في تحقيق استقصائي أجرته وكالة رويترز للأنباء، تبين أن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، آية الله علي خامنئي، يتحكم في إمبراطورية مالية ضخمة تقدر بقرابة 100 مليار دولار، جمع بعضها من خلال بيع وافتكاك عقارات باسم “الثورة”، وبعضها الآخر من خلال أرباح يجنيها من شركات مغمورة أسست بغاية مساعدة المحتاجين، وأصبحت الآن تدير استثمارات هائلة بعشرات المليارات من الدولارات.
باري وحدة الحق، إحدى المتضررات من المرسوم الذي أصدره آية الله الخميني سنة 1989 والذي يتيح لهيئة تدعى “هيئة تنفيذ أوامر الإمام” أن تقوم بمصادرة العقارات التي هجرها مالكوها في سنوات الفوضى التي أعقبت الثورة الإيرانية، وهي –أي باري- تحتفظ إلى الآن بنسخة من أمر قضائي استصدرته عليه هذه الهيئة للاستيلاء على ثلاثة شقق سكنية كانت قد أعدتها لأبنائها الثلاثة، وأمر آخر يطالبها بدفع الإيجار عن الشقة الرابعة التي كانت تقيم فيها في ذاك الوقت.
وليست باري وحدة الحق المتضررة الوحيدة من هيئة تنفيذ أوامر الإمام، وتسمى “ستاد”، فالهيئة تحولت خلال سنوات إلى واحدة من أقوى الهيئات في إيران، من خلال مصادرتها لمئات العقارات والأراضي والشركات، بحجة تحويلها لفائدة الفقراء والمساكين، وذلك قبل أن تتحول في السنوات الست الأخيرة إلى إخطبوط تجاري عملاق يمتلك حصصا في كل قطاعات الاقتصاد الإيراني، دون استثناء.
ورغم اعتماد رويترز على التصريحات المالية لمسؤولي الهيئة وبيانات من سوق طهران للأوراق المالية ومواقع على الانترنت ومعلومات أخرى من وزارة الخزانة الأمريكية، فإنها لم تتمكن من حصر القيمة الإجمالية لستاد، وذلك بسبب عدم تمكن رويترز من حصر الحسابات السرية للهيئة، ولكن المعلومات التي وصلت إليها رويترز تثبت أن القيمة الإجمالية للهيئة لا تقل عن 95 مليار دولار، ما بين عقارات وحصص في شركات وأصول أخرى.
وكل هذه الامبراطورية، التي حصدتها هيئة “تنفيذ أوامر الإمام”، والتي تفوق ميزانيتها أضعاف ميزانيات دول أخرى، تقع تحت سيطرة رجل واحد، وهو الرجل الأكثر نفوذا في إيران، وصاحب السلطة المطلقة في إيران، وخليفة آية الله الخميني، آية الله خامنئي.
تقرير رويترز، الذي استغرق إعداده ستة أشهر، وثق بالأدلة والشهادات المصادر التي اعتمدت عليها الهيئة لتكوين إمبراطوريتها، حيث أثبت التقرير أن ستاد اعتمد على الاستيلاء الممنهج على ممتلكات الأقليات الدينية في إيران، من سنة وبهائيين وغيرهم، بالإضافة إلى ممتلكات أصحاب أعمال وشيعة مقيمين في الخارج، وهو ذات الأسلوب الذي اعتمده سابقا شاه إيران والعائلة المالكة قبل الثورة في تكوين مملكتهم.
ووصل التحقيق أيضا، إلى إثباتات تؤكد أن الهيئة ادعت زورا، في كثير من الحالات، بأن العقارات التي ترغب في الحصول عليها مهجورة، رغم علمها وعلم القضاء بأن تلك المباني آهلة، كما سجل التقرير حالات أخرى يضطر فيها أصحاب العقارات إلى شراء عقاراتهم من عند الهيئة، إما مباشرة، أو عبر المزادات العلنية التي تعقدها الهيئة لبيع العقارات المصادرة.
وبفضل هذه الإمبراطورية المحصنة والعصي عن الطعن من أي جهة أخرى، والخاضعة بصفة مطلقة لآية الله خامنئي، أصبح لخامنئي من السلطة ما لم يكن لسلفه ومؤسس الجمهورية آية الله الخميني، فالقوة الاقتصادية التي تحضا بها ستاد تمكن خامنئي من الاستقلال بالكامل عن بقية مؤسسة الدولة وميزانيتها، وبالتالي تمكنه من الترفع عن الدخول في صراعات سياسية.
وعندما أمر الخميني بإنشاء ستاد، كان من المفترض أن تقتصر على إدارة العقارات “التي لا مالك لها” وبيعها وتوجيه جانب كبير من العوائد إلى الأنشطة الخيرية، وكان المفترض أن تستخدم ستاد المال في مساعدة قدامى المحاربين وأرامل الحرب و”المستضعفين”، كما أكد أحد مؤسسي ستاد بأنه كان مقررا لها أن تعمل مدة لا تزيد على العامين.
أحد رجال الأعمال الإيرانيين يقيم الآن في الخارج، وطلب عدم الإفصاح عن اسمه لأنه ما زال يزور إيران، قال أنه حاول قبل عامين بيع قطعة أرض قرب طهران تملكها أسرته منذ أمد طويل، إلا أنه فوجئ بأن السلطات المحلية تطالبه لإحضار “خطاب عدم ممانعة” من ستاد، وعندما ذهب إلى مكتب ستاد المحلي طلب منه دفع عدة مئات من الدولارات رشوة للموظفين كي يعثروا على ملفه ويعجلوا العملية، وعند رفضه، أعلموه بأن عليه أن يدفع رسوما مقابل قيام ستاد بتوفير “الحماية” لأرض أسرته من واضعي اليد على مدى عشرات السنين، وقدرت الرسوم بما بين 2 و2.5 في المائة من قيمة العقار عن كل سنة.
ورغم قيام الهيئة بإنشاء مدارس وطرق وعيادات صحية، ورغم توفيرها للكهرباء والماء في المناطق الريفية والفقيرة، بالإضافة إلى مساعدتها لأصحاب مشروعات التنمية، فإن هذه الأعمال مجرد جزء يسير من أعمالها الإجمالية، رغم أنها أسس للقيام بها.
وبفضل ستاد، أصبح لرجل الدين، آية الله خامنئي، مكتب خاص به يسمى مقر السلطة العليا في إيران أو “دار الزعيم”، يعمل فيه زهاء 500 شخص في مكاتبه الإدارية كثير منهم يستقدمون من الجيش وأجهزة الأمن، يعملون باستقلالية تامة بغاية ترتيب الشؤون الإدارية لخامنئي.
وفي عام 2008 اعتمد البرلمان الإيراني قانونا يحظر عليه ممارسة الرقابة على الهيئات التي يسيطر عليها خامنئي بما في ذلك ستاد، وبالتالي لم يعد بإمكان أي سلطة في إيران، بما في ذلك السلطة التشريعية، أن تطلع على أو تراجع الحسابات الخاصة بستاد، وليبقى المصدر الرسمي الوحيد لمعرفة قيمة ستاد، هو تصريح لرئيس إدارة العقارات في ستاد في عام 2008، قال فيه أن قيمة ممتلكات الإدارة تقرب من 52 مليار دولار.