ذكرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” المعنية بحقوق الإنسان في تقرير لها نشرته أمس، أن السلطات السعودية أجرت حملة ممنهجة لاحتجاز وترحيل مئات الآلاف من العمال الوافدين غير المسجلين قانونيًا هناك، وأثناء هذه الإجراءات تعرض هؤلاء العمال إلى العديد من الانتهاكات بحق الكثيرين منهم، بحسب ما وثقته المنظمة.
هذا وقد وصف بعض العمال للمنظمة التي تلقت شهادات منهم عمليات الضرب والاحتجاز التي تعرضوا لها أثناء ترحيلهم في ظروف صعبة للغاية، إذ وصل الأمر بالبعض إلى كونهم عاجزين عن شراء الأطعمة أو دفع أجور المواصلات التي تنقلهم إلى مناطقهم الأصلية في بلادهم، وذلك بسبب تعسف السلطات السعودية في مصادرة كل ما يملكونه من أمتعة ومتعلقات شخصية حسبما أورد تقرير المنظمة.
هذه الحملة السعودية على العمالة الوافدة بدأت أواخر عام 2013، حيث قامت سلطات العمل السعودية بشن حملات على أماكن تواجد العمال الوافدين غير الموثقين لديها ومن ثم احتجازهم تمهيدًا لترحيلهم، جاء هذا في أعقاب تعديل قانون العمل السعودي الذي أعطى السلطات السعودية الحق في اعتقال ومن ثم ترحيل أي عامل لا يعمل لدى كفيل محدد، وهو ما شرعت الشرطة السعودية تنفيذه بشن تفتيشات دورية على العمال الأجانب لضبط المخالفين منهم دون مراعاة لأي ظروف للعمال.
في حين صرحت مصادر أمنية سعودية، بأنهم سوف يبدأون بحملات أمنية جديدة لضبط العمالة الوافدة من المخالفين لنظام الإقامة والعمل في المملكة على ثلاث مراحل، حيث نشرت الصحف السعودية أن المرحلة الأولى سوف تستهدف تجمعات العمالة الوافدة في الطرق خارج الأحياء، حيث تجمع عديد من المخالفين، وهم عمال يعملون بنظام الأجر اليومي في المقاولات.
بينما تستهدف المرحلة الثانية من الحملات ضبط المخالفين من العمال لنظام الإقامة والعمل من داخل المواقع التي يعملون فيها، سواء في الشركات أو المؤسسات أو المحال التجارية بشكلٍ عام، وذلك من خلال الفرق الأمنية الميدانية التي ستعمل على ضبط العمال الوافدين في المواقع التي يعملون بها.
وستركز المرحلة الثالثة من الحملات، على مداهمة المنازل والمواقع التي يسكن بها العمال الأجانب للبحث عن المخالفين، وذلك من خلال تحريات الجهات الأمنية عن تلك المساكن، سواء في الأحياء العشوائية أو الاستراحات خارج المدينة أو غيرها من المواقع، التي من الممكن أن يتخذها العمال سكنًا لهم بعيدًا عن أعين الجهات الأمنية.
هذه الحملات منذ أن بدأت أدت إلى احتجاز أكثر من20 ألف عامل، كما تستمر هذه المراحل في التنفيذ، في حين أكد مسؤولو وزارة الداخلية السعودية في شهر إبريل من العام 2014 أنهم رحلوا قرابة 500 ألف أجنبي غير موثق على مدار الشهور الستة السابقة لذلك التاريخ، وفي نهاية العام نفسه احتجزت السلطات السعودية أكثر من مائة ألف عامل وافد في أرجاء البلاد ورحلت قرابة هذا العدد على مدار الأشهر السابقة، دون مراعاة أن هذه الإعادة القسرية إلى بلادهم قد تشكل خطرًا عليهم.
أكدت ” سارة ليا ويتسن”، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة هيومن رايتس ووتش هذا الأمر، إذ قالت أنه تمت إعادة آلالاف من العمالة الوافدة من بين مئات الآلاف من الوافدين في السعودية، بعد أن رحلتهم السلطات السعودية خلال الأعوام الماضية دون مراعاة ترحليهم إلى أماكن تتعرض فيها سلامتهم للتهديد.
وأضافت “ويتسن” أنه على السعودية أن تتعامل مع جميع الوافدين باحترام وكرامة أكثر من ذلك، بغض النظر عن وضعهم، كما دعت السلطات السعودية أن توفر عملية قانونية نزيهة تشمل الحق في الطعن على ترحيلهم، أو دمجهم في نظام قانوني يسمح لهم توفيق أوضاعهم القانونية داخل البلاد.
في حين أن العمالة الوافدة في السعودية تقول أنهم اعتبروا مخالفين للقانون عندما غيروا من وظائفهم دون علم الكفيل، حيث أنهم اضطروا للفرار من أعمال الكفيل بعد قسوة ظروف العمل والذهاب لالتماس عمل بديل بعيدًا عن الكفيل، وبموجب نظام الكفالة السعودي، لا يحق لمعظم العمال الوافدين تغيير الوظائف أو مغادرة البلاد بدون موافقة صاحب عملهم، مما يتركهم معرضين للاستغلال والإساءة.
لم تكتفي السلطات السعودية باعتقال العمالة الوافدة فحسب، بل وردت شهادات على لسان بعض العمال تؤكد أنهم لم يحصلوا على طعام ولا رعاية كافية من السلطات السعودية طوال فترة الاحتجاز، كما أشار آخرين إلى أن هناك حالات اعتداءات بالضرب وقعت من الأمن السعودي عليهم، فيما وضع آخرون داخل السجون السعودية في ظروف سيئة للغاية، منعوا خلال هذه الفترات من الاتصال بذويهم، وتعرض بعضهم للإيذاء جراء رفضهم معاملة بعض حراس السجن المهينة.
على جانبٍ آخر، أشار متابعون سعوديون أن هذا الأمر لن يعود على المملكة بالنفع، حيث قالت اللجنة الوطنية للمقاولات السعودية، إن قطاع المقاولات قد يتأثر تأثرًا بالغًا بالحملات على العمالة الوافدة، إذ إن شركات المقاولات تعتمد بشكل كبير على العمالة المستأجرة في تنفيذ مشاريعها وهي نوعية العمالة الذي يطاردها الأمن السعودي في شوارع المملمة حاليًا.