اتجه محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في دولة الإمارات إلى المغرب في إطار زيارة رسمية تلبية لدعوة من الملك محمد السادس ملك المملكة المغربية.
وبالنظر إلى ما تشهده المنطقة العربية عامة والجزء المغاربي خاصة، أسالت هذه الزيارة كثيرًا من الحبر حول خلفياتها الحقيقة ما بعد البروتوكولية.
اتفاقيات ومجاملات وتعاون كبير بين الدولتين
انطلقت الزيارة الرسمية في القصر الملكي في الدار البيضاء، بالتوقيع على 21 اتفاقية للتعاون الثنائي في مجالات متنوعة ، في حفل ترأسه العاهل المغربي الملك محمد السادس ومحمد بن زايد آل نهيان .
وبعد ذلك، أشرف العاهل المغربي وولي عهد أبو ظبي على تدشين مستشفى صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آ ل نهيان في الدار البيضاء، الذي تُعد أكبر المؤسسات الاستشفائية في القارة الأفريقية، والذي ينتظر أن تكون أحد مراكز البحث الطبي والتكوين الأساسي والمستمر للعاملين في قطاع الصحة المغربية، كما تم تدشين مصنع أفريقيا للأسمدة ومعمل تحلية مياه البحر بالجرف الأصفر بإقليم الجديدة.
وبحسب مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، تحتل دولة الإمارات المرتبة الأولى في بورصة الدار البيضاء خلال سنة 2014 باستثمارات بلغت 55 مليار درهم مغربي، كما قدمت مساهمتها بمليار و250 مليون دولار في إطار المنحة الخليجية البالغة خمسة مليار دولار لدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المملكة المغربية.
كما تتطرق المركز في إصدار له نُشر بمناسبة الزيارة إلى الدور مهم الذي يلعبه صندوق أبوظبي للتنمية منذ تأسيسه عام 1974 في دعم مسيرة التنمية الشاملة والمستدامة من خلال تمويل العديد من مشاريع البنية التحتية والأساسية بالمملكة المغربية، وآخر هذه المساهمات هي تمويل بناء ميناء طنجة المتوسط بمساهمة تقدر بـ 300 مليون دولار، بالإضافة إلى مساهمة الصندوق في تمويل إنشاء القطار فائق السرعة بين طنجة والدار البيضاء بـ 100 مليون دولار.
واعتبر المركز أن تدشين مستشفى الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان بمدينة الدار البيضاء، “يعزز صورة دولة الإمارات العربية المتحدة في وجدان الشعب المغربي، باعتبارها عنوانًا للخير والعطاء الدائم والوقوف إلى جوار الأشقاء”.
تجدر الإشارة إلى أن السنوات الأخيرة شهدت ارتفاعًا في حجم التبادل التجاري وأيضًا ارتفاع الاستثمارات الإماراتية في المغرب التي بلغت عام 2013 ما قيمته 1.3 مليار دولار، وتميزت سنة 2014 بشراء شركة اتصالات الإمارات لـ 53% من رأس مال شركة اتصالات المغرب بـ4.2 مليارات يورو، وشهدت السنة نفسها بناء شركة طاقة للجرف الأصفر التابعة لشركة طاقة أبوظبي محطات إنتاج جديدة للطاقة الكهربائية.
الأمن والإرهاب وأشياء أخرى
رغم الحضور الجلي للبعد الاقتصادي في العلاقة الإماراتية المغربية، فإنّ الدولتين عرفتا على مر التاريخ تعاونًا وتنسيقًا في مجالات أخرى، حيث أُبرمت بين البلدين اتفاقية التعاون في مجال الأمن سنة 1992 واتفاقية التعاون القضائي في المسائل الجنائية وتسليم المجرمين وفي المسائل المدنية والتجارية والأحوال الشخصية واتفاقية التعاون العسكري سنة 2006.
في ذات السّياق، أشّارت قيادة نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية لوفد بلاده إلى المملكة المغربية للطّابع الأمني لهذه الزيارة، فبالرجوع إلى الاتفاقيات الثنائية التي تم إمضاؤها نجد أن إحداها تعلقت بالتعاون الأمني والحرب على الإرهاب.
كما تصدرت الحرب على الإرهاب وتطوير العلاقات الثنائية الملفات التي نوقشت في مباحثات أُجريت على انفراد بين الملك محمد السادس وولي عهد أبو ظبي خلال زيارة الأخير إلى المغرب، حيث أشارت صحيفة الرؤية الإماراتية إلى اتفاق الجانبين الإماراتي والمغربي على ضرورة مواجهة التطرف الفكري والمنظمات الإرهابية من خلال “وضع إستراتيجية شاملة وواضحة تتسم بالفاعلية والقدرة على مواجهة دعاة العنف والإرهاب”.
وقد ذهب المراقبون لاعتبار أن هذه الزيارة تعكس وضعًا غير مريح تعيشه الإمارات خاصة مع تورطها في أزمات معقدة ومتعدّدة في العالم العربي، على غير عادتها، مثل دعم الانقلاب العسكري في مصر ومساندته بالمليارات من الدولارات، ودعم اللواء المتقاعد حفتر في ليبيا، والدخول على خط الصراع بين الأخوة الأعداء في بلاد القذافي، والتوجه إلى سوريا لقصف داعش هناك بالطيران، علاوة على وضع يدها في الملف اليمني وما قيل عن حضور في المشهد السياسي التونسي عبر وكلاء لها أيضًا.
وفي كل هذه المغامرات هناك مخاطر على الأمن الإماراتي خاصة مع تعدّد الواجهات المفتوحة وما يعتبره بعض الملاحظين إصرار على خلق الأعداء، ولهذا، فإن الدولة الصغيرة والغنية ترى في المغرب حليفًا عسكريًا يمكن التعويل عليه عند اللزوم.
من جهة أخرى، يبدو أن الحلف المصري – الاماراتي الذي مُني بهزيمة في علاقة بالمسألة الليبية خاصّة إثر التدخّل الحاسم للدبلوماسية الجزائرية بات يحتاج إلى عمليّة إنعاش، وبالنّظر إلى حجم الخلافات بين الجزائر والمغرب، قد يسهل نظريًا توريط الأخيرة في صراع المحاور الدائر في ليبيا وبهذا المعنى يمكن أن نقول إن العنوان الخفي لهذه الزّيارة قد يكون “رحلة البحث عن ظهير مغاربي نحو تثبيت الحضور في الدّاخل الليبي”.