بعد أن قطعت التسريبات شوطًا في الشأن المصري وبثت وسائل إعلام معارضة للانقلاب العسكري في مصر فيديوهات مصورة وأخرى صوتية لوزير الدفاع السابق الجنرال عبدالفتاح السيسي يتحدث فيها عن أمور شتى تخص مصر وبعدما سربت محادثات هاتفية من داخل غرفة مدير مكتبه متحدثًا في الشأن الخليجي وعلاقته مصر، حان الدور على الطرف الليبي لتذيع قناة ليبية تسريبات جديدة على شكل مكالمة بين الجنرال ومدير مكتبه تخص الشأن الليبي وذلك بعد حادثة ذبح 21 مصريًا مسيحيًا في ليبيا واتخاذ الجنرال ذلك ذريعة لإعلان توجيه ضربة عسكرية لمواقع داخل ليبيا قالت عنها السلطات المصرية أنها تخص تنظيم داعش بينما يؤكد الليبيون أنها مواقع مدنية أصيب جراء القصف بها مدنيون ليبيون سقط من بينهم أطفال.
هذا التسريب حاول فيه الجنرال السيسي التنسيق مع أطراف ليبية بعينها في شهر فبراير من عام 2014 لمنع التمديد للمؤتمر الوطني العام الليبي الذي يسطير عليه الإسلاميون هناك.
ولكن الجنرال يريد أن يعرف حقيقة الوضع على الأرض في الداخل الليبي، فاقترح عليه مدير مكتبه اللواء عباس كامل أن ينسق له مقابلة مع أحمد قذاف الدم منسق العلاقات المصرية الليبية سابقًا وابن عم معمر القذافي عن طريق عبداللطيف المناوي حلقة الوصل بين الدولة وأحمد قذاف الدم.
أكد الجنرال ومدير مكتبه في التسريب أن هذا الأمر لا بد وأن يتم قبيل يوم 7 فبراير وقتها حيث كانت تشهد ليبيا تظاهرات وتحركات على الأرض وتريد مصر أن تتدخل في الوقت المناسب ولكن بعد معرفة حقيقة الوضع هناك، اتفق الجنرال ومدير مكتبه على أن يتم اللقاء بينه وبين أحمد قذاف الدم خارج وزارة الدفاع حتى لا يثير الأمر شبهات حول اللقاء.
أوضح التسريب أيضًا عن رغبة شخصية ليبية أخرى بارزة وهو على زيدان رئيس الوزراء الليبي أنذاك في مقابلة الجنرال للتنسيق فيما بينهما حول الوضع الليبي.
كذلك أوضح التسريب دور محمد دحلان في التدخلات العسكرية والسياسية الإماراتية خار حدودها حيث يؤكد عباس كامل أن دحلان هو مستشار لمحمد بن زايد ولا يفارقه في أي مكان يذهب إليه.
هذا التسريب يؤكد صحة الأنباء التي أتت عن التدخل المصري السافر في الشأن الليبي سياسيًا وعسكريًا والتي كانت تنفيه القاهرة دائمًا، وما أن جاءت فرصة للإعلان عن توجيه ضربة عسكرية لخصوم أيديلوجيين في المدن التي تسيطر عليها ” قوات فجر ليبيا” حتى سارعت القاهرة في اقتناصها دون أن تعلن عن سابق الضربات التي كانت تساند قوات اللواء المتقاعد حفتر والتي لا يستبعد أن تكون نفذت الأخيرة هذه لنفس السبب.
إذن لم يخفي السيسي رغبته في وقف تمدد المؤتمر الوطني الليبي عن طريق تحركات شعبية مدهومة عسكريا كالتي حدثت في 30 يونيو بمصر وأراد التنسيق لذلك مع أفراد من الداخل الليبي وكان الأسم الأبرز الذي تردد هو “أحمد قذاف الدم”
فمن هو أحمد قذاف الدم؟
آخر منصب رسمي شغله هذا الرجل في المنظومة الليبية كان العمل كمنسق للعلاقات الليبية المصرية، أحد المقربين من الدوائر الأمنية الليبية إبان حكم العقيد معمر القذافي ابن عمه.
الرجل له جذور مصرية وله علاقات قوية جدًا بالأجهزة السيادية المصرية العسكرية منها والمدنية، حيث أن مولده جاء في مطروح عام 1952ومن المعروف أن هناك تداخل بين القبائل المصرية والليبية في هذه المدينة لكن الرجل فضل الجنسية الليبية والعيش هناك واستكمال دراسته في أكاديمية عسكرية بليبيا حتى الالتحاق بالكلية الحربية في مصر بل والمشاركة في حرب 1973 ضمن القوات الليبية المشاركة ومنحته الدولة المصرية “نجمة سيناء” باعتباره أحد أبطال هذه الحرب.
التحق أحمد قذاف الدم بالحرس الجمهوري الليبي وترقى فيه سريعًا نظرًا لقربه من القذافي وعاش في بداية حياته عسكريًا بعيدًا عن السياسة فيما عدا التحاقه بثورة الفاتح حينما كان طالبًا، أما اتجاهه السياسي بدأ حينما دخل إلى الدبلوماسية سفيرًا في السعودية ثم مصر ومن هنا بدأت علاقته بمصر في التوطد سياسيًا أكثر فأكثر لا سيما الدوائر الأمنية في مصر، حتى شغل منصب منسق العلاقات الليبية المصرية حتى قيام ثوة 17 فبراير عام 2011 في ليبيا.
اشتدت الثورة الليبية على نظام القذافي ورموزه وبالطبع هو أبرزهم فحاول الرجل دعم النظام الليبي في معاركه مع الثوار لكن الوقت قد فات لذلك وسيطر ثوار ليبيا على العديد من المناطق الاستراتيجية بليبيا حتى أدرك قذاف الدم أن النظام ساقط لا محالة وهو ما قد كان، فخرج الرجل فارًا إلى مصر وأشاع إعلاميًا أنه انشقاق عن نظام القذافي ولكن الأمر لم يعدو سوى سياسة القذف من المركب التي تغرق حتى استقبله المجلس العسكري المصري الحاكم في ذلك الوقت كلاجئ سياسي.
لم يسمع أحد عنه في مصر الا بعد أن أودعت ليبيا مبلغ ملياري دولار في الخزانة العامة المصرية وهنا روج في الإعلام أن الليبيين يدفعون ثمن تسليم أحمد قذاف الدم لمحاكنه في ليبيا وهو ما طلبه ثوار ليبيا بالفعل أكثر من مرة.
حتى قام الانتربول بتوقيف الرجل في حادثة شهيرة حدث بها تبادل لاطلاق النار نتج عنه إصابات في صفوف الشرطة المصرية وهو ما اتهم به قذاف الدم آنذاك وحوكم بتهمة الشروع في القتل ومقاومة السلطات.
ومع تغير المزاج السياسي الحاكم في مصر بديلا من دعم الثوار في ليبيا إلى معاداتهم بعد انقلاب 3 يوليو، أفرج عنه بعد حادثة حريق لملفات في محكمة بجنوب القاهرة قيل أن أوراق اتهمه حرقت فيها ما يثير الريبة والشك حول كيفية الإفراج عن الرجل الذي يتهمه الليبيون بالاستيلاء على الاستثمارات الليبية في مصر، ولم يستطع الثوار في ليبيا حتى الآن التوصل إلى هذا الرجل الذي يتهمه الليبيون بالتورط في عمليات اغتيالات داخل صفوف المعارضة الليبية في الخارج.
فمن غير المستغرب أن ينسق أحد “فلول” القذافي مع النظام المصري للانقلاب على الثوار في ليبيا أو لمساعدة فصيل على الآخر، إذ أن الراجل مازال يتمتع بعلاقات على الأرض مع القبائل الداعمة لنظام القذافي والمعادية للثورة وهو نفس الشئ الذي أكده عباس كامل من خلال التسريب حين تحدث أن الرجل “يتواصل مع الناس على الأرض”
كعادة كل التسريبات التي تخرج للنظام المصري الحالي يتفاعل معها رواد وسائل التواصل الاجتماعي لا سيما وأن الأمر قد انتشر مؤخرًا وبات متوقعًا في أي لحظة أن نسمع عن تسريب من اي جهة إعلامية ما لتسمع منها ما يدور في غرفة وزير الدفاع السابق ورئيس المخابرات الحربية سابقًا وهو أمر مسار تهكم بين الجميع، إذ يتحدث البعض عن كيف لرئيس مخابرات حربية سابق ألا يستطيع حماية نفسه من التسجيلات ؟ ليسائل الجميع عن هذه الأمور وأكثر على هاشتاج انطلق على تويتر عقب إذاعة التسريبات يحمل اسم #تسريب_ليبيا_للسيسي.
منتصر الزيات : من استطاع بهدوء تسجيل كل هذه المحادثات واللقاءات داخل مكتب القائد العام
#تسريب_ليبيا_للسيسي #ليبيا pic.twitter.com/b21snyOxyk— عبدالعزيز الكاشف (@abdalaziz83) February 19, 2015
وما أن أذيع التسريب حتى سخر البعض من التنسيق مع أحمد قذاف الدم باعتبار ذلك نوع من التخابر على غرار اتهام الدولة للجميع بالتخابر ضدها
مدير مكتب السيسي ينسق مع قذاف الدم سريا .. تخابر دا ولا مش تخابر يا متعلمين يا بتوع المدارس 😀 #تسريب_ليبيا_للسيسي
— دُعاء سالم (@du3aasalem) February 19, 2015
فيما أكد البعض أن كثرة هذه التسريبات بهذه الطريقة ما هي إلا عارض من عوارض هشاشة النظام القائم في مصر وكثرة الصراعات بداخله
كثرة تسريباته مؤشر على هشاشة حُكْمه❕#تسريب_ليبيا_للسيسي
— نواف ناصر (@Nawaf_n_n_s) February 19, 2015
كما أكد المشاركون في الهاشتاج بتدوينات أن التآمر على الثورة الليبية هو نوع من العمالة والخيانة
ما ورد في #تسريب_ليبيا_للسيسي من تنسيق نظام #السيسي مع #قذاف_الدم لتخريب #الثورة_الليبية يدل على مستوى وضيع من العمالة والنذالة
— محمد مختار الشنقيطي (@mshinqiti) February 20, 2015
هذا ويستمر النظام المصري في تجاهل هذه التسريبات رافضًا التعليق عليها تعليقًا جديًا لينفي أو يؤكد ما ورد بها.