العديد من المعارك يخوضها نظام الأسد المتهاوي، المعركة الأوضح فيها هي معركته على الأرض مع الثوار السوريين الذين يخاطبهم بالسلاح الروسي والخبراء الإيرانيين ومقاتلي حزب الله، لكن ماذا عن معاركه الأخرى، ماذا عن صورة بشار الأسد في الغرب، ما الذي يدفع بوتين وهو على رأس الدب الروسي الجريح أن يكتب في أكبر صحف العالم مدافعا عن نظام الأسد ومنافحا عنه؟
الحقيقة أن بشار الأسد يحارب الغرب بسلاحه، الإعلام والعلاقات العامة. العديد من الشركات والأشخاص يستعين بهم الأسد لمخاطبة الغرب والتسويق له، وقد نجح بالفعل في بعض معاركه، التي لم يكن أولها ولا آخرها إيقاف الضربة الأمريكية بعد أن قتل أكثر من ١٨٠٠ شخص بهجوم كيماوي على ريف دمشق في أغسطس الماضي.
العلاقات العامة والتأثير على الرأي العام في أوقات الأزمات أصبح بمثل أهمية، وربما ذي أهمية أكبر، من الحسم العسكري على الأرض. لكن ما هي الأوراق التي يستخدمها الأسد في صراعه مع الغرب، ومن هم عملاءه المخلصون، للدولار وليس لعيون الأسد، الذين يخوضون معركته نيابة عنه؟
في مارس ٢٠١١ وبعد القمع الوحشي الذي واجه به نظام الأسد الاحتجاجات السلمية التي كانت قد اندلعت على استحياء في مناطق متفرقة من بلاده، قامت مجلة vogue الأمريكية بنشر مقال من ٣٢٠٠ كلمة وصورة على الغلاف لأسماء الأسد، قد تبدو المشكلة هنا مشكلة توقيت سيء فحسب، إلا أن الدلائل حينها أشارت أن هذا هو الأسلوب الذي يتبعه الأسد وعائلته في تسويق أنفسهم، وأن الشركات التي استعان بها الأسد قبل سنوات من الربيع العربي، استطاع الأسد استغلالها بشكل جيد للغاية في معاركه اللاحقة.
فقد كُشف أن مقال المجلة الأمريكية الذي وصف أسماء الأسد أنها “زهرة في قلب الصحراء” كان نتاج حملة من العلاقات العامة بدأت منذ نوفمبر ٢٠١٠ تعاقدت فيها عقيلة الأسد على دفع خمسة آلاف دولار شهريا لشركة براون لويد جيمس الأمريكية للعلاقات العامة لكي تظهر على غلاف المجلة الأمريكية، التي طالما ما أظهر الأسد عداوته لبلادها.
المجلة الأمريكية وصفت أسماء بأنها “الأكثر تألقا” بين النساء الأول كما أنها “الأكثر جاذبية”.
رئيسة تحرير المجلة انتظرت أكثر من عام، وأكثر من عشرة آلاف قتيل سوري، وفي منتصف ٢٠١٢، تبرأت من أسماء الأسد.
لكن هذا الأسلوب من الأسد، وزوجته، في تجاهل مشكلات بلاده التي تغرق في التوتر الطائفي والفساد والفقر والبطالة، والعمل على تحسين صورته، بدأ في العام ٢٠٠٦ عندما أعلنت لورا بوش، عن إنشائها نادي “النساء الأُوٓل” بحيث تنضم إليه زوجات الرؤساء من المتميزات، وحينها ظهرت أسماء الأسد لأول مرة في حملات العلاقات العامة حينما تعاقدت مع الشركة البريطانية بيل بوتينغر، للعمل على ضمها لذلك النادي.
وبعد سنوات من ذلك، وفي حملة علاقات عامة أخرى، في فرنسا هذه المرة، وصفت أكبر مجلة في أوروبا”باريس ماتش” زوجة الأسد بأنها “عنصر الضوء في عالم مليء ببقع الظلام”
في حملات علاقاته العامة، يحاول الأسد أن يظهر كرب الأسرة، ليست فقط الزوجة المهتمة بأسرتها والمجتمع هو ما يقدمه للعالم، وإنما أيضا الابن الذكي الذي يعي ما يدور حوله، وكما نشرنا سابقا في نون بوست، حافظ الأسد الابن يستخدم فيس بوك ويتوعد أمريكا، فقد استخدم ابن بشار الأسد فيس بوك ليعبر عن آراءه، يعبر عنها بالإنجليزية كي يتأكد من أن رسالته قد وصلت.
وقال حافظ الأسد الابن في حسابه “ربما يمتلكون أسلحة ودبابات وطائرات أقوى .. لكن جنود؟ ليس هناك جنود في العالم مثل من لدينا في سوريا” وتابع “لهؤلاء الذين يقولون أن الجيش السوري سينتهي عندما تهاجم الولايات المتحدة، أقول أنه عندما تهاجم الولايات المتحدة لن تهاجم الجيش فقط، بل ستهاجم من معها ومن ضدها، ستهاجم (الإرهابيين) والجيش.
وأنهى الأسد الابن تدوينته التي كتبها بالإنجليزية بالقول “أريدهم أن يهاجمونا قريبا، ليدركوا أنهم بدأوا شيئا لا يعلمون نهايته، مثلما هزم حزب الله اسرائيل والناتو، هزمهم بماذا؟ فقط مجموعة محاربي شوارع وصواريخ صغيرة وحفنة بنادق، لكنهم آمنوا بأنفسهم وببلادهم، وهذا بالضبط ما سيحدث إن قررت أمريكا الغزو”
كتبت نيويورك تايمز عن الأمر، والعديد من الجرائد الأخرى، وظهرت عائلة الأسد في المشهد مرة أخرى.
ديفيد رودس، رئيس سي بي أس نيوز، قال في تصريحات قرابة شهرين إن فريق الأسد الإعلامي صغير، يتميز بالولاء، ومتمركز محليًا. وأضاف: “اذا كنت ترغب في مقابلة صحفية مع الأسد، فإن الأمر ليس سهلًا كطلب موعد من هوارد روبنشتاين”، مشيرًا إلى رجل العلاقات العامة الشهير.
وعلى الرغم من أنها مستشارة الأسد الإعلامية، يقول الكثير من الصحافيين الغربيين إنه كان من المستحيل الوصول إلى بثينة شعبان والتواصل معها منذ أن اندلعت الانتفاضة السورية في أوائل العام ٢٠١١
فإلى جانب الأسد مستشارتان إعلاميتان، هما بثينة شعبان ولونا شبل، وهما تحددان أي وسيلة إعلامية دولية تحظى بفرصة لقاء الديكتاتور.
أما اكبر نجاحات الأسد في علاقاته العامة حتى الآن فكانت تلك التي تلت هجومه الوحشي بالسلاح الكيماوي في ٢١ أغسطس الماضي والذي أدى لمقتل أكثر من ١٨٠٠ شخص من المدنيين معظمهم من الأطفال، فعبر السماح لتشارلي روز من سي بي إس الأمريكية بعقد مقابلة معه في التاسع من سبتمبر، بعد أن تواصلت معه لونا الشبل، المذيعة السابقة في قناة الجزيرة، بدا الأسد هادئا وواثقا للغاية، واستطاع أن يوصل رسالة للغرب بإيماءات جسده تقول أنه ليس متعطشا للدماء، كما أنه ليس في معركة ضد شعبه، كان يتحدث كمن ام يرتكب مذبحة قبل ثلاثة أسابيع من ذلك التوقيت.
الحكومة السورية حسبتها بشكل صحيح، فالجلوس في مقابلة أمام روز خطوة سينظر إليها على أنها ذات مصداقية وستحظى باهتمام عالمي.
وقال جيف فاغر الذي رافق تشارلي روز إنه خرج ذلك اليوم بانطباع بأن المستشارة لونا شبل لاعب خطير، وهي تتحدث مع الأسد مرات عدة في اليوم. لم تستجب شعبان وشبل للطلبات المتكررة الاسبوع الذي تلى الهجوم الكيماوي لإجراء مقابلات مع الأسد.
الحملة بدت كسيمفونية يعزف فيها بجواره الرئيس الروسي، الذي نشر لاحقا بعدها مقالا في النيويورك تايمز، ففي حين بدا الأسد عاطفيا حزينا وهو يقول “الحزن يجتاح سوريا الآن، لا يمكننا أن نشعر بشيء سوى بالحزن، بسبب القتل الذي يجري الآن”، حينها استخدم بوتين أسلوب التخويف مؤكدا أن “ضربة عسكرية من شأنها أن ترفع من وتيرة العنف، وأن تطلق موجة جديدة من الإرهاب” وتمادى بوتين فتابع “الضربة ستوقف من جهود التوصل لحل في برنامج إيران النووي، وستوقف الجهود الرامية لإحداث سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.”
بعد كل شيء، فاز الأسد في هذه المعركة، لكن الحرب لم تنته بعد.