في عصر التقنية أصبح الأمن القومي ليس فقط في إعداد الجيوش والأسلحة، بل في الحد من القرصنة الإلكترونية التي تحدث ضررًا جسيمًا بالاقتصاد والأمن، فأصبحت الهجمات الإلكترونية وسيلة للمقاومة وأداة قوية للردع من قِبل الأفراد المستقلين، وأصبحت عمليات الاختراق الإلكترونية ليست مجرد وسيلة للحصول على المال بل وسيلة بشكل أهم لإعلان مواقف سياسية أو الانتقام أو المقاومة.
وقد تكون الهجمات الإلكترونية مفتعلة من قِبل حكومات ضد حكومات أخرى فيما يعرف اليوم بالحروب الإلكترونية، كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2010 بإطلاق فيروس ستكسنيت على البرامج النووية لإيران ونجح الفيروس في تخريب بعض الأجهزة التي يمكن أن تستخدم لصنع سلاح نووي.
وفي 2012 تعطلت مواقع إلكترونية لعدة بنوك أمريكية، فيما اتهم مسؤولون أمريكيون أن إيران قامت بهذا الهجوم للرد على العقوبات الاقتصادية على برنامج إيران النووي، وكان الهجوم مكلفًا ملايين الدولارات للبنوك الأمريكية.
إلا أن القصة الأبرز هنا هي قدرة الجماعات والأفراد المستقلين على استخدام تقنية الإنترنت لتحدي القوة التي تحكمهم وإيصال صوتهم بطريقة تُعتبر سلمية، وتنتشر هذه الظاهرة في جميع أنحاء العالم حينما لا يجد المواطنون حلاً لإيصال صوتهم إلى السلطة العليا سوى هذه الاختراقات.
اختراقات أنونيمس
جماعة الأنونيمس تأسست عام 2003 واليوم تُعد من أكثر الجماعات تأثيرًا، تضم الجماعة نشطاء ومخترقين يدّعون أنهم يدافعون عن الديمقراطية ويحمونها، وقاموا بشن هجمات على مواقع إلكترونية حكومية ودينية، من هذه الهجمات اختراق موقع مدينة أوكلاند في ولاية كاليفورنيا وإغلاقه والذي ادعت جماعة الأنونيمس أنها مسؤولة عنه، وكان هذا الهجوم للرد على حادثة إطلاق مقذوفات غير قاتلة من قِبل الشرطة على متظاهرين ضد عنف الشرطة في أوكلاند.
وتصل الهجمات إلى أكبر من ذلك، حيث قامت الجماعة بهجوم إلكتروني على عدة مواقع إسرائيلية حكومية للانتقام من إسرائيل والتضامن مع غزة خلال العدوان الإسرائيلي على غزة العام الماضي، وشملت الهجمات المواقع الإلكترونية لوزارة المالية والسفارة الإسرائيلية في الولايات المتحدة الأمريكية.
في عام 2013 ادعى الأنونيمس مهاجمة 100.000 موقع إلكتروني بخسائر تتخطى 3 بليون دولار لإسرائيل، إلا أن مسؤولين إسرائيليين نفوا ذلك تمامًا قائلين إن الهجمات لم تحدث ضررًا يُذكر، وفي 2012، قام الأنونيمس بإطلاق حملة ضد المواقع الإلكترونية الإسرائيلية، وقال المتحدث باسم الجماعة إن الأضرار التي تسببوا بها تتراوح بين ملايين الدولارات بالرغم من نفي مسؤولي الحكومة الإسرائيلية لذلك.
ولعل أكبر مشاركة للأنونيمس كانت خلال الربيع العربي في تونس عندما قامت الحكومة التونسية بحجب الوصول لموقع ويكيليكس، وقام الأنونيمس بإسقاط الموقع الإلكتروني للبورصة التونسية وتوزيع ملفات تحتوي على كيفية الدخول للمواقع المحجوبة وتجنب التجسس من الحكومة أثناء استخدام موقع فيسبوك.
اختراق شركة سوني
الاختراق الذي كلف شركة سوني عشرات الملايين من الدولارات قام به مجموعة من المخترقين أطلقوا على أنفسهم مسمى “فرسان السلام”، ويُعتقد أنهم قراصنة من كوريا الشمالية قاموا بالاختراق لإجبار شركة سوني بإيقاف عرض فيلم The Interview الذي يستهزئ برئيس كوريا الشمالية، وحجم الأضرار التي تسبب بها هذا الاختراق كان كبيرًا جدًا، حيث تم سرقة 77مليون إيميل و12700 بطاقة ائتمان واختراق 25 مليون حساب لمستخدمي سوني، كما تم تسريب أفلام لم تعرض بعد وسيناريوهات لأفلام ستصور قريبًا، ويُتوقع أن تبلغ قيمة الخسائر 100 مليون دولار وانخفضت أسهم بورصة سوني 6.6٪.
اتهمت الحكومة الأمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي حكومة كوريا الشمالية بتورطها في الاختراق وتوعدت برد مناسب، ونفت الحكومة الكورية الشمالية أنها متورطة ولكنها علقت على الاختراق بأنه “عمل صالح” يمكن أن يكون فاعلوه من المؤيدين للحكومة الكورية الشمالية وذلك للانتقام من الفيلم الذي أنتجته شركة سوني والذي يسخر من النظام الكوري الشمالي ويصور عملية اغتيال قائدها كيم جونغ أون.
وبعد تنفيذ الاختراق واتهام كوريا الشمالية انقطع الاتصال بالإنترنت في أنحاء كوريا الشمالية لأكثر من 9 ساعات، ثم انقطع مرة أخرى في اليوم الذي يليه، واتهمت كوريا الشمالية الولايات المتحدة الأمريكية بهذا ولم يعلق الرئيس أوباما على ما حدث.
اختراقات “عاطفة الإنترنت” في السعودية
تحت مسمى عاطفة الإنترنت Cyber emotion قام مجهول بعدة اختراقات أولها اختراق حساب وزارة العدل في السعودية على موقع تويتر، ونشر من خلال الحساب عدة تغريدات تنتقد الوزارة وعملها وعن الفساد المتفشي فيها، ثم تم اختراق حساب وزارة المالية وحساب وزارة الخدمة المدنية وفي كلاهما قام المخترق المجهول بكتابة تغريدات تنتقد عمل الوزارتين، ولاقت هذه الاختراقات دعمًا كبيرًا من المواطنين السعوديين.
هذا المقال يأتيكم ضمن ملف “مستقبل القوة” على نون بوست، يمكنكم أيضا قراءة المقال الأول حول حروب الفضاء الإلكتروني والثاني حول التسريبات الاقتصادية وكيف تعمل كأداة حرب في المستقبل، والثالث حول الجيش الأمريكي وإعادة بنائه ليوائم الحروب القادمة، والرابع، حول إعلام تنظيم الدولة بين الاحترافية والتأثير، وجزأه الثاني بعنوان: إعلام تنظيم الدولة: لماذا تنجح داعش؟