يا حلاوة على النازية .. بقناع الاشتراكية
بالرغم من كل ما تم ذكره في المقال السابق إلا أننا إذا نظرنا نظرة متخصص غير مبالِ، نظرة عابرة سريعة على الأمر وفكرنا قليلاً.
هل تريد أن تنظر معي إلى حالة مشابهة لهذه المدينة، أُنشئت بالفعل وتعمل بكامل طاقتها اليوم! انظر إلى مدينة نصر، حقيقة أن مدينة نصر أنشئت لكي تكون عاصمة جديدة ليست معلومة شائعة، لكنها الحقيقة، قام بتصميم المدينة – التي كانت تدعى مدينة الثورة – المعماري سيد كريم، وعندما تم عرض فكرة المدينة في البداية كامتداد سكني للقاهرة يستهدف الطبقة المتوسطة، تم رفضه من قِبل البلدية والوزارات لأنه لا يتفق مع قيم الاشتراكية؛ فتم تعديل المخطط ليصبح مقترح لعاصمة جديدة بها بعض الوزارات واستاد ومركز للمؤتمرات.
يا بت يا اللي حمامك طار .. قومي اعمليله بنِّية
يمكننا أن نعرض مقارنة سريعة بين مدينة نصر وكابيتال سيتي، أُنشئت مدينة نصر كعاصمة جديدة قريبة من العاصمة القديمة، بهدف حل أزمة الإسكان والكثافة السكانية، ولتوفير مقر جديد للمصالح الحكومية بالإضافة إلى مناطق سكنية للموظفين الحكوميين، مع الاهتمام بتوفير وحدات سكنية رخيصة وأخرى للإيجار حتى تناسب كافة طوائف الشعب، وتجنبًا للملل والتكرار، فلن أسرد الأهداف المعلنة للعاصمة الجديدة حيث سأضطر لنسخ ولصق الأسطر السابقة كما هي، مع الفرق أننا الآن لا نحتاج لحل مشكلة الإسكان عن طريق بناء مشاريع إسكان جديدة، فلدينا بالفعل ما يقرب 750 ألف وحدة سكنية غير مسكونة في المدن الجديدة، وما يزيد عن مليون وحدة شاغرة في القاهرة الكبرى، وقرابة 7 ملايين وحدة في مصر كلها.
الوصول إلى مدينة نصر من داخل القاهرة يتم عن طريق محور صلاح سالم أو طريق النصر بشكل رئيسي، بينما سيكون الوصول للعاصمة الجديدة عبر طريق السويس أو من شارع التسعين من داخل القاهرة الجديدة، إذا أردت أن تتخيل طريق السويس مستقبلاً انظر فقط إلى صلاح سالم الآن، أما طريق التسعين فستحتاج إلى ميكروباص يوصلك إليه بدلاً من أن تعمل خيالك، فالوضع الحالي لا يحتاج الكثير من التكهنات بالمستقبل، أما من خارج المدينة فيمكنك استخدام الطريق الدائري، وهو ما لا يختلف كثيرًا عن العاصمة الجديدة حيث ستستخدم الطريق الدائري الإقليمي، هناك عنصر آخر أحب أن أشير إليه وهو أن مدينة نصر سميت تيمنًا بالقائد الملهم عبد الناصر، أما في حال capital city، التي سنعلم اسمها من القانون المزمع إصداره والذي يحدد الكيان القانوني لها، فنرجو من الله ألا يظل capital city هو اسمها بسبب أن اختصاره “cc”! فتكون المحصلة النهائية أن لدينا مدينة عبد الناصر ومدينة السيسي.
إذا أردنا البحث عن عناصر الاختلاف بين المدينتين فسنجد عنصرين رئيسيين هما رأس المال المنوط به البناء؛ في الحالة الأولى كانت الحكومة، أما في الحالة الثانية فهي شركات متعددة الجنسيات ونصيب الحكومة من المشروعات في المدينة سيكون 24%، على حد زعم وزير الإسكان الدكتور مصطفي مدبولي، وهو ما يمثل فشلًا واضحًا للنخبة المتحكمة، ربما لو كانت هذه النخبة أقل رادءة واهتمت قليلاً بالحفاظ على المقومات المتاحة لها مثل “بحيرة البرلس” لاستطاعت الحصول على القليل من الأموال، بدلاً من أن تتبرع بالأرض فقط في مقابل نسبة ضئيلة من المشروعات، ثم تتحدث عن كرم الجانب الإماراتي الذي وافق على إعطائنا هذه النسبة رغم أنها في الأحوال المشابهة لا تزيد في المعتاد عن 20%، لكننا في النهاية نتحدث عن نخبة لا تملك مثقال ذرة من كبرياء، نخبة قبلت على نفسها من قبل أن تقيم مؤتمرًا صحفيًا تتحدث فيه عن تحويل فيروس الإيدز إلى كفته!
الاختلاف الثاني أن مدينة نصر خططت باستخدام نمط تخطيطي حديث في زمنها، التخطيط الشبكي الذي يحوى تجمعات سكنية خدمية عملاقة، أما كابيتال سيتى فنظرة واحدة على المخطط الذي تم عرضه تجعلك تتساءل بعض الأسئلة المشروعة بخصوص التخطيط؛ فعلى سبيل المثال، لم تم وضع المطار في منتصف المدينة! وأين حرمه! وأين المساحة الخاصة بالتوسعة في حال الاحتياج المستقبلي! كيف يتم بناء عمارات سكنية أمام سور المطار بالضبط! أين تخطيط أماكن انتظار السيارات الخاصة بالاستاد! كيف يفتح “باب” الاستاد على الشارع مباشرة هكذا! بوابة العمارة التي أسكن فيها حالها أفضل من ذلك! هذه الأسئلة غير مرتبطة بكون التصميم أولي أو نهائي، هذه أسئلة مرتبطة بتاريخ القاهرة التي يقوم “حلواني” ما بتخطيطها في كل مرة، ليستقبلها الجمهور بالحديث عن مدى “حلاوتها”، حيث فوجئت بالكثير من التعليقات على صور النموذج المعروض مرتبطه بأن اللون البنفسجى جميل للغاية مع الكثير من التمني أن يتم استخدامه في الحقيقة بالفعل!
عملتهاله سبع تدوار .. شبابيكها كلها بحرية .. رفرف ولا حط عليا
لكن في الحقيقة إذا أردنا النظر بجدية إلى الاحتمالات التي قد تكونها هذه المدينة في المستقبل، فنحن نذهب إلى احتمالين لا ثالث لهما: أن هذه المدينة هى مجرد فرقعة إعلامية ذات مستوى أعلى كثيرًا من مستوى مشروع الكفتة الطبي، وهو أمر ممكن جدًا، على الرغم من الشراكة مع شركات متعددة الجنسيات، وحادثة فشل العقود مع الشركات الأجنبية ليست الأولى في مصر، فليس ببعيد فشل مشروع المليون وحدة سكنية، والذي للسخرية تم الإعلان عنه في جريدة الأهرام بصور من الحى الأول من مشروع مدينتي، وهو الأمر المثير للسخرية أن تلجأ الحكومة إلى صور لمشاريع خاصة كي تسوق لمشاريعها الحكومية، ولكن من ناحية أخرى فشقق النخبة في مدينتي – المدينة العالمية على أرض مصرية – تشبه مساكن الشباب التي تُنشئها الحكومة!
أو أنها – وهو ما أميل إليه بشكل شخصي – ملتقى إداري للنخبة الحاكمة بعيدًا عن هؤلاء الغوغاء في العاصمة المركزية، لا تتوقع انتقال مجمع التحرير إلى العاصمة الجديدة ليقوم كل راغب في الحصول على شهادة تحركات بالذهاب إلى كابيتال سيتي، ستظل المصالح الحكومية اليومية، التي تتحرك بالقصور الذاتي، في أماكنها تعمل كما هي وما سيحدث فقط هو إنشاء مقر جديد لأماكن مثل البورصة! مقار الشركات العقارية الكبيرة، شركات البنية التحتية التي يجري بيع البنية التحتية لها على قدم وساق منذ أواخر عهد حسني مبارك، وهكذا.
يجب أن تتذكر جيدًا أن التصريحات المتضاربة حول دور المدينة من قبل الاستشاري والعميل والمقاول، عناصر المشروع الثلاثة الرئيسيين، تتراوح بين عاصمة إدارية أو امتداد للعاصمة القديمة أو مركز إداري للمال والأعمال، النخبة التي تحتقر المجال العام قامت بإنشاء تجمعات سكنية مسورة خارج نطاق القاهرة، وتحتاج ألا تضطر للذهاب إلى القاهرة المركزية! هذه النخبة تريد مكانًا يليق بها تذهب إليه بعيدًا عن صخب العامة يديرون فيه شؤونهم الخاصة وليس شؤون المجتمع، وقد أكدت وجهة نظري آخر تصريحات وزير الإسكان حيث قال “يجب أن يكون هناك توضيح مهم خاص بمشروع العاصمة الإدارية الجديدة، هو أن الأمر ليس نقلًا للعاصمة الحالية، فالمكان المقترح داخل النطاق الإدارى والجغرافي للقاهرة، ومجرد إنشاء مركز إدارى جديد للمال والأعمال، بهدف استعادة ريادة العاصمة إقليميًا وعالميًا، مع تهيئة المناخ الثقافي والسياحى للقاهرة التاريخية، ومحافظة القاهرة لن تدير المركز الإدارى الجديد، بل سيكون مستقلًا وله جميع السلطات”.
لكن تذكر أيضًا، هذه النخبة التي تحتقر المجال العام، وتقوم بمحاولة لإنشاء مقر لها كي تدير فيه أعمالها بعيدًا عن العوام، تواجهها مشكلة جوهرية تحول دون حدوث هذا وهي أن هذه النخبة رديئة، هذه النخبة حطمت كل ما يمكنها أن تحصل منه على المال اللازم لكي تفعل ما يحلو لها وقررت اللجوء إلى التسول، هذه النخبة فشلت أن تقيم مجتمعات عمرانية سكنية مغلقة ذات مستوى يليق بما يتكلفونه للحصول عليها، لذلك لايمكننا أن نتوقع أن مشروعًا بهذا الحجم يمكن أن يكتب له النجاح أبدًا!