ترجمة وتحرير نون بوست
أشار أحمد التويجري – العضو السابق في مجلس الشورى السعودي – يوم الخميس الماضي أنه “من غير المعقول” الإشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية، وإذا ما جمعنا هذا التصريح مع التقارير المتعددة حول المملكة، يمكننا توقع تغيير في السياسة السعودية تحت حكم الملك سلمان الذي توج مؤخرًا كملك للسعودية بعد وفاة العاهل السعودي السابق الملك عبد الله في أوائل هذا العام.
جاء تصريح الدكتور المحامي أحمد التويجري في مقابلة تلفزيونية له مع قناة روتانا خليجية، حيث أشار إلى أن القول بأن جماعة الإخوان المسلمين هي منظمة إرهابية، هو كلام لا عقل فيه، وهذا التصريح يتنافى مع البيان الذي أصدرته وزارة الداخلية في المملكة العام الماضي، والذي وصفت فيه جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية.
وأوضح مصدر مطلع لـ ميدل إيست آي – طلب عدم الكشف عن هويته – أن أحمد التويجري على صلة وثيقة حاليًا بالملك سلمان، حيث يعمل على تقديم النصح والمشورة له بشكل غير رسمي، وأن توجهاته قد تغيّر وجهات نظر العائلة الحاكمة السعودية.
وسأل المذيع المقابل التويجري حول إمكانية تغيير موقف المملكة تجاه الإخوان في ظل حكم الملك سلمان، مستشهدًا بذلك بمقابلة أُجريت مؤخرًا مع وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل صرّح فيها بقوله “ليس لنا أي مشكلة مع الإخوان المسلمين، مشكلتنا فقط مع فئة قليلة تنتمي لهذه الجماعة، هذه الفئة هم من في رقبتهم بيعة للمرشد”.
التويجري أجاب على هذا السؤال بأن جماعة الإخوان ينضوي تحتها أمم وهي حليف طبيعي للمملكة العربية السعودية، ونفى أن تكون وزارة الداخلية قد صنفت جميع الإخوان كإرهابيين، وأوضح أن سياق هذا التصنيف ينضوي تحته فقط من انتهج العنف من هذه المنظمة.
وقال التويجري لقناة روتانا المملوكة للملياردير السعودي الوليد بن طلال “هناك شيء يسمى السياق في اللغة، المملكة لم تقل في بيان واحد أن جماعة الإخوان المسلمين هم جماعة إرهابية، هي جاءت بموضوع الجماعات الإرهابية وأضافت هذا الاسم “الإخوان المسلمين” إلى هذه القائمة، فسياق الكلام “يبين” أن الجامع المشترك بين هؤلاء “الذين تم وصفهم كإرهابيين” هم من انتهجوا العنف ومن اعتمدوا الإرهاب ومن اعتمدوا الخروج الباطل على السلطان، هؤلاء الذين انطبقت عليهم هذه الشروط سواء أكانوا من الإخوان أم من غير الإخوان، ينطبق عليهم وصف الجماعات الإرهابية”، وأضاف “إن نقل هذا المفهوم وتعميمه على هذه المنظومة الضخمة التي تمتد من إندونيسيا إلى المغرب، ليقال إن هذه كلها منظمة إرهابية، هذا كلام لا يقوله شخص عاقل”.
المملكة العربية السعودية في عهد الملك عبد الله، دعمت بشدة الانقلاب العسكري المصري المدعوم شعبيًا في عام 2013، والذي أدى إلى الإطاحة بالرئيس الإخواني المنتخب محمد مرسي، كما قام الملك المتوفى عبد الله بضخ مليارات الدولارات من المساعدات للرئيس العسكري عبد الفتاح السيسي، فضلاً عن قيام السعودية بدعم موقف مصر بشكل فوري، عندما أعلنت السعودية عن تصنيفها للإخوان كمنظمة إرهابية أسوة بالقرار المصري الذي وصفها بالمجموعة الإرهابية الخارجة عن القانون.
وعلى الرغم من ظهور السعودية كمعارض عنيف لجماعة الإخوان في الفترة الماضية، إلا أن التويجري قال في لقائه إن السياق الإقليمي يمكن أن يوفر نظرة مختلفة عن علاقة المملكة مع التنظيم، حيث ذكر أن جماعة الإخوان المسلمين في المغرب وتونس هم شركاء ضمن الحكومة، كما أشار إلى تركيا بقوله إن السلطة الحاكمة هي من جماعة الإخوان المسلمين، علمًا بأن رجب طيب أردوغان، قائد حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، هو من مؤيدي الإخوان إلا أنه لا ينتمي رسميًا للجماعة، وشدد التويجري على ضرورة التعاون مع هذه الجماعات بقوله “ليس لدى المملكة أي مشكلة مع هذه الجماعات، ولا مشكلة لهم مع المملكة، بل يجب أن يكونوا حلفاء، ويجب أن يكونوا امتدادات إستراتيجية للملكة”.
وأضاف التويجري أنه من المسيء للمملكة العربية السعودية القول بأنها صنفت جميع رجال الدين والمفكرين والسياسيين والأكاديميين المرتبطين مع الإخوان على أنهم جماعات إرهابية، وعندما سأله المذيع فيما إذا كان يخشى من المساءلة القانونية جراء تصريحاته المعارضة لموقف وزارة الداخلية، أجاب “أنا واثق من أن هذا الموقف سيعرضني للشكر والتقدير لأنني أصحح مفهومًا خاطئًا يشوه سمعة المملكة، أنا أقولها بصراحة، المملكة لا يمكن أن تعادي من يتبعون الإسلام، المملكة دقيقة في مواقفها، ولا يجب أن يُحمّل موقفها هذا أكثر مما يحتمل”.
يشير الخبراء الإقليميون أنه لا يتوقع حصول تغيير كبير في ظل حكم الملك سلمان، إلا أنه من الحكمة أن تعمد المملكة إلى إعادة تقييم مواقفها تجاه سياسات معينة، حيث يقول أندرو هاموند الزميل السياسي في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية “من الواضح أن رد الفعل المملكة تحت حكم عبد الله تجاه جماعة الإخوان كان مبالغًا به، لقد جاء الموقف السعودي في سياق الربيع العربي، كون السعودية أصيبت بالهلع نتيجة للمكاسب التي غنمتها الحركات الإسلامية في جميع أنحاء المنطقة، أما الآن فمن الطبيعي أن تتراجع المملكة قليلاً عن موقفها، خاصة عندما يتعلق الأمر بسوريا، وهو المكان الذي تحاول السعودية فيه إسقاط الرئيس بشار الأسد، فإذا ما نجحت السعودية في سعيها، فإن جماعة الإخوان – بلا شك – ستلعب دورًا رئيسيًا في المرحلة القادمة”.
من جهتها صرحت جماعة الإخوان المسلمين المصرية التي نفيت إلى قطر مؤخرًا أن “هناك شعور متزايد بالأمل في ظل حكم الملك سلمان، حيث قد تسنح الفرصة للجماعة لإعادة تأكيد نفسها”، وقال أحد أعضاء الإخوان لوكالة رويترز – رفض الكشف عن اسمه – “الأمور حولنا تتغير مع قدوم القادة الجدد إلى السلطة، وحان الوقت لنسترجع صوتنا مرة أخرى، ونوضح للعالم من نحن حقًا”.
إن العلاقة ما بين السعودية والإخوان ستبقى ضمن مجالات معينة، ولكن الجماعة ستبقى بالتأكيد عدوًا للسعوديين، وفقًا لهاموند، “السعوديون يرون في رغبة الإخوان بتأسيس نظام ديمقراطي ذو مرجعية إسلامية تهديدًا لحكمهم؛ فالرياض تريد مواصلة القتال ضد الجماعة ولكن بطرق أكثر ذكاءً”، يقول هاموند، ويضيف “إذا اقتربت السعودية قليلاً من جماعة الإخوان فإنها ستتمكن من معرفة ما تقوم به الجماعة، أو ما تخطط للقيام به، هذه الخطة استعملتها السعودية بذكاء على مدى السنوات الـ20 الماضية، حيث كان بعض المسؤولين داخل النظام السعودي قريبين من جماعة الإخوان، وكانت هذه وسيلة السعودية للتجسس على الإخوان، والتأكد من أنهم لن يشكلوا تهديدًا فعليًا على المملكة”.
على الرغم مما تقدم، وفي الوقت الراهن، ستبقى المملكة العربية السعودية – علنًا على الأقل – الحليف المقرب من نظام السيسي الذي يستمر في شن حملة شرسة على الإخوان المسلمين، حيث صرّح الملك سلمان تعقيبًا على تسريبات السيسي التي تظهره وهو يهين رعاته الخليجيين، أن العلاقات الثنائية بين البلدين أقوى من أي محاولة لزعزعتها.
ولكن إذا ما كانت تصريحات التويجري في مقابلة يوم الخميس تشير إلى وجود تحول خفي في علاقة المملكة مع الإخوان، فمن المرجح أن تواجه السعودية مشكلة مع الإمارات العربية المتحدة التي تصف الإخوان كمجموعة إرهابية بعبارات لا لبس فيها، ويشير هاموند، أنه على الرغم من أن الرياض وأبو ظبي تعاونتا بشكل وثيق للاستجابة للتحديات الناجمة عن الربيع العربي، إلا أن هذه الشراكة لم تعد متينة كما يتم تصويرها في كثير من الأحيان، ومن الممكن أن يعكر الموقف السعودي الجديد صفو هذه العلاقة مرة أخرى.
السعوديون والإماراتيون لم تكن علاقتهم وثيقة على مر التاريخ؛ فقبل الانتفاضات العربية، لم تكن هذه العلاقات جيدة على الإطلاق، حيث دارات نزاعات مطولة بين البلدين جراء رسم الحدود منذ سبعينيات القرن الماضي، كما اختلفت السعودية والإمارات حول الموقع المحتمل للبنك المركزي لدول مجلس التعاون الخليجي، وما شهدناه من توافق في السنوات القليلة الماضية، هو مجرد اجتماع مؤقت للمصالح حول قضايا إقليمية أوسع بهدف التعامل مع التحديات الناجمة عن الانتفاضات العربية، ولكن من الواضح أن هذا التوافق لن يستمر مع ظهور المصالح المتباينة مرة أخرى.
العلامات المبكرة عن عدم التوافق السعودي – الإماراتي في عهد الملك سلمان ظهرت من خلال حقيقة أن ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان ورئيس الوزراء محمد بن راشد آل مكتوم لم يحضرا جنازة الملك عبد الله في السعودية الشهر الماضي، ويُقال أن محمد بن زايد – وهو الحاكم الفعلي للإمارات – في خلاف مستمر منذ فترة طويلة مع نائب ولي العهد السعودي محمد بن نايف، ويُرجح أن هذه الخلافات تعود – جزئيًا – إلى التعليقات التي أدلى بن زايد عن والد الأمير محمد بن نايف؛ ففي لقاء مع مسؤولين أمريكيين قبل غزو العراق عام 2003، قال بن زايد أن الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود له صفات تشبه القرد، حيث أشارت برقية دبلوماسية سرّبها موقع ويكيليكس إلى هذا التعليق بعبارة “محمد بن زايد كان ينظر بدونية لبعض كبار حكام آل سعود، حيث سخر من الطريقة التي يتلعثم فيها وزير الداخلية السعودي نايف بن عبد العزيز، وأشار إلى إنه حينما يرى نايف يترسخ لديه الاقتناع بأن داروين كان محقًا حين قال إن الإنسان انحدر من القرد”.
المصدر: ميدل إيست آي