نشر موقع نافذة مصر التابع لجماعة الإخوان المسلمين مقالاً في غاية الأهمية للقيادي بالجماعة الدكتور محمود غزلان تحت عنوان “دعوتنا باقية وثورتنا مستمرة”، المقال الذي أعاد القيادي بالجماعة إلى الواجهة مرة أخرى والتي كان قد غاب عنها منذ إبعاده عن منصب المتحدث الرسمي باسم الجماعة، من المتوقع أن يشغل حديث الأوساط الرافضة للانقلاب العسكري خلال الأيام القادمة لعدة أسباب سنذكرها ﻻحقًا.
تناول الدكتور غزلان في مقاله ما أطلق عليه ثوابت الإخوان المسلمين وذكر منها: ضرورة العمل الجماعي، التربية منهجنا في التغيير، السلمية ونبذ العنف سبيلنا، الالتزام بالشورى ورفض الاستبداد والفردية، ورفض التكفير، ودعا إلى الالتزام بهذه الثوابت في وقت المحن كما في وقت الرخاء، نافيًا أن تكون أي منها هو سبب محنة الجماعة الحالية وما تعرضت له منذ عزل مرسي .
القيادي أكد على أهمية الالتزام بالسلمية واعتبر أن الانجرار إلى العنف هو ما يريده العسكر وأن النضال الشعبي السلمي هو السبيل الأصعب ولكنه الأجدى والأنجح لإسقاط النظام، قاطعًا بذلك المجال أمام من يراهنون على لجوء الجماعة إلى العنف أو الثورة المسلحة كرد على أحكام الإعدامات التي طالت الرئيس مرسي وقيادات الحركة وعلى رأسهم الدكتور محمد بديع المرشد العام للجماعة والتي تم بالفعل تنفيذ عدد منها بحق رافضين للانقلاب.
الكاتب دلل على صواب تلك الرؤية بتجارب الجزائر في التسعينات وحماة في الثمانينات واعتبارهما دليلاً على فشل المسار المسلح في مواجهة تلك الأنظمة العسكرية، كما أشار إلى نجاح الثورات الشعبية مثل الثورة الإيرانية ضد الشاه والثورة الرومانية ضد تشاوشيسكو واعتبارهما نموذجًا يحتذى به، وإن كان هذا الاستدلال تناسى نجاح تجارب ثورات مسلحة وفشل تجارب ثورات سلمية عديدة، كما أنكر القيادي الاتهامات التي تشير لتورط الإخوان في أي أعمال عنف عبر تاريخ الجماعة واستشهد بمقولة الإمام حسن البنا “ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين” ضد من اُتهموا بقتل النقراشي.
من المتوقع أن يقابل المقال بهجوم ونقد لاذع من شباب الجماعة والشباب الإسلامي بصفة عامة الذي تظاهر بسلمية فلم يحصد سوى القتل والاعتقال، وبينما تزداد معاناته يومًا بعد الآخر، فهو يعتقد أن قيادات الحركة خاصة كبار السن منهم في معزل عن موقع الأحداث ويديرون الأمور بعقلية تسببت في وقوع الانقلاب؛ وعليه فمن كان سببًا في المشكلة لن يكون جزءًا من الحل.
يتبقى أن نعرف إلى من يتوجه الكاتب بهذا المقال؛ هل إلى الصف الثوري بغية انضباط حركته على مقياس السلمية؟ أم إلى المجتمع بهدف التأكيد على نهج الإخوان القريب منه؟ أم إلى الخارج بغية إرضائه كما سيقول البعض؟ في كل الحالات أرى أن الدكتور غزلان مؤمن تمامًا بما كتبه رغم كل ما مر ويمر به هو وذويه من تبعات الانقلاب وآخرها منذ أيام قليلة حيث اعتقل نجله يحيى غزلان من مظاهرة جامعة القاهرة التي استشهد على إثرها الطالب أنس المهدي، سيعتبر البعض ذلك بأنه ليس سوى سذاجة منقطة النظير وأن العقلية التي تفكر هكذا يمكن لها أن تنجح في مسار إصلاحي ﻻ أن تقود ثورة ضد نظام عسكري، وسيعتبر البعض الآخر ذلك ثباتًا على المبادئ رغم المحن، وبين هذا وذاك سيظل الاختلاف قائمًا.
هذا المقال تكمن أهميته فى عدة نقاط ، أولها أنه صادر من قيادة فى الصف الاول لحركة الاخوان المسلمين ، ثانيها توقيت نشره حيث تم نشره بعد الحكم باعدام الرئيس مرسى وقيادات الجماعة ، لكن أهم ما فى المقال هو تأكيده على مسار الجماعة فى المرحلة القادمة وأنها ستكون استمرار العمل مع المجتمع والحراك المعارض والسعى المستمر لبناء حالة اصطفاف ثورى حتى الوصول لمرحلة تكون فيها حركة الثورة قادرة على صياغة رؤية بديلة لما بعد اسقاط النظام وقادرة على تحقيق تلك الرؤية ، وبالتالى فالمقال قطع السبيل أمام لجوء الحركة الى الثورة المسلحة أو الانجرار للعنف كما أشار الكاتب.