلام المحسوب على حزب العدالة والتنمية وعلى جماعة فتح الله كولن، وذلك نظرًا لجاهزية الرأي العام التركي لتلقي فكرة وجود تنظيم كهذا بسبب كثرة الانقلابات التي عاشتها تركيا خلال العقود الماضي.
ورغم أن الحكومة التركية لم تمنع القضية وسمحت بمحاكمة العسكريين المتهمين أمام محاكم خاصة وليس أمام القضاء العسكري الذي يُفترض أن يُحاكموا أمامه لا أمام القضاء المدني؛ فإن رجب طيب أردوغان طالب بمحاكمة هؤلاء الجنرالات دون سجنهم وبإطلاق سراحهم، كما استنكر في تصريحات صحفية في سنة 2012 الاتهامات التي وُجهت لإلكر باشبوغ وقال: “ليس لائقًا أن نقول على صديق عمل معنا لسنوات إنه ينتمي لتنظيم إرهابي”، وهو التصريح الذي شكره إلكر باشبوغ وحياه عبر رسالة أصدرها آنذاك من داخل سجنه.
وبعد إطلاق سراحه صرح إلكر باشبوغ أنه حذر أردوغان خلال آخر لقاء جمعهما قبل اعتقاله وقال له: “جماعة فتح الله كولن هي من تُحيك أكاذيب قضية أرغنكون، ونفس الذين لفقوا هذه القضية سيلفقون في المستقبل قضايا أخرى للإطاحة بأردوغان نفسه”.
وفي حوار مع صحيفة حريات التركية المحسوبة على المعارضة، قال باشبوغ معلقًا على القضايا التي فُتحت ضد الأمنيين والقانونيين المحسوبين على جماعة فتح الله كولن: “أنا اُعتقلت في يوم 6 يناير 2012، وأُعد ملف اعتقالي في يوم 4 يناير 2012، الشخص الذي أعد ملف اعتقالي في ذلك اليوم موجود الآن داخل السجن”، مضيفًا: “ولكني أتساءل، هل سنحاسب من تورطوا في قضية 17 و25 ديسمبر فقط، أم سنفتح كل ملفات القضايا الملفقة والمزورة خلال السنوات الماضية؟”.
ويذكر أن حكومة رئيس الوزراء الحالي أحمد داوود أوغلو” تشن حملة إصلاحات واسعة داخل جهازي الأمن والقضاء طالت آلاف الأمنيين والقانونيين الذين تم نقلهم من مناصبهم أو إقالتهم أو سجنهم في قضايا متعلقة بالتنظيم الموازي”، مع العلم أن التنظيم الموازي هو شبكة من الأمنيين والقانونيين المحسوبين على جماعة فتح الله كولن والذين استغلوا مناصبهم للإعداد لعملية 17 و25 ديسمبر التي استهدفت عشرات الشخصيات البارزة والهامة في تركيا تحت ذريعة محاربة الفساد، الأمر الذي أنكره القضاء التركي بشكل كامل.
كما قال باشلوغ إنه في أيام عمله في قيادة الجيش التركي كان أردوغان أقرب السياسيين إليه وأكثرهم معرفة به، مشيرًا إلى أنه قدم في تلك الأيام، بشكل شخصي، قائمة بمنتسبي التنظيم الموازي داخل أجهزة الأمن غير أن الحكومة لم تتحرك ضدهم، مؤكدًا أن معظم من ذُكروا في تلك القائمة تم اعتقالهم مؤخرًا.
وحول ما إذا كان غاضبًا من حكومة أردوغان، قال باشبوغ إنه كان ممنونًا من موقف أردوغان الواضح والداعي إلى محاكمة باشبوغ دون سجنه، غير أنه يرى أن موقف أردوغان وحكومته من قضية أرغنكون لم يكن واضحًا بما يكفي وأن الحكومة كانت مطالبة بالتدخل لمنع الإهانة التي تعرضت لها قيادة الجيش.
ويمكن أن يُفهم موقف أردوغان المحايد من قضية أرغنكون وعدم تعامله بجدية مع ما أُبلغ به حول المنتمين لجماعة فتح الله كولن داخل أجهزة الدولة، على أنه لم يكن ليثق في قيادة الجيش التي دأبت على الإطاحة بالحكومة المنتخبة طيلة العقود الماضية، خاصة وأن باشبوغ كان كثير الظهور الإعلامي وكان يعارض الحكومة علنًا في بعض الملفات؛ الأمر الذي ربما جعل أردوغان يختار السكوت المؤقت عن التهديد الذي تمثله جماعة فتح الله كولن في مقابل الحد من التهديد الذي يمثله جنرالات الجيش.
وعلى الطرف الآخر، يُعتقد أن جماعة فتح الله كولن استغلت خوف أردوغان من قيادات الجيش، وقامت بتنفيذ عملية أرغنكون للتخلص من قيادة الجيش المحسوبة على الدولة العميقة القديمة، وتصعيد قيادة جديدة تكون موالية لها، ولا يمكن معرفة مدى نجاح جماعة فتح الله كولن في اختراق قيادة الجيش التركي، خاصة وأن قيادة الجيش التي عُينت بعد الإطاحة بإلكر باشبوغ أقالها أردوغان بعد فترة قصيرة.