بعد 4 سنوات من الثورة السورية، مرّت العلاقة بين النظامين الأردني والسوري بمنعطفات عديدة، وقد حاول النظام الأردني جاهدًا الإبقاء على إمساك العصا من المنتصف، فلم يصرح بشكل مباشر بأنه في صف المعارضة ضد النظام السوري، مع استمراره بالتأكيد على استعداده للمشاركة في فريق مراقبين عرب ترسله الجامعة العربية، في حال موافقة نظام الأسد.
علاقة تاريخية معقدة
تاريخيًا؛ كان التوتر سيد الموقف في العلاقة بين النظامين الأردني والسوري، ومن أبرز محطاتها إبان حكم الملك حسين، اتهام الأردن بدعم انقلاب عسكري في سوريا عام 1966 ودخول كتيبة مدرعات سورية إلى شمال الأردن، بأمر من الرئيس الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، بذريعة مساعدة المنظمات الفلسطينية بعد ما عُرف بـ “أحداث أيلول الأسود” عام 1970، فضلًا عن تهديد دمشق المتكرر للأردن بإسقاط الحكم الهاشمي في البلاد.
في حديثه لجريدة الرأي العام الكويتية بتاريخ 5 ديسمبر 1980؛ حمّل حافظ الأسد الأردن مسؤولية “حوادث التخريب” التي مرت بها سوريا، حيث قال: “لا أحد في الوطن العربي إلا وقد عرف شكوى سورية المستمرة من الدور الذي لعبه الحكم الأردني في حوادث التخريب داخل سورية خلال المرحلة الماضية”.
وأضاف: “بذلنا كل جهد ممكن مع المسؤولين الأردنيين وعلى مختلف المستويات، بدءًا من ضباط الأمن وانتهاءً بمستوى القمة، لمعالجة هذا الموضوع، ولوضع حد للدور الأردني في عمليات القتل والتخريب، ولم نصل إلى أية نتيجة إيجابية”.
وزير الدولة الأسبق أيمن الصفدي؛ أشار في مقال منشور له بتاريخ 12 نوفمبر 2006 إلى محاولة الأردن تحسين العلاقة مع سورية بشكل جدي لإنهاء أسباب التوتر التي تتلخص في وقف التهديد الأمني القادم عبر الحدود السورية، واحترام حقوق الأردن المائية، مضيفًا أن نظام البعث رفض الدخول في أي حوار جدي حول هذه القضايا، رغم الدعوات الأردنية المتكررة، ومن أعلى المستويات السياسية.
وقال الصفدي إن “نظام البعث اعتاد أن يتعامل مع الأردن باستقواء واستعلاء، ولولا أن الأردن دولة أقوى من أن يستبيحها البعث؛ لتعامل حكام سورية مع البلد بذات الغطرسة التي انتهكوا بها أمن لبنان وسيادته واستقراره”، مؤكدًا أن “مكمن المشكلة تركيبة البعث وعقائديته، فتاريخ الحزب سجلُّ غطرسة وقمع وفوقية، وتلك طبائع يستحيل تغييرها”، على حد تعبيره.
طرد سفراء الجانبين
في السنوات الأخيرة؛ وصلت درجة التوتر بين النظامين أوجها بطرد السفير السوري في عمان بهجت سليمان، بعد عدة إنذارات وتصريحات وجهتها له الحكومة الأردنية لتطاوله على ساسة وحزبيين أردنيين، وتدخله بالشأن الداخلي.
وكان يوم 27 مايو من العام الماضي هو الفيصل، وذلك بعد مصافحة السفير السوري للملك عبدالله الثاني في الحفل الرسمي بمناسبة عيد الاستقلال الأردني، حيث أوعز الملك عقبها بمغادرة سليمان البلاد خلال 24 ساعة، وقد فتح سلام السفير على الملك باب التكهنات والتفسيرات على مصراعيه.
في حينها؛ أكد وزير الخارجية ناصر جودة أن طلب وزارته من سليمان مغادرة الأردن لا علاقة له بموقف الأردن من النظام السوري، وإنما “بتصرفات السفير المسيئة والمتكررة تجاه الأردن ودول عربية شقيقة”، مشيرًا إلى أن النظام السوري يستطيع تسمية سفير جديد يراعي الأعراف الدبلوماسية المتعارف عليها دوليًا.
وأضاف جودة لصحيفة الرياض السعودية: “لا علاقة لقرار اعتبار السفير السوري شخصًا غير مرغوب به بما تناقلته وسائل إعلام من تعيين سفير لائتلاف المعارضة السورية بعمان”، موضحًا أن “ما حدث ليس إغلاقًا للسفارة، وإنما طرد للسفير، وماتزال السفارة تمارس عملها كالمعتاد”.
بدورها؛ ردّت دمشق بالمثل، حيث طردت القائم بأعمال السفارة الأردنية في دمشق، واعتبرته شخصًا غير مرغوب فيه.
وعن العلاقة بين النظامين؛ كتب بهجت سليمان مؤخرًا على صفحته الشخصية في فيسبوك أن أحد المسؤولين العرب سأله: لماذا لم تتحسن العلاقات السورية – الأردنية، بعد طرد السفير السوري السابق بهجت سليمان إلى بلده، طالما كانت الحكومة الأردنية والدبلوماسية الأردنية تؤكدان أن المشكلة هي مع بهجت سليمان شخصيًا، وليست مع النظام السوري؟”.
فأجاب سليمان بالقول: “يجب أن يوجَّه هذا السؤال إلى الجانب الأردني، وليس إلى الجانب السوري”.
تمثيل دبلوماسي مشروط
وكالات أنباء أردنية أكدت على تجاهل دمشق عدة رسائل من الخارجية الأردنية مؤخرًا، في تأشير واضح على أن النظام السوري يشعر بأنه في وضع إستراتيجي أفضل، ولا يريد تقديم تسهيلات لتطبيع العلاقة مع الأردن أو نموها مجانًا، علمًا بأن الأردن والنظام السوري يواجهان عمليًا مساحات الخطورة للخصم المحتمل المشترك نفسها، وهو الجماعات المسلحة”.
صحيفة العرب اليوم ألمحت إلى أن المقربين من نظام دمشق من النقابيين الأردنيين يتحدثون عن اشتراط القيادة السورية لموقف أردني مباشر، ينقلب على المعارضة وفصائلها وبصورة علنية، حتى تنضج خطوة رفع مستوى التمثيل الذي انخفض بالعرف الدبلوماسي تلقائيًا، بمجرد الامتناع عن تبديل السفير سليمان.
وأضافت الصحيفة “بالنسبة للرئيس السوري بشار الأسد، فقد أبلغ مؤيديه الذين يزورون دمشق بين الحين والآخر، أن العلاقات مع الأردن جامدة، بمعنى أنها لا تتطور ولا تنهار بالوقت نفسه من دون أن تتخذ بوضوح مؤسسة الرئاسة موقفًا سلبيًا من سيناريوهات تطوير العلاقة السياسية والدبلوماسية، بعد حادثة مغادرة السفير السوري بهجت سليمان، الذي اندفع في موجة هجوم ونقد للأردن عبر المؤسسات الإعلامية السورية واللبنانية.
“داعش” قاسم مشترك
لوقت قريب ظل الهم الشاغل لخلية الأزمة الأردنية يتركز على كيفية التعامل مع انهيار النظام السوري فجأة وذلك بسبب التعقيدات السياسية التي خلقها وجود العديد من المنظمات المسلحة داخل الأراضي السورية وامتلاكها لأسلحة يمكن أن تهدد النظام الأردني.
في الذكرى الثالثة لانطلاقة الثورة السورية تداولت وكالات أنباء أردنية خبرًا مفاده بأن الملك عبدالله الثاني تسلم تقريرًا سريًا رفعه إليه رئيس جهاز المخابرات العامة الأردني بشأن النزاع الداخلي السوري بعد 36 شهرًا من بدء الأزمة السياسية والأمنية، وخلص التقرير الذي تضمن تقديرات وتوصيات للنزاع السوري بأن يستمر الأردن في الوقوف في المنطقة الرمادية من الأزمة السورية.
في مطلع العام الجاري عاد الأسد باتهامه للأردن بالتآمر على سورية بفتح الحدود للمقاتلين ودعم ما وصفها بـ “قوى الإرهاب” وفي مقدمتها “جبهة النصرة” في الجنوب السوري، وذلك في حديثه لصحيفة يتيرارني نوفيني التشيكية.
الناطق الرسمي باسم الحكومة محمد المومني رد بتصريح أن “الأردن يقف إلى جانب سورية ووحدة شعبها وأراضيها، وهو معني بأمنها واستقرارها لاستعادة مكانتها بين الدول العربية”، مشيرًا إلى وقوف الأردن مع الشعب السوري الشقيق منذ بداية الأزمة، ومؤكدًا على أن الأردن لن يفعل شيئًا يؤثر على استقرار سورية وأن الحل سياسي.
صحيفة العرب اليوم تحدثت عن ارتقاء مستوى التفكير الرسمي الأردني خلال الأسابيع القليلة الماضية بملفات الإرهاب المحتمل، وتزايد التقارير الإعلامية – الغربية حصريًا – عن خطط تنظيم الدولة (داعش) للتوسع في العمق الأردني، ساهم إلى حد بعيد في إنضاج تصور داخلي عن ضرورة ملامسة الحوار مع النظام السوري إن أمكن وفي أكثر من طريقة.
وأضحت العرب اليوم، أن لا خيارات إستراتيجية واضحة على صعيد مستقبل العلاقة الأردنية السورية، برغم حصول تواصل ارتقى أحيانًا الى مستوى “التناغم”، خصوصا إزاء تطور الموقف الأردني الرسمي من مخاطر المجموعات الإرهابية المحتملة، التي تسعى لتصدير برامجها في الساحات المجاورة لدمشق مثل العراق.
تناغم قبل أم بعد إعدام الطيار؟
بعد إحراق تنظيم الدولة المعروف بـ “داعش” للطيار الأردني معاذ الكساسبة أصدرت وزارة الخارجية السورية، بيانًا أدانت فيه ما وصفته بـ “الجريمة الإرهابية البشعة”، داعية الحكومة الأردنية للتعاون في مكافحة الإرهاب.
صحيفة الوطن القريبة من النظام السوري كتبت “بدأت نار التنظيم الإرهابي تحرق الأردن بعد أن سهلت عمان على مدار أربع سنوات ماضية من عمر الأزمة السورية تسلل آلاف السلفيين عبر الحدود للقتال إلى جانب المجموعات المسلحة ضد الجيش العربي السوري”.
ورأت صحيفة البعث الناطقة باسم حزب البعث من جهتها، أن الأردن بدأ يحصد نتائج دعم نظامه للإرهاب.
الكاتب في صحيفة الغد فهد الخيطان قال لقد حدد الأردن وبشكل قاطع أولوياته في سورية قبل جريمة داعش بحق الطيار الشهيد، فقد أكد الملك عبدالله الثاني قبل أسابيع قليلة فقط، وللمرة الثانية، أن التصدي للتهديد الذي تمثله الجماعات الإرهابية في سورية يشكل أولوية بالنسبة للأردن.
وأضاف “يعلم أركان النظام السوري كم كان حجم الضغوط التي قاومها الأردن لتسهيل عمليات دخول المقاتلين والأسلحة إلى سورية، ويعلمون أنه لو استجاب لتلك الضغوط لما كانت الحال كما هي في دمشق اليوم”.
وزير الاتصال الأردني محمد مومني قال لصحيفة القدس العربي إن “همّ بلاده الأردن إبقاء الأزمة السورية داخل حدودها مع التذكير بأن الجيش الأردني يحمي الحدود في الاتجاهين فيمنع التسلل إلى سوريا ويعاني من التسلل من الجانب السوري”.
المصدر :شبكة أردن الإخبارية